أصدر مفتي المملكة العربية السعودية مؤخرا فتوى مفادها بأن ثورة الشعب المصري فتنة, وتضمنت الفتوى أيضا وصف وسائل الإعلام المتعاطفة معها بالمنحرفة.أولا الإخوة المصريون ليسوا بحاجة إلى فتوى من مفتي السعودية بوجود مؤسسة الأزهر الشريف وموقفها الواضح من الثورة.ولكن ما ينطبق على السياسة ينطبق أيضا على الفتاوى المسيسة , ويبدو بأن الفتوى المشار إليها تأتي في سياق الجهود الاستباقية , أي أنها موجهة بالأساس إلى الشعب السعودي , وتأتي أيضا متفقة مع الموقف الرسمي السعودي من تلك الثورة وثورة الشعب التونسي قبلها.
لن أدخل هنا بمناقشة مستفيضة حول تلك الفتوى , مع الإشارة إلى تقديم العديد من الفتاوى المناقضة لها قبلها,كفتوى الشيخ يوسف القرضاوي وبعدها من قبل العديد من المرجعيات الأخرى, فيما يشبه حرب فتاوى أطلقتها فتوى مفتي السعودية, ولكنني سأشير إلى مجموعة من النقاط التي تعد بديهيات شرعية وسياسية مثلت الفتوى المشار إليها تجاهلا لها.
أولا, إن غالبية الأنظمة العربية إن لم يكن جميعها لا تصف نفسها بأنها أنظمة إسلامية , ويصل الحاكم إلى كرسي الحكم عبر اختيار شخص واحد هو الرئيس الذي يقوم بتعيين نائبه أو الانقلاب على رئيس سابق أو اختيار صاحب العرش لولي عرشه من بعده. ولا مكان في عملية الاختيار لإرادة الشعوب عبر تطبيق مفهوم الشورى الإسلامي , أو مقابلها السياسي المتمثل بالديمقراطية, أو مفهوم البيعة واللذين يترتب عليهما عدم شرعية الخروج على الحاكم في الإسلام.
ثانيا, أن السياسة الشرعية تقوم على تحقيق المصلحة ودرء المفاسد , فان كانت المصلحة العامة تتحقق بعزل الرئيس أو خلعه ويتحقق بذلك درء المفاسد المرتبطة بنظامه , وهذين الشرطين متحققان في حالة النظام المصري والعديد من الأنظمة العربية الأخرى , يصبح من الأولى عزل تلك الأنظمة وخلعها والخروج عليها.
الأنظمة العربية القائمة لا يمكن وصفها بأنها أنظمة إسلامية أو علمانية, بل يمكن وصفها بأنها أنظمة براغماتية قمعية تبعية , ترتدي اللبوس الإسلامي عندما يكون ذلك في مصلحتها وتخلعه وترتدي اللبوس العلماني لنفس الغاية في حالات ومناسبات أخرى.
وما تزال الأنظمة العربية تحاول احتكار وتوظيف الفتاوى الدينية كما تحتكر وسائل الإعلام المحلية الرسمية وتوظفها كأدوات سياسية كما كان الحال في العصور الوسطى لتسخير شعوبها ووأد تطلعاتها .ولكن العصر الحالي الذي شهد انطلاق وسائل إعلام بديلة ومؤسسات إفتاء بديلة يشهد حاليا انعداما غير مسبوق لثقة الموطن العربي بنخب الحكم القائمة وأدواتها الدينية والإعلامية مما يجعلنا نصف الفتوى التي أطلقها مفتي المملكة السعودية بأنها موجهة لمن لا يهمه الأمر وممن لا يعنيه الأمر.
التعليقات (0)