في الثلث الأخير من القرن الماضي , إشتدت حالة الصراع الإثني في بعض الدول , من أجل تعزيز المطالب لبعض القوميات المتواجدة على اراضي تلك الدول , هذا جاء متزامنا مع بروز أمريكا كقوة عظمى في نظر هذه القوميات ,بعد أن سعت الحركة ومن الجانب الآخر على البدأ بمرحلة جديدة من الصراع بين فكي كماشة القوة الدولية , أمريكا والإتحاد السوفياتي , مما عزز شعور تلك القوميات بأن النصر آت والدعم هان , ويمكن أن تقدم لها الدعم من أجل تحقيق احلامها في الإنفصال , أو على الأقل الحصول على الحكم الذاتي حاليا , وبعدها تأتي المرحلة اللاحقة من المطالب , على أن تكون مسرب من مسارب المشروع الأكبر لأمريكا الداعمة , وإلا سترفع اليد عنها وتجعلها تعيش تحت وطأة القمع من قبل السلطة المركزية على حد تعبيرها أو المفهوم الذي تتبجح , وخصوصا بعد أن تمركز مفهوم القطب الواحد في الوعي السياسي لسكان المعمورة .
ونسأل: لماذا و كيف وقعت الأنظمة الرسمية في فخ سياسي محبوك , ومكيدة سيسيولوجية عبأت لها الحركه كل أمكانياتها , لإعتبارات آيديولوجية مرتبطة بالمشروع الصهيوني العالمي , إبتداءا مبنية على فكرة , أرض إسراءيل الكبرى ؟, أما لماذا , فهو نتيجة الضغط الحركي بشقيه السياسي والعسكري , الذي مورس على السلطة المركزية, مما جعلها لاتتمكن من تحمل وطأتها , من حيث الخسائر بالمال والرجال , هذا من ناحية , من ناحية أخرى , أن جل هذه السلطات لايهمها الإنسان ولا الوطن , كل تفكيرها ينحصر بالكيفية التي تحكم بها , وتحقق مكاسب مالية كبيرة على حساب الشعوب ليس إلا , وأحد الحكام قال قولته المشهورة ( لو بقي واحد في البلد فانا الذي أحكمه ) , في ظل هذا النوع من التفكير, حتما سيكون الإهتمام بلم شمل الوطن والمواطن , آخر مايفكر به هذا الحاكم أو ذاك .
لنأخذ مثالا قريبا : الأكراد في شمال العراق , هؤلاء الناس لم يهدأ لهم بال ولم يراعوا حرمة الوطن , حيث أخذ الصراع بينهم والسلطة المركزية في بغداد أمدا طويلا , وأشكالا متعددة واطوارا متنوعة ,,,, هم من حيث ترتيبهم اللغوي فإنهم مختلفون جغرافيا , مثلا اللغة التي يتكلم بها سكان منطقة دهوك وملحقاتها , غير تلك التي في أربيل , وغير تلك التي في السليمانية وملحقاتها , أي أنهم مختلفون في كل الرقعة الجغرافية التي يتواجدون عليها , لغتا وملبسا وتقاليدا , لغة زاخو غير تلك التي في خانقين مثلا ,,,,, مع الأسف لم تنتبه الدولة لهذه الإختلافات وكانت تتعامل معهم على أساس انهم يشكلون كتلة واحدة , حتى بعد الحروب الطاحنة التي جرت بينهم , وراح ضحيتها الكثير منهم , وعلى أساس حزبي وسياسي , لذا حينما يأتي فصيلا منهم للتباحث مع السلطة يتبجح بالتخويل الذي أعطي له من بقية الفصائل , وهذا عين الكذب , المشكلة الأخرى تكمن في نوعية النظام الذي كان يحكم العراق آنذاك , وهو الحزب العنصري الشعوبي الواحد , ( حزب البعث؟ العربي ؟ الإشتراكي ؟ ) , لاندري بعث من , ولماذا عربي, وهناك الكثير من القوميات تتعايش مع العرب ,على أرض واحدة وتشترك معهم بالكثير من الأمور , وكيف هو إشتراكي مع وجود رأسمالية السلطة أولا, والآفات البرجوازية التي كانت نافذة في السلطة, مسخرة كل موارد الدولة لمصلحتها وقوميتها وطائفتها وعشيرتها , وهناك حالة مقيتة من الفقر والجوع عمت الغالبية من الشعب العراقي , ؟!!! هذه صورة قاتمة شجعت الحركة الصهيونية أن تلعب دورا كيديا في تأجيج الصراع ليأخذ شكلا جديدا , وهو التمرد العسكري على السلطة , وفعلا تمكن الأكراد من فرض مطالبهم , بل رفعوا من سقفها , فحينما كانوا يطالبون بالقليل من الحرية السياسية , ووجودهم في مراكز المحافظات , ونسبة 1% من واردات الدولة , أصبحت المطالب أكثر من ذلك بكثير , نتيجة الدعم المقدم لهم , وإشكالية النظام السياسي الحاكم في بغداد , مما أضطر السلطة المركزية من الإستجابة ولو على غير إقتناع , وهي الطامة الكبرى التي شكلت الفاصلة التي قصمت ظهر العراق الجيوسياسية , فضلا عن تشكل شعور قومي عنصري عند البعض , زاد من الإحتقان السياسي على الساحة العراقية , وبات الوضع مرشحا لكل التوقعات والباب مفتوحا على كل الإحتمالات , وهو إعلان السلطة الموافقة على إعطاء الأكراد الحكم الذاتي , وبيان نوعية الحكم وحدد شكل العلاقة التي ينبغي أن تكون بين المركز والدائرة الذاتية , وهذه هي البداية العصيبة في تأريخ العراق المعاصر , التي ادت الى تفكيكة لاحقا , واليوم نرى كيف خططت الحركة الصهيونية للوصول الى مآربها التي تريد ؟!!! وفصلت الشمال عن الدولة العراقية , وهي ماضية في مشروعها على مجمل الساحة العراقية , فشرعت بعد تعليق العراق على صليب ( الحرية والديمقراطية ) إلى إسقاط تجربتها على بقية مدنه , فكان قانون الفدرالية التي ضحكت به على الأحزاب العميلة لها , مستغلة بذلك الناقصية السياسية في وعي الشعب العراقي, أزاء الكثير من المفردات في العمل السياسي , وكذا الحال الى الساحة التركية والإيرانية والسورية , سنبحث هذا في مقال منفصل لاحقا .
لعبت أيضا لعبتها القذرة في المغرب العربي , فكانت الصحراء ( الغربية )( أو المغربية ) هي الورقة الأخرى التي تريد من خلالها زعزعة الأنظمة السياسية هناك, وخلق حالة من العداء بينها وتاجيج الإستعداء بين المسلمين في تلك الديار , مما إضطر القطر المغربي أن يرضخ للمطالب الصحراوية , بمنحهم الحكم الذاتي إذا هم ارادوا ذلك , لكن يبدو ان إخوتنا في الصحراء , ولا ندري لأي سبب يرفضون هذا النوع من العمل السياسي , في حين أن غيرهم قبل به , ومارسه وإشتغل على حالة الإنفصال لحين الفرصة الموآتية , حسب تفكيرهم هم , نقول للدولة المغربية : حذاري من الوقوع بنفس الفخ الذي وقع فيه العراق , ولابد من الدبلوماسية , والحنكة السياسية للتعامل مع هكذا حالات , ونتمنى كما كتبنا وتمنينا في السابق وفي عدة مقالات , على الدولة الجزائرية أن ترفع يدها عن دعم كل حركة إنفصالية تشت الأوطان وتبعثر القوى , وتجهض المشروع الأسلامي في الوحدة والتوحد , وعليها ان تنظر الى جيرانها الأوروبيين الذين هم أصلا من منابت وأصول متعددة و لكنهم توحدوا , ولو سياسيا , لشعورهم أن قوتهم بوحدتهم , بل لم يكتفوا بذلك, وراحوا الى الأبعد, من أجل ضمهم رغم العداء المتجذر في حاضرتهم, والذي لاينمحي بتقادم الزمن مطلقا , لكنهم ونتيجة لهواجسهم من المد الإسلامي الذاتي التوسع , هو السبب في توحدهم , فلماذا نحن نهرب الى الخلف, بتفتيت الأمة وضرب ناصيتها , مما يجعل الصهاينة فرحين من هذا الأمر ؟!
لعبت لعبتها مع اكبر دولة إسلامية في الجنوب الآسيوي , اندونيسيا , وفصلت عنها تيمور الشرقية , على إعتبار غالبية سكانها من المسيحيين , وخططت لخلق مشكلة كشمير بين الهند والباكستان , وهي في الصين من أجل دعم إقليم التبت وتحريضهم على الإنفصال عن وطنهم الأم , وهي مع التاميل في سريلانكا لتقدم لهم الدعم والمساندة , أيضا من أجل التمرد والإنفصال, هي في أوروبا الشرقية بعدد تفتت الإتحاد السوفياتي وإستقلال أكثر الجمهوريات عن النظام الشيوعي هناك , هي في آسيا الوسطى وبلاد القوقاز , لإثارة النعرات العنصرية والدينية , ساندة حركة التمرد في جزر القمر , لكنها بائت بالفشل الذريع , هي في الجزائر لدعم الطوارق والقبائل بحجة الإستقلالية الثقافية من لغة ونحو ذلك , هي في الصومال لشق جغرافيته, من أجل فتح الطريق أمام أثيوبيا للوصول الى البحر , هي في مصر للعب على وتر تأجيج الصراع بين المسلمين والأقباط , بحجة الحرية والتمثيل النيابي في مجلس الشعب , هي في لبنان , هي في سوريا لدعم المسلمين السنة من جهة , والأكراد من جهة ثانية , المسلمين السنة حجتها التهميش والإقصاء , والأكراد السبب معروف لانريد الإعادة , هي في الأردن للعب ورقة قديمة , فشلت فيها المرة السابقة ,أيام أيلول الأسود وما صاحبه من آثارمدمرة, وذلك للتنازلات التي قدمها النظام الأردني وقتها , وهي سحق الإنتفاضة الفلسطينية , ورغم التنازلات اللاحقة والحالية التي يقدمها هذا النظام الفاسد المستبد , لكن ما إستجد على الساحة الدولية من إيجاد وطن بديل للفلسطينيين الذين سيهجرون من فلسطين الأم وبقرار إسلامي ( عروبي ) هو الذي دفع الصهاينة من تأجيج الصراع من جديد , والضرب على وتر , أن الضفة الشرقية هي للفلسطينيين , والبدو لابد لهم الذهاب الى الجزيرة العربية , وهذه اللعبة هي عنصرية شعوبية طائفية قبلية , مع إختلافي الكبير لكيفية النظام السياسي في الأردن لكني ضد هذه اللعبة , بل نحذر منها لكي لاتتجاوز الحدود الى مابعدها .
نقول للأمة الإسلامية : عليكم بالوقوف صفا واحدا مع السودان, لئلا يضيع ويصبح لقمة سائغة بيد الصهاينة , إدخلوا على ملفه الشائك, من أجل أن تتفهموا الذي يدور هناك , والوقوف على الأسباب الحقيقية التي أدت الى هذا الصراع الدائر, والذي لانرى له نهاية , في المستقبل المنظور , وليس له وقت معلوم , ؟! نتائجة السلبية كبيرة, فرضياته محتملة , وممكن أن تكون واقعية , لأن المعطيات على الساحة دليل ذلك , لابد من الخطوات الجادة أزاء هذا الوضع المأساوي , أولها , عدم إيواء كل إنفصالي مهما تكن مصالحكم معه , هو بالنتيجة إنفصالي , ينفذ مشروع جهنمي تقسيمي , اليوم ضيف عندكم, وغدا عدو لكم , ونحذر القاهرة من إيوائها الإنفصاليين المتواجدين على أرضها ومن الدول المجاورة لها , ونقول أن الخلافات السياسية بينها وبين تلك الدول لايحل هكذا ,أي أنها تستعمل هؤلاء ورقة ضغط أو إبتزاز من اجل تحقيق مكاسب سياسية على حساب المبادئ والقيم الإسلامية التي تربطنا جميعا , بل لابد من الجلوس الى طاولة الحوار الحضاري من أجل الوصول الى علاقات اخوية مبنية على الإحترام المتبادل وعدم التدخل في الشأن الداخلي لكل منهم ,والنظر بعين واسعة للمصالح العليا للمسلمين , ونحذرهم من مشروع هو قيد الدرس الآن في اروقة ودهاليز الحركة الصهيونية , من أجل إيقاع الفتنة في مصر , وفي السعودية , نحن كتبنا عن هذا الأمر سابقا ونعيد تحذيرنا مرة أخرى لعل في ذلك فائدة , او يستمع للنداء من في رأسه غيرة وحمية إسلامية , ونتمنى على من هو مغرر بهم للسير في الركب الإمبريالي, أن يبتعد كي لايلعنه الله ورسوله والتأريخ والناس اجمعين , يوم لاينفع مال ولا بنون , وأن يرى بكلتا عينيه لإخوتنا في فلسطين الحبيبة ودون تمييز أو إستثناء , ويقدم لهم الدعم الذي فيه ومنه يمكن تحرير الأرض وإستعادة حقوقنا المشروعة في أرضنا ومقدساتنا .
الخاتمة ::::
كما رفضت وترفض كل الفصائل الفلسطينية , وعلى مختلف برامجها السياسية , في السابق ولحد الساعة , أي مشروع إنفصالي بين الضفة وغزة ( هذا لايعني إني مع الوجود الصهيوني على أرض فلسطين التأريخية , أو لاسمح الله أأويد الوضع الفلسطيني على ماهو عليه الآن ) بل أنا أقدم نموذجا بقدر تعلق الأمر بالموضوع والبحث المثار , هو لماذا الحكم الذاتي مرفوض , على إعتبار أن الصهاينة ومن منطلق انهم أصحاب الأرض , يقدمون مشروعا للفلسطينيين على إعتبارهم أقلية ولابد لهم من الحقوق التي تضمن لهم الحكم بانفسهم , ليس إلا , وأريد أن أسوق هذا الرفض لكي يكون مثالا يحتذى به من بقية الأطراف المعنية ببحثنا هذا, والإبتعاد عن عقلية الإنفصال أو التفكير بلعبة الحكم الذاتي , يتبين لنا أن مسألة الحكم الذاتي هي , أصلا خطوة إستباقية تتضمن مشروعا إنفصاليا أكيدا , وألاعيبه كثيرة , التغيير الديموغرافي , للمناطق المراد فصلها مثلا , عمليات التجنيس , صفقات الأراضي , التهجير القسري , حصر قومية أو طائفة معينة ضمن رقعة جغرافية واحدة , كلها تصب في النهاية في مشروع الإنفصال عن الوطن الأم , لهذا لابد أن نرفض أي دعوة ومن أي طرف مهما يكن تعاطفنا معه , لهذا المطلب الذي لايستفيد منه إلا العدو , لأنه في النهاية يفتت الأمة ويضعفها .
علي المطيري
1 / 7 / 2008
التعليقات (0)