لماذا لا نشتري بترول الجنوب؟
مصعب المشرّف
30 أبريل 2020م
في الوقت الذي تجاهد فيه وزارة المالية لتوفير النقد الأجنبي تارة والخضوع لشروط وإبتزازات السماسرة والفاسدين تارة أخرى ؛ في سبيل إستيراد إمدادات البلاد من البترول . فإن هناك تساؤل ينبغي إثارته يتعلق بجدوى قـصـر الإستيراد من الخارج وأعالي البحار فقط ، في الوقت الذي يعبر فيه بترول دولة جنوب السودان تجت أقدامنا حتى ميناء التصدير لدبنا .. وفي وجود مصفاة للبترول شمال الخرطوم.
لماذا لا نبحث مع دولة جنوب السودان خيار توقيع إتفاقية طويلة المدى لشراء بترولها حسب الأسعار العالمية وبالعملة الصعبة مع خصم رسوم عبور هذا البترول من حقول الإنتاج حتى موانيء التصدير؟
واقـع الأمـر ؛ أن إستيراد البترول من الخارج وأعالي البحار يستفيد منه فاسدون ومفسدون قليلون . وفي ركابهم شراكات نائمة الضمير مرتشية عديمة الأخلاق معوجة الملسلك تتكسب من المنصب العام . وترغب بالإستمرار في نهب موارد البلاد من العملات الصعبة وإيداعها بالخارج والمتاجرة بثروات هذا الشعب وإمتلاكها حصرياً على نفسها.
تركيز الشراء المباشر وبالدرجة الأولى من جوبا سيقلل كثيراً من تكلفة الإستيراد وشحن وتفريغ ونقل .. ويمكن التوافق مع حكومة جوبا على طريقة الدفع سواء داخل السودان أو خارجه .
وبالإمكان أيضا التوافق على نسبة من التبادل التجاري بين الدولتين يتم تسديدها بدولار حسابي . خاصة تلك السلع والحبوب التي يشكل توافرها مطلباً ماساً مثل الذرة البيضاء والصفراء و التمور بأنواعها.
العلاقات بين دولتي السودان الآن تشهد إنفراجاً منقطع النظير .. وقد أظهر شعب الجنوب خلال فعاليات ثورة ديسمبر 018 المجيدة مدى صدق المشاعر الإيجابية التي يكنها الجنوب لشقيقه الشمال . بل ولفتت الإنتباه إلى المدى الذي أخطأ فيه ساسة الشمال حين لم يدركوا أن علاقة تعاون مثمر بين ادولتين في الخرطوم شمالاً وجوبا جنوبا كان ينبغي تكريسها منذ زمن بدبلاً عن الإحتراب الذي إستمر عشرات السنوات دون جدوى.
تنمية التجارة بين دولتي السودان لاشك سيوسع الأسواق. ويمتد الأثر إلى فتح أسواق عديدة في العمق الأفريقي . وإنفراج وإنسياب للسلع والمنتجات ؛ ربما يتطور لاحقاً إلى تكتل سوق إقليمية مشتركة راسخة على غرار السوق الأوروبية المشتركة لا تتأثر بالخلافات السياسية بين دول القارة المتجاورة أو القارة أجمع.
لقد ظل سيلفاكير ميارديت يحلم طوال فترة رئاسته ليلاده وإلى يومنا هذا .. ظل يحلم بفتح الحدود بين البلدين للتجارة البينية . وقال بالحرف الواحد في إفتتاحه مباحثات سلام السودان . أنه يتمنى أن تتلاشى الحدود بين البلدين وتعود شاحنات "البلح" من الشمالية إلى جوبا مباشرة دون حائل.
ولاشك أن المواطن في كلا البلدين الشمال والجنوب قد تجاوز اليوم بعد الإنفصال في عام 2011م .... تجاوز مرحلة الشكوى من التهميش والتمييز العرقي . والتأمت جراح الحرب ولم تعد للضغائن وما يترتب عليها من عقد نفسية تجاه الطرف الآخر وجود أو مبرر.
الذي يعزز إحتمالات تنامي التجارة والإنفتاح الإقتصادي والسكاني بين طرفي السودان ، وترسيخ العلاقه بالعمق الأفريقي ويجعل المرء متفائلاً يتمثل في التطابق بين مكونات هذا التكتل الإقتصادي المنشود . سواء أكان هذا التطابق يتعلق بالجوانب النفسية والقيم والمثل والإبتعاد عن نزعات الإستغلال والإستغفال.
ويتبقى من الضروري لإيجــاد حلول عملية فاعلة لجهة الإمدادات الحيوية في مجال القمح والدقيق والبترول والغاز والسكر . وتصدير المعادن وعلى رأسها الذهب ... ينبغي أن تـوكل هذه الأنشطة الإستراتيجية الحيوية إلى شركات مساهمة سودانية عامة تمتلك وزارة المالية نسبة مئوية في رأسمالها لا تتعدي 10% وتطرح باقي الأسهم على الجمهور السوداني ؛ بحيث لا يسمح لأفراد أو مؤسسات خاصة أو عامة بإحتكارها - أو بما معناه تحديد حد أعلى لنسبة التملك في رأسمال هذه الشركات - وذلك لمنع الإحتكار والفساد من جهة ، وإجبار هذه الشركات على الإلتزام بالشفافية المطلقة من جهة أخرى.
التعليقات (0)