مواضيع اليوم

لمعانُ غيابكِ يدلّ على أنكِ اللؤلؤة ..

رؤى نزار محمد

2010-12-19 16:30:06

0

في الحب والنسيان والذاكرة .. "


ليس عليَّ أن أتذكركِ ، فالنسيان لا يسع طوفان جمالكِ الذي يقتلع السدود ، كل السدود ، التي تحصّنت خلفها قوارب ذاكرتي .

لا لطفولتكِ أو ليأسكِ ، ولا لتحطيمكِ زجاج نوافذ النواميس مكان إلا في هذا الألم الذي أخوضُ في أيامه العميقة ، فيجرفني إلى تقاويم ليس فيها إلا أنتِ ، إلا انشقاقكِ عن العائلة ، إلا هروبكِ الذي لا ينتهي بتمزيق الكراريس ، بل بالجلوس على السياج ، ورجم الملاك الذي عبثا يحاول رفع غبار قدميكِ عن صفحات كتاب الطريق المؤدي إلى خارج المدرسة .

تحفرين وجودكِ في وجود لا وجود له إلا خلف اسطورة المرأة التي تولد في قصائد غير مكتوبة ، لكنها تقود أعنـّة الخيال إلى أرخبيلكِ المحفوف بالأمان والهلاك معا .

لا أحد ، حتى أنتِ ، يفهم أن نسيانكِ يحرمني امتياز أن أكون خاسرا يليقُ بطراز فقدانك الغامض ، فقدانكِ الباهر ، عندما ضعتِ في العالم ، عندما أشعلتِ الحريق ، وأفنيتِ نفسكِ فيه ، مثل شرارة :

تلاشيتِ فلم يعرف أحد عنكِ شيئا إلاي ، أنا الذي أعرفُ اللاشيء عنكِ ، وهو كافٍ لأن أنفد من خلال الاحتمالات إلى أشكالكِ المؤجلة : أشكالكِ التي تجعل من الكتابةِ مجرة آهلة بكواكب من اليائسين : اؤلئك الذين يصنعون الربيع للوردة ، وهم في طريقهم إلى الخريف .

ذلك ما يؤهلني عاشقا يعبثُ بمصيره الذي فقد مغزاه ، فإما أنتِ أو أنتِ ، ولا ثالث إلا هذا الشتات الذي يجدل مني شاعرا مهملا ، يكتبكِ في الحانات ، ويقرأ قصائده على حزانى يعرفون ، أكثر منه ، أنكِ ما عدتِ له ، ومع ذلك ينصتون إليه ، لأنه يبعث نداءا خفيا في أعماقهم إلى السطح .

ذلك ما يجعلكِ عنصرا غير مكتشف ، لأن في محيط روحكِ قارات اخرى تعجز عن الوصول إليها قوارب البلاغة ، ويرتبك أمام خضتها محيط المجازات .

العالمُ يحكُّ رأسه حائرا عندما تمرين ، ومن جميع النوافذ تطل رؤوس عشاق انتظروكِ كآلهة تأمر الساعات أن تعلن الحب في خوابي الزمن .

كان الموتُ يقف على مقربة منكِ ، وكنتِ فخورة أن تمنحيه برهة من اللعب ، وهم يضعونكِ على الحد : بين أن اُقتلَ أو اُقتلَ ، ففضلتِ أن تذبحي قلبكِ بموساك ، عسى أن أبقى حيا فيه .

لماذا فعلتِ هذا ، وأنت الأعرف بي :
الأدرى أنني أملكُ من الشجاعة مقدارا يجعلني أقبل بالهزيمة ؟!
لمّ أدميتِ بياض هذه الورقة بدمكِ ؟!

كان الصدقُ يخافُ صدقكِ ، وأنتِ تحرثين الأرض : ترشين بذور الاضطراب تحت خطوات الراعي الذي يتملقه القطيع .

ـ الشيطان أولى بالورد ، عندما نكتشفُ عطر وجودنا من خلاله .
لا حرام في العالم : الحرام الوحيد أن لا أحبكَ .
لا أب إلا البحر ، وأنتَ تعوم فيه من خلالي ، وأغرقُ فيه من خلالكَ .
لا ام إلا تلك الشجرة ، التي أتسلقها لأنكَ تجلس هناك في داخل الثمرة .

كنتِ ترسلين قبلة عبر الهواء ، لتولد الحمامة .
كان غناؤكِ يأسر العصفور ، ويجعل للعاصفة ريشا .
كانت أنفاسكِ تكسو الصباح بعادات الندى .
كانت نظراتكِ تلاطف السائرين في نومهم ، وتشطفُ جروح الحزانى .

لا يمكن إقصاء حضوركِ في حياتي إلا بإقصاء حياتي ، كما لا يمكن أن أحدّه بالسنوات ، فلستِ الحاضر ، ولا الماضي : أنتِ الوقتُ الذي لا تشير إليه الساعات ، و لا يرن لقدومه الزمن ، فليس لوقع أقدامكِ من رصيف ، ولا لجلوسكِ من مصطبة .

خارج الجميع أنتِ ، خارج التسمية .
آه ،
لم يكن امتزاجنا ينتمي إلى هذا الحيّز الضئيل الذي يطلقون عليه الحب ، بل هو من التشرد في الأغاني ، من النوم بين صفحات الكتب ، من المشي في عروق الكلمات ، و من عبث وجودنا ضالعين بالإثم أو بالطهر .

ولهكِ بي ، ومن ثم شغفي ، هو من جنسكِ المتعذر معرفة انحداره ، فلا أصل ، إلا أنتِ : لا قبيلة إلا أنت ، ولا أعراف إلا قفزاتك الكونية بين الشعر والموسيقى ، بين المطر وصيحات البرق ، وبين مفاصل الجمرة التي لا تأكل إلا نفسها .

مادام التيهان هو مَن دلني عليك ، فسيأخذني إليك ثانية .
آه ،
التمزق ، وحده ، مَن سيجمعني بكِ .

لا مكان لأقدامي إلا حافة الهاوية :
هاوية جمالكِ ، أو جمال هاويتكِ .

احبكِ لأن هذا هو الشفاء الوحيد من مرض الوقوع في حب امرأة اخرى ، ففي ذلك خيانة كبرى للجمال وللحب .

هكذا يقودني اختفاؤك إليك ، فليس ثمة ما يدل على أنكِ اللؤلؤة إلا لمعان غيابكِ ، وليس ما يثبتُ أنكِ المرأة التي افنيتُ حياتي في حل لغزها إلا لغزكِ وأنتِ تتشعبين في طرقي : تفتحين كل باب أطرقه بحثا عنكِ ، وتشيرين إلى هناك ، حيث لا يمكن أن اقابلك إلا في وجود يتعذر العثور عليه إلا في الشِعر ..

 

عبد العظيم فنجان

 

 

 


 

 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

LOADING...

المزيد من الفيديوهات