الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
منذ تولي الرئيس الأمريكي دونالد ترامب منصبه على رأس البيت الأبيض بدأ الترقب يعاين تحركاته التي أحرجت حتى مؤسسات الولايات المتحدة، ومنها تصريحه بالخروج من الاتفاقية العالمية للبيئة، ومنها بعض تصريحاته التي كانت توصف بالعنصرية، وما تعلق منها بدولة اللوبيات إسرائيل لحمايتها مما يوصف بالإرهاب، وكأنها ليست دولة مصدرة للإرهاب العالمي المسلح المنظم ضد الأبرياء، وعلى رأسه احتلال أرض غيرها، فبادرت خرجته إلى الشرق الأوسط، التي حققت نجاحا أمريكيا لصالح دولة إسرائيل على حساب المسلمين وبأياديهم وأموالهم، ما أجج الخلاف بينهم والذي كانت أسبابه فيما أعلم مايلي:
1 / الهدايا المقدمة لترامب:والتي طلبت المملكة السعودية اشتراك جميع دول الخليج فيها إلا أن حفيظة قطر ثارت ضد أمر تم دون استشارتها وإشراكها في البروتوكولات الرسمية، ودون استثمارها فيها، ولافائدة ترجى لها منها.
2 / مسألة الهدايا للشخص:حيث علمنا أن الهدايا السعودية لترامب سجلت رسميا بالاسم الشخصي له كي لا توضع في الحوزة الرسمية للدولة، وهذه سابقة بروتوكولية، رغم أن الزيارة كانت تمثل الدولة لا الشخص.
3 / إيواء حماس والعلماء:وعلى رأسهم الشيخ يوسف القرضاوي الذي يوصف بالإخواني الذي لا يحابي في قضايا القيم والمبادىء مما أحرج الدول المجاورة على عكس العلماء المقيمين في الممالك والإمارات الأخرى الذين يدارون حكامهم بحجج منها تجنب الفتنة في مفهومهم، رغم وجود العلاقات الديبلوماسية مع إسرائيل والتي لم تشفع لها.
4 / حماية إسرائيل:وفي تقديري أن هذه المحصلة كانت ضمانا لوقاية لها من السعودية بالدرجة الأولى باعتبارها ولو بالوهم مركز لواذ المسلمين، مقابل كفالتها ضد إيران الموسومة بالإرهاب ظاهرا بعد مجيء ترامب، إلا أن ذلك في تقديري يبقى ذرا للرماد فقط، وإيهاما لحراسة ضد منافح موهوم لقضايا المسلمين، ولو أيقنت الولايات المتحدة إمكانية انقضاضها عليهم لما حمتهم منها لأن القضاء الفارسي على العرب طمأنة لليهود على المصير
الموعود، هذا رأيي في إيران الشيعة إلا أن يتبدل الدين فيها إلى الإسلام السني، فحينها يكون كلام وموقف آخر من قبل إسرائيل وأمريكا، وفي توقعي ستحرص هاتان الدولتان على تغليب التشيع الفارسي لضمان أمن اليهود.
5 / مفهوم الإرهاب:يرى كثير من المراقبين اختلافا كبيرا بين مختلف الأنظمة حول مفهوم الإرهاب، ومن أسبابه اختلاف التوظيف.
ففي الوقت الذي يتعبر الدفاع عن قضايا المسلمين إرهابا عند خصومهم، لا يعتبر كذلك عندهم.
يقول احدهم "لو كانت قطر دولة ارهابية كيف تبيعها امريكا السلاح ؟" فأمريكا تقاتل مع الحشد الشيعي الارهابي وترمي السلاح بطائراتها على داعش وتسلح الكيان الصهيوني الارهابي ..وهذا لا يعني ان قطر دولة ارهابية
6 / الإحراج الإعلامي:والمقصود هو الحرية الكبيرة التي تحظى بها قناة الجزيرة في الكشف عن كل الخبايا السياسية والديبلوماسية في العالم التي أحرجت كثيرا دول الجوار ومنها مصر التي تشهد تعاطفا من قبل دول مجلس التعاون الخليجي.
7 / التخوف من التمدد الإيراني:فإن إيران باتت قاب قوسين أو أدنى من ابتلاع بعض دول الخليج ومنها على سبيل المثال البحرين، فلابد من الاستعانة بأمريكا وهو ما لم يتقبل قطر طريقة التعامل معه بهذه الصورة.
8 / اختلاف المصالح:فمصالح قطر متوزعة على مجموعة من دول العالم باستثمارات مختلفة بينما على الأقل منها السعودية والإمارات، ومن نتائجها مايلي:
ــ فهذه ألمانيا تطمئن قطر بالمساعدة.
ــ ثم إيران تفتح الملاحة الجوية للطيران القطري، ولا يخفى علينا المصلحة الأكبر لها وهي خدمة التوسع الشيعي بالدرجة الأولى قبل المصالح الاقتصادية وغيرها التي لا ينبغي إلغاؤها من الاعتبار.
ــ المصالح التركية الكامنة بالأخص في فك الحصار، وفرض الذات والظاهر هو تطبيق معاهدة الدفاع المشترك كما يروي البعض، أومعاهدة التدريب والتعليم العسكري كما يروي البعض، وذلك بإرسال حوالي خمسة آلاف جندي تركي للحد من التهديد العسكري، رغم وجود قاعدة عسكرية أمريكية في قطر.
ــ المصالح المغربية الحاملة للألوان الفرنسية، بإرسال المساعدات الغذائية، والتي وصفت من قبل بعض المحللين بدموع التماسيح، لأن قطر ليست الآن في حاجة إلى مساعدات غذائية قدر ما هي محتاجة إلى دعم سياسي.
والغريب هو الأخبار المسربة حول طلب السعودية الموافقة على مساعدات غذائية هي الأخرى.
9 / الصراع بين قبائل العرب:وهذا غير مخفي فالصراع على الزعامات تاريخ قديم.
10 / القوة الاقتصادية:لا يخفى على أحد الصراع على الزعامة الاقتصادية وما باتت قطر تحرج به دول الجوار بسبب العلاقات المتشابكة لها مع الكثير مما جعلها تحتاط لأيام الزمان.
11 / اختلاف الولاءات:وهذا سبب مهم في إذكاء نار الخلاف، فولاء الإمارات وآل سعود ومصر والبحرين لأمريكا ليس على درجة واحدة مع ولاء قطر على سبيل المثال.
12 / التدخل المفرط للبطانة:فشخص مثل محمد بن سلمان الذي يوصف بالمراهق لصغر سنه وبعض بطانة رئيس الإمارات هم سبب كذلك في تضخيم أوتحجيم الأزمة.
13 / التوظيف الإعلامي:لا يخفى على أحد الدور الإعلامي الخطير في قوة أوضعف الأحداث العالمية، والتاريخ مازال يذكرنا بالحروب التي قادها باسمارك بواسطة الإعلام.
14 / أزمة المعلومات:إن الولايات المتحدة متورطة في أزمة دقة المعلومات، والدليل على ذلك في غير ما مرة ثقة الرئيس جورج بوش الأب في معلومات الرئيس السابق حسني مبارك أكثر من معلومات جهاز الاستخبارات CIA، وهو ما تكرر مع ترامب في قضايا الشرق الأوسط بثقته في معلومات السعودية أكثر من معلومات الـ CIA.
يحدث كل ذلك أمام حيرة الرأي العام والشعوب، وتبخر الأمل في الملك سلمان الذي عسّل اعتلاؤه عرش المملكة آمال كثير من المسلمين خاصة بعد تصريحاته قبيل تنصيبه حول الخطأ في الموقف من الرئيس المصري الدكتور محمد مرسي.
وصدور تصريحات وزير الخارجية السعودي عادل الجبير الذي قال بعد نتائج الزيارة {لقد طفح الكيل} ويقصد بذلك قطر.
ولذلك صدرت وثيقة مقاطعة دول الخليج لقطر بتهمة إيواء وتصدير الإرهاب، حيث شبهت بصحيفة مقاطعة قريش للمسلمين في شعب مكة.
وأذكر أنني قلت لكثير من الناس إن الخلاف الذي نشب سيتوقف بتدخلات أوواقع آخر، لأنه في تقديري لن تدوم هذه الخلافات بين دول التعاون الخليجي، نظرا لطبيعة العلاقات القائمة والأنظمة المتشابهة، ولذلك دعوت الكثير إلى عدم التسرع في اتخاذ المواقف لأن المشهد لم يكتمل بعد، ولعل فرجا في الأمر ينقشع يورط المتسرع في الموقف خارج إطار الفطنة واللعبة من حيث يدري أولا يدري، وفي هذا يعجبني الموقف الجزائري الذي التزم
الصمت مؤقتا إلى أن يظهر السيناريو تاما.
وعبت على بعض الأنظمة مثل موريتانيا التي عوض التدخل للم الشمل راحت تؤيد وثيقة المقاطعة ولا ناقة لها ولا جمل فيها، وقد تجد نفسها محرجة في حال عودة العلاقات إلى سابق عهدها.
ومنها استهجاني المواقف المختلفة لمختلف العلماء المسلمين إفراطا وتفريطا، فعوض السعي بسبب المكانة الاجتماعية والدولية لفض النزاع وسحب البساط من تحت أمريكا واليهود رأينا البيانات المؤيدة لقطر، بتوقيع حوالي مائة عالم سني من خمس عشرة دولة وثيقة تحرم مقاطعة قطر، في إطار ما سمي {الجبهة التنسيقية لعلماء أهل السنة} أبرز ما جاء فيها {مقاطعة دولة قطر وحصارها حرام شرعًا، والمشاركة فيه لا تجوز بأي وجه من الوجوه}.
وفي الجهة المقابلة البيانات المؤيدة للمقاطعة وأخص بالذكر علماء المملكة السعودية، حيث علمنا بتصريح إمام الحرم المكي الدكتور عبدالرحمان السديس واصفا الإجراء بالحكيم، وتلاه تصريح الشيخ عائض بن عبدالله القرني، وإخراج آل الشيخ قطر من الطائفة الوهابية، جريا وراء تعاطف المتدينين، وطرد الشرعية العقائدية عن قطر، وغيرهم.
وإذا كان العذر مع العلماء المتعاطفين مع المظلوم ظاهرا، وهو احتكام للدين في نطاقه تماما، فإنني أرى أن الجهة المقابلة التي أيدت حصار الشعب القطري المسلم وليس النظام قد استعملت الدين ووظفته توظيفا سيئا عوض الاحتكام إلى نصوصه التي تأمر برفع الغبن عن المؤمنين، والإصلاح بين الفئتين المتخاصمتين.
ولي أن أسائل هؤلاء العلماء حين تنطفىء هذه الجذوة من الشنآن: ماذا يعملون بتصريحاتهم {خاصة مؤيدوا المقاطعة}، أيمسحون بها وجوههم، أم يدسونها في التراب؟، وماذا سيكون الموقف لو حدث اقتتال بين المسلمين نتيجة التهديدات العسكرية لقطر؟ في أي خانة يوضع حقن دماء المسلمين إذا اندلعت الحرب بينهم؟ خاصة إذا كان العدوان بالتعاون مع أمريكا وإسرائيل؟
إنني أقدر احتمالات أخرى في هذه الأزمة ومنها :
1 / احتمال العمل المسرحي: لصبغ قطر بلون المظلوم لمنحها الشرعية من جديد، خاصة إذا نظرنا إلى العلاقات مع إسرائيل، ووجود القاعدة الأمريكية الجوية في العديد.
وقد يؤيد هذا الاحتمال العزلة الشعبية للسعودية والإمارات والبحرين ومصر بعد التعاطف مع قطر.
2 / احتمال الإيقاع بين دول الخليج:ليستفيد الأمريكان من قطر حقيقة بعد انفراده بحل مشكلها وإخراج الأعراب من اللعبة بعد استعمالهم.
3 / احتمال التخطيط لانقلاب في قطر لدافعين على الأقل:
الدافع الأول:حسم نزاع الزعامة القبلية على العرب.
الدافع الثاني:تركيع قطر لمواقف دول الخليج ومنها الإمارات في تعاملها مع الملف التركي و المصري والليبي بالأخص.
إلا أنه في رأيي لم تدم حدة الصراع كثيرا بسبب القوة الاقتصادية القطرية التي من مفرداتها تصديرها لثلاثين بالمائة من الغاز العالمي والذي لم ينقطع إلى الآن حتى على المقاطعين، مع احتياطي كبير جدا للدولار في البنوك القطرية استطاعت أن تمد به الأسواق، التي لم تفرغ هي كذلك بسبب المعونات الضخمة التي أمدتها بها الدول المساندة لها، إلى درجة عدم ارتفاع الأسعار رغم الحصار، ومنه صادرات أخرى خارج البترول تمثل حوالي واحدا وستين في المائة من الناتج القطري نحو الخارج، حيث رتبت قطر لهذا الطارىء بتنويع مصادر الإنتاج منذ مدة، والذي يقارب حوالي مائة وسبعين مليار دولار، مع فوائد ضخمة جدا، وتنويع استثمارات كثيرة مع شركاء في كثيرمن الدول.
وأمام هذا التورط عرض ترامب حل الإشكال واللقاء في البيت الأبيض مع أمير قطر الذي رفض الحضور والسفر وبسببه تغيرت لهجة المقاطعين بعد هذا العرض بالدعوة إلى الهدوء والحوار، مع بروز بوادر الوساطات التي تزعمتها الكويت، كما طلب من الجزائر القيام بها كذلك، رغم جمودها هذه الأيام، ما يعني أن إمارة بسيطة حولت المنطقة إلى حرب باردة قد تستحر وقد لا تستحر.
ولذلك يمكن في تقديري تصنيف المواقف من الأزمة إلى مايلي:
1 / الشامتون:الذين كانوا يترقبون هذه العقوبات ولو الباردة بسبب الإحراج المتواصل لهم من قبل قطر.
2 / المتعاطفون مع قطر دون تحفظ:وهؤلاء أراهم منطلقين من عاطفة غير مدروسة.
3 / المعتدلون: الناظرون إلى فجور الساعات والأيام القادمة ومنها كما سبق اعتدال وتريث الموقف الديبلوماسي الجزائري.
4 / أصحاب المصالح:المستثمرون في المياه العكرة دوما لتحريك استثماراتهم في المجالات المختلفة.
أما النتائج المحتملة التي أرتقبها في رأيي هي:
1 / بداية نهاية الخليج: وأرى في هذا مشاهد:
أ / ندم بعض الموظفين في هذا الخلاف من أمراء وملوك على زعاماتهم التي سيدركون أنهم ضيعوها بمنح سطوة الغرب فيهم مع سنون التاريخ فيصبحون كمن قيل فيهم {الصيف ضيعت اللبن}، وبذلك ترميهم سلة التاريخ.
ب / لجوء بعض الموظفين في هذا الخلاف إلى مواليهم من الغرب غير آبهين بما يحصل لشعوب تسببوا في إحكام قبضة الغرب عليها.
ج / تقاسم قوى مختلفة جغرافية الخليج، كما تم لما سمي بالرجل المريض.
2 / صرف الرأي العام العالمي عن سوريا: وربما إنهاء الحرب بها، وخروج بشار الأسد منتصرا.
3 / تأجيج الصراع لضمان مصالح أكثر: وعلى رأسها مصالح أمريكا في بيع مزيد من السلاح وقد ورد إلينا خبر شراء قطر طائرات F15باثني عشر مليار دولار، ثم مصالح إيران لزيادة التوسع الشيعي.
4 / حل الخلاف: بعد ضغوط تزداد على قطر لإجبارها على مزيد من التنازلات توصف لها بالثانوية والاعتدال تحقيقا ولو لبعض أغراض القوى الدولية مؤقتا تجاه المقاومة الحقيقية {أقصد حماس}، والعلماء المحرجين لأنظمة المنطقة، مع إجبار أكثر لتوجيه قطر اقتصادها نحو استفادة قوى أخرى منه.
5 / حسم الصراع بالتدخل العسكري: وهذا أستبعده لحد الآن لما يلي:
ــــ التخوف من انهيار اقتصادي عالمي ولو على المنطقة.
ــــ التخوف على الجاليات الأجنبية التي يجلب وجودها نفعا لدولها.
ــــ عدم ترتيب المستفيد منه بعد.
أما الحل الذي أراه فيكمن فيما يلي:
1 / الرجوع إلى منابع الضمير الإيماني من قبل العلماء قبل كل الناس.
2 / الرجوع إلى أحكام الإسلام، لأن العرب عرف عنهم تاريخيا عدم تحضرهم وعدم استقامتهم إلا بالدين، إذ لم يكونوا شيئا يذكر إلا به، كانوا همجا، آكلي لحوم بعضهم، متحاربين لأتفه الأسباب، فوضى في الأنساب، في الأعراض، في الأموال، في الاعتقادات، يذلهم الفرس والروم من حولهم، فجاء الإسلام فهذبهم فتحضروا فأصبحوا أساتذة الدنيا.
3 / هبة مسؤولية العلماء فيما يجري بعقد مؤتمرات عاجلة لدراسة تحرك عاجل يصلحون به بين الإخوة في الدين فينتج مايلي:
ـــ تفويت الفرصة على أمريكا ثم إسرائيل ثم الشيعة.
ـــ توحيد صفوف الأمة.
ـــ طرد كل أسباب الخلاف.
ـــ تقوية وبناء محال ولبنات الوحدة ولم الشمل.
ـــ تعرية البطانة السيئة وأوكار النفاق السياسي والعمالة للغرب ورعاة المصالح المؤثرة على الوحدة الإسلامية.
ـــ إعادة هيبة الأمة المسلمة المنشودة.
ـــ الحفاظ على هيبة الحرمين من أي عدوان أوإهانة.
وفي الأخير ومع أنني لا أعدم معطيات أخرى في العناصر التي ارتأيت مما قد يخفى على الكثير، فإنه يجب أن يفهم حكام المنطقة أن أمريكا لا تمثل صديقا أبديا، ولابد أن يدركوا أن الحفاظ على الملك يمر عبر الوحدة وكسب مزيد من ثقة الرعية لا بالاحتكام إلى الغرب في ضرب أجزاء الأمة، لأنه لن يعتبر العدو في الأخير إلا النتيجة التي ترعى مصالحه فقط ولو بتفتيتها، وضياع مجدها المسلوب قديما وحاضرا والمأمول مستقبلا.
التعليقات (0)