مواضيع اليوم

لمحات من تاريخ الثورات السلميه في العالم- الحلقه الاولى

عبدالكريم صالح

2011-10-14 20:18:32

0

ان نشوب الصراعات القوميه والتي تصاعدت حدتها وصولاَ الى حربين عالميتين حتى تغير التوجه الى صراع اخر هو صراع الايدلوجيات الذي ادخل العالم في حرب بارده بين الأتحاد السوفيتي والولايات المتحده الامريكية وبعد ان طوى العالم هذه الصفحه سرعانما دخلنا في نرحلة هيمنة القطب الواحد  فقد شهد العالم العديد من الثورات والتحركات الشعبية  والانقلابات خلال تلك المراحل لكن في خضم تلك الاحداث حدثت ثورات لابد من الوقف عندها الا وهي "الثورات السلميهPeaceful Revolution " التي استطاعت بقوة سلميتها من ان تحقق اهدافها وتنتصر على كل الاسلحه القمعية والدمويه.

في العام 1905م قام الكاهن الأرثوذكسي "جورجي جابونGeorge Gapon " والذي ترأس" جمعية الشرطه المرعبه" والتي تشكلت من قبل العمال بتحشيد اكثر من مائه وخمسون ألف عامل روسي للخروج في مسيرات عبرت شوارع العاصمة خلال موسم الصقيع، هذه المسيرة شكلت أول احتجاج سلمي من نوعه لسلطة قمعية في القرن العشرين، وأشعلت حراكاً شعبياً شاملاً أثمر في النهاية عن أول برلمان منتخب في روسيا، وقيام الملكية الدستوريه ،ففي ديسمبر/كانون الثاني من عام 1904م، قاد" جورجي جابون "موكب عمال ضخم الى" قصر الشتاء" لتسليم التماس الى" القيصر" يوم الأحد 9 كانون الثاني/يناير 1905م فاعتقدت القوات التي كانت تحرس القصر الشتوي ان المتظاهرين جاءوا للأنقلاب ففتحوا النار عليهم مما ادى الى مصرع الف متظاهر فاطلق على هذا الحدث اسم "الاحد الداميThe Bloody Sunday " ويعتبر بداية المرحله النشطه للثوره فأثارت هذه الحادثه السخط والغضب في جميع انحاء روسيا وخصوصاَ الطبقه العامله مما ادى الى موجه عارمه من الاحتجاجات والتظاهرات التي ادت في النهايه الى تحقيق المطالب التي طالب بها الثوار .

في العام 1923م، وبعد فرض العقوبات والتعويضات على ألمانيا إبان الحرب العالمية، تحدى عمال المناجم والسكك الحديدية في حوض "الرورRuhrgebiet " في ألمانيا جنوداً فرنسيين وبلجيكيين أُرسِلوا في مهمة لتقويض بقايا قواعد الألمان. انتهج العمال أسلوب العصيان الكامل لأوامر الجنود ورفضوا التعاون معهم ونجحوا في النهاية في إحباط أهدافهم، إلى أن ضغط البريطانيون والأمريكيون على الجنود وأجبروهم على الانسحاب.

بين عامي 1930م-1931 م قاد "المهاتما غانديMahatma Gandhi  "حركة عصيان مدني واسعة النطاق ضد البريطانيين في الهند، بدأها بإقناع أتباعه بضرورة التوقف عن دفع ضريبة الملح وشراء الملابس والمشروبات، وهي التجارة التي كان يهيمن عليها "الراجBritish Raj " والراج تعني "الحكم"، أي فترة الحكم البريطاني في المنطقة حيث كانت المناطق المستعمرة تمثل دولة واحدة، في ذلك الوقت. كانت تلك خطوة أولى في مسيرة طويلة وناجحة من الحراك الشعبي الهندي من أجل الاستقلال وهي بحق الثوره التي حققت مطالبها دون اراقة دماء سوى دم قائدها "غاندي" نتيجه الخلاف الديني والعرقي والمذهبي.

رفض المواطنون الدانماركيون في فترة الاحتلال الألماني لبلادهم في الحرب العالمية الثانية تقديم دعمهم لآلة الحرب النازية، ونجحوا في صيف عام 1944م في فرض حالة من الركود التام في بلدهم، وهو ما
أجبر الألمان على إنهاء حالة الحظر والحصار المفروضة على البلاد؛ هذه الوسيلة ومثيلاتها من الوسائل السلمية كانت متبعة أيضاً في العديد من المدن الأوروبية واستخدمتها شعوب أوروبية مختلفة لمقارعة الزحف الألماني على أوروبا.

في السلفادور بأمريكا الجنوبية، نظم مجموعة من الطلاب والأطباء والتجار عام 1944م حملة إضراب عام ضد الانتهاكات المتواصلة للحكم العسكري الدكتاتوري للبلاد، أجبرت الحملة" الجنرال مارتينزGen.Maimiliano Martinez " على الاستقالة، ونجحت دون استخدام قطعة سلاح واحدة في إقناع أقرب الموالين للدكتاتور، بما فيهم كبار الضباط، بإيقاف دعمهم له، مما اضطره في النهاية إلى الرحيل إلى المنفى وانتصار الثوره.

في عام 1955م، وبعد أقل من عشر سنوات من خروج البريطانيين من الهند، وصلت أصداء نجاحات "غاندي" إلى الولايات المتحدة وألهمت مقالاته وافكاره الواعظ المسيحي" د. مارتن لوثر كينغMartin Luther King"، وهو الزعيم الامريكي من اصول افريقية ومن المطالبين بأنهاء التمييز العنصري و الذي قاد بدوره حملة سلميه تواصلت على مدى خمسة عشر عاماً ضد سياسة التمييز العنصري في الجنوب الأمريكي، مستعينة بشكل أساسي بالمسيرات ونشاطات العصيان المدني والمقاطعة والإضراب.
تلقى أفارقة أمريكا درسهم من الأحداث العظام فقاموا في عام 1963 م بثورة لم يسبق لها مثيل في قوتها اشترك فيها 250 ألف شخص، منهم نحو 60 ألفا من البيض متجهة صوب نصب لنيكولن التذكاري، فكانت أكبر مظاهرة في تاريخ الحقوق المدنية، وهنالك ألقى "كينج "أروع خطبه: بعنوان "أنى أحلم" " I have a dream " التي قال فيها: "لدي حلم بأن يوم من الأيام أطفالي الأربعة سيعيشون في شعب لا يكون فيه الحكم على الناس بألوان جلودهم، ولكن بما تنطوي عليه أخلاقهم".
ووصف" كينج "المتظاهرين كما لو كانوا قد اجتمعوا لاقتضاء دين مستحق لهم، ولم تف أمريكا بسداده "فبدلا من أن تفي بشرف بما تعهدت به أعطت أمريكا الزنوج شيكا بدون رصيد، شيكا أعيد وقد كتب عليه "إن الرصيد لا يكفي لصرفه".

ارتجفت القلوب وارتعشت الانامل، بينما أبت نواقيس الحرية أن تدق بعد، فما أن مضت ثمانية عشر يوما حتى صُعق "مارتن لوثر كينج" وملايين غيره من الأمريكيين بحادث وحشي، إذ ألقيت قنبلة على الكنيسة المعمدانية التي كانت وقتذاك زاخرة بتلاميذ يوم الأحد من الزنوج؛ فهرع "كينج" مرة أخرى إلى مدينة برمنجهام، وكان له الفضل في تفادي انفجار العنف. في حزيران/يونيو 1957 أصبح" مارتن لوثر كينج "أصغر شخص وأول قسيس يحصل على ميدالية "سينجارن" التي تعطى سنوياً للشخص الذي يقدم مساهمات فعالة في مواجهة العلاقات العنصرية، وكان في السابعة والعشرين من عمره. وبهذه المناسبة وأمام نصب لنكولن التذكاري وجه كينج خطابه الذي هاجم فيه الحزبين السياسيين الرئيسيين (الجمهوري والديمقراطي) وردد صيحته الشهيرة: "أعطونا حق الانتخاب"، ونجحت مساعيه في تسجيل خمسة ملايين من الأمريكان ذو الأصول الأفريقية في سجلات الناخبين في الجنوب.

بين الأعوام 1977م-1979 م شهدت إيران احتجاجات سلمية واسعة جمعت الإسلاميين واليساريين والعلمانيين في جبهة واحدة للإطاحة بحكم الشاه محمد رضا بهلوي الموالي لأمريكا. بنهاية 1978م، هيمنت المعارضة الإسلامية على الثورة بقيادة آية الله الخميني، وتزايدت أعداد المحتجين إلى أن بلغت 6-9 مليون إنسان في أوسع تظاهرة شعبية عرفها التاريخ حتى ذلك الوقت. واجه المتظاهرون قوات الأمن بالورود وأطلقوا حملات إضراب عام واسعة شلت اقتصاد البلاد بشكل كامل، وأدت في النهاية إلى هرب الشاه وعائلته إلى المنفى وانتصرت الثوره السلميه .
بعد بضع سنوات من اغتيال "مارتن لوثر كينغ"، تحدى مواطنون بولنديون سلطة الحكم الشيوعي في بلادهم من خلال إطلاق مجموعة من النشاطات الشعبية التي لم تكن معروفة على الإطلاق في دول الكتلة الشيوعية. أطلق العمال عام 1980م حملات إضراب واسعة انتزعوا بواسطتها من السلطات حقهم في التنظيم، ما نتج عنه لاحقاً إنشاء منظمة سوليداريتي والتي تعني "تكافل"، وهي المنظمة التي نجحت في النهاية في إسقاط الحكم الشيوعي في بولندة.

بالتزامن مع التغيير الذي شهدته بولندة، انطلقت مجموعة من الأمهات الأرجنتينيات في مسيرات شهيرة عبرت الساحة المركزية للعاصمة "بوينس آيريس" تعبيراً عن سخطهم تجاه صمت حكومتهم عن اختفاء ذويهم. لم تتوقف المسيرات حتى قوّضت شرعية الحكم العسكري في الأرجنتين بشكل كامل، ما نتج عنه في النهاية سقوط النظام بعد هزيمة "حرب الفوكلاند" عام 1982م.

بعد سقوط الحكم العسكري في الارجنتين انطلقت الحركة الشعبيه ضد حكم الجنرال "اوغستو بينوشيه Augusto Pinochet " في جمهورية التشيلي عام 1983م وسرعان ما تصاعدت وتيرتها على شكل مسيرات واضرابات واحتجاجات شعبيه شامله ضد نظام حكمه ،نجحت الاحتجاجات في اسقاط نظام بينوشيه على خلفية  استفتاء شعبي لتمديد حكمه بعد ان وافق الدكتاتور نفسه على هذا الاستفتاء ظناً منه بأنه سيحقق الفوز، في نوفمبر من العام 1970م وصل الزعيم الاشتراكي "سلفادور ألليندي Salvador Allende " إلى رئاسة تشيلي في انتخابات حرة ومباشرة لم تعجب الولايات المتحدة، ذلك أن أمريكا اللاتينية كانت تمور وقتها بالاشتراكية، والعداء للرأسمالية، لدرجة جعلت الكثير من القسس يتركون وظائفهم الكنسية في معقل الكاثوليكية ويتجهون للاشتراك في الثورة، والتحريض ضد فساد الحكام الرأسماليين المرضي عنهم من الولايات المتحدة، وذلك في فترة المد الاشتراكي العالمي، والحرب الباردة. اتخذ "طبيب الفقراء" سياسات شجاعة ضربت مصالح الإمبراطورية الأمريكية في تشيلي بانتصارها لجانب الفقراء، وميولها الاشتراكية الواضحة. قررت الولايات المتحدة أن" سلفادور ألليندي" خطر كبير يتهدد مصالحها، لكنها لم تستطع الطعن والتشكيك في شرعيته كحاكم ذلك لأنه فاز في الانتخابات بطريقة شريفة، لذا، قررت الإمبراطورية الكشف عن وجهها القبيح، والقضاء على أحلام الشعب التشيلي، والشعوب الفقيرة في العالم، وكان رجلها المختار لهذا هو الجنرال" أوغستو بينوشيه" قائد الجيش الذي استولى على السلطة بإيعاز أمريكي في 11 ايلول/سبتمبر عام 1973م، وحاصر القصر الرئاسي بدباباته مطالباً" سلفادور ألليندي" بالاستسلام والهروب، لكن ألليندي رفض، وارتدى الوشاح الرئاسي الذي ميز رؤساء تشيلي طوال قرنين من الزمان، ليسقط قتيلاَ في القصر الرئاسي رافضاً التخلي عن حقه الشرعي.

بدأ "أوغستو بينوشيه "عهده العسكري بقتل الرئيس المفضل للشعب، واستمر حاكماً سبعة وعشرين عاماً كان فيها مخلب القط الأمريكي في المنطقة، والعدو الأول لكل مفكري وكتاب وأحرار أمريكا اللاتينية. غير أن بينوشيه لم ينته في سجن أمريكي مداناً بالإتجار بالمخدرات كما انتهى نوريجا، اللعبة الأمريكية هو الآخر، ولا انتهى مقتولاً على يد شعبه كما انتهى ليونداس تروخيليو – رغم أنه تعرض لمحاولات اغتيال -، بل انتهى مخلوعاً على يد شعبه الذي خلعه رغم قوة نظامه العسكري وأنهى سبعة وعشرين عاماً من خنق الحريات على يد واحد من أسوأ أنظمة العالم الديكتاتورية.
بعد ان اقتحم "أوغستو بينوشيه" ورجاله القصر الرئاسي، وقتلوا "ألليندي"، حلوا الكونجرس التشيلي، وعلقوا الدستور، أعلنوا أنفسهم المجلس العسكري الحاكم، وحرموا الأحزاب السياسية اليسارية التي شكلت تحالف ألليندي الحاكم، منعوا أي نشاط سياسي، ومارسوا الإرهاب السياسي. طاردوا اليساريين في كل أنحاء البلاد، ونتيجة لأفعال المجلس العسكري، قتل أكثر من ثلاثة آلاف تشيلي أو اختفوا، كما عُذب وسُجن أكثر من سبعة وعشرين ألفاً، ونُفي الكثيرون، أو هربوا طالبين اللجوء السياسي، ومنهم السياسية التشيلية إيزابيل ألليندي ابنة سلفادور ألليندي، والروائية التشيلية الأعظم إيزابيل ألليندي ابنة أخيه.

في العام 1980 م أُقر دستور جديد للبلاد، واستفتاء بمرشح واحد للسلطة، لكن البلاد التي كانت تمور بالكراهية لنظام بينوشيه، والضغوط الدولية المتزايدة، أعادت القاعدة المدنية إلى البلاد، منذ العام 1988، حين رفض الكونجرس إقرار دستور يتيح لـ "بينوشيه "حكم البلاد طوال حياته وفضل بينوشيه، الذي كان لا يزال محتفظاً بنفوذه الكبير سياسياً وعسكرياً، أن يتنازل عن رئاسة البلاد لـ" باتريشيو أيلوين" الرئيس المنتخب ديموقراطياً عام 1989م، وذلك في العام 1990م، لكنه حافظ على منصبه كقائد للجيش حتى 1998م، حين أخذ مقعداً في مجلس الشيوخ طبقاً لتعديلات دستورية أقرت في 1980م.

في عام 2002م، سافر رجل تشيلي القوي، الحاكم الديكتاتور العجوز الذي بقي يتمتع بنفوذ هائل على الحياة السياسية في تشيلي إلى بريطانيا لإجراء فحوص طبية، وبينما كان هناك، أعتقل بتفويض قضائي أصدره القاضي الإسباني "بالتاسار جارسون"، وبقي قيد الإقامة الجبرية لأكثر من سنة، قبل أن يتم إطلاق سراحة لأسباب طبية، عاد إلى تشيلي، وترك مقعده كسيناتور، بعد قرار من المحكمة العليا بأنه يعاني من "خرف وعائي" لا يمكن معه أن يُحاكم لأفعاله، ثم في مايو 2004 م حكمت محكمة تشيلي العُليا بناء على تصرفاته بإنه قادر على الصمود في محاكمة، وبدأت محاكمته في ديسمبر من العام نفسه لتهم تتعلق بحقوق الإنسان. يتهمه معارضوه بتحطيم ديموقراطية تشيلي، واتباع سياسية إرهاب الدولة المنظم التي قتلت وعذبت آلاف المعارضي، وتفضيل مصالح الفئة الثرية الحاكمة، بتبني سياسيات اقتصادية آذت ذوي الدخل المتدني، وخدمت النخبة الثرية.

وإلى الجانب الآخر من العالم، وتحديداً في الفلبين عام 1986م، وبعد محاولة تزويرٍ قام بها الدكتاتور "فرديناند ماركوسFerdinand Marcos " لسرقة الانتخابات الرئاسية في البلاد  ، قادت أرملة أحد الزعماء الذين تم اغتيالهم سابقاً"كورازون اكينوCorazon Aquino " مئات الآلاف من المواطنين إلى الشوارع في إحدى أكبر التظاهرات السلمية التي شهدتها البلاد في تاريخها. اضطر الجيش للوقوف في صف الثورة وسحب دعمه للدكتاتور وحرمه من أي فرصة للاستيلاء على السلطة بالقوة،مما اضطره الى الهرب هو وعائلته الى خارج الفلبين وانتصار الثوره في الفلبين.
بعد مرور وقت قصير على نجاح الفلبينيين في إرساء الديمقراطية في بلادهم، بدأ الفلسطينيون انتفاضتهم الشعبية الأولى "1987م-1993م" ضد ممارسات جيش الاحتلال الاسرائيلي في الضفة الغربية والقطاع، وقادوا مجموعة من المسيرات وحملات الإضراب والعصيان المدني ورفض دفع الضرائب، حتى أنهم شرعوا في بناء وتطوير شبكة خاصة بهم من الخدمات الاجتماعية. هذه الموجة العارمة من الاحتجاجات السلميه ،كانت الأوسع نطاقاً وحققت أكبر المكاسب للفلسطينيين منذ بدء صراعهم من أجل حق تقرير المصير ،حشدت اعتراف دولي واسع بالفلسطينيين، وقادت لبدء المفاوضات مع الإسرائيليين وصولاً إلى مؤتمر مدريد واتفاق أوسلو.

في جنوب أفريقيا عام 1983م، توحدت مجموعة من النقابات والتنظيمات والقيادات الدينية في حملة سلميه واسعة ضد سياسة الفصل العنصري، نجحت الحملة، بالتزامن مع العقوبات الدولية التي فرضت على جنوب أفريقيا، في الضغط على السلطة لإطلاق سراح الزعيم "نيلسون مانديلا"، وبدأت على إثرها مفاوضات أدت فيما بعد إلى ترسيخ الأسس الديمقراطية في البلاد.
في التشيك عام 1989، قامت الثورة التي اطلق عليها "الثوره المخملية Velvet Revolution " بعد أيام من سقوط جدار برلين، اجتمع الآلاف من الطلاب على أطراف "ساحة وينتشسلاس" في براغ وبدؤوا بالغناء: "ليس بحوزتنا أي أسلحة والعالم بأسره يتطلع". تعرض الطلاب للضرب بقسوة من قوات حفظ النظام، إلا أن الحركة واصلت تصعيدها وبلغت أعداد المحتجين خلال أسابيع فقط قرابة النصف مليون متظاهر. وبذلك، سقط النظام الشيوعي في التشيك تحت وطأة ما كانت تعرف بالثورة المخملية "و الناعمة".
في الفترة ذاتها في إستونيا اجتمع مئات الآلاف من المواطنين في مظاهرات أنشد الناس خلالها أناشيد وطنية كانت تعتبر ممنوعة طوال فترة حكم السوفييت. استمرت "ثورة الأناشيد" أكثر من أربع سنوات تخللها عدد من الاعتصامات ونشاطات العصيان المدني. في عام 1991م شكّل المتظاهرون حواجز بشرية لحماية محطات الإذاعة والتلفزيون من الدبابات السوفييتية ونجحوا في منعها من إحراز تقدم، وبذلك نجحت إستونيا في تحقيق استقلالها دون أي إراقة للدماء.

لاتفيا اتبعت الأسلوب ذاته لتحقيق استقلالها عن السوفييت، ففي عام 1988م أعلنت اثنتان من أهم الأحزاب الساعية للاستقلال عن تشكيل ائتلاف بينهما، ودعا الائتلاف إلى إطلاق حملة عدم تعاون واسعة ضد ممثلي السوفييت في البلاد. في منتصف 1989م، شكل المتظاهرون سلسلة بشرية بلغ طولها 600 كم بين مدينتي "تالين" و "ريغا" تعبيراً عن تضامن الشعب اللاتفي لتحقيق أهدافه في الاستقلال.
انطلقت مهرجانات الإنشاد أيضاً في جمهورية ليتوانيا في 1988 م تعبيراً عن الرغبة الشعبية لاسترجاع الرموز الوطنية التي دأب السوفييت على منعها خلال أربعة عقود من حكمهم. كانت ليتوانيا أول جمهورية تعلن عن انشقاقها عن الاتحاد السوفييتي ولكن الرد من الروس كان عنيفاً إذ قتل في الموجهات 14 من المتظاهرين السلميين وجرح المئات أثناء تصديهم بصدور عارية لزحف القوات والدبابات السوفييتية إلى المراكز الحساسة في العاصمة فيما عرف بـ "لأحد الأسود" نجح النشاط السلمي في تجنب المزيد من سفك الدماء واعترف المجتمع الدولي باستقلال الجمهورية في عام 1991م.
في بورما بداية عام 1990م، قادت المعارِضة "آون سان سو تشي"، وهي رهن الاعتقال في منزلها، مظاهرات حاشدة تطالب بالديمقراطية بعد أن عرض عليها الإفراج عنها مقابل إيقاف الحركة فرفضت. حققت الحركة نجاحات متواصلة وفازت بأغلبية الأصوات في الانتخابات التي عاد العسكر وسرقها بالقوة، إلا أن حركة الشباب هذه حظيت بدعم وتعاطف واسعين من مختلف أنحاء العالم على شكل نشاطات سلميه عديدة قام بها ناشطون لدعم هذه الحركة حيث اطلق عليها "ثورة الزعفران Saffron Revolution".

في 1999م-2000م أطلقت إحدى الحركات الطلابية في صربيا حملة مقاومة واسعة ضد نظام الدكتاتور" سلوبودان ميلوسوفيتش" ونجحت في هزيمته في صناديق الاقتراع بدعمٍ من مؤسسات ديمقراطية أجنبية وإئتلاف موحد للمعارضة. أبطلت نشاطات الحركة السلمية سلطة قوات الأمن التابعة للدكتاتور بشكل كامل ونجحت حملة الإضراب العام في إنهاء حكم" ميلوسوفيتش" معلنة عن سقوط آخر الدكتاتوريات في أوروبا،واطلق على تلك الاحتجاجات والتظاهرات تحت اسم "ثورة البلدوزرBulldozer Revolution " رمزيا اثر قيام مواطن يوغوسلافي يدعى «لوبيساف ديوكيتش» ويعرف باسم "جو" بقيادة مركبة كبيرة توجه بها بطريقة البلدوزر يوم 5 تشرين الاول/اكتوبر من عام2000م لمهاجمة مبنى التلفزيون والإذاعة الرسمي والذي كان رمزا لحكم ميلوسيفيتش. ثورة الصربيين على الديكتاتور اليوغسلافي الصربي" سلوبودان ميلوسيفيتش "التي اضطلعت بها" حركة أوتپورOtpor Movement "والتي تعني "حركة مقاومة" من ضمن الثورات السلمية التي اطاحت بأحد أشهر الأنظمة الدموية في العصر سلميا بتكتل 18 حزبا في المعارضة بينهم حلفاء انقلبوا عليه، رغم ما كان يستند إليه من تعصب عرقي متطرف يؤيده فيه كثيرون في بلاده حتى بعد كل المجازر التي ارتكبها.لا شك في أن الصرب تأثروا بالثورات السابقة المشابهة في العديد من الدول القريبة منهم في شرق أوروبا. حاول ميلوسيفيتش في زمن تزدهر فيه الديموقراطية التلاعب تارة بإثارة المعارك الخارجية، وطورا باستخدام التهديد والوعيد وتعديل الدستور في الداخل للحفاظ على المظهر الديموقراطي الشكلي لنظامه، ووصل به الأمر الى تزوير الانتخابات في عام 2000 م التي تلت تمديد ولايته الثانية من 1997 م مثيرا حفيظة الشعب. هزت مجازر الديكتاتور "سلوبودان ميلوسيفيتش "ضد سكان إقليم كوسوفو عام 1998م المجتمع الدولي الذي تحرك بشكل سريع والسبب الرئيسي في ردة الفعل الدولية هذه كان الشعور الكبير بالذنب للتأخر في التدخل أثناء ارتكاب نظام "ميلوسيفيتش" نفسه لمجازر اكثر بشاعة ودموية في البوسنة والهرسك قبل سنوات من حرب كوسوفو ما ادى الى ابادة عشرات الآلاف من السكان في ذلك البلد على مرأى ومسمع من العالم اجمع كان النظام الصربي حتى ذلك الوقت لايزال يسمى بـ "النظام اليوغوسلافي" لأن صربيا كانت وريثة يوغوسلافيا والساعية للإبقاء على ما أمكن من وحدة أراضيها التي تفككت وأصبحت 7 دول اليوم وهي صربيا ـ البوسنة والهرسك ـ كرواتيا ـ الجبل الأسود "مونتينيغرو" ـ سلوفينيا ـ مقدونيا ـ كوسوفو "استقلال من جانب واحد لهذه الدولة"، وبمواجهة التطورات على الساحة الدولية عام 1998 م اقدم النظام الصربي على إعلان سلسلة قوانين تقيد حرية الرأي والتعبير وتتحكم في وسائل الإعلام وهو ما اثار حفيظة المثقفين والشباب المعارضين لأسلوب ميلوسيفيتش في الحكم الذي تسبب في عزلة بلادهم ونبذها، فانطلقت من معقلهم الابرز جامعة بلغراد حركة أوتپور  والتي نجحت خلال العامين التاليين في التحول الى ثورة سلمية واسعة النطاق تخللتها اعمال عنف وتخريب محدودة، واطاحت ديموقراطيا بأحد اشد الانظمة عنفا ودموية في التاريخ الحديث.

في العام 1997م انتهت الولاية الرئاسية الثانية لميلوسيفيتش ومدتها 4 سنوات على رأس جمهورية يوغوسلافيا الاتحادية التي كانت تضم حينها صربيا والجبل الاسود من 1992م وحتى 2006 م ومعهما كوسوفو واقتصرت على هاتين الدولتين بعد انفصال الـ 6 الباقية عن يوغوسلافيا الأم بين 1990 و1992، وبما ان الدستور كان ينص على ان ميلوسيفيتش لا يستطيع الترشح لولاية ثالثة فقد استصدر قرارا من البرلمان الصربي بتعيينه رئيسا حتى حزيران/يونيو 2001م.

واول قرار له بعد ذلك كان البدء بحملة عسكرية ضد جيش تحرير كوسوفو لصرف الأنظار عن الداخل، فاجتاحت قواته الاقليم لترتكب ابشع الجرائم وتدمر المدن والقرى فوق رؤوس من لم يهجرها من اهلها لم يسكت المجتمع الدولي خاصة إدارة كلينتون في الولايات المتحدة عن هذه المأساة فرعى حلف شمال الاطلسي -الناتو تحت مظلة الأمم المتحدة مفاوضات للسلام بين الطرفين، لكن الطرف الصربي انسحب منها فما كان أمام الناتو الا ان بدأ تحت شعار "التدخل الانساني" سلسلة عمليات حربية ضد الاهداف العسكرية في صربيا اسفرت في عام 1999 م عن رضوخ نظام ميلوسيفيتش الذي يواجه معارضة شرسة في الداخل على الانسحاب الكامل من كوسوفو  وصدر بعد هذا الانسحاب القرار الدولي 1244 الذي قضى بإرسال قوات سلام الى الاقليم .
 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !