مواضيع اليوم

لما اعترفت بنا الدولة .. أشبعتنا ضربا

خالد أوراز

2009-05-09 23:13:23

0

 

لما كنا صغارا كُنا ندعو الله أن نكبر بسرعة كي نتزوج. كم كنا  نكذب على بعضنا البعض، ونحن نضيف بعض السنوات إلى عمرنا الأصلي كي نبدو كبارا شيئا ما.

كان عمرنا أنذاك لم يتجاوز بعد العشر سنوات، لكن من يسألنا نخبره بأننا نبلغ من العمر ستة عشر سنة أو يزيد، لكن "الفْرشَة" عادة ما تُصيبنا لأن شواربنا لم تكبر بعد.

كبرنا قليلا، وأصبحنا في عمر الستة عشر سنة الذي كنا نحلم ببلوغه في الصغر. لم نتراجع في الوقوف أمام باب الكوميسارية مطالبين بالحصول على بطائقنا الوطنية، معتقدين أن الدولة ستعترف بنا بعد ذلك.

ما زلت أتذكر كم كان أصدقائنا الذين يكبروننا عمرا يستهزءون منا، وهم يُرددون في وجوهنا أننا لسنا سوى أطفالا صغارا وأن الدولة لم تعترف بنا بعد؛ بدعوى أننا لم نحصل بعد على البطاقة الوطنية.

كان شغفنا كبيرا جدا، كم كنا نحلم بأن البطاقة الوطنية هي وحدها ستحقق لنا أهداف كثيرة في حياتنا ومستقبلنا، وأهم هذه الأهداف عندنا كان هو الزواج.

       أخيرا، اعترفت بنا الدولة، وحصلنا على البطاقة الوطنية؛ يعني  أننا أصبحنا أشخاصا مهمين في هذه البلاد. عُدنا نلبس قميصا أبيض، ونضع البطاقة في جيبه كي تبدو للعيان، أريد أن أقول " للعديان"، ظانين مع أنفسنا أننا أصبحنا رجالا. لم نعد نجلس في بيوتنا كثيرا بقدر ما نتسكع في الشوارع بقميصنا الأبيض شاهرين بطائقنا في وجوه المارة. كم كنا أغبياء ونحن نُخرج بطائقنا من جيوبنا ثم نعيدها إليه كلما مرت فتاة جميلة بجنبنا.

آباءنا الذين كانوا يجبروننا على الدخول إلى المنزل مباشرة بعد آذان المغرب، لم يعودوا يفعلوا ذلك معنا منذ أن اعترفت الدولة بنا.

شخصيا كان آخر مرة أرتدي فيه قميصا أبيض، هو ذلك اليوم الذي قبض فيه علي رجال الأمن وأنا أتسكع في الشارع في منتصف الليل، منحتهم بطاقتي الوطنية لأخبرهم أنني مسؤول على نفسي، لكنهم قادوني إلى المخفر وأشبعوني ضربا. ندمت كثيرا، وقلت مع نفسي لو كنت طفلا صغيرا لأخذوا بيدي وذهبوا بي إلى منزلي.. أريد أن أقول إلى منزل أبي.

منذ ذلك اليوم الذي أُشبعت فيه ضربا، فهمت ماذا تفعل الدولة بالأشخاص الذين تعترف بهم.

عدت إلى منزلي مُنهك القوى، ساخطا على اليوم الذي تسلمت فيه بطاقتي.

مضت سنوات قليلة لنجد أن الجميع يتبرأ منا، بدعوى أننا أصبحنا كبارا وأن لنا أكتافا يجب أن " ُندمر" بها كي نحصل على قوتنا اليومي. لم نعد نفكر في الزواج (الذي كان حلمنا الطفولي) بقدر ما نفكر فيما سنأكله نحن أولا قبل مجيء الزوجة وانجاب الأطفال.

أصبحنا من جديد نكذب على أنفسنا، ونقول لآخرين أننا ما نزال صغارا وأن الدولة لم تعترف بنا بعد.

 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !