مواضيع اليوم

لماذا...؟.

محمد مغوتي

2011-09-20 10:10:16

0

   لماذا لا نسأل؟. هذا هو الاستفهام الذي ينبغي طرحه بشدة و نحن نستقرئ واقع الحال في مجتمعاتنا. إننا لا نسأل، بل نحتقر السؤال. ولننظر في هذا السياق مثلا إلى لغة الخطاب التي نتداولها بيننا، حيث نجد في اللغة العربية الجذر ( سأل ) يطلق على الطلب والحاجة. و منه كلمة ( متسول) أي المحتاج الذي يطلب يد العون. و لأن الشخص الذي يتسول الصدقات منبوذ و محتقر في مجتمعاتنا، فإن هذه العدوى انتقلت إلى السائل أيضا، فأصبح الذي يسأل عن المعرفة في نفس مقام متسول الصدقات، و إن كان الأمر مختلفا طبعا. ثم إننا نتضايق كثيرا عندما يبادرنا أحدهم بالسؤال. وفي أحيان كثيرة نعتبر ذلك نوعا من التحدي أو نتعامل مع السائل بسخرية واستهزاء. والواقع أن هذا الأمر متجذر في ثقافتنا التي تعلمنا في مدرستها أن " السؤال لغير الله مذلة "، لذلك يتفق لسان حال الجميع على القول: لماذا نسأل إذن؟؟.
   لا يتعلق الأمر هنا بالأسئلة العادية التي تحضر في كل تفاصيل حياتنا اليومية ( كيف الحال؟ - كم الساعة؟ - أين توجد المحطة؟ - متى يقلع القطار؟...)، لكننا نعني أسئلة الفكر التي تستفز العقل و تحاكم الواقع. و علامة الإستفهام الغائبة في هذا الإطار هي: لماذا؟. لأن طرح السؤال بهذه الصيغة يعني أن السائل غير مقتنع، و يريد مزيدا من التوضيح. بل إنه يشير إلى الرفض و الإستقلالية و حضور الذات. وتلك هي السمات التي نفتقدها إلى حد بعيد، فغابت بذلك الأسئلة المستفزة التي تعبر عن الوعي الحقيقي بالواقع و تناقضاته. تلك التناقضات التي تستصرخنا وتدعونا باستمرار إلى السؤال. لكننا مع ذلك نمتنع عن الإستجابة. وبالرغم من أن كل ما حولنا يثير الأسئلة، فإننا تعودنا على القبول بكل شيء وكأنه قضاء وقدر. لقد تعودنا أن نقبل كل شيء دون مناقشة ولا معارضة في كل مراحل تنشئتنا الإجتماعية بدءا من البيت مرورا بالمدرسة وانتهاء بالقرارات السياسية التي ترهن مصير البلاد والعباد، ورغم ذلك تلقى كل الترحيب و التصفيق لأنها صدرت عن سلطة لا يمكن لأحد أن يرفع في وجهها حرف النفي " لا ". وعندما يعجز اللسان عن قول :" لا " فإن ذلك يعني أنه لا وجود في قاموسه لأداة استفهام تسمى " لماذا ". وغياب هذه الصيغة هي التي سمحت للعابثين أن يفعلوا ما يشاؤون دون حسيب أو رقيب. ثم إن التربية على المحاسبة و تحمل المسؤولية لا يمكن أن تنمو في تربة تلوذ بالصمت و تسبح بحمد أصحاب القرار.
    قد تكون موجة الحراك الشعبي الذي تعرفه عدد من البلدان في شمال إفريقيا و الشرق الأوسط مقدمة لتغيير هذه الثقافة، و بداية لطرح الأسئلة الحقيقية التي لا غنى عنها لتحقيق التغيير المنشود، لكن شق عصا الطاعة ل " أولي الأمر" و النجاح في إسقاط الأنظمة المستبدة، ليس كافيا لبلورة نموذج سياسي جديد يشكل قطيعة مع الماضي. و على الرغم من أن نجاح الشارع في عدد من هذه الدول في تكسير جدار الخوف يعد مكسبا حقيقيا و علامة تدل على حياة هذه الشعوب، و قدرتها على التحرر من غياهب التسلط و الإستبداد، فإن الطريق إلى المستقبل ليس مفروشا بالورود أبدا. ذلك أن الموروث الإجتماعي  الذي صنع هذا الواقع مازال يفرض نفسه في مختلف تفاصيل الحياة. و لا يمكن تحقيق القطيعة مع ممارسات الماضي دون أن تتوفر الأرضية الثقافية اللازمة لبناء غد مختلف. فهؤلاء الرؤساء الذين يتساقطون تباعا هم في الواقع نتاج طبيعي للشعوب التي يحكمونها. و تمرد المحكوم على الحاكم  هنا لا يتأسس بالضرورة على وعي اجتماعي مدروس، بل هو مجرد طفرة " ثورية" تتحول إلى " موضة" ( جميلة على كل حال) تنتقل من بلد إلى آخر. و انتقالها هذا يجعلها فرصة لعودة الروح و الحياة لهذه الشعوب المغلوب على أمرها. لكن منجزات الثورة التي تحققت حتى الآن ينبغي أن تستثمر في بناء وعي جديد يؤسس للديموقراطية و الحرية كمبدأين سلوكيين قبل أن يتحولا إلى مطلبين سياسيين. أي أن تحقيق آمال هذه الشعوب لا يتوقف على إسقاط الأنظمة السياسية القائمة، بل ينبغي أن يقوم على تهييئ المناخ المناسب للمرحلة المقبلة. أما إذا ظل المستقبل نسخة للحاضر فلا معنى للثورة أصلا. و ما كان للتاريخ أن يسجل بمداد من ذهب دروس الثورة الفرنسية لولا تلك النقلة التي أهلتها لتكون نموذجا لرغبة الشعوب في التحرر، لكنها كانت رغبة مسبوقة بإطار فكري أنواري تحول إلى سلوك اجتماعي. و هذا الإطار الفكري هو ما تفتقد إليه حركية الشعوب " العربية " التواقة إلى التحرر.
    إن صيغة " لماذا " يجب أن تكون حاضرة في كل الحراكات الشعبية التي تصنعها شعوب المنطقة، حتى لا يتحول الأمر إلى مجرد رغبة في تغيير الوجوه فحسب. فهذه الشعوب التي نجحت في تأثيث مشاهد موسم سقوط الأصنام في تونس و مصر و ليبيا، و مازالت تناضل من أجل نفس الهدف في سوريا و اليمن... ينبغي أن تدرك أن مقاومتها للإستبداد و الظلم و الطغيان لن تكتمل إلا عبر تنشئة جديدة تقطع مع أسباب إعادة إنتاج نفس الواقع الذي تعيشه اليوم.
        محمد مغوتي.20/09/ 2011.




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !