لماذا يعادي الزنادقة دولة الاسلام ؟
الدولة ومكانتها في الإسلام دأب بعض المتزندقين والملاحدة والمتهودين على الزعم دائما ان الاسلام دين فقط ولا علاقة له بالدولة ؟!! ولتفنيد هذا التصور المزعوم نضع للقراء المحترمين رد بعض من يعملون للاسلام على هذه الفرية
قال تعالى: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ} (الحديد: 25). وقال تعالى: {الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ} (الحج: 41). وقال تعالى: {تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الْأَرْضِ وَلا فَسَاداً وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} (القصص: 83). وقال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ} (النساء: 58).
الدولة ضرورة بشرية وفريضة شرعية لازمة، غايتها حراسة الدين وبسط العدل ورعاية مصالح المواطنين، السلطة فيها وظيفة اجتماعية وخلافة مسئولة يتحملها الكافة؛ فكل فرد مسئول عنها ومحاسب عليها باعتبارها أداة المجتمع الهامة لتنمية الإنجاز الاجتماعي في خدمة أهدافه المشتركة وتعزيز رصيده الحضاري والإنساني داخل المحيط الدولي.
إن الدولة بهذا المفهوم لا غنى عنها لتحقيق مقاصد الإسلام في حفظ الدين والعقل والنفس والعرض والمال، والقيام بالواجبات الجماعية التي لا يستطيع الأفراد أن يقوموا بها.
وتقوم الدولة في الإسلام على ثلاثة مبادئ أساسية وهى العدل والحرية والجهاد.
فالعدل في الإسلام أساس الحكم حيث يقول الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ} (النساء: 58). ويقول تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ والإحسان} (النحل: 90). ويقول تعالى: {وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} (المائدة: من الآية8).
أما الحرية: فلا يتصور الإسلام أبدا دولته تحت حكم غيرها من الأمم، أو أن تكون أرضه تحت سلطان أجنبي عنها {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ} (المنافقون: الآية 8) ولا يتصور الإسلام المواطنين في دولته أذلة تحت حكم مستبد قاهر يسومهم الخسف والهوان، وقد قال عمر الفاروق لعمرو ابن العاص رضي الله عنهما: "متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا". ويقول الإمام البنا: "إننا ندعو الناس إلى الإسلام، والحكومة جزء منه، والحرية فريضة من فرائضه".
وأما الجهاد: فهو من الأصول التي تقوم عليها الدولة الإسلامية؛ حيث يقول الله تعالى: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ} (لأنفال: الآية 60) ولن تقوم دولة بغير كفاح، ولن تصان حرية بغير سلاح، ولن يتحقق الأمن القومي لبلد من البلاد دون جيش قوى على أتم الاستعداد وصناعة حربية تلبى كل الاحتياجات وقدرة على الحشد والتعبئة وروح معنوية عالية تمنع وتصد العدوان.
مفهوم الدولة الإسلامية
الدولة الإسلامية هي ما نطلق عليه الدولة (الحديثة) بالصيغة التي نقدمها في مشروعنا هذا، وليست بالدولة (الثيوقراطية) ولا هي بالدولة (العلمانية).. وهي دولة فكرة تقوم على نشرها.. كما هي دولة رعاية تحمى حقوق الفقراء وتحفز المجتمع على القيام بواجباته جميعًا.
أو بالأحرى هي دولة دعوة أو دولة رسالة، وهذا هو التعبير الحقيقي لارتباطها بالعقيدة الإسلامية أو الترجمة العملية للوظيفة العقيدية للدولة الإسلامية وهى الدولة التي غالبية سكانها من المسلمين وتقر باستمداد تشريعاتها من الشريعة الإسلامية.
ولعل أهم ما يميز الدولة الإسلامية هو الأهداف العامة التي تتحمل هذه الدولة عبء القيام بها، والتي أوجزها المتقدمون بقولهم:
"القيام على أمر العباد بما يصلح معاشهم ومعادهم..". فثنائية الاهتمام بالمعاش والمعاد هي أولى مميزات هذه الدولة، وبقدر ما تقوم أجهزة الدولة بالوظائف التي يحددها لها الإسلام ويتم في إطارها تنفيذ أحكامه وتبليغ دعوته ومراعاة شرائعه بقدر ما تقترب من وصف الدولة الإسلامية أو تبتعد عنه.
وعندما تحقق الدولة الإسلامية وظائفها الأساسية فإنها بذلك تقدم المثال لبقية دول العالم ولكل الإنسانية حول التجسيد الحقيقي للمبادئ والقيم الإسلامية كالعدل والحرية والمساواة والشورى وحقوق الإنسان وحفظ كرامته بما يحولها إلى نموذج يحتذى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} (آل عمران: من الآية110).
بين الدولة الإسلامية والدولة الدينية
إن الإسلام لا يقر الادعاء بالألوهية أو الربوبية بكل أشكالها وأنماطها، وقرر المساواة بين بني البشر فهناك خالق (هو رب العالمين) وهناك مخلوق هم البشر أجمعون ولا ميزة للحاكم على بقية المحكومين فهو لا يتصل بالسماء ولا يستمد سلطته من السماء وليس له الحق في أي ادعاء إلهي.
كما أسقط كل دعاوى التكريم على أساس النسب؛ "يا فاطمة بنت محمد اشتري نفسك لا أغني عنك من الله شيئا". فلا قداسة لحاكم بحكم مولده، أو نسبه {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} (الحجرات: من الآية13).
وكذلك فقد أبطل الإسلام كل دعاوى (العصمة) التي يتذرع بها حكامٌ ادعوا في يوم من الأيام أنهم مقدسون أو ملهمون، والعصمة في التصور الإسلامي، وقف على النبي صلى الله عليه وسلم فيما يبلغه عن ربه تبارك وتعالى، ولم ينشئ في بنيانه أبدا ما يعرف بالمؤسسة الدينية، لا في صورة فرد، ولا طبقة، ولا مؤسسة: (كالبراهمة) مثلا عند الهنود (والأحبار) عند اليهود و(الإكليروس) عند النصارى لأن العلاقة بين (الرب) و(العبد) في الإسلام علاقة مفتوحة بلا وسطاء {إياك نعبد وإياك نستعين}، {قل آمنت بالله ثم استقم}.. (رواه مسلم في صحيحه).
ولم يعرف الإسلام في تاريخه ما ظهر في أوروبا من تنازع السلطة الروحية الزمنية ومن خلاف بين الدولة والكنيسة.
والفارق الأهم بين الدولة الإسلامية والدولة (الثيوقراطية) هو أن مصدر السلطات جميعا في الدولة الإسلامية إنما هو الأمة، وسلطة الدولة ومؤسساتها هي التي تحمي تطبيق تعاليم الإسلام وتقود أمته إلى خير الدين والدنيا معًا.
فالأمة هي مصدر السلطات، وخيار الأمة وبيعتها هي التي تمنح الحاكم حقه في السمع والطاعة، أي تمنحه السلطة، والسمع والطاعة للحاكم في التصور الإسلامي حق مدني يستمد من العاقد ما وفي المعقود له بالعقد، شرعي ينبع من طاعة الله سبحانه وتعالى الذي فرض على المؤمنين الوفاء بالعقود {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} (المائدة: الآية 1).
ولذلك يبقى حق السمع والطاعة مرتبطًا بموضوع العقد وشروطه الأساسية "إنما الطاعة في المعروف".. رواه الشيخان وأحمد والنسائي وأبو داود: "لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق"... رواه أحمد والحاكم في مستدركه وصححه السيوطي.. أي خارج إطار العقد المتفق عليه بين الحاكم والمحكوم.
الدولة الإسلامية دولة مدنية
وتقوم هذه الدولة الإسلامية، التي نتبناها وندعو إليها، على جملة من المرتكزات، نعتبرها الأساس الركين لبناء دولة قادرة على القيام بأعباء أي مشروع حضاري، تسعى الأمة إلى تحقيقه في مسيرتها الوطنية والقومية والإنسانية.. وهي:
دولة تعاقدية دستورية: تقوم على الاختيار الحر المعبر عن إرادة الأمة.. والإمامة عقد بين الحاكم والأمة ممثلة بأهل الاختيار (الحل والعقد). والأمة مشرفة ومراقبة للعقد تملك مساءلته ومحاسبته، وتملك الحق في خلعه إذا لم يوف بشروط العقد، وينظم ذلك دستور مكتوب وأعراف دستورية مستقرة تحدد مسئولية الحاكم وطريقة محاسبته، كما تحدد سلطات الدولة والعلاقة فيما بينها الذي يحقق التوازن والتكامل، كما يحمى حقوق المواطنين والحريات العامة.
وفي وثيقة المدينة منح الرسول صلى الله عليه وسلم اليهود أسس الحقوق المدنية والسياسة في إطار الاعتراف بالتعددية الدينية في الدولة الإسلامية، جاء في هذه الوثيقة: ".. وإنه من تبعنا من يهود، فإن له النصر والأسوة غير مظلومين ولا متناصر عليهم، وأن اليهود ينفقون مع المؤمنين ما داموا محاربين، وإن يهود بني عوف أمة مع المؤمنين، لليهود دينهم، وللمسلمين دينهم، مواليهم وأنفسهم إلا من ظلم وأثم فإنه لا يوتغ (أي لا يهلك) إلا نفسه وأهل بيته". ثم تعدد الوثيقة بطون يهود بطنا بطنا وتعطيهم من الحقوق ما أعطت يهود بني عوف.
لقد كانت هذه (الصحيفة) الوثيقة أولى الوثائق السياسية في تاريخ الدولة الإسلامية، التي أسست للاعتراف بالتعددية الدينية في إطار المرجعية الإسلامية، وانطلقت هذه الحقيقة مع الدولة الإسلامية لتستوعب الملل والنحل والحضارات، في دائرة من التسامح، اعتبرت أمثولة حضارية في التاريخ الإنساني.
دولة مواطنة: المواطن هو الفرد الذي ينتمي إلى كيان سياسي (دولة)، والانتماء الوطني لا يتعارض مع الانتماء القومي أو الديني، ومصطلح مواطن تشمل كل إنسان ينتمي إلى الوطن، دون تمييز بسبب العرق أو الجنس أو اللون والدولة الإسلامية تضم المواطنين على اختلاف عقائدهم الدينية شريطة أن ينتموا إلى هذا الوطن، وعنوان الانتماء هو وثيقة الجنسية الوطنية.
وهى تضم كذلك العربي، وغير العربي شريطة أنه ينتمي إلى هذا الوطن، وقد كانت وثيقة المدينة خير مثال على أن الدولة المسلمة دولة مواطنة، فاليهود والمسلمون (المهاجرون والأنصار) والمشركون مواطنون متساوون في الحقوق والواجبات.
والجماعة ترى أن الآية الكريمة: {والذين استجابوا لربهم وأقاموا الصلاة وأمرهم شورى بينهم ومما رزقناهم ينفقون}.. هذه الآية تتضمن أن الأمة هي مصدر السلطات فهي التي تولي من تثق بدينه وأمانته وخبرته وعلمه ومواهبه وكفاءته ليقوم على أمر من أمورها،... وأن رئاسة الدولة لا تؤخذ غصبا وبحد السيف بل بالاختيار الصحيح، وأن الأمة الإسلامية تدين بالعبودية لله وحده، وتقدس أحكام القرآن الكريم والسنة المطهرة وتؤمن بأن الناس لا يملكون الحكم إلا بما أنزل الله -تعالى- بمقتضى شريعة الإسلام، ومن ثم فهي لا تملك أن تفوض من أجازته ليلي أمرا من أمورها إلا بما قرره الشرع الحنيف وأن يسوسها على مقتضى أحكام الدين.
وإننا -مع التسليم بأن أحكام القرآن الكريم والسنة المطهرة هما الدستور الأسمى- ولا يعتد ولا يقبل ما خالف أيهما- فإن الأمة لابد أن يكون لها دستور مكتوب تقوم نصوصه على مبادئ الشريعة الإسلامية الغراء، وتحقق مراميها وغايتها وقواعدها الكلية، وأن الدستور يجب أن يضمن توازنا بين اختصاصات مختلف المؤسسات التي تدير شئون الدولة، حتى لا يطغى بعضها على بعض أو يستبد أحدها بالأمر.
دولة برلمانية: ففي بيعة العقبة الثانية طلب الرسول صلى الله عليه وسلم أن يخرجوا له نقباءهم (ممثليهم) وقد أخرجوا اثني عشر نقيبا كانوا كفلاء على قومهم.
وأهل الحل والعقد، أو أهل الاختيار، هم الذين يمثلون في النظم الدستورية الحديثة السلطة البرلمانية.
وهذه السلطة البرلمانية واجبها هو صياغة وسن القوانين طبقا للمرجعية الدستورية الشرعية، والرقابة على السلطة التنفيذية ومحاسبتها، وكذلك إقرار الخطط والسياسة العامة للدولة بجانب الرقابة المالية على الحكومة.
دولة تعددية: في المدينة المنورة ومع أول يوم لقيام الدولة الإسلامية ذات السيادة، كانت تؤمن بالتعدد، وقد ظهر ذلك في وجود غير المسلمين فيها وتمتعهم بكافة الحقوق والواجبات، كما ظهر في اختلاف الآراء بين الصحابة رضوان الله عليهم في مختلف المواقف في السلم والحرب.
والله عز وجل أقر التعايش بين المسلم وغير المسلم، حسم هذا الأمر بقوله تعالى: {لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين}.
وتؤكد الجماعة على أنها تؤمن بتعدد الأحزاب دون الإخلال بثوابت الأمة، وأنه لا حاجة لأن تضع السلطة قيودا من جانبها على تكوينها ونشاطها، وإنما تكون ثمة جهة قضائية مستقلة هي التي يجري التحاكم إليها إذا لزم الأمر.
وتؤمن الجماعة أن مصلحة الأمة وأمنها واستقرارها يكمن في حرية العمل العلني للأحزاب والجماعات، وهذا لن يتم إلا بإقرار الحريات العامة، وإشاعة ثقافة الحوار في المجتمع ثقافة الإقصاء وثقافة التعايش ثقافة الاستئصال.
دولة تداولية: من التداول اشتق العرب كلمة (دولة)، والتعددية السياسية تؤدي إلى التداولية، وهي المقابل لحالة (الملك العضوض) الذي جاء بولاية العهد.. بدلا من اختيار الأمة بواسطة الاقتراع الحر والنزيه، وهي المقابل الموضوعي لحاكم مدى الحياة نجح أو أخفق.. "إن أحسنت فأعينوني، وإن أسأت فقوموني، أطيعوني ما أطعت الله فيكم، فإن عصيته فلا طاعة لي عليكم".
والتداولية هي تداول بين القوى والأحزاب السياسية بمناهجها واجتهاداتها.
ولن يكون النظام السياسي تداوليا ما لم يتضمن الآليات التي تتيح للجماعة السياسية التي تحظى بتأييد الأغلبية الشعبية بتولي السلطة لتنفيذ البرنامج الذي كانت تدعو إليه، وذلك من خلال اقتراع دوري يحتكم الجميع إليه؛ فالمجتمع وحده هو الذي يرجح هذا الاتجاه أو ذاك، كما يتضمن الآليات والوسائل التي تسمح بالتداول السلمي للسلطة عبر الانتخابات الدورية.
دولة مؤسسات: يتم العمل فيها بروح وجهد الفريق، ويتولى أصحاب الاختصاص مهامهم في كل ميدان، وفي إطار المؤسساتية يتحول الجيش إلى جيش وطني (غير فئوي) يحمي الوطن (كل الوطن)، وتتحول المؤسسة الأمنية إلى مؤسسة تحمي حرية المواطن، وفي إطار المؤسساتية ستجد العقول المهاجرة مكانها في سياق وطني عام منتج.
ودولة المؤسسات تقوم على الشورى؛ ضد الدولة الفردية، التي تقوم على الأهواء والمصالح الشخصية والعشائرية.
الشورى في المفهوم الإسلامي ليست مجرد مبدأ سياسي يحكم أشكال العلاقات السياسية فحسب.. بل هي نمط سلوك تعبدي ومنهج عام لإدارة مختلف جوانب الحياة في الدولة.. بالإضافة إلى كونه قيمة إيمانية وخلقية توجه سلوك الأفراد وعلاقاتهم الاجتماعية، يتربى عليها الفرد والمجتمع والحكام لتصبح جزءا من مكونات الشخصية المؤمنة وأحد مقوماتها، ويصطبغ بها كل المواطنين.
والشورى التي نؤمن بها ونسعى إلى تحقيقها وتأسيس نظام الحكم عليها ليست قالبا جامدا نتعسف إسقاطه على أوضاعنا الراهنة، ولكنها تعني إرسال مبدأ تداول السلطة وحق الشعب في تقرير شئونه واختيار نوابه وحكامه ومراقبتهم ومحاسبتهم وضمان التزامهم في ما يصدرونه من قرارات ويحدثون من أوضاع لتحقيق مصلحة المجتمع، آخذا برأي الشعب مباشرة أو عن طريق نوابه، حتى لا يستبد بالأمر فرد أو ينفرد به حزب أو تستأثر به فئة، وهى إلى جانب ذلك تحدد القواعد الأساسية التي يقوم عليها نظام الحكم ودستور الدولة.
إن مفاهيم الشورى لا تصطدم بالأخذ بأحسن ما وصلت إليه المجتمعات الإنسانية في ممارستها الديمقراطية في عصرنا الراهن من أشكال وقواعد وطرق إجرائية وفنية لتنظيم استخلاص الإجماع وتحسين ممارسة السلطة وضمان تداولها سلميا وتوسيع دائرة المشاركة الشعبية فيها وتفعيل المراقبة عليها؛ ذلك أن التطبيق العملي المعاصر للشورى كمرتكز للنظام السياسي والدستوري والنيابي لا تنقصه المفاهيم الشوروية؛ فهي مؤصلة ومؤكدة في شريعتنا الإسلامية، بل يصطدم بغياب التطبيق في الهياكل والمؤسسات التي يجب أن تعبر عن هذه المفاهيم وتتجلى فيها ممارسات الشورى والاختيار، وترسي سلوكا شورويا إيجابيا قابلا للتوارث والنماء.
دولة القانون: يتقدم فيها أمن المجتمع على أمن الحاكم.. ويحترم فيها الدستور من قبل الحاكم والمحكوم.. يستمد النظام القانوني في الدولة الإسلامية من القرآن والسنة كقانون أعلى تجذر في المجتمع واستقر في وجدانه فصار فيه الأساس الوحيد للشرعية، والمقياس المعتبر للمشروعية الصادرة عنه، ومن خلال هذه الحقيقة يتحدد المعنى الحقيقي لمبدأ سيادة القانون، فالقانون كأداة اجتهادية للضبط الاجتماعي لا يكون له القبول والاحترام إلا بقدر اتساق أحكامه الجزئية مع مبادئ وقواعد القانون الأعلى في المجتمع؛ فيتسق وينسجم مع ما ترسخ في ضمير الأمة ووجدانها من مبادئ وقواعد وقيم، فيمتلك بالتالي أهلية السيادة ووجوبها عند التطبيق، بحيث يخضع له وينزل عند حكمه جميع الأفراد بصرف النظر عن المكانة التي يحتلونها اجتماعيا أو المركز الوظيفي الذي يشغلونه سياسيا أو إداريا، كما تخضع له سلطات الدولة بمختلف مستوياتها، وكذا الأعمال الصادرة عن مؤسساتها وأجهزتها، فتتحقق بالتالي دولة النظام والقانون.
إن مبدأ سيادة القانون هدف أساس نسعى لتحقيقه وترسيخه ونعمل على تحقيق جملة من المهام تتضمن تعزيز هذا المبدأ وتجسيده في الواقع العملي من أهمها:
- ضمان صدور التشريعات كافة وفقا لأحكام الشريعة الإسلامية لتحقيق مقاصدها العامة حتى يكون كل فرد في المجتمع حريصا على تطبيق القانون حارسا له.
- بسط سلطان القضاء وضمان استقلاله.
- ضمان خضوع سلطات الدولة للقانون وانضباطها به واحتكامها إليه، واعتبار كل تصرف يصدر من السلطات العامة مخالفا للدستور والقانون باطلا يستوجب المساءلة.
ويقوم المجلس التشريعي "البرلمان" في هذه الدولة بسن القوانين وصياغتها مستعينا بالخبراء والمتخصصين في كل مجال بجانب مهامه الأخرى في الرقابة على السلطة التنفيذية وإقرار خطط الدولة وسياستها العامة، وهو وحده صاحب الحق في سن القوانين؛ حيث يلتزم في ذلك بعدم مخالفة الدستور، لا نصا ولا روحا، وتقوم المحكمة الدستورية العليا بمراقبة مدى التزام هذه القوانين وتوافقها مع الدستور الذي ينص على أن مبادئ الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع، وأن دين الدولة الرسمي هو الإسلام، وهذا هو التطبيق العملي لسيادة القانون لأن التشريع هو لله ابتداء وللمجلس التشريعي أو الأمة ابتناءً.
ومن هنا تضمن الأمة صدور القوانين التي تنظم حياتها على أساس الإسلام وليس لأحد سلطة فوق سلطة المجلس التشريعي إلا سلطة المحكمة الدستورية العليا، وليس لأحد رقابة على المجلس التشريعي إلا الأمة التي انتخبت أعضاءه، ومن حقها تغييرهم إذا خالفوا قواعد التوكيل الذي أعطتهم لهم الأمة.
هذه أهم صفات الدولة الإسلامية في مشروعنا، وهي دولة مدنية، تقوم على التعاقدية، والمواطنة، والبرلمانية، والتعددية، والتداولية، ودولة مؤسسات وقانون.
المصدر : اسلام اون لاين
التعليقات (0)