مواضيع اليوم

لماذا يخاف الشاعر من النقد ؟؟

سعاد سعيود

2009-07-25 06:44:50

0


الشعر له مكانة لا تضاهيها أي مكانة ،

فالشعر ديوان العرب وحافظ اخبارها ومحلها الكبير الذي تتصارع فيه الافكار وتبرز معه القدرة على البيان :

فلهذه المكانة ذكره الله في كتابه ، ومدحه النبي صلى الله عليه وسلم :

قال تعالى : {وَالشُّعَرَاء يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ }الشعراء224 فذكر قوة الشعر على حشد الناس ، وأثارة المشاعر ، وابطال الحق ، واحقاق الباطل

وقال صلى الله عليه وسلم : إن من الشعر لحكمة ، فالشعر له السيطرة القصوى نشر كل شيء ، ومنها الحكم والاخلاق

وأول ما يمر على بحثنا هذا هو تعريف الشعر :قال قدامة بن جعفر في نقد الشعر : إنه قول موزون مقفى يدل على معنى.

وهذا التعريف يدل على ان الشعر صناعة ، وهذه الصناعة لها اهلها الذين يحافظون عليها ويقومون بها ويراعون حدودها

فلذلك قال قدامة بن جعفر في نقد الشعر : ولما كانت للشعر صناعة، وكان الغرض في كل صناعة إجراء ما يصنع ويعمل بها على غاية التجويد والكمال، فكان جميع ما يؤلف ويصنع على سبيل الصناعات والمهن، فله طرفان: أحدهما غاية الجودة، والآخر غاية الرداءة، وحدود بينهما تسمى الوسائط، وكان كل قاصد لشيء من ذلك فإنما يقصد الطرف الأجود، فإن كان معه من القوة في الصناعة ما يبلغه إياه، سمي حاذقاً تام الحذق، وإن قصر عن ذلك نزل له اسم بحسب الموضع الذي يبلغه في القرب من تلك الغاية والبعد عنها، كان الشعر أيضاً، إذ كان جارياً على سبيل سائر الصناعات، مقصوداً فيه وفي ما يحاك ويؤلف منه إلى غاية التجويد، فكان العاجز عن هذه الغاية من الشعراء إنما هو من ضعفت صناعته.


ولخطورة الشعر ومكانته في علم الادب قال هلال بن العلاء : يستدل على عقل الرجل بعد موته بكتب صنفها وشعر قاله وكتاب انشأه
وقال : ابو عمرو بن العلاء يكون الإنسان في فسحة من عقله وفي سلامة من افواه الناس ما لم يضع كتابا او يقل شعرا

قال العتابي : من صنع كتابا فقداستشرف للمدح والذم فإن أحسن فقد استهدف للحسد والغيبة وإن ساء فقد تعرض للشتم واستقدف بكل لسان ((وهذا ينطبق على الشعر أيضا ))


وهنا وبعد هذا العرض الموجز لمكانة الشعر يأتي موضوع السؤال :


لماذا يخاف الشاعر من النقد ؟؟؟


وجواب هذا السؤال هو : ان الشعر مرحلة من الجنون ، ولحظة من فقدان الشعور بالواقع ، والسباحة في تيار العواطف ، وموجات المشاعر ،
فالشاعر في تلك اللحظة يخرج ما تركز في اعماق قلبه من تلك المشاعر والعواطف والافكار والحب والكره ، ففي تزاحم هذه الامور في قلبه وفكره تنقذف على لسانه كلمات على وزن وقافية يسمى الشعر فإذا بها يكشف ما ستر وفضح من وجب له الحرمة

وهذا هو الفرق بين الشاعر المجود وبين من يعرف الوزن والقافية فقط

كما قيل: من الشعراء المشهورين، مشهود له بالفضل الوافر، وحدّة الخاطر، واختراع المعاني الأبكار، وافتراع بنات الأفكار. كان أوحد عصره، في نظمه ونثره. سلس اللّفظ، رائق المعنى، سلس الأسلوب، ذو الدُرّ الحلوب، والبِشر الخَلوب.


فالشعر قطعة من عقل الشاعر كما قال عمرو بن العاص: ظن الرجل قطعة من علمه، ولسانه قطعة من عقله.

، وهي روحه الخالدة على مر الايام والليالي

كما قال الشاعر :
فإن أهلك فقد أبقيت بعدي قوافٍ تعجب المتمثلينا .

لذيذات المقاطع محكمات لو أن الشعر يلبس لا رتدينا

وقال أبو تمام :

ووالله لا أنفك أهدي شواردا إليك يحملن الثناء المنخلا .

تخال بها بردا عليك محبرا وتحسبها عقدا عليك مفصلا .

ألذ من السلوى وأطيب نفحة من المسك مفتوقا وأيسر محملا .

أخف على الروح وأثقل قيمة وأقصر في سمع الجليس وأطولا .

ويزهى به قوم ولم يمدحوا بها إذا مثل الراوي بها أو تمثلا .


وهنا يغضب الشاعر اذا وجد شاعرا قد سرق شعره ، وغير فيه كما حدث لبشار بن برد مع سلم الخاسر :
غضب بشار على سلم الخاسر وكان من تلامذته ورواته فاستشفع عليه بجماعة من إخوانه فجاءوه في أمره فقال لهم كل حاجة لكم مقضية إلا سلما قالوا ما جئناك إلا في سلم ولا بد من أن ترضى عنه لنا فقال أين هو الخبيث قالوا ها هو هذا فقام إليه سلم فقبل رأسه ومثل بين يديه وقال يا أبا معاذ خريجك وأديبك فقال يا سلم من الذي يقول
( مَنْ راقَبَ الناسَ لم يَظفَرْ بحاجته ... وفازَ بالطّيباتِ الفاتِكُ اللَّهجُ )
قال أنت يا أبا معاذ جعلني الله فداءك قال فمن الذي يقول
( مَنْ راقَبَ الناسَ مات غَمّاً ... وفاز باللَّذَّةِ الجَسُورُ )
قال خريجك يقول ذلك يعني نفسه وهو يقول له يا فاسق أتجيء إلى معنى قد سهرت له عيني وتعب فيه فكري وسبقت الناس إليه فتسرقه ثم تختصره لفظاً تقربه به لتِزري علي وتذهب بيتي قال فما زال يتضرع إليه ويشفع له القوم حتى رضي عنه

فأفكار الشعراء قطعة من عقلهم وجزء من روحهم

كما قالت العرب :وقد كان الأجواد يتغايرون على بناتِ الأفكار كتغايرهم على البنات الأبكار.

وترجمه الحريري في مقاماته فقال :فقالَ لهُ الشيخُ: ويْلَكَ وأيُّ رَيْبٍ أخْزى منْ رَيْبِكَ. وهلْ عيبٌ أفحَشُ منْ عيبِكَ؟ وقدِ ادّعيتَ سِحْري واستَلْحَقتَهُ. وانتحَلْتَ شِعْري واستَرَقتَهُ؟ واستِراقُ الشّعرِ عندَ الشّعراء. أفظَعُ منْ سرِقَةِ البَيْضاء والصّفْراء. وغَيرَتُهُمْ على بَناتِ الأفكارِ. كغيرَتِهِمْ على البَناتِ الأبكارِ.

 


هذا حال الشاعر فما حال الناقد ؟؟؟؟


معرفة نقد الشعر:


قال أبو عمرو: انتقاد الشعر أشد من نظمه، واختيار الرجل الشعر قطعة من عقله. وقيل: إنما يعرف الشعر من دفع إلى مضايقه. وقيل: كن على معرفة الشعر أحرص منك على عقله. وقيل: إنما يعرف الشعر من دفع إلى مضايقة. وقيل: كن على معرفة الشعر أحرص منك على حوكه.

وقال الفرزدق: لا يكون الشاعر متقدماً حتى يكون باختيار الشعر أحذق منه بعمله

سمعتُ الجاحظ يقول: أجود الشعر ما رأيته متلاحم الأجزاء، سهل المخارج، كأنّه قد سُبك سبكاً واحداً، فهو يجري على اللسان كما يجري فرس الرِّهان؛ وحتى تراها مُتَّفِقَةً مُلساً، وليِّنةً المعاطف سهلة، فإذا رأيتها مُتَخَلِّعَةً متباينةً، ومتنافرةً مستكرهة، تشقُّ على اللسان وتَسْتَكِدُّهُ، ورأيت غيرها سهلةً ليِّنةً رطبةً، متواتيةً سلسةً في النظام، حتى كأنّ البيت بأسره كلمة واحدة، وحتى كأنّ الكلمة بأسرها حرف واحد لم يخف على من كان من أهله.
وقال الناشئ أبو العباس في نقد الشعر: الشعر قيد الكلام، وعقال الأدب، وسور البلاغة، ومحل البراعة، ومجال الجنان، ومسرح البيان، وذريعة المتوسل، ووسيلة المتوصل، وذمام الغريب، وحرمة الأديب، وعصمة الهارب، وعذر الراهب، وفرحة المتمثل، وحاكم الإعراب، وشاهد الصواب.
فإن القصيدة مثلها مثل خلق الإنسان في اتصال بعض أعضائه ببعض، فمتى انفصل واحد عن الآخر وباينه في صحة التركيب غادر بالجسم عاهة تتخون محاسنه، وتعفي معالم جماله، ووجدت حذاق الشعراء وأرباب الصناعة من المحدثين يحترسون من مثل هذه الحال احتراساً يحميهم من شوائب النقصان، ويقف بهم على محجة الإحسان.


في نقد الشعر
وحدثت أن الكميت بن زيدٍ أنشد نصيباً فاستمع له، فكان فيما أنشده:
وقد رأينا بها حوراً منعمة ... بيضاً تكامل فيها الدلُّ والشنبُ1
فثنى نصيب خنصره، فقال له الكميت: ما تصنع? فقال: أحصي خطأك، تباعدت في قولك: "تكمل فيها الدل والشنب".
هلا قلت كما قال ذو الرمة:
لمياء في شفتيها حوة لعسٌ ... وفي اللثاث وفي أنيابها شنبُ
ثم أنشده في أخرى:
كأن الغطامط من جريها ... أراجيز أسلم تهجو غفارا 2
فقال له: نصيب: ما هجت أسلم غفاراً قط، فاستحيا الكميت فسكت.
قال أبو العباس: والذي عابه نصيب من قوله: "تكامل فيها الدل والشنب".
قبيح جداً، وذلك أن الكلام لم يجر على نظم، ولا وقع إلى جانب الكلمة ما يشاكلها، وأول ما يحتاج إليه القول أن ينظم على نسق، وأن يوضع على رسم المشكلة.
وخبرت أن عمر بن لجأٍ قال لابن عم له: أنا أشعر منك، قال له، وكيف? قال: لأني أقول البيت وأخاه، وانت تقول البيت وابن عمه.

قال أبو بكر: نقد الشعر وترتيب الكلام، ووضعه مواضعه، وحسن الأخذ، والاستعارة، ونفى المستكره والجاسي صنعةٌ برأسها، ولا تراه إلى لمن صحّت طباعهم، واتّقدت قرائحهم، وتنبهت فطنهم، وراضوا الكلام، ورووا وميَّزوا.
هذا شاعر حاذقٌ مميِّز ناقد، مهذّب الألفاظ، مثل البحتريّ، لم يكمل لنقد جميع الشعر. ولو أنّ نقد الشعر والمعرفة كان يدرك بقول الشعر وبالرواية، لكان من يقول الشعر من العلماء ويعرض له أشعر الناس.
هذا الخليل بن أحمد، وحمّاد الراوية، وخلفٌ، والأصمعيّ وسائر من يقول الشعر من العلماء، ليس شعرهم بالجيِّد من شعر زمانهم، بل في عصر كل واحدٍ منهم خلقٌ كثيرٌ ليس لجماعتهم علم واحد من هؤلاء، وكلُّهم أجود شعراً. فقد يقول الشعر الجيِّد من ليس له المعرفة بنقده، وقد يميِّزه من لا يقوله.

ويقول في الشعر:
" الشعر ينقسم ثلاثة أقسام: صناعة وطبع وبراعة. فالصناعة هي التأليف الجامع للاستعارة بالأشياء والتحليق على المعاني والكتابة عنها، ورب هذا الباب من المتقدمين زهير بن أبي سلمى ومن المحدثين حبيب ابن أوس. والطبع هو ما لم يقع فيه تكلف وكان لفظه عاميا لا فضل فيه عن معناه حتى لو اردت التعبير عن ذلك المعنى بمنثور لم تأت بأسهل ولا أوجز من ذلك اللفظ. ورب هذا الباب من المتقدمين جرير ومن المحدثين الحسن (بن هانئ)، والبراعة هي التصرف في دقيق المعاني وبعيدها، والإكثار فيما لا عهد للناس بالقول فيه، وإصابة التشبيه وتحسين المعنى اللطيف، ورب هذا الباب من المتقدمين امرؤ القيس ومن المتأخرين علي بن عباس الرومي؟ ومن أراد التمهر في أقسام الشعر ومختاره وافانين التصرف في محاسنه، فلينظر في كتاب قدامة بن جعفر في نقد الشعر،
وأقول: إنّ نقدَ الشعر صناعةٌ لا يعرفها حقَّ معرفتِها إلا مَنْ قد دُفع الى مضائِقِ القريض وتجرّع غُصَصَ اعتياصِه عليه، وعرَفَ كيف يتقحّمُ مهاويَهُ ويترامى إليه. قال أبو العبّاس محمّد بن يزيد المبرّد: قال لي عُمارةُ بن عقيل بن بلال بن جرير قال لي مروان بن أبي حفصة: إنّ المأمونَ لا بصيرةَ له بالشعرِ، قلت له: وكيفَ ذاك، وإنّا لَنُنشدُهُ صدْرَ البيت فيسبقُنا الى عجُزِه ولم يكن قد سمِعَه من قبل؟ قال: إنّي قلت فيه شِعراً جيداً فلم يهتزَّ له، قال: فقلت له: وما الذي قلت فيه؟ فأنشدني:
أضْحى إمامُ الهُدى المأمونُ مُشتَغِلاً ... بالدينِ والناسُ بالدنيا مشاغيلُ
قال: فقلتُ له: ما صنعتَ شيئاً، وما زِدْتَ على أنْ جعلتَه عجوزاً في محرابها بيدِها سُبْحَتُها، فمن يقوم بأمر الدنيا إذا كان الخليفةُ مشغولاً عنها، وهو المطوَّقُ أمرَها؟ هلاّ قُلتَ كما قال عمُّك جرير في عبدِ العزيز بن الوليد بن عبد الملك:
فلا هُوَ في الدُنيا مُضيعٌ نصيبَهُ ... ولا عَرَض الدنيا عن الدينِ شاغِلُهْ
وهذا نقْدٌ حسَن.

وحكى أبو عثمان الجاحظ قال: طلبتُ علمَ الشعر عند الأصمعيّ فوجدتُه لا يعرفُ إلا غريبَه، فرجعتُ الى الأخفش فوجدته لا يتقنُ إلا إعرابَه، فعطفتُ على أبي عبيدة فرأيته لا ينفُذُ إلا فيما اتّصل بالأخبار وتعلّق بالأيام والأنساب، فلمْ أظفَر بما أردتُ، إلا عند أدباء الكتاب؛ كالحسَن بن وهْب ومحمد بن عبد الملك الزّيات، فلله درُّ أبي عثمان، لقد غاص على سرِّ الشّعر، واستخرجَ أدقَّ من السِّحر، والشاعرُ يُحكَم له على الشاعر ببَيت واحد، والبيتُ يُفضَّل على البيت بكلمة واحدة، ألا ترى الى قول امرئ القيس:
وقوفاً بها صَحْبي عليَّ مطيَّهمْ ... يقولون لا تَهْلِكْ أسىً وتَجمَّلِ
وقول طرَفة البيت بجملته، ثم ختمه بقوله: وتجَلَّدِ، وهما شاعران مُفْلِقان، وقدّرنا أنهما قد تواردا، ولم نحْكُم على طرَفَة بالسّرِقة، ودُعينا الى الحُكم بينهُما، وتفضيل أحد البيتَيْن على الآخر، وليس فيهما من الاختلاف سوى التجمّل والتجلُّد. فمن النَقْدِ الحسَن تفضيلُ التجمُّل على التجلّد، والحكم بالبيت لصاحبِه، لأنّ التجمل إبداءُ تحسُّنٍ عن قوة ومادة متصلة منَ المَكِنَة. والتجلّد إبداُ تحسُّنٍ عن ضعفٍ، ومادةٍ متصلةٍ من العجْزِ، وبين اللفظتين بوْنٌ بَعيد. ولو دُعينا الى الحُكم بين لَقيط بن زُرارة ومن حَذا حَذوَه في قوله:
فتىً يشتري حُسْنَ الثّناءِ بمالِه ... ليَبْقى وما أبقيتَ مثلَ المَحامِدِ
وقول الحكميّ:
فتىً يشْتري حُسْنَ الثّناءِ بمالِه ... ويعلمُ أنّ الدائراتِ تَدورُ
وقول الآخر:
فتىً يشتري حسنَ الثناءِ بمالِه ... إذا السَّنةُ الشهْباءُ قلّ قِطارُها

 

 

 





التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !