تركي الدخيل
قريباً يبدأ معرض الكتاب في الرياض؛ أحد أهم معارض الكتب العربية. بإمكان أي متابع أن يتوقع جدلاً مكرراً إلى درجة الملل، حول الكتب المتاحة، والكتب الممنوعة. سؤالي: لماذا نخاف من الكتاب؟!
الكتاب ليس له أسنان تعضك، وهو لا يؤذيك، بل هو نعم الصديق والرفيق. تقرؤه على كل حالاتك. على جنبك، أو مستلقياً في البيت والمقهى والمكتب. الكتاب هو نافذة أساسية للعالم، وكل العباقرة شقوا طرق المعارف عبر بوابة الكتاب. بعضنا ما زال يتعامل مع الكتاب على أنه نوع من الممنوعات وصنف من المحرمات. أحد الأصدقاء يحذره والده من كثرة القراءة لأنها ربما تؤدي به إلى الجنون!
بعض الكتب أحيل أصحابها للمحاكمات، وأخطر أنواع المحاكمات تلك التي تصدر من المجتمع، وخاصةٍ أن أكثر الذين يحكمون على الكتب هم أناس لم يقرؤوها. وقد جربت هذا في كتابي: "كنت في أفغانستان" بعض الصحفيين الذين كتبوا عنه، أثبتوا أنهم لم يقرأوا حتى المقدمة. أحدهم كتب إنني ذهبت مجاهداً مع أن الكتاب توثيق لرحلة صحفية قابلت فيها عدة أطراف. إنه نموذج للحكم على الكتاب سماعياً لا عبر القراءة والمطالعة!.
من المفارقات العجيبة أن كتب الوزير غازي القصيبي بقيت ممنوعة إلى فترة قريبة. وروايته "شقة الحرية" لم تر النور إلا بعد طول منع؛ مع أنها من أهم النصوص التي كتبت في الأدب الخليجي على الإطلاق.
كيف سيمر المعرض؟ هل سيستفيد القيمون عليه من دروس الماضي؟
قلتُ: أتمنى أن يكون الجدل المصاحب للمعرض أرقى مما كان عليه في السنوات الماضية، أن يكون فكرياً حول محتوى الندوات، أو الأفكار، أو المحاضرات التي تطرح، نأمل ألا يكون المعرض بكل قيمته مختصراً بمثقف مد يده لمصافحة مثقفة، أو برجل هيئة يقبض على كاتب لأنه وقع كتاباً لامرأة. أتمنى أن نرقى باهتماماتنا بمستوى رقي المعرض وبمستوى ما يحمله من عناوين مهمة. إن المعارض الدولية في كل مكان تعنى بالموضوعات الفكرية والندوات المطروحة على هامشها. لا ينشغلون بكتاب يسحب من هذه الدار، أو بمثقف ألقى تحية على امرأة.
قال أبو عبدالله غفر الله له: إن معرض الرياض للكتاب نقلة نوعية في مسيرة الثقافة السعودية، لكن تكرار الأخطاء التي حصلت في الماضي فيه علامة ضعف وعدم استفادة من التجارب. آن الأوان أن نخرج المحافل من هيمنة الأحزاب والتيارات سواءٌ دينية كانت أم ليبرالية. أن نضعها في حيز الوطن بشموله وسعته. أن نكف عن توظيف المناشط والمحافل لصالح أفكارنا وآرائنا. أن نتطور ونرتقي بفكرنا عن الهواجس. أن نحرر الكتب من مشارط الرقيب. هذا هو طموحنا الذي نتمنى أن نراه واقعاً على ساحة المعرض.
التعليقات (0)