مواضيع اليوم

لماذا ننتظر دي مستورا؟!

عبدالرحمن ربوع

2016-09-06 14:40:42

0

لا يملك السوريون من أمر واقعهم شيئا منذ أن تم تدويل قضيتهم بحثا عن حل ينهي الحرب ويضع حدا للمأساة الإنسانية التي نزلت بالبلد وأهله وامتدت آثارها إلى خارج الحدود، بعد أن أثبتوا عجزا من النظام عن قمع الثورة وعجزا من الثوار وفصائلهم عن الحسم الميداني وإفلاسا وتهافتا من المعارضة السياسية التي تم تصدريها للمشهد كمقابل وبديل عن النظام.
سنتان وشهران مرتا على استيفان دي مستورا وفريقه منذ أن باشر الملف السوري بحثا عن حل أو خارطة طريق استهلكت آلافا من ساعات العمل واللقاءات والمشاورات والزيارات وتقديم ودراسة المقترحات ومازلنا بانتظار مناقشة مسودة مبادرته الأخيرة في مجلس الأمن يوم الجمعة 23/9 القادم، وربما لا تكون الأخيرة إن لم يتم التوافق عليها أو تم الطعن عليها بالفيتو.
وحتى مشروع مبادرة دي مستورا لا يعدو عن كونه خطوطا عريضة تفاصيلها موجودة "ربما" في أذهان معديها وهي تفاصيل من المؤكد أنها مختلفة بالكلية عن رؤية هذه التفاصيل في أذهان النظام وحلفائه وأذهان المعارضة بألوانها وأقسامها.
مهما بدت مظاهر الجدية والاهتمام على سحنة أي مبعوث أو مفوض أو مسئول دولي وتعابير وجهه فهي مجرد مظاهر احترفوا أداءها والإيحاء بها أمام الجمهور والمتلقين والمتفاعلين والمتعاملين معهم ولا تعكس بالضرورة القدرة على فهم الواقع والتعامل معه تحليلا وتفكيكا وإعادة بناء واقتراح حلول ومبادرات.
والتجارب السابقة التي عايشها وتابعها السوريون والعالم منذ انتداب محمد الدابي في أيلول/سبتمبر 2011 مندوبا عن الجامعة العربية، ثم كوفي أنان الذي باشر مهمته في 23 شباط/فبراير 2012 مندوبا دويا وعربيا، لكنه لم يصمد إلا قرابة 6 أشهر معلنا استقالته في 30 آب/أغسطس، ثم الأخضر الإبراهيمي الذي استلم الملف مندوبا عربيا ودوليا في آب/أغسطس 2012 واستقال في 13 أيار/مايو 2014 وحتى المندوب الدولي العربي دي مستورا تموز/يوليو 2014 وحتى الآن، لم تؤكد إلا العجز والفشل، ولسنا ننسى غياب كوفي أنان عن اجتماع أصدقاء سوريا في باريس في السابع من تموز/يوليو 2012 حين تساءل الشيخ عبدالله بن زايد عن سبب عدم حضوره للاجتماع، والذي فهمه الجميع أن أنان أعلن إفلاسه وأنه لم يعد لديه ما يقوله أو يقدمه كمخرج لحالة الاستعصاء السورية المزمنة بسبب تعنت النظام وبعد "زفة" تلقاها شفاهة من بشار الأسد عندما وبخه على عجزه عن لجم الدول التي تدعم "الإرهاب" في سوريا.
كما أن التجارب الدولية السابقة في معظمها لم تثبت أي نجاح لأسلوب إرسال أو انتداب مبعوثين دوليين إلى أي صراع طالما لم يكن هناك توافق دولي ورغبة في الحل وقدرة لأحد القطبين على الضغط على القطب الآخر أو إمكانية لأحد الطرفين أن يتنازل للطرف الآخر ولو بشرط أو بمقابل مرعاة لمبدأ "لا غالب ولا مغلوب" في حل الصراعات المحلية والحروب الأهلية والذي لا يمكن في سوريا تجنبه. ثم إنه لا أحد يذكر أي نجاح لأي مبعوث دولي في حل أي صراع نشأ خلال خمسة أو ستة عقود خلت في أي مكان في العالم، اللهم إلا إذا اعتبرنا مشاوراته ولقاءاته بأطراف الصراع مقدمة لحل متوافق عليه دوليا.
وهناك مثالب أخرى فرعية وشكلية تعتري تدويل الملف السوري واستلام الأمم المتحدة له، أهمها التوقفات والعطالة لأسباب كثيرة معظمها مخجل ومحبط كالإجازات الصيفية والشتوية والمناسبات الشخصية، وكل هذه التوقفات دفع ويدفع السوريون ثمنا لها دماءا وخرابا ونزوحا وشللا عاما لكل قطاعات الإنتاج وجيلا ينشأ على الحرمان وانعدام التعليم وهزالة الرعاية الصحية، وأرضا جرثمتها الألغام والقنابل العنقودية ورماد الفوسفور وأصابها البوار واحتلتها جبال أكوام مخلفات الدمار وانهارت كل البنى التحتية للمرافق الأساسية لمعظم المدن والحواضر السورية.
ولكن لماذا لا يمكن التفاوض المباشر بين النظام والمعارضة مع أنه لم يتوقف منذ بداية الثورة وحتى اليوم بين النظام الفعاليات المدنية والفصائل العسكرية لأجل إطلاق معتقلين أو تبادل أسرى أو مرافق الخدمات من مياه وكهرباء وفتح ممرات لقوافل المساعدات أو البضائع وإن كان على مستوى محلي ضيق؟.
لا شك أن المصالح الآنية والفئوية والمحلية تختلف عن الأمور العامة والشاملة والاستراتيجية كموضوع إيقاف الحرب وحل النزاع، لأن الأمر يتحول من مصلحي إلى مصيري، مصيري بالنسبة للنظام وبعض الأطراف التي تعتبر وجودها واستمرارها مهدد بأي عملية سياسية وبالتالي يقف حجر عثرة وسدا متماسكا في مواجهة أي حل، فوجودهم قائم على "أساس الأسد أو نحرق البلد" و"ماحررناه بالدماء لن نتخلى عنه للعامة والدهماء".
إذا هؤلاء لا يمكن الجلوس معهم، إن قبلوا الجلوس، فالمسألة بالنسبة لهم تتعلق بالوجود، وكذلك حلفاء النظام من إيرانيين وروس، الإيرانيون استثمروا بالمليارات في سبيل تحقيق حلم الهلال الشيعي من طهران إلى بيروت، وقضوا سنين يعملون ويكدون مع حليفهم الأسد الأب والابن لإنجازه، والهزيمة في سوريا معناها انهيار كامل للمشروع الحلم، وخطر سيرتد إلى عقر دار المرشد ونظامه الملالوي، والأمر مقارب بالنسبة للروس الذين يريدون الاحتفاظ بقاعدتهم في مياه المتوسط الدافئة أسوة بكل الدول العظمى التي لها قواعد وأساطيل في المنطقة ويخشون أن تقطع رجلهم في سوريا للأبد إن رحل الأسد، كما يريدون جعل الورقة السورية ورقة مقايضة في المسألة الأوكرانية وأسباب أخرى نفسية وتاريخية تتصل بالصراع المزمن بين روسيا والغرب.
وفي المقابل هناك المعارضة السياسية "النوسية" التي تتقاذفها دول المنطقة والعالم وحتى النظام وهي معدومة البرنامج والرؤية وتم تصدريها إلى المشهد كتكملة للديكور وضمانة لتعطيل أي حل أو ما ينتج عن أي حل نهائي. والمعارضة المسلحة التي أيضا تحركها غرف الدعم ونصائح "تعليمات" الأشقاء والأصدقاء كما تحركها المعطيات الضبابية وقصر النظر والمغامرات والعفوية، وسط تشرذم وضعف تنسيق وعجز عن الحسم لأسباب ذاتية أو خارجة عن استطاعتها وإمكانياتها اللوجستية والتكتيكية المتواضعة.
وبالمحصلة يبدو أنه ليس أمام السوريين إلا ما يقدمه دي مستورا "مطبوخا" على نار هادئة، آخذا وقته في التحضير والتجهيز ليس لأوراقه ومقترحاته فقط، بل للسوريين أنفسهم ولمن أقحمهوا أنفسهم أو أقحِموا في المسألة السورية، متأملا أن يقبل الجميع وأن يعملوا وفق ما يقترح من حل وخارطة طريق، دون أن يكون ذلك نهاية حقيقية للصراع وإنما مجرد نهاية مرحلة وبداية مرحلة جديدة أقل دموية.




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !