لا جدلية في أن شبكة الانترنت قد أعطتنا فضاءً فسيحاً وولوجاً سريعاً لما نكتبه من مقالات ودراسات نسرد خلالها أفكارنا وثقافتنا، والأهم من ذلك يتنفس قلمنا من رئة التاريخ حين تعيد موضوعية الأحداث الراهنة استنساخ ماضي الحدث ذاته وإن كان أبطاله شخوصاً مختلفين تماماً... فطبائع البشر تبقى هي ذاتها مهما اختلفت العصور والأزمان. الكتابة شيئ جميل وممتع فهي بناء تخطه بقلمك ولكن من يدفعك ويحفزك لذلك هو تفرد عقليتك ومكنوناتها الثقافية والمعلوماتية إلى جانب خبراتك الحياتية، وكل ذلك يجعلك قادراً على التعبير الفكري من خلال ميكانيكية القلم أو الكيبورد فتحول هلامية الفكرة في عقلك إلى مارد الكلمات في صياغات جملية تكون أداة التواصل ما بين المكنونات الفكرية للكاتب وبين الأفراد والمجتمعات القريبة منك وتتشارك معهم بلغة تواصل واحدة تكون دارجة في واقع ديموغرافي كبير متعدد المستويات بدءً من الجاهل وإلى المفكر وما بينهما من تنوع للثقافات. ولهذا فإن القراءة هي غذاء للروح، وتنوير للعقل، وملذة للفؤاد، ومرحلة للتطور وإنشاء الحضارات، والأهم من هذا كله هي أداة للتواصل الاجتماعي والفكري منذ أن كانت مقتصرة على الرسالة والصحيفة والكتاب وتحولت إلى أن أصبحت فضاء الانترنت....
لماذا نكتب إلى الآن في حين أن الانترنت يحتوي على المليارات بل التريليونات من كنوز المعرفة من المواضيع والمقالات والكتب وبكافة اللغات؟! برأيي أن الكتابة فيها نوع من الإدمان الحركي والفكري، وأعتقد أن أغلب الكتاب ومنذ عشرون سنة ماضية لم يأتوا بجديد!! وأعتقد أن الفكر البشري يحتاج إلى التجديد من خلال إعادة التأهيل لدورة حياة البشر على الأرض. فأنا أعتقد أن الأرض ومن عليها تستصرخ الدمار الشامل لإعادة بنائها من جديد، بشراً وفكراً وحجراً، فالجاهلية في وقت من الأوقات تكون مطلباً عندما تستنزف الأرض جميع مصادرها وأولهم البشر. وبصراحة أنا أكتب مقالي هذا لأعبر عن ما يجول بفكري بل ومطالباً به وبإلحاح بضرورة تفعيل ساعة الصفر للتصادم الكوني في سبيل الدمار اللاجزئي للأرض مع بقاء القلة القليلة من البشر كي تعيد الأرض تجديد مصادرها بكل أريحية.
يبدو أنني شطحت قليلاً ولكن الشيئ بالشيئ يذكر.... أما لماذا نكتب؟! أعتقد أن الكتابة هي نعمة إلاهية يهبها الله للبعض.... فأن تكتب فإن الأغلب يستطيع الكتابة، ولكن أن تقرأ فقلة منا ممن يقرأ.... أما أن ترغم الناس على القراءة لك!! فهذا أنا من أسميه "يكتب" أو "كاتب". فمن يستطيع أن يحول بكتاباته جماهيره من القلة القارئة إلى الأغلبية غير القارئة فهو كمن امتلك مجموعة سدود بشرية يستطيع أن يوجههم كيفما يشاء. ولي هنا تجربة عملية في هذا الشأن... فقد كانت كتاباتي سابقاً جميعها محرضة للشعوب للانتفاض على واقعها المزري بل ودافعة لإزالة أنظمة حكمها، لأنني أعتقد ومازلت أن في سبيل القضاء على اسرائيل يجب على الشعوب القضاء أولاً على أنظمتها المترهلة والمتعاملة مع الامبريالية والصهيونية، ولعل ما رأيناه في حسني مبارك لهو أبلغ دليل. ولكن بعد أن لمست أن ثمن إزالة النظام وجوقته الشبه حاكمة معه هو تدمير لهذه الدول وتفعيل للانقسام الطائفي والمذهبي والعرقي أيضاً... ندمت على أنني كنت واحداً ممن يتحملون مسؤولية التفتيت والتجزئة لواقع الدول العربية الآني إلى مستقبل يضم دويلات ومماليك صغيرة تسطيع الدولة الصهيونية السيطرة عليها بكل سهولة.
لماذا نكتب؟ لقد صدمت مؤخراً حين قرأت مقالا للأستاذة نورة السعد الكاتبة في جريدة المدينة السعودية وهي تعلق على مقال لي كتبته منذ ثمان سنوات وبالتحديد نوفمبر 2003، وتدرج في مقالها فقرات كبيرة وكثيرة من المقال معلقة ايجاباً وسلباً عليه. حينها شعرت بالندم على ما فعلته من أعمال تحريضية للشعوب والنتيجة الدمار والقلاقل والتفتيت! لهذا أن يقرأ لك فهذه والله هي المعجزة التي يحاول كل كاتب أن يجنيها في نهاية المطاف ولكن أن تُنْبَشْ الشبكة العنكبوتية لانتقاء ما كتب قديماً وكان له وقعٌ في المستقبل فهي تالله قمة ما يسعى له كل صاحب رؤية وفكر. فعلى قدر سعادتي كانت تعاستي لأن واقع ما يحدث في الدول العربية لا يسر ولا كان هدفي ومبتغاي، فلم أكن يوماً أتصور حجم الخسة والنذالة لأنظمة الحكم العربية أن تكون بهذا الحجم والمقدار!! ولم أكن أعلم أن تلك الأنظمة فاقدة لأي علاقة مع الله أو أي إلاه آخر "وضعي" كالبوذية وما يشابهها.... لقد صدمت وأكاد أن أصاب بلوثة عقلية جراء ما أكدته لي المشاهد في أن جميع أنظمة الحكم العربية بلا استثناء لا ربٌ لها إلا... "الماسونية".
أما لمن ندون؟ بكل جرأة أقولها..... إلى كل مغفل مثل أفضالي (أنا سالم أيوب) وآخرون كانوا سبباً في دمار المجتمعات العربية وتفتتيها وشرذمتها! ولهذا أعتذر منكم جميعاً وأرجوا أن يكون جزائي اللإلاهي مرؤوفاً... فلم أكن قاصداً لما سارت عليه الأمور، وأضعُ كذلك دماء ألوف الضحايا التي أريقت في شوارع الانتفاضات ضد الحكام في ذمتي. إنا لله وإنا إليه راجعون.
كتب : سالم أيوب
التعليقات (0)