الشعب يريد انهاء الانقسام، شعار يرفعه الكل الفلسطيني، ولكن عند محاكاته للواقع السياسي الفلسطيني وللمؤسساتية السياسية يصبح بعيد المنال، فكيف بدأ الانقسام؟ وما هي الأسباب التي تقف حائلاً دون تحقيق المصالحة؟ وما هي أفضل السبل لتحقيق المصالحة الوطنية؟
لا يختلف اثنان في الشارع الفلسطيني على أهمية المصالحة ليس في هذا الوقت فحسب، بل في كل الأوقات، كونها صمام الأمان لكل قضايا مجتمعنا، وعلى رأس تلك القضايا تحرير الأرض من دنس الاحتلال.
أولاً: نبذة عن الانقسام بين حركتي فتح وحماس
شكّل فوز حركة حماس بـ (76 مقعداً) من مقاعد المجلس التشريعي الفلسطيني في انتخابات نزيهة جرت في الخامس والعشرين من يناير/2006م، زلزالاً سياسياً هزت ارتداداته مراكز صنع القرار في العالم أجمع، ونالت حركة فتح نصيب الأسد من تلك الارتدادات السياسية، حتى أصبحت الحالة السياسية الفلسطينية جاهزة لاستيعاب التدخلات والتداخلات الخارجية، والتي لم تكن في يوم من الأيام تصب في مصلحة الشعب الفلسطيني وقضاياه العادلة.
فخرجت الفوضى الخلاقة من لسان وزيرة الخارجية الأمريكية المنصرفة كونداليزا رايس، لتتجسد في خطط عسكرية وأمنية للالتفاف على خيار الشعب الفلسطيني الديمقراطي، فسقطت كل الخطوط الحمر، فقتل من قتل وجرح من جرح، وتجسّد الانقسام السياسي والجغرافي بين الضفة الغربية وقطاع غزة.
ثانياً: الأسباب التي تقف حائلاً أمام تحقيق المصالحة
عشرات المبادرات الفلسطينية والاقليمية لرأب الصدع بين حركتي فتح وحماس جميعها باءت بالفشل، فيا ترى من السبب؟ فتح أم حماس أم الوسطاء أم شيئ آخر....؟
أعتقد أن من أهم الأسباب التي تقف أمام فشل جهود المصالحة يتمثل بــ :
1- ببنية ووظيفة النظام السياسي الفلسطيني.
2- الخلفية الثقافية والتعبوية التي تتمتع بها قيادات وقواعد الحركة الوطنية الفلسطينية.
3- تصادم المصالحة بالمصالح عند الوسطاء على الصعيد الداخلي، وانسجامها مع سياسة المحاور والأحلاف في منطقتنا العربية لدى الوسيط الخارجي.
1- ببنية ووظيفة النظام السياسي الفلسطيني:
بات من شبه المؤكد أن أحد أهم الأسباب للإنقسام والإقتتال بين حركتي فتح وحماس هو عدم قدرة النظام السياسي الفلسطيني لاستيعاب نتائج الانتخابات التشريعية(2006)، فحركة فتح كانت تسيطر على كل السلطات، وكانت هي الرئاسة والحكومة، وهي السلطة التشريعية والقضائية، وعلى الرغم من ذلك اصطدمت مؤسسة الحكومة والذي كان يترأسها (محمود عباس) مع مؤسسة الرئاسة (ياسر عرفات) عام 2003، هذا الاصطدام أخذ أشكالاً أخرى بعد فوز حركة حماس في الانتخابات التشريعية، وظهرت عورة النظام السياسي الفلسطيني، وتداخلت الصلاحيات، وتصادمت البرامج السياسية، وفسّر القانون الأساسي بما يخدم مصالح البعض، وتعارضت رؤى البعض مع وظيفة المؤسساتية السياسية الفلسطينية، والتي تتلقى تلك المؤسسات أموالاً نظير تنفيذ وظائفها الأمنية التي رسمتها لها اتفاقية أوسلو وخارطة الطريق وغيرها،
2- الخلفية الثقافية والتعبوية التي تتمتع بها قيادات وقواعد الحركة الوطنية الفلسطينية.
يجب أن نعترف أنه ومنذ نشأة الحركة الوطنية الفلسطينية وحتى يومنا هذا ضعفت التربية والثقافة الوطنية لصالح التربية الحزبية، لذلك خرج جيلاً أصبح اليوم في مراتب قيادية، فتسبب في تأخير نجاح المشروع الوطني، وربما يكون ذلك أحد أهم أسباب فشلنا في تحقيق المصالحة.
3- تصادم المصالحة بالمصالح عند الوسطاء على الصعيد الداخلي، وانسجامها مع سياسة المحاور والأحلاف في منطقتنا العربية لدى الوسيط الخارجي.
من يقود جهود المصالحة اليوم هم رجال أعمال، وأصحاب الإمبراطوريات الاقتصادية، وربما يتأثر بعضهم بتلك المصالح، فلن يقودوا مصالحة وطنية تتبنى الكفاح المسلح، لأن ذلك سيؤثر على مصالحهم الاقتصادية مع اسرائيل ومع محور الاعتدال، والعكس صحيح.
أما إقليمياً، فالمنطقة مقسمة الى محاور وأحلاف وبذلك سيعمل أي وسيط لتحقيق أهداف محوره، ولربما تعمل تداعيات الثورة على تحقيق مصالحة قومية تعمل على تذويب سياسية المحاور والأحلاف.
ثالثاً: أفضل السبل لتحقيق المصالحة الوطنية
لكي تنجح جهود المصالحة الوطنية لا بد من تحقيق ما يلي:
1- بناء إستراتيجية وطنية موحدة يشارك فيها الكل الوطني وتنسجم مع التغيير السياسي الذي تعبر عنه إرادة الشعوب، وتنسجم أيضاً مع فشل خيار المفاوضات والتنسيق الأمني، والتبعيات السياسية للغرب.
2- تشكيل لجان فنية ومهنية ودستورية لبدء العمل في إعادة بناء نظام سياسي فلسطيني في الداخل، تؤسس لانطلاق دولة مدنية .
3- تنفيذ ما جاء في اتفاق القاهرة 2005 فيما يتعلق بمنظمة التحرير الفلسطينية كنظام سياسي شامل لفلسطينيي الداخل والشتات.
4- البدء بمصالحة وطنية واجتماعية وسياسية بين الكل الفلسطيني على أساس ما سبق.
التعليقات (0)