تحتل الهجرة مكانة كبيرة في الأدبيات الدينية عند المسلمين. بل إن التأريخ الإسلامي يرتبط بحادث الهجرة النبوية من مكة إلى المدينة، والذي شكل منعطفا حقيقيا في مسار هذا الدين...
جاء في الحديث الذي رواه البخاري و مسلم بشأن الهجرة: حدثنا إسحاق بن إبراهيم : سمع محمد بن فضيل ، عن عاصم ، عن أبي عثمان ، عن مجاشع - رضي الله عنه - قال : (( أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - أنا وأخي ، فقلت : بايعنا على الهجرة ، فقال : " مضت الهجرة لأهلها " . فقلت : علام تبايعنا ؟ قال : " على الإسلام والجهاد")).وفي رواية أخرى : ((أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - بأخي بعد الفتح فقلت : يا رسول الله ، جئتك بأخي لتبايعه على الهجرة . قال : " ذهب أهل الهجرة بما فيها " فقلت : على أي شيء تبايعه ؟ قال : " أبايعه على الإسلام ، والإيمان ، والجهاد)). منطوق الحديث يدل على أن "لا هجرة بعد الفتح". أي أن هجرة الرسول و أتباعه من مكة إلى المدينة ارتبطت بعامل رئيسي يتعلق بحال المسلمين في مكة. فقد كان أغلب أتباع الدين الجديد من الفقراء و المستضعفين الذين نالتهم كل أشكال التنكيل من طرف أسياد مكة و أشرافها الذين رفضوا هذا الدين لأنه كان يهدد مكانتهم الإجتماعية في الصميم. لذلك كانت الهجرة بمثابة طوق نجاة من بطش الكفار في مكة. و كل من كان مؤمنا بالدين الإسلامي و بالرسالة المحمدية لبى نداء الهجرة باعتبارها واجبا شرعيا كان من اللازم الإمتثال له حتى يتم الحفاظ على هذا الدين. و هذا يعني أن دواعي الهجرة لم تعد قائمة بعدما تم فتح مكة و أصبحت دارا من ديار الإسلام، و لم يعد فيها ما يدعو إلى الخوف على الدين الإسلامي... لكن، و استنادا إلى المنطق السليم، فإن انتفاء أسباب الهجرة من مكة إلى المدينة بعد الفتح لا يعني أن واجب الهجرة الشرعي قد انتفى تماما. أي أن الهجرة واجب على كل مسلم لا يستطيع ممارسة شعائره الدينية بحرية و دون تضييق في أي مكان في العالم. فمتى وجد المسلم نفسه في مكان يحارب فيه دينه، وجب عليه تطبيق الأمر الشرعي بمغادرة هذا المكان حتى يفر بدينه من الفتنة...
يبدو أن حال المسلمين في الغرب، يستدعي التفكير من جديد في دلالة الهجرة ( الدينية) و ضرورتها، وذلك استنادا إلى الشكاوى الكثيرة التي يرفعها المسلمون أنفسهم، و يتهمون من خلالها الدول الغربية بمعاداة الإسلام و التضييق على المسلمين و سن قوانين تستهدفهم و تحاصر عقيدتهم... هؤلاء الذين يعتبرون أن سن تشريعات تنظم بناء المساجد أو تمنع المآذن أو تحظر النقاب... تمثل تضييقا على المسلمين، لابد و أنهم تبعا لذلك يعيشون في مناخ غير مريح و لا يسمح بإقامة شعائرهم كما يجب في بلاد المهجر. لذلك فهم مطالبون وفق الأمر الشرعي بالهجرة إلى بلاد يجدون فيها الأمن و الأمان. على هؤلاء أن يغادروا بلاد الكفار التي يحارب فيها الدين الإسلامي من خلال قوانينها و علمانيتها. عليهم أن يسرحوا في أرض الله الواسعة من أجل ممارسة العبادة في ظروف أفضل. فكل ما يحيط بهم في بلاد الغرب يمثل تهديدا لهويتهم و هوية أبنائهم الدينية. و بقاؤهم في تلك البلاد يعني تعريض عقيدتهم لخطر محدق بفعل طغيان قوى الشر و الضلال و جميع مظاهر الفتن و الإنحلال الأخلاقي و الفسق و الفجور...
طبعا هؤلاء الذين لا يملون من اتهام الغرب بكل أنواع الموبقات، رغم أنهم يعيشون هناك أوضاعا لا يحلمون بمثلها في بلاد المسلمين، لا يستطيعون تلبية مطلب الهجرة بإشراطاتها الدينية في هذه الحالة. لأنهم ببساطة لا يستطيعون أن يتخلوا عن رفاهية العيش و الإمتيازات الحقوقية التي يتمتعون بها في بلاد الكفر. هؤلاء الذين يلعنون العلمانية و يستظلون بظلها الوارف، يعبرون عن ازدواجية خطيرة في السلوك و التصرف، لأن الذي يرى في الغرب عدوا للإسلام لا يحق له أن يعيش مع الأعداء، لذلك يجب عليه حزم حقائبه و العودة من حيث أتى حفاظا على دينه الذي - يزعم - أنه يهان في الغرب، حتى يريح و يستريح. محمد مغوتي.26/12/2010.
التعليقات (0)