مواضيع اليوم

لماذا لا يراد لنا أن نقبل الآخر؟

محمد مغوتي

2010-11-02 12:07:42

0

          لماذا لا يراد لنا أن نقبل الآخر؟.
   يكتسي هذا السؤال مشروعيته من خلال الوقائع الكثيرة التي يظهر فيها مفهوم "الآخر" البشري في مجتمعاتنا كمرادف للعداوة و داع إلى التباعد و النفور. ويبدو أن الردم مازال واسعا بين الذات و الغير بشكل يلغي إمكانية بلوغ مشاركة وجدانية تؤسس لحضور فعلي لهذا الغير بوصفه " أنا آخر " يمثل امتدادا للذات و تعبيرا عنها بشكل مختلف.
    من المؤكد أن سؤال الأنا و الغير لا يقتصر على مجتمع دون آخر، ولا يخص طائفة بعينها، بل يمثل إشكالية حقيقية تتحكم تفاصيلها و مفارقاتها بشكل كبير في طبيعة وواقع العلاقة بين البشر سواء كانوا أفرادا أم جماعات في كل مناطق العالم. و قد انتبه الفكر الفلسفي إلى الموضوع منذ الجدل الهيغلي الذي وجد في حضور الغير ضرورة لا غنى عنها بالنسبة للأنا. ومن تم فلا معنى للأنا بدون حضور الآخر المختلف. لكن التعبير الذي ينطق بلسان الحال، و يختزل موقف الذات من الآخر، هو ذلك الذي وظفه فيلسوف الوجودية الفرنسي " جون بول سارتر" حينما قال: " الجحيم هو الآخرون ". وكلمة الجحيم في هذا المقام تنطق بحقيقة الشعور الذي يتكون عند كل واحد منا و هو في مواجهة مباشرة لغول اسمه " الغير ".
   و هكذا يبدو الآخر بوصفه نفيا للأنا، لكن سارتر نفسه يقول في تعريفه للغير " إنه الأنا الذي ليس أنا ". وهذا يعني أن حضوره بهذه الصفة يجعله حاملا لمفارقة أساسية في علاقته بالذات، فهو يؤشر للمخالفة ( ليس أنا )، لكنه يشير في الوقت ذاته إلى المشابهة ( الأنا). هذه المفارقة ( المشابهة و المخالفة ) هي المدخل الرئيسي الذي ينبغي الولوج منه لفهم مشكلة موقف الأنا من الآخر. و هذا الإشكال الفلسفي هو الذي يتجلى واقعيا في ثنائيات تحمل مفارقة: الأنا / الغير، سواء تحدثنا عن الغرب في مقابل الشرق ( كما شمال / جنوب)، أو عن حوار الحضارات أو عن الرأي و الرأي الآخر... فكل هذه العناوين هي في نهاية المطاف اختزال لإشكالية الأنا و الغير. لكن بلوغ علاقة تفاعلية بين هذه التقابلات يرتبط بطبيعة المنظار الذي ينظر من خلاله كل طرف للآخر. و بما أن صيغة السؤال الوارد في العنوان تتعلق بواقعنا الإجتماعي، فإن الإجابة لا يمكن أن تتعالى عن طبيعة الثقافة السائدة و أنماط التفكير التي تتحكم في توجيه الأفعال و ردود الأفعال الصادرة عنا. و لا يخفى في هذا الباب الطابع البدوي الذي يميز انفعالاتنا. و البداوة لا تحضر في هذا الإطار كلغة قدحية، بل هي توصيف واقعي للمزاج الحاد و المنغلق الذي يحكم الضمير الجمعي في مجتمعاتنا. لذلك فإن عقلية القبلية و العشيرة و القرابة هي التي تهيمن على أشكال العلاقات السائدة. وهي عقلية تتأطر اجتماعيا بالإنتماء للعرق و الدين... وهي بذلك تتخذ من الإختلاف بوابة للرفض و النفور و المحاربة. و ذلك ما يتجلى بوضوح في ثقافة: " أنا و أخي على ابن عمي. و أنا و أخي و ابن عمي على الغير". ومن تم فالآخر الذي يختلف عنا في أسلوب تفكيره أو في قناعاته العقائدية أو حتى في هويته العرقية يحضر في الغالب الأعم كغريب عنا، و بناء على تلك الغرابة نعمل على رفضه و التصدي له دون أن ننصت إليه أو نحاول تحويل عناصر التباعد بيننا إلى محاور للتقارب و الإتصال بناء على مشترك إنساني ينبغي أن يوحدنا جميعا.
   إن ما نراه اليوم في واقعنا من انغلاق حول الذات و رفض للآخر، هو نتيجة طبيعية لأشكال التربية التي توارثناها في كل مراحل التنشئة الإجتماعية. و لا يمكن بأي حال من الأحوال أن ننال احترام الآخرين و اعترافهم بالمعنى الجدلي الهيغلي إلا من خلال التأسيس لعلاقة صراعية مع الآخر. لكن الصراع هنا لا يعني الحرب و المقاطعة و الكراهية، و إنما هو فرض ذواتنا وسط هذه الزحمة التي تطبق على أنفاسنا من كل جانب. ومن يريد أن يفرض ذاته ينبغي أن يكتسب احترام الآخرين. فهل عندما نلغي هذا الآخر و نحاربه بكل الوسائل(لأنه مختلف عنا فقط) نستطيع أن ننال هذا الإحترام؟. 
        محمد مغوتي01/11/2010.

 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !