لماذا لا تصل الإعانات العربية لمستحقيها؟
الدول العربية المانحة (السعودية / الكويت/ الإمارات / قطر) جزاها الله خيرا على ما تمد به شقيقاتها العربيات وتلك الأفريقية والآسيوية المسلمة عند الضرورة والملمات من مساعدات نقدية سائلة أو عينية سخية.
ولكن ؛ دلّت التجارب الحاضرة والسابقة فيما يتعلق بتعامل الدول العربية المانحة مع المجاعات والكوارث في الدول الكارثية المشار إليها ؛ أن المعضلة في عدم وصول مساعدات هذه الدول الغنية إلى مستحقيها من الضحايا أو المتضررين تكمن في عدم وجود آلية تمتلكها الدول العربية المانحة ، لفرض قنوات وسبل أمينة تكفل توزيع وتمرير تلك المساعدات العينية والمالية مياشرة إلى مستحقيها ، قبل أن تمتد إليها أيدي الحكام وأبناءهم وزوجاتهم وأزواج بناتهم والوزراء وقادة الحزب الحاكم وكبار المسئولين بالإستيلاء والتملك الصريح وعلى عينك يا تاجر ...
تتحايل حكومات الدول الكارثية والمتلقية للمنح على تمييع المسئولية والمحاسبة عند تلقيها المعونات من شقيقاتها العربية المانحة بوجه خاص ؛ فتتحاشى إيداع أموال هذه المعونات السائلة والعينية في خزينة أو مخازن الدولة. بل تستأجر للعينية مخازن متناثرة ، لتبيعها في الأسواق المحلية والدول المجاورة لاحقا . وتنشئ للنقدية السائلة حساب خاص في البنوك المحلية بمسمى (صندوق إعانات) ؛ على زعم أن يصرف منه بوجه عاجل وسريع على المتضررين من المواطنين . وكذلك على صيانة المنازل الخاصة والمنشآت العامة المتضررة يسبب الكوارث الطبيعية.
لكنك في حقيقة الأمر ؛ وعندما تسمع بمسمى "صندوق" في الدول العربية الفقيرة على سبيل المثال لا الحصر ... فتأكد وكن على ثقة بأن هناك أمراً قد أدبر بليل .. وأن وراء الأكمة ما وراءها. وأن هذا الصندوق المزعوم ليس سوى "ثقب أرضي أسود" على إتساع نظيره الفضائي .. أو هو إن شئت مغارة مستنسخة من مغارة علي بابا والأربعين حرامي ... وأن النوافذ في هذا الصندوق مشرعة ووالثقوب متسعة متعددة ؛ والباب مفتوح على مصراعيه لسرقة وتسريب ونهب مابداخله ومايحتويه من أموال سائلة وعينية ... وعلى المفتشر بالبلدي الفصيح..
كلٌ يسرق وينهب ويغرف ويستولي منه على حسب مكانته في الحزب الحاكم ، ومنصبه في الدولة أو شلة النصب التي ينتمي إليها.. أو بإختصار وعلى رأي المثل: "كل برغوت وعلى قـدر دمه".
وهكذا تذهب هذه الإعانات أدراج الرياح وتغيب آثارها بعد أن يتم توزيع النذر اليسير جدا منها على بعض المتضررين أمام كاميرات الصحافة والتلفزيون لرفع العتب وذر الرماد في العيون.
وأما الدول الغربية كالولايات المتحدة ودول أوروبا الغربية المانحة في مثل هذه الأحوال . فإنها على العكس من الدول العربية المانحة ؛ عادة ما تمتلك الإرادة السياسية والقدرات والوسائل الإدارية والمحاسبية ووسائل الضغط السياسي والعسكري التي تمكنها من فرض الآلية المناسبة التي تستطيع إيصال هذه المساعدات إلى مستحقيها من المواطنين مباشرة داخل الدول المتضررة.
ثم أن الدول الغربية والولايات المتحدة لا تعرف المجاملات وتبويس اللحى والأخذ بالخواطر والعفو عما سلف والخجل والحياء من "محاسبة الحكام الأشقاء" في أموال إغاثات سائلة ومنقولة إقترفوها وأثروا هم وحاشيتهم بالحرام من ورائها.
وريما لأجل ذلك عادة ما ترى المسئولين إبتداءاً من الرؤساء وحتى غفراء المخازن ؛ يفرحون ويهللون ويكبرون عندما تأتيهم مساعدات مالية وعينية من الدول العربية البترولية المانحة ويحرصون على "السهر" و "المتابعة" وإستقبالها في أرض المطار بأنفسهم ..
وأما تلك الإعانات والإغاثات التي تأتي عبر الأمم المتحدة وبعض المنظمات الإنسانية التي تكشّرُ لهم عن أنيابها إبتداءاً من الولايات المتحدة والدول الغربية الغنية وتهددهم بالفضيحة أم جلاجل على مستوى العالم ؛ والتقديم لمحكمة الجنايات الدولية ؛ فإنها تواجه بالإمتعاض والتمنّع وتثار حولها الكثير من الشكوك والإشاعات . ويسارع المسؤلون إلى إرتداء أقنعة الثورية والوطنية ، ولبس مسوح الدين وإدعاء الزهد في الدنيا وتقصير الثياب وتحلية الجباه بزبيب الصلاة معلنين رفضهم للغزو الصليبي وجواسيس ألـ CIA... وتتعرض قوافل هذه الإغاثات ما بين كلّ محافظة وأخرى ، وبين مسافة كلّ ميل وآخر إلى عراقيل إدارية وروتينية حكومية سبلحفائية تعترض طريقها ، وتحاول بشتى الطرق والوسائل إقناع المرافقين لتلك القوافل الإنسانية بتفويض الأمر للحكومة على طريقة "سيبني أشيل عنّك" إياها .... ولولا تلويح حكومات تلك الدول بالعقوبات ونشر الفضائح على الإنترنت والصحافة والمذياع والتلفاز وساحات الأمم المتحدة ... إلخ من وسائل ضغط متعددة بات يعرفها قادة دول العالم الثالث وأنجالهم ومساعديهم جيداً . ويحفظون أساليبها ونجاعاتها على طريقة "شفت بعيني ماحدّش قاللي" ؛ ؛؛؛؛ أقول لولا ذلك لما إستطاعت مثل هذه القوافل الغربية الوصول إلى مناطق الكوارث وتوزيع الإعانات على المستحقين مباشرة. ولما إستطاع "أطباء بلا حدود" تقديم العلاج والدواء للمتضررين.
أطباء بلا حدود ... الفعالية الوحيدة الناجعة في ظل الظروف المتاحة داخل الدول الكارثية
وللأسف فإنه حتى عند وصول المساعدات الغربية إلى مستحقيها في معسكرات اللجوء والمناطق المتضررة . فإن الأمر لا يخلو من تواجد سماسرة وعصابات تهريب يعرضون على النازحين أواللاجئين أو المتضررين شراء هذه المساعدات التي عادة ما تكون على هيئة طحين وسكر وأجبان وحليب وزيوت وبطاطين وخيام وملابس .. إلخ . ثم لا تمضي أسابيع حتى ترى بأم عينيك هذه السلع معروضة للبيع في أسواق عاصمة تلك الدولة ومدن أقاليمها .
لا أحد بالطبع يتوقع أن يسمع ويرى أو يعيش في عالم "وردي" حالم خالي من الظلم والإستغلال والطمع والجشع وبخس الناس أشياءهم .... ولكن يطمح الإنسان إلى توخـّي القدر الممكن من الحق والعدل ، وإحياء الضمير في هذه الدنيا الفانية والحياة القصيرة ؛ ولو كان ذلك في أضيق الحدود من الأمانة والأخلاق وأدنى درجات الإنسانية المفترضة . لأن إنسان بضمير ميت لا يستحق أن يكون إنسانا حتى لو إمتلك المليارات .. فما هي فائدة ومذاق المليارات في يد وخزائن اللصوص ومصاصي الدماء والثعالب والذئاب؟
في نهاية المطاف يموت الفقراء ويموت الأثرياء ... يموت الملوك ويموت الصعاليك ، ويموت الغفراء والباعة الجائلين ... يموت أناس من الجوع ويموت آخرين من التخمة .... لم نسمع بغني أستلت روحه من حلقه وفقير أستلت روحه من دبره ... تتعدد الأسباب والأحوال ولكن الموت واحد وحقيقة لابد منها في النهاية ، وهو للأسف لا يستأذن من أحد سواء أكان في غياهب الجب أو داخل أرقى المستشفيات وبين يدي أفضل الأطقم الطبية وأمهـر الجراحين والأطباء ..... أو كما قال الشاعر :
وإذا المَنِيّةُ أنشبت أَظْفَارَها ...... أَلْفَيْتَ كُلَّ تَمِيمَةٍ لا تَنْفَعُ
كلٌ يذهب إلى ربه خالي الوفاض إلا من عمله الصالح عن يمينه وعمله الطالح عن يساره ...... وحقوق الغير معلقة في الرقاب لا تغتفر ..... قُـتِلَ الإنسان ما أجهله !!؟
التعليقات (0)