مواضيع اليوم

لماذا كل هذه العطل الرسميّة؟؟

                                                                                                                    بقلم:أ/عدنان السمان

عندما ينهي إنسان ما يوم عملٍ متعبًا في مصنع أو مزرعة أو مدرسة، فإنه يشعر برغبة في شيء من الراحة بعد التعب تمكنّه من مواصلة العمل، وتعينه على الاستمرار فيه حتى إنجازه، أو الحصول على قسط آخر من الراحة... وهكذا حتى ينهي عمله، ويحقق بذلك أمله، ويبدأ بالتالي جولة جديدة من يوم عمل جديد، أو أسبوع عمل جديد، أو مرحلة جديدة من عمل قديم متجدد لا تنتهي مرحلة منه إلا لتبدأ مرحلة في عملٍ موصول تتعاقب عليه الأجيال جيلاً بعد جيل إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
    وما يقال في الأفراد يقال أيضًا في المجتمعات والشعوب والأمم.. فكما نرى هناك أفرادًا جادّين لا يطلبون الراحة إلا بعد التعب – بَصُرتَ بالراحةِ الكبرى فلم ترها// تُنالُ إلا  على جسر من التعب ولا يتذوقون طعم النوم إلا بعد طول السهر – ومن طلب العلا سهر الليالي – نرى هنالك مجتمعاتٍ وشعوبًا وأممًا جادّة عاملة – كأولئك الأفراد – تصل ليلها بنهارها ، ونهارها بليلها من أجل تحقيق الأهداف السامية النبيلة التي وضعتها لنفسها، وارتضتها لأجيالها.. نرى أممًا وشعوبًا ومجتمعاتٍ جديرةً بالحياة، قمينةً بالاحترام، شهيدة على نفسها، وشهيدة على غيرها من الناس.. تقدّر العمل، ولا تحب من الناس إلا العامل الخلوق، والتاجر الشريف الأمين الصدوق، فتقبل على العمل بهمة وجد ونشاط – بقّدْر الجِدِّ تكتسبُ المعالي – ولا تنتظر من يستحثّها على ذلك؛ لعلمها ويقينها أن العمل سرّ وجودها ، ومَصدر عزتها وكرامتها ونهوضها.
    وكما نرى هناك أفرادًا لا يحبون العمل لأنهم لم يتذوقوا حلاوته، ولم يستشعروا دفئه، وسحره، وطلاوته، ولم يرضعوه مع لبان الأمهات، ولم يُلقَّنوه صغارًا من الآيات البيّنات .. فهاموا على وجوههم لا يهتدون، وراحوا يَصِلون ليلهم بنهارهم في النوم، وارتكاب الموبقات والمحرمات، واقتراف الآثام ، والعيش في الأوهام... نرى هنالك مجتمعاتٍ وشعوبًا وأممًا قد ضلّت سواء السبيل؛ فاستمرأت الكسل ، وعزفت عن العمل، واحترفت التسول والمسكنة والاستجداء، وتنازلت حتى لم يعد هنالك ما تتنازل عنه في سبيل الحصول على لقمة حتى لو كانت مغموسة بدم الإخوان.. لقمةٍ وَقودها الرجال والنساء والأطفال والأديان والأوطان.. والمال إن لم يكن نعمة فماذا يكون؟ ألا يكون نقمة وأي نقمة؟! فكيف إذا كان المال حرامًا، جاء من حرامٍ ، في حرامٍ، لحرامٍ؟!
    مثل هذه الأمة الضالة الهائمة على وجهها في مهامه أهوائها، وقفار تيهها وضلالها وضَياعها يقودها نحو مصيرها المرسوم، وأجلها الموعود المحتوم نفر من السماسرة والبياعين الذين ما استساغوا يومًا طعم العمل، ولا تذوَّقوا طعمًا لعزة أو كرامة، ولا استشعروا لحظة صدق مع الذات، أو مع الآخرين.. نفرٌ تنكّر للفضائل، وأتقن التلوّن والتقلّب حتى غدا بوجوه كثيرة لا وجهين اثنين!! والأمة التي يتولى أمرها مثل هؤلاء إما أن تلفظهم لفظ النواة، وإما أن يقذفوا بها إلى قعر الجحيم.. إما أن تستفيق، وتتخلص منهم، وإما أن يُجهزوا عليها، ويُدخلوها دائرة الأمم البائدة، والشعوب المنقرضة التي لا وجود لها إلا في بطون كتب التاريخ.
      من حق من يتعب أن يرتاح ، ومن حق من يصعد جبلاً أن يتوقف بعض الوقت لالتقاط الأنفاس، ومواصلة السير بعد ذلك.. وهكذا حتى يتم الوصول، ويكثر الخروج والدخول، ويحتفل الناس، ويفرح الصغار والكبار.. فقد تحققت الأهداف، ومن تحققت أهدافه وطموحاته وأمانيه كان من حقه أن يفرح، وأن يبتهج بالنصر المبين!!! ولكن إذا كان من حقنا أفرادًا وجماعات، ومجتمعات أن نفرح، وأن نحتفل بنجاحنا وإنجازاتنا العظيمة ، فهل من حقنا أن نمارس كل هذا العبث بحياة الناس؟ وهل من حقنا أن نفرض ثقافة الكسل والجهل والتشرد والضَّياع على الأجيال؟ وهل من حقنا – لأي سبب أو زعم أو ادعاء – أن نفتعل كل هذه العطل الرسمية حتى كره الناس كل هذه العطل، وحتى كره الناس حياتهم وكل مناسباتهم، وحتى كره الناس أنفسهم، وكرهوا اللحظة التي أتت بهم إلى هذا الوجود العفن!!
    وإذا كان من حق الأمة أن تخصص لنفسها يومًا من أيام الأسبوع ترتاح فيه بعد ستة أيام من العمل والجهد والكفاح؛ فإن من سخرية الأقدار أن نجد في هذا الكون أممًا لم تُفلح إلا في البحث عن أيام ومناسبات تتهرب فيها من العمل والقيام بالواجب!! لستُ أدري والله لماذا فُرض على مدارسنا ودوائرنا أن تعطل يومين في الأسبوع!! ولست أدري والله لماذا فُرض على أطفالنا برنامج امتحانات من ثلاثة أسابيع.. تعقبها إجازة من عشرة أيام ليكون المجموع هنا شهرًا كاملاً سبقه شهر كامل أيضًا من عطل الجمعة والسبت منذ بدء العام الدراسي.. كما سبقه نصف شهر من العطل الرسمية الدينية، ومثلها من الإضرابات إن لم أكن مخطئًا... فكم يومًا دراسيًّا فعليًّا كان في هذا الفصل الدراسي الذي مضى غير مأسوف عليه؟؟
    أغلب الظن أن عدد الأيام الدراسية منذ مطلع هذا العام الدراسي لم يتجاوز ستين يومًا.. وأغلب الظن أن الفصل الثاني من هذا العام لن يكون أحسن من سابقه.. ومعنى هذا أن السنة الدراسية أصبحت في هذا العهد الميمون مكونة من مئة وعشرين يومًا (أربعة أشهر ) في أحسن الأحوال بعد أن كانت مئتين وعشرة أيام أو أكثر من ذلك قليلاً في بعض الأعوام، وبعد أن كان المعلمون يضيفون إليها من الساعات والأيام ما يضمنون به نجاح أبنائهم بجدارة .. ونجاح العملية التربوية وازدهارها، رغم أنف الكارهين!!
    إن الناس في هذه الديار يعرفون هذه الحقائق جيّدًا ، ويعرفون أن أبناءهم – مع الأسف - لا يتعلمون، ويعرفون أن وزيرة التعليم لا تقر هذا ولا ترضى به في قرارة نفسها، وكذلك رئيس الوزراء ، وسائر المسئولين... وإذا كان الأمر كذلك.. فلماذا يحصل هذا؟ وإلى متى ستستمر هذه المهازل في مدارسنا ودوائرنا ومؤسساتنا؟ إلى متى سنظل أمة من المتسولين الخاملين الغارقين في بحر الكسل؟
    ومن المسئول عن هذا كله، وكثير غيره؟ أسئلة كثيرة نحيلها إلى ذوي الاختصاص من الباحثين والمفكّرين والكتّاب الملتزمين في مجتمعنا، وجامعاتنا، وصحافتنا المحلية.
 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !