من القاريئ الكريم إكس مسلم، والمقالة على جزئين، وهذا الجزء الأول منها:
لم يكن خروجي من الإسلام بالخروج الهين، بل كانت مرحلة عسيرة استنزفت مني جهدا عقليا ونفسيا وجسمانيا الشيء الكثير. وبقدر ما كانت تلك المرحلة طويلة وكئيبة، بقدر ما سأحاول اختصار أحد أهم أسباب خروجي من ديني في هذه الأسطر. فقد كان المحرك الأول بالنسبة لي والباعث الدائم على الشكوك هو القرآن نفسه، القرآن الذي بأيدينا. ولا أتحدث عن الناسخ والمنسوخ منه، أو عن القراءات المختلفة له، بل جعلت هذا القران هو الحكم والميزان الفصل في ذلك.
لماذا؟
لأني حاولت أن أتمسك بالإسلام قدر طاقتي، فلذلك سأحاول من خلال الأسطر القادمة أن أشرح أهم ما دعاني إلى الخروج من الإسلام، وكما قلت سأتناول القرآن الذي بين أيدينا بالنقد، فلا يهمنى الآيات التي نُسخت أو التي أكلتها الماعز أو التي نسيها الصحابة، أو حتى القراءات التي أحياناً تكون متناقضة في الفهم والمعنى، كقراءة والشمس تجري لا مستقر لها، وقراءة غَلبت الروم، بفتح الغين، بل دعونا نعتبر كل ذلك من الشبهات التي قتلها المدافعون عنها بحثاً ورداً.
كذلك لن أتطرق إلى الحديث النبوي، وتناقض بعضه أحياناً مع القرآن؛ أو تناقضه مع بعضه البعض، أو امتلاء الكثير من الأحاديث بالخرافات والأخطاء العلمية والأشياء المناقضة للعقل والواقع. كما أني لن أتناول المنهج الذي اتبعه أهل الحديث في جمع حديث النبوي، وتوضيح ان علم الجرح والتعديل قام في كثير من الأحيان على الرأي والهوى، وان الاختلاف الحادث في عدالة او تجريح شخص واحد أكثر من أن يحصى. لقد قلت لنفسي سأعتبر كل ذلك من الشبهات المردود عليها. كنت أحاول التمسك بالإسلام بأي شكل، حتى لو أصبحت قرآنيا منكراً للسنة، صوفياً، شيعياً، مسلماً علمانياً، كان المهم ألا أقطع عروة الوصل بيني وبين ديني الإسلام.
ولكن كيف أتخلص من المشكلة أو المشاكل التي كانت تظهر لي مع القران نفسه؟
فمن السهل التنصل من الأحاديث والروايات، ومن مراحل كثيرة من السيرة النبوية الممتلئة عنفاً، ومن المشاكل التي أحاطت بجمع القرآن وقصة حرق الخليفة عثمان للنسخ المخالفة، وقوْل ابن عمر: لا يقولن أحدكم قد أوتيت القرآن كله، ولا يدري ما كله، وقد ذهب منه الكثير. كنت على استعداد أن أعتبر كل ما سبق كأنه هباءً منثورا، وشبهات يرددها أعداء الدين، بغية الإنقضاض على الإسلام، وحسداً من عند أنفسهم. ولكن ماذا أفعل مع القران الذي بأيدينا نفسه، والمشاكل التي به؟
والحق أن تلك المشاكل لم تكن من اختراعي أو تصوري، بل حتى كبار المفسرين أشكل عليهم تفسير العديد من الآيات، حتى أن إبن تيمية ألّف مصنفاً سماه: تفسير آيات أشكلت، قال فيه: "آيات أشكلت على كثير من العلماء حتى لا يوجد فيها إلا ما هو خطأ". ولكن قبل عرض بعض تلك المشكلات، فأنني أُقر بأني قد ختمت القرآن في خمسة أيام، قبل كتابة هذا الموضوع، لغرض دراسة نقدية ووضع القرآن في الميزان، ورؤية جديدة للآيات التي في صالحه، أو العكس. لقد كانت قرائتي تلك مختلفة، وكانت هناك بعض الآيات التي في صالحه فعلا مثل:
إذ يغشيكم النعاس أمنة منه، قبل معركتي بدر وأحد، فكيف يستطيع من هم على أهبّة المعركة أن يناموا؟
غلبت الروم وهم من بعد غلبهم سيغلبون، بضم الغين الأولى، على القراءة الأشهر، وبالتسليم التاريخي، بصحة الواقعة.
سيهزم الجمع ويولون الدبر، وقد هُزم كفار القريش، بل وخضعت الجزيرة في فترة وجيزة لحكم الإسلام.
وإن كنت أصبحت أشك في وقت كتابة الآيات وترتيبها، وفي كل ما يتعلق بالقرآن، ولكن هذا الشك مني ومن الشيطان.
طبعا لا داعي للدخول في صداع أو وهم الإعجاز العلمي، وإن كان بالنسبة لي أهم ما فيه هو قول القرآن يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان و ومن كل تستخرجون لحما طريا وحلية تلبسونها، فلم يكن معروفا وقتها أن المرجان يوجد في الماء العذب، إنما عُرف ذلك الآن، وحاولت أن أقف على حقيقة الأمر، ولكني سأسلم للمواقع الإسلامية بذلك، فلم أستطع أن أتحقق من مواقع حيادية، خاصة العربية، فقد طغت المواقع الإسلامية على جوجل، وكلما دخلت موقعا وجدته يزيّل كلامه بـ "وكيف عرف النبي محمد هذا الأمر من اكثر من 1400 سنة" ومع اختلاف المفسرين وأهل اللغة في "المرجان"؟ ولكن كما قلت، سأسلم لهم بذلك. أما غير ذلك، فأنا أعتبره هلاوس وتهيآت ولَي أعناق النصوص من دون مبرر. وبالمقابل كان هناك الكثير من الآيات التي ترجح بشريته، والتي لن أستطيع حصرها في هذا الموجز. ولكني سأذكر بعضها، وسأجعل عنوان بحثي هو الآية:
أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كبيرا
وبمفوم الضد، كما يقول الأصوليون، بما أنه من عند الله فلا يوجد به اختلاف، سواءً كان كبيراً ام صغيراً. وأريد أن أدخل في الموضوع مباشرة، فسأبدأ بقصة طوفان النبي نوح وسفينته الناجية: ولقد تركناها آية فهل من مدكر.
لمّا يخاطب رب الكون عباده من خلال قرآنه عن سفينة نوح ويقول أنها باقية، دون تحديد وقت لهذا البقاء، فإن الأصل أن يكون اللفظ على عمومه، حيث لا يوجد في القران مقيّد له، والبقاء ضد الفناء، ونحن لم نرَ النبي نوحاً ولا أحداً من الأنبياء، ولو كانت تلك السفينة باقية لكانت آية عظيمة، تستيقن بها القلوب، ولكنها ليست موجودة. مع أن القرآن يقول: فَأَنجَيْنَاهُ وَأَصْحَابَ السَّفِينَةِ وَجَعَلْنَاهَا آيَةً لِّلْعَالَمِينَ. أي أن تلك الآية هي للعالمين، يعني البشر كلهم في كل مكان وكل زمان. فأين هي تلك السفينة الباقية؟
قال عبد بن حميد: "أبقى الله سفينة نوح على الجودي حتى أدركها أوائل هذه الأمة". ولكن أحداً من أوائل هذه الأمة لم يقل أنه رآها! وقال قتادة: "ألقى الله عز وجل السفينة في أرض الجزيرة عبرة وآية حتى نظرت إليها أوائل هذه الأمة نظراً، وكم من سفينة كانت بعدها فصارت رماداً". وهذا كلام يعوزه الدليل. كما جاء في الدر المنثور للسيوطي: "قال قتادة في تفسير الآية وجعلناها آية للعالمين قال: أبقاها الله آية فهي على الجودي". أظن أن كثيراً من العرب اعتقدوا أن السفينة باقية، فقد كان هذا ما يدعيه أهل الكتاب المجاورون لهم، أي أنه وفقا لتفاسير عدة، أن الله قد أبقاها حتى صدر أمة النبي محمد، ثم هلكت. ومع التسليم لهم، فلا دليل على كلامهم في تواريخ الأمم، فهل صدر أمة النبي محمد هم العالمون؟ وهل بهذا يتحقق لها شرطا البقاء والإعجاز؟
وقد حاول بعض المفسرين كابن كثير الخروج من الإشكال فقال: "والظاهر أن المراد من ذلك جنس السفينة، كقوله تعالى: وَآيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ، وَخَلَقْنا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ ما يَرْكَبُونَ. يعني أن الله قد أبقى لنا جنس السفن بشكل عام، وليس سفينة نوح، وأنت أيها القاريئ حر في أن تصدق ذلك أو تتعجب منه، ولكن المهم أن الله تركها "آية". ولكن هل يتذكر أحدكم قصة نوح والطوفان عندما يركب أي سفينة؟ ربما البعض منا يتذكر فيلم تايتانك، إنما لايخطر على باله موضع نوح من الأساس.
نأتي للطوفان نفسه، لا يوجد أي دليل آركيولوجي يقول أن هناك طوفاناً عمّ الأرض كلها وفقاً لما تقول به التوراة. أما عن القرآن، فيقول البعض ربما كان الطوفان إقليمياً، والقرآن لم يحدد. ولكن القرآن يقول: وجعلنا ذريته هم الباقون، فذرية نوح إذاً هي الباقية، بينما هلكت جميع الأمم. ومما يدل على عالمية الطوفان أيضاً، أن نوح قد أُمر بصنع السفينة في البر، حتى أن قومه سخروا منه، فلو كان الطوفان جزئياً لكان أيسر له أن يرتحل ومن آمن معه بالسفر براً بدلاً من أن يقضي كل ذلك الوقت ويبذل كل ذلك الجهد في بناء سفينة ضخمة.
كذلك من الدلائل على عالمية الطوفان في القرآن، أن النبي نوح أُمر بأن يحمل من كل زوجين اثنين، مما يعطي إشارة أيضاً بأن الطوفان كان عالمياً. كما أن القرآن جاء والتوراة بأيدي اليهود، تقول أن الطوفان عمّ الدنيا، وسكوت القرآن عن ذلك وعدم تكذيبه لذلك التعميم العالمي، لابد أن فيه إقرار بصحته. وقد كان النبي يقبّل التوراة ويضعها تحت رأسه ويقول: "آمنت بك وبمن أنزلت"، ولم تتغير التوراة منذ عهد النبي. كما أنه لن يوقّر توراة محرفةً تحوى ما كتبه رهبانهم بأيديهم ونسبوه إلى الله.
فما سبق يؤكد أن الطوفان كان عالميا وفقا لمفهوم القرآن. ولكن كما أسلفت، لا يوجد ما يؤيد ذلك من العلم، ونحن في عصر لم نشهد فيه الأنبياء ولا المعجزات، فكان من الممكن أن يثبت العلم وجود هذا الطوفان كي يكون آية للمؤمنين. كذلك لا يوجد ما يمنع من بقاء تلك السفينة عبر العصور كي يزداد الذين آمنوا إيماناً. ولكن للأسف لا أثر لها رغم الأموال الطائلة التي صرفتها الكنيسة لاكتشاف هذه السفينة، وكم من مرة سمعنا فيها عن اكتشاف سفينة نوح، حتى أني أذكر مقالاً أمريكياً يقول أنه منذ القرن التاسع عشر، لا توجد بعثة استكشافية ذهبت للبحث عن سفينة نوح إلا وزعمت أنها وجدتها.
الله يفترض به أنه كلي العلم والقدرة، ولن يعجزه بقاء السفينة، فأهرام مصر مازالت باقية، وحدائق بابل نقلت لنا كتب التاريخ ذكرها، بخلاف سفينة نوح، فلا هي باقية، ولا منقول لنا ذكرها إلا من خلال الكتب الدينية.
المصدر مدونة بصيص
التعليقات (0)