بقلم: جمال الشاعر
ادفع.. لايوجد شيء مجاني في هذا الزمان.. كل شيء قابل للتسليع.. للبيع والشراء.. من يدفع أكثر للعازف هو الذي يختار اللحن.. لابد من رأسمال ثقافي حر لكي يكون لدينا ابداع ثقافي حر.. انتهي زمن الاشتراكية والكتابة تحت وطأة أجندة سياسية موجهة.. انتهي زمن الوصاية الثقافية.. العالم كله يتألق إبداعيا وثقافيا لانه تحرر من الروتين.. والدول العظمي فهمت أن الثقافة هي القوة الحريرية التي تسيطر بها علي الشعوب, ومن هنا فإنها تدعم المؤسسات الثقافية والمبدعين ولاتتدخل في شئونهم.. لا إملاءات ولا استقطابات.. ألمانيا مثلا تنفق ثلاثة مليارات يورو علي الشئون الثقافية, وفرنسا مليار يورو لدعم الفرانكفونية في العالم.. ومع ذلك فكلتاهما لاتستطيع مواجهة الطغيان الثقافي الأمريكي الذي يسيطر علي سبعين في المائة من الانتاج الثقافي العالمي.. اين نحن من كل ذلك؟! سكان العالم العربي يشكلون اربعة ونصف في المائة من سكان العالم ولكن اسهامنا الثقافي لايتجاوز ثلاثة من عشرة في المائة من حجم الإنتاج الثقافي العالمي.. ونصيب المواطن المصري سنويا من القراءة نصف صفحة بينما مثيله في أوروبا وأمريكا يقرأ اثني عشر كتابا في السنة
.. نعم لدينا أمية ثقافية.. ولكن في المقابل عندنا إدارة فاشلة لرأس المالي الثقافي.. في مصر مثلا ايرادات الأوبرا في العام ثلاثة ملايين جنيه فقط طبعا ما تنفقه أضعافا مضاعفة.. ومصر فيها14 مسرحا ايرادتها لاتتجاوز المليون جنيه.. الفنون الشعبية تحقق مليون جنيه سنويا والسينما نصيبها من الانفاق مع كل هذه الضجة عن السينما المصرية هو30 مليون دولار امريكي فقط.. تسويق الافلام المصرية عربيا وعالميا ضعيف جدا جدا. وفي مجال الكتاب نصيب مصر58% من الانتاج العربي للنشر ولكن مازالت صناعة الكتاب وانتشاره متواضعين جدا.. ربما تكون اللغة والترجمة عائقا لاستثمار الانتاج الثقافي العربي ولكن ذلك ليس حجة, فأدب امريكا اللاتينية فرض نفسه علي اسواق الاستهلاك الثقافي العالمي.. اضف إلي ذلك ثروات مصر من الآثار ومن الفن التشكيلي ومن الإنتاج الإعلامي والصحفي ومن الإمكانات السياحية.. كل هذه ثروات جبارة لرأس المال الثقافي المصري ولكنها مهدرة للأسف لسببين.. الأول.. غياب استراتيجية مصرية يضعها المفكرون والسياسيون والاقتصاديون لاستثمار رأس المال الثقافي قوميا وعالميا.. وثانيا.. غياب الإدارة الاقتصادية للمؤسسات الثقافية وتطوير ادائها بما يسمح لها بالمنافسة والتألق إبداعيا.. صندوق التنمية الثقافية خطوة ولكن الطموحات اكبر من ذلك بكثير.. ناهيك عن المكاسب السياسية التي يمكن ان تتحقق لمصر من الدبلوماسية الثقافية.. احد سفراء مصر السابقين في واشنطن حكي لي كيف انه استثمر معارض توت عنخ آمون المتجولة في أمريكا لتحقيق مكاسب سياسية لمصر.. مصر غنية ثقافيا والمثقفون ليسوا فقراء.. المشكلة في المدراء..!
gamal_elshaer@hotmail.com
..
نقلا عن جريدة الأهرام القاهرية اليومية 14 - 1 - 2009
التعليقات (0)