لماذا الكبكبـة يـا قـحـــت ؟

* لمـاذا الكبكبة يا قـحَــت؟

مصعب المشرّف

12 يوليو 2019م

إتضح جليا الآن أن المجلس العسكري الإنتقالي يستخدم أسلوب التعطيش النفسي تجاه قوى الحرية والتغيير . وتقطيع أنفاسها الللاهثة لتوقيع إتفاق اقتسام السلطة ..... وليس هناك من مبرر يمكن أن نصف به هذه الكبكبة من قحت سوى أنها مستجدة متعظشة . وتعاني من إنطباع خاطيء تجاه جماهيرها محصلته أنها تظن أن كل المطلوب منها الآن هو التوقيع لا غير وأن مجرد التوقيع هو نجاح .. ولا يهم ما إذا كانت بنود هذه الإتفاقية ستكون مكبلة لها أو لوليدها الشرعي المرتقب مجلس الوزراء فيما بعد.

وتغفل قحت أن هذا الإتفاق بصيغته الحالية دون تعديل إيجابي سيكون غير قابل للتطبيق ويضع المجلس السيادي وعمل الوزراء تحت قبضة العسكر المعطلة ... وبما يؤدي في نهاية المطاف إلى فشل قحت في الوفاء بتعهداتها لجماهيرها .. وهو عين ما يرغب به المجلس العسكري لإجهتاض الثورة . والعودة إلى خيار التفويض وتنصيب رئيسه أو أحد أعضائه رئيساً الجمهورية من خلال صناديق إنتخابات مزورة هزلية. والإتيان ببرلمان عواليق على طريقة الإنقاذ.. ويكمل الجنجويد المتبقي من بطش وتقتيل لقمع الشارع وإسكات الجماهير.

ولكن .... هل المجلس العسكري الآن في موقع قوة يتمكن بها من فرض رؤيته ورغباته وأحلامه بإستنساح نظام ونهج المخلوع البشير؟

إن على المفاوض في قوى الحرية والتغيير الإقتناع تماماً أن المجلس العسكري الذي يبدو واقفاً أمامها يتباهى ويتسعلي وهو يحمل في يديه كيكة السلطة ..... هذا المجلس إنما يحمل في يديه جمرة من نار جهنم ..... ولكن قحت لا تلحظ...... لا تلحظ لأن شبقها للتوقيع يلهيها عن فحص التفاصيل التي تكمن فيها الشياطين.

قحت لم تكتفي فقط بأن ينسيها شبقها للتوقيع عن واقع الورطات التي يعيشها المجلس العسكري فحسب .. بل لاحظنا أنها إلتهت حتى عن منشط الحشد لمليونية 13 يوليو .. رغم أن المليونيات هي الشرارة القادحة الفاعلة الأكثر ترهيبا التي تمتلكها في يدها بمواجهة المجلس العسكري وحلفائه في المنطقة.

المجلس العسكري بعد "مليونيات" 30 يونيو ، أدرك أنه لا يمتلك في جعبته من جماهير سوى مليشيات ذات أهواء ومطامع شتى .... بعضها معزولة عن المجتمع .. ومعظمها الآخر لا حاضنة إجتماعية له . ويكتفي بالتجوال في شوارع البلاد متوجساً ويضرب على غير هدي .... ثم وبعض الفاقد الملكي الأرزقي ممن لا يمكن التعويل عليهم في أوقات الشدة والإفلاس ، وحين يحمي الوطيس.

على مستوى الأسرة الدولية التي تمتلك الآليات الفاعلة ؛ واليد الطويلة ، والقدرة المستدامة لجهة منح الثواب أو فرض العقاب . والمتمثلة في الإتحادين الأوروبي والأفريقي ... ثم ومجلس الأمن . يعاني المجلس العسكري من العزلة التامة ومهددات بعقوبات دولية قادمة لا مهرب منها .. ولا مجال للتلميع ؛ ناهيك عن رفع عقوبات الكونغرس الأمريكي ... وبما يعني أن الأزمة الإقتصادية الخانقة في طريقها للضغط بحبالها حول عنق المجلس على مدى الشهور القادمة . مالم يصل إلى إتفاق مع قوى الحرية والتغيير يفضي إلى تشكيل الحكومة المدنية الإنتقالية بالسلاسة والسرعة المطلوبة لإحداث الإنفراج المطلوب.

نشر قناة البي بي سي الرئيسية الناطقة باللغة الإنجليزية لتقرير عن مجزرة ومحرقة 3 يونيو ، سيشكل على المجلس العسكري (بتكوينه ومسماه الحالي) ضغطا طاحناً لا قبل له ولا حتى لحلفائه في المنطقة به...,ومن المحال غسل هذه المجزرة أو إصطناع شماعة لها.

لقد قدمت المعلقة للتقرير بقولها "إنها مجزرة جرت في شوارع الخرطوم" .... و"أن القيادات العسكرية في السودان لم تتمكن من منع عشرات الفتيان من تصوير أحداثها بهواتفهم الذكية"  .... و "أن هذه المجزرة هي الأولى في تاريخ المجازر، التي أمكن مشاهدتها حية"

 ..(This was one of the first massacres in the history to be life seen)

 بمثل هذه الكلمات والنصوص القوية المنتقاة بعناية . والجمل والعبارات المؤلفة بمهنية عالية ؛ تم التقديم لهذه المجزرة. وسيتم ترجمتها إلى معظم لغات العالم وبثها في وسائط الإعلام الكلاسيكي والحديث المتعطش إلى مشاهدة أولى المجازر في التاريخ التي تم تصويرها حية .... وكيف لا؟

ولاشك أن هناك العديد من الصور ، ومقاطع الفيديو التي وثقت لحظات إطلاق الرصاص على الأجساد الغضة ، والحرق للخيام والناس نيام داخلها .. والقتل بالأسلحة اليديوية من خناجر وسواطير وهراوات وعمليات الإغتصاب .. وهي التي سمعنا أنها سيتم عرضها في غرف خاصة أمام العديد من المسئولين في المنظمات الدولية ، وحقوق الإنسان والمدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية .....

الذي يمكن إستنباطه من كل ما جرى طرحه أعلاه هو أن المجلس العسكري لا يمتلك في الواقع عديد خيارات أو أية أوراق توت ؛ بقدر ما أنه عريان ومتورط حتى أذنية كمؤسسة و أعضاء .... وأن المسألة مسألة وقت ليس إلاّ ؛ حتى تبدأ مداولة العقوبات والملاحقات الجنائية الدولية ... ولقد تعودنا أن هذه الآليات الدولية لا تتسرع ولا تتخبط . ولكنها تمارس عملها بمهنية عالية الدقة تحول دون إفلات المجرم من العقاب ..  ... أو كما قال الله عز وجل في محكم تنزيله من الآية (102) في سورة هود [وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيد].. وقولرَسُولُ اللَّه ﷺ: [ إِنَّ اللَّه لَيُمْلِي لِلظالم فإذا أَخَذَهُ لَمْ يُفْلِتْهُ].

الكبكبة : مصطلح سوداني يعني الإنــدلاق.