مواضيع اليوم

لماذا اعترض الشيوعيون الفلسطينيون على حكومة سلام فياض..؟

عمادالدين رائف

2009-05-23 05:52:27

0

 

في فلسطين يشق الفكر الليبرالي طريقه رغم المعاناة الناتجة عن عقبات متعددة الاوجه والاشكال، ويحقق نتائج ايجابية على محدوديتها لكنها متنامية وتتطور باستمرار، في ذات الوقت الذي تتراجع فيه قوى التزمت والتطرف التي تدعي وحدانية ملكية الحقيقة سواء كانت تنتمي الى احزاب وحركات وجماعات الاسلام السياسي، او تنتمي لبقايا اليسار السلفي او اليسار القومجي او اليسار المغامر.

ومن اهم انجازات الليبراليين الفلسطينيين الاخيرة قرار الرئيس محمود عباس تكليف الدكتور سلام فياض بتشكيل الوزارة الفلسطينية، والذي جوبه كما في المرة السابقة بحملات التشكيك والاعتراض من قبل قوى التزمت بتشكيلاتها المتنوعة .

واذا كان اعتراض حماس على حكومة سلام فياض مفهوما ومعروفا ولا يحتاج الى عبقرية لكشف دواعيها نظرا لانها تعتقد (مخطئة) انها فقط التي يحق لها تشكيل الحكومة وبرئاسة احد ممثليها، لادعائها بالفوز بالانتخابات التي لم يعد لها وزن ولا تصلح لتكون قاعدة للاستناد اليها بعد كل التحولات التي شهدتها الساحة الفلسطينية، وفي مقدمتها الانشقاق الدموي الذي قامت به وقسمت على اثره وحدة الوطن والشعب وعزلت قطاع غزة عن سائر الاراضي الفلسطينية..

وهكذا الامر مع الجبهة الشعبية الممزقة الى اربع تيارات لا يجمعها سوى التراث التاريخي لجبهة جورج حبش والمناضلين الاوائل .. فريق منها وثيق الصلة بالنظام السوري وهو اقرب الى حماس منه الى اي قوة فلسطينية اخرى، ويمكن وصف هذا الفريق بجبهة حماس اليسارية، وفريق ايراني الهوى على علاقة وثيقة بحركة الجهاد الاسلامي فرع طهران الذي يقوده رمضان شلح (او شلخ) ويمكن وصف هذا الفريق بجبهة الجهاد اليسارية، بالاضافة الى تيار يسمي نفسه بالوسطية .. فكما هناك دعاة الوسطية بالاسلام، فهناك دعاة الوسطية باليسار، اما الفريق الرابع وهو محدود القوى والفعالية فيمكن وصفه بالتيار الفلسطيني في الجبهة الشعبية وهو اقرب الى التيار الليبرالي الذي يمثله الرئيس محمود عباس والرئيس سلام فياض.

لذا يمكن فهم الاسباب التي تجعل الجبهة الشعبية غير قادرة على اتخاذ موقف واضح ومحدد في اي منعطف من منعطفات الحراك السياسي الفلسطيني، لتظل مواقفها هائمة لا وزن لها ولا طعم ولا رائحة.

لكن الذي اثار استغرابي الى حد ما هو موقف الشيوعيين الفلسطينيين، اي موقف حزب الشعب الفلسطيني (الشيوعي سابقا) فما هو وجه اعتراضهم على حكومة الدكتور سلام فياض ..؟

بالطبع قرأت بعض ما كتبه ممثلوهم ولم اجد في كل ما قرأت مبررا واحدا مقنعا .. بل زادت حيرتي عندما وجدت ان خطاب الشيوعيين الفلسطينيين لا يتغير مهما تغيرت الاوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعسكرية ايضا.

فيفترض بمن يدعي انه طليعة الجماهير المناضلة، وممثل الطبقة العاملة، ومن يستند الى نظرية علمية قادرة على تفسير علاقة النملة بالدبور، والجمل بالاعصار، وكوكب الزهرة بنوع الحمل في بطن الحامل، ان يكون قادرا على رؤية طبيعة وجوهر الصراع السياسي في الساحة الفلسطينية، وانه صراع تناحري وليس ثانويا طالما ان قوى التطرف والتزمت والاقصاء الذي تقف على رأسه حركة حماس يرفض رفضا قاطعا الاقرار والاعتراف بان هدف النضال الوطني الفلسطيني في المرحلة الراهنة هو ترسيخ وتثبيت الهوية القومية والوطنية للشعب الفلسطيني من خلال اقامة دولته الوطنية المستقلة الديمقراطية الليبرالية.

وبالتالي فان من العبث توقع تحقيق اتفاق بين تيارين لكل منهما مواقفه الجذرية التي لا توجد فيها اية قواسم مشتركة مع التيار الاخر.

وعندما تتوفر هذه الرؤية ونفترض انها يجب ان تكون متوفرة لدى من يدعي انه يمثل الطبقة العاملة والقوى الثورية وقوى المستقبل ويستند الى نظرية علمية ان يحدد موقفه بناء على هذه الرؤية وينحاز الى الفريق الذي يسعى الى بناء الذات الوطنية القومية، وان يتخذ موقفا واضحا من دعاة الدولة الدينية التي ينتظم افرادها على هدي الشريعة الاسلامية، وكل من لا ينتمي لها ليس مسلما أومؤمنا.

فماذا يريد حزب الشعب .. حزب الشيوعيين الفلسطينيين من حكومة فلسطينية اكثر مما يتضمنه برنامج الرئيس سلام فياض..؟

فاذا كان المطلب الرئيسي الذي بموجبه يمكن تجسيد الهعوية الوطنية والقومية للفلسطينيين يقوم على حل الدولتين، فان العالم كله تقريبا يدفع باتجاه حل الدولتين لكن على اساس انهاء العنف والإرهاب، وعندما يصبح لدى الشعب الفلسطيني قيادة تتصرف بحسم ضد الإرهاب وراغبة في وقادرة على بناء ديمقراطية فاعلة ترتكز إلى التسامح والحرية، دستورها يقوم على اساس اقامة دولة ديمقراطية برلمانية قوية وحكومة برئيس وزراء يتمتع بالسلطات ، وتعيين وزراء يتمتعون بالسلطة وقادرين على اجراء اصلاحات اساسية وتحقيق فصل حقيقي للسلطات واجراء اصلاحات قانونية حسب الضرورة.

وبعبارة مختصرة ان شرط اقامة دولة مستقلة يتوقف على انجاز بناء مؤسسات الدولة السياسية والقضائية والقانونية والمالية والامنية والعسكرية.

وهذا ما سعت لتحقيقه حكومة الرئيس سلام فياض السابقة فعليا رغم المصاعب والمتاعب والتحديات الداخلية وابرزها الانقلاب الحمساوي وخروج قطاع غزة عن السلطة الشرعية.

وكان رئيس الوزراء سلام فياض صريحا وفي خطابه السياسي لهجة حاسمة وواضحة فدعا الى اعطاء الاولوية للدفاع عن الارض والصمود في وجه الاحتلال وكسر قرارات الاغلاق وتشجيع المقاومة الشعبية، والدعوة لتفعيل الفتوى القانونية لمحكمة لاهاي الدولية حول الجدار.

وكذلك التحذير من وهم امكانية التوصل الى اتفاق سلام في العام الماضي مشيرا الى عدم جاهزية اسرائيل، وقال انه قد لا يتحقق في العام القادم او الذي يليه، مما يتطلب عدم الانتظار لحين فشل المفاوضات، بل يجب ان الاستعداد لكل الاحتملات ودراسة الخيارات والبدائل الممكنة والمحتملة والسعي للمحافظة على فرص الحل ومراكمة الوقائع الكفيلة بفرضه، دون الارتداد الكلي عن عملية المفاوضات بعد ان اعترف العالم بضرورة تجسيد الحق الفلسطيني بقيام دولة فلسطينية مستقلة، وعدم السماح بتآكل البرنامج السياسي الفلسطيني، وعدم التاكل السياسي عبر العودة الى عام 1988 بالتمسك بالمبادرة الفلسطينية، وعدم القبول بانهاء الصراع الا بالتوصل الى حل يقوم على حق تقرير المصير بما في ذلك اقامة دولة فلسطينية على الاراضي المحتلة في عام 1967 وحل مشكلة اللاجئين حلا عادلا وفق قرار 194.

وأكد فياض في اكثر من مناسبة ان على اسرائيل ان تفهم انه بدون انسحابها لحدود 1967 وازالة الاستيطان والجدار لا يمكن ان التوصل الى سلام ولا ان تنعم المنطقة بالامن والاستقرار والازدهار.

وفي ذات الوقت ظل على الدوام يدعو الى حوار شامل لانهاء الانقسام واعادة الوحدة للوطن وحث على القيام بتحرك شعبي لفرض الحوار والوحدة رافضا الاكتفاء بالدعوات العامة التي يطلقها الجميع للاستهلاك المحلي وتكريس الانقسام.

كما طرح افكارا عملية تتمثل بتشكيل حكومة وفاق وطني انتقالية تتكون من كفاءات وطنية مستقلة لا تثير استفزازا لأحد محليا وعربيا ودوليا، واول مهمماتها استعادة وحدة الوطن جغرافيا

وقد حققت الحكومة انجازات مهمة على صعيد حفظ الامن حيث باتت مناطق طولكرم وجنين ونابلس تنعم بدرجة مقبولة من الامن والامان وتم وقف عمليات السطو وفرض الخوات على التجار والاعتداءات ومظاهر الزعرنة والتسيب الامني.

كما عززت القضاء بتعيين عشرات من وكلاء النيابة في العديد من المناطق، واشاعت مناخا من الحريات السياسية فقد صرح فياض وعدد من المسؤولين الأمنيين بعدم وجود معتقل سياسي واحد في سجون السلطة، وان الاعتقالات التي تتم انما في اطار الجرائم الجنائية.

وحققت الحكومة انجازات مهمة على الصعيد المالي من حيث الرقابة والشفافية، فالبيانات المتعلقة بالنفقات معلنة على الملأ وموجودة على موقع الحكومة على الانترنت.

كما قدمت حكومة فياض خدمات كبيرة جدا في مجال الصحة للمواطنين فانفقت ملايين الدولارات على معالجة المرضى سواء في المستشفيات المحلية او في مستشفيات الاردن، وتشمل هذه الرعاية مختلف المواطنين بغض النظر عن انتمائهم السياسي.

كما تطورت الخدمات نسبيا في مجال التعليم ، وعاد النشاط الى نقابات ومؤسسات الطلاب في الجامعات،وجرى تحديث عدد من المدارس، وكذلك الامر في مجال الرعاية الاجتماعية هناك تقدم ملموس.
كما قامت وزارة التجارة بتحديث العديد من القوانين المنظمة للعمل التجاري، وتبدي الحكومة اهتماما كبيرا بالجانب الاقتصادي وتسهيل عودة رؤوس الاموال الوطنية وجلب الاستثمار الاجنبي.
وعملت وزارة السياحة بهمة عالية لبناء اسس اقتصادية وترويجية لجذب السياحة الى فلسطين، وتشجيع المؤسسات السياحية وبناء المنشات السياحية، فالتوقعات تشير الى احتمال جذب نحو خمسة ملايين سائح اجنبي سنويا لزيارة فلسطين فيما لو تم التوصل ال اتفاق سلام، وفي غضون 3 سنوات قد يصل العدد الى عشرة ملايين سنويا.

هذا ما قامت به حكومة السيد فياض .. بناء دولة من العدم .. او بالاصح هدم نظم قديمة مليئة بالثغرات التي يدخل منها الفساد والفاسدون واقامة مؤسسات عصرية حديثة.

فلماذا يعترض حزب الشعب اذن وعلى ماذا يعترض ..؟؟ هل لانه لا يوجد 20 وزيرا لحركة حماس يكتمون على قلب كل من مجرد يفكر بالتطور والنمو والنماء ..

شكرا للجبهة الديمقراطية التي تبرهن مواقفها تلو الاخرى قدرتها على التقاط الموقف السليم في اللحظة المناسبة وشكرا لحزب فدا وجبهة النضال الشعبي.. وشكرا للرئيس ابو مازن الذي يتخذ قراراته الحاسمة في اللحظة المناسبة، ولا تنطلي عليه الاعيب حماس بالتسويف والمناورات ..

للتذكير فقط على السيد الاخ عزام الاحمد الا يكون ممثلا لمن لا يرى بالسلطة الا وسيلة للاستنفاع والتنفيع .. املين النجاح والتوفيق للسيد الرئيس سلام فياض .. وليسمح لنا في هذه الفرصة ان نجدد ثقتنا .

ابراهيم علاء الدين

alaeddinibrahim@yahoo.com

 

 

 

 

 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !