بقلم / صادق الشيحاني
كانت المرجعية ولقرون طويلة تحمل على عاتقها توجيه أتباعها حول أية مسالة كانت..حيث كان باستطاعتها أن تجعلهم ضدا وندا لأي مشروع أو حكومة أو ثقافة أو أيديولوجية لاتوافق ثوابت الدين الإسلامي والمنهج المحمدي العلوي . وأيضا باستطاعتها أن توجه أتباعها لدعم أي حكومة أو فكر أو ثقافة تتماشى مع مقبولية المنهج الإسلامي الأصيل المتمثل بمذهب شيعة آل البيت عليهم السلام
وماتكلمت به أعلاه هو حقيقة غير خافية على كل متابع أو مطلع على تاريخ المرجعيات الدينية الشيعية وتاريخ انصياع أتباعها لها.
لكن في العشر سنوات الأخيرة بدأنا نلمس ابتعاد الشارع الشيعي عن المرجعيات الدينية وعدم اهتمامه بمتابعة آرائها مما جعلها تعيش عزلة عن أتباعها وجعل أتباعها يتهاوون في مهالك الثقافات المنحرفة والدعوات الزائفة
ومن هنا علينا أن نبين ماهو دور المرجعية الدينية بحسب العقل والنقل فيما يتعدى دورها في بيان الأحكام الشرعية فنحن أتباع شيعة أهل البيت نعتقد أن المرجعية هي امتداد لخط النبوة والإمامة في عصر الغيبة لذا وجب على هذا الامتداد أن يقوم بالأدوار التي كانت مناطة على عاتق النبي وخلفائه المعصومين وهي كالتالي..
أولا... جانب النقل
جاء عن الإمام العسكري عليه السلام في هذا السياق قوله فاما من كان من الفقهاء صائنا لنفسه حافظا لدينه مخالفا لهواه مطيعا لأمر مولاه فللعوام ان يقلدوه .
وفي رواية عن الإمام الصادق انه قال من استأكل بعلمه افتقر فقيل له ان في شيعتك قوما يتحملون علومكم ويبثونها في شيعتكم ويتلقون منهم الصلة فقال ليس أولئك بمستأكلين انما ذاك الذي يفتي بغير علم ولا هدى من الله ليبطل الحقوق طمعا في حطام الدنيا .
وفي حديث عن الرسول ( ص ) انه قال : الفقهاء امناء الرسل ما لم يدخلوا في الدنيا .وقد جاء في الأحاديث التأكيد على المعنى العملي لاستمرار مبدأ الاجتهاد إضافة إلى استمراره الشرعي وعلى ان الدين لن يعدم ابدا العلماء القادرين على استيعابه والتفقه فيه وتفهيمه للآخرين ورفع الشبهات عنه .فقد جاء في الحديث الشريف عن رسول الله ( ص ) انه قال : يحمل هذا الدين في كل قرن عدول ينفون عنه تأويل المبطلين وتحريف الضالين وانتحال الجاهلين كما ينفي الكير خبث الحديد ( 1 )
وأما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا فإنهم حجتي عليكم وأنا حجة الله ( 2 )
قال رسول الله صلى الله عليه وآله : إذا ظهرت البدع في أمتي فليظهر العالم علمه ، فمن لم يفعل فعليه لعنة الله ( 3 )
عن الصادقين ( عليهم السلام ) انهم قالوا : إذا ظهرت البدع فعلى العالم ان يظهر علمه ، فإن لم يفعل سلب نور الايمان ( 4 )
ثانيا... العقل وقراءة سيرة المرجعية العملية
أ - الإصلاح العقائدي.. كان النبي والأئمة عليهم الصلاة والسلام مصلحين لهذه الأمة في جميع جوانب الانحراف عن الشريعة الإلهية المقدسة , حيث كان النبي والأئمة يردون على كل عقيدة فاسدة ويبينون مواطن فسادها عن طريق النقاش والحوار وفق المبدأ ألقراني
{ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} ( 5 )
وعليه لم تكن عقيدة فاسدة منحرفة إلا وقد رد عليها النبي والأئمة المعصومين وبينوا لأتباعهم انحراف تلك العقائد لكي يحصنوهم منها
ب - الإصلاح الأخلاقي..نفس ماتقدم أعلاه من دور النبي والأئمة عليهم الصلاة فقد دأب مراجع الدين في بيان الأخلاق الحسنة والدعوة إليها وأيضا بيان الأخلاق السيئة والدعوة إلى الابتعاد عنها ونبذها.. عن طريق خطبهم ومحاضراتهم ومؤلفاتهم المستلة من المنهج الإسلامي الأصيل
ج - الإصلاح الاجتماعي... كانت المرجعيات تقوم بإعداد بناء الإنسان والمجتمع من خلال بيان علاقة كل منهما ببعض عن طريق المحاضرات والخطب والمؤلفات فكانت رائدة لتوجيه المجتمع نحو بناء متماسك مرتبط ارتباطا وثيقا فيما بين أفراده وفق بيان الحقوق والواجبات التي بينها لنا النبي واله عليهم الصلاة والسلام
د – الإصلاح الاقتصادي...فكانت المرجعية راعية لشؤون أتباعها ومشاكلهم الاقتصادية ومعالجة بعض أزماتهم المادية أسوة بالنبي واله عليهم السلام من خلال ما يجبى إليهم من حقوق وصدقات الميسورين ليتم توزيعها على الفقراء والمساكين وبقية أصحاب الحقوق
وبعد بيان هذه الأدوار التي لا يختلف عليها اثنان من العقلاء نجد إن المرجعية الدينية قد ابتعدت تماما عن واجباتها الأساسية وانكفأت على العمل بجزء يسير منها.. فتدهور وضع أتباعها وتاهت بهم السبل وتفرقت بهم الطرق والاتجاهات فأصبحنا نصحوا في كل يوم ونحن نسمع بظاهرة جديدة دخيلة تغزوا شارعنا الشيعي دون أن نجد أي اكتراث من قبل المرجعية
ربما يسال البعض هنا أو يشكل على كلامنا حول ابتعاد الأتباع عن قياداتهم وزعاماتهم الدينية هو السبب جراء مايحصل بمجتمعهم .؟؟
أقول نعم صدقت ولكن هنالك أسبابا دعت المجتمع إلى أن يبتعد عن زعامته الدينية فالمجتمع الشيعي العراقي جرت عليه مئات المشاكل والأزمات خلال العشرة سنين الماضية دون أن تتدخل المرجعية للوقوف إلى جانب أتباعها
فمن عمليات الذبح إلى عمليات القتل بالمفخخات والعبوات وإلى عمليات الصراع والاقتتال ( الشيعي الشيعي ) والذي أنهك الأتباع وإلى تفشي الفقر والحرمان وعدم حصول الكثيرين على قوت يومهم وإلى الوقوف العلني مع الساسة الانتهازيين حكومة وبرلمان, بوجه مطالب الشعب الحقة بل إلى رمي الفقراء والمحرومين والشرفاء الذين أرادوا المشاركة بالخروج للتعبير عن رأيهم وموقفهم مما يجري من فساد مالي وإداري ومطالبة المسئولين بمطالب حقة تتمتع بها أدنى مجتمعات الدول الفقيرة كالكهرباء والماء والنظافة وبقية الخدمات ..بتهم جاهزة ومعلبة مجانبة للحق والحقيقة مراعاة للسلطان ومن يحيط به فهذه كانت هي أسباب ابتعاد المجتمع عن التمسك بمرجعياته وإتباع توجيهاتها , وكل ما مر الزمن وبقيت المرجعية على موقفها هذا ستزداد الفجوة وتكثر الانحرافات والشبهات وتحصل الفتن يوما بعد آخر .
أذن نحتاج إلى مرجعية عارفة بما يجري في مجتمعها ملمة بجوانب عيشه واحتياجاته محاسبة للحكومة على انتهاكاتها المتكررة . تقوم بدورها الإصلاحي المبين أعلاه
مرجعية صالحة مصلحة تقود المجتمع إلى بر الأمان وإلى كرامة الإنسان والدفاع عن حقوقه وتحصنه من كل انحراف وثقافة فاسدة ودخيلة على المجتمع الإسلامي
الهوامش
( 1 ) الفتاوى الواضحة – السيد محمد باقر الصدر – ص 10 - 11
( 2 ) بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج 2 - ص 90
( 3 ) الكافي - الشيخ الكليني - ج 1 - ص 54
( 4 ) وسائل الشيعة (آل البيت) - الحر العاملي - ج 16 - ص 271
( 5 ) (125) سورة النحل
التعليقات (0)