لماذا أنت
هذا هو السؤال الذي نسأله جميعاً عندما نقع في الحب
في البداية علينا أن نعلم جيداً بأن كل ما يحدث، يَحْدُث لسببٍ محدد... قد نجهله لكنه موجود، ربما يكون عميقاً وأبعد من حدود فكرنا المحدود...
لذلك لا نفهمه لكنه يبقى فعلاً موجود، وكل ما يحدث داخلنا ومن حولنا يحدث لسبب محدد مهما كان.
إنه فعلاً أمرٌ محير: ما هو السر بأننا غالباً نحب شخصاً بعيداً عنا؟.. من مدينة أخرى.. من بلدٍ آخر.. وربما من طائفة أو دين آخر؟
كثير منا يعيش هذا الحب الصعب... هذا الحب المليء بالعذاب والشوق والشوك.. المليء بالمشاكل والصعوبات.. بالأحلام.. وربما أخيراً بالكثير من الدموع والآلام.
نعم، في البداية نحب الحبيب، لكن بعدها نشعر بأنه بعيدٌ....
لكن هذا تبرير من الفكر... لقد كان بعيداً منذ البداية!
الفكر يجعلك هنا لكنك لستَ هنا... تحبّ لكن أين هو الحبيب؟.. مغروم، لكن هذا الحب مليء بالهموم... ونسأل أنفسنا هل هذا هو الحب؟.. هل حبيبي حقاً يحبُّني؟.. وما لا نعلمه أن كل ما يحدث هو مجرد لعبة من الفكر الذي يحكم هذا الحب ويقوده دون أن ننتبه لذلك.
الدرس هنا واضحٌ جداً وبسيط:
وهو أن تحب الحبيب لأجله لا لأجلك
أن تحبه لمجرد أن تحبه لا لكي تمتلكه
الحب يعني أن تعطي وتشارك الكل بكل شيء
لا أن تأخذ وتطلب وتشحذ من أحدٍ أيّ شيء
فالحرية أغلى من الحب
بل الحرية هي الحب الحقيقي الوحيد
عندما يشعر حبيبك بحرية أكبر من التي كان يعيش فيها قبل وجودك، فأنت الآن تشاركه بكل شيء حتى بحبه للآخرين... امنحه فضاء أوسع ولا تخنقه بحبك..
إذا أحببتَ بتعلق، إذا أحببت بأنانية وبتملُّك... أنت حبيبي، أنت لي.. أنتِ حبيبتي أنا.. حبيبتي وحدي.... وظننتَ بأنك حقاً تحب:
ستمرّ حتماً بتجربة قاسية كهذه... ستحب شخصاً بعيداً عنك!
لتبدأ التعلم والنضج والنمو بعد العذاب والأوجاع.
استيقظ الآن وانظر داخلك... ما هو ماضيك الذي تتعلق به؟
ماذا يوجد هناك غير الأشياء المألوفة؟
لا يوجد شيء في الماضي إلا الحزن والبؤس والهم... لكن الناس تتعلق حتى بالأحزان والهموم إذا كانت مألوفة وظهرت كأنها صديقة رؤوفة.
لقد تعودتَ على الحزن.. تعودتَ أن تنظر للحياة على أنها مكان مليء بالأحداث والتجارب الحزينة الموجعة.. هذه هي أحاديث المجتمع ونشرات أخبار الدمار...
أصبح الحزن جزءاً منك أو جعلته أنت جزءاً منك.. لذلك أصبحت تلك الأحزان والمآسي هي الصديق الأقرب إليك... وزاد تعلقك بها لأنك تعودت على وجودها.
تماماً كأنك تعاني من مرض ما كالسل أو السرطان... ستبدأ بالتعايش مع المرض حتى تعتاد على وجوده، وعندها حتى ولو وقف الشفاء أمامك وطرق بابك لن تتمكن من سماعه!
ستبقى مرتبطاً متعلقاً بهذا المرض فقد تعودت عليه وعلى أن تكون مريضاً..
لقد أصبح المرض رفيقاً لك لأنك عشتَ معه لفترة طويلة... وبعد أن عشتما معاً كل تلك الفترة أصبح المرض مألوفاً لك، أما الشفاء فأصبح هو الشيء الغريب الجديد بالنسبة لك..
وهكذا حتى عندما تأتي فرص التخلص من الأحزان وبدء الاحتفال، يستمر الناس بالتعلق بحزنهم وبؤسهم... يتمسكون بها ويرفضون تركها...
حتى لو سقطت على الأرض من تلقاء نفسها سيعيدون التقاطها!
أو إذا اختفت إحدى الأحزان، سيخترعون حزناً مشابهاً مباشرة، ولن يسمحوا ولو لفاصل قصير لكي يدخل الفرح حياتهم!
تذكر... الناس الأحياء هم فقط الذي يغامرون ويختارون الجديد...
الحياة تعني الاستعداد لغوص أعماق المجهول دون خطط أو خرائط...
الحياة تعني الاستعداد دائماً لقبول التحدي المفاجئ المجهول، وهذا شيء خطير، لكن فعلاً... أن تعيش هو شيء خطير!
أكثر مكان أمناً وطمأنينة في العالم هو القبر، لا ولن يحدث فيه أي شيء جديد.
الحياة تدفّق كالنهر يجري باستمرار... النهر ينهر ويتجدد ولا شيء فيه يتجمد...
ومع ذلك، نحن حمقى كفاية لنستمر بالتمسك والتعلق بكل شيء:
بالمشاعر بالأشخاص بالأحزان بالأشياء....
إذا كان التغيير نظام طبيعي ثابت، فالتعلق من الغباء، لأن تعلقك لن يغير قانون الحياة، ولن يعمل شيئاً إلا جعلك بائساً.
الأشياء والأحداث لا بد أن تتغير، سواء تعلقتَ بها أم لا...
إذا تعلقتَ ستصبح بائساً: أنت تتعلق وهي تتغير، فتشعر بالإحباط.
إذا لم تتعلق، ستستمر الأشياء بالتغير، لكن لا يوجد أي إحباط لأنك كنتَ واعياً تماماً لأنها حتماً ستتغير... هذه هي طبيعة وشيئية الأشياء...
لكن أغبى شيء أنك خُدعتَ آلاف المرات وحتى الآن لم تدرك وتستيقظ.
ستظهر فقاعة صابون براقة من جديد وستصدقها... غباؤك فقط يبدو غير محدود!
كم مرة يجب أن تصدمك الحياة لتعلمك؟
كم مرة يجب أن تتدمر أحلامك وتتشتت؟
كم مرة يجب أن تثبت لك الحياة
أن تعلقك شيء تافه؟
الحياة قصيرة جداً وأنت مجرد زائر هنا..
هل الأمر يحتمل منك كل ما تفعله؟..
استمتع بكل شيء، كن شاكراً وممتناً لكل شيء ولكل ما يحدث من حولك فهو هبة أرسلت إليك.
توقف عن التعلّق وعندها ستتجاوز الحزن...
التعلّق هو السبب وهو جذور شجرة الحزن في حياتك...
بمجرد رؤيتك وإدراكك لهذا الآن ستطير فوق الحزن والأسى فوراً...
بعدها لا تحتاج لعمل أي شيء...
في اللحظة التي تفتح فيها عينيك لن تجد أي حزن
اختفى السبب الجذري الأصلي
فكن الشاهد الحر الطير الطائر
التعلق يسجنك في قفص ذهبي...
والتأمل يحررك ويجعل حياتك ذهبية
التعليقات (0)