لم يكن تفائل الفلسطينيين وأولهم أسماعيل هنية باقل من تشائم الصهاينة وأولهم حكومتهم من نتائج التصدي لأسطول الحرية المحمل بالمساعدات الأنسانية لغزة وأهلها .
فلم يجانب هنية الحقيقة حين قال في خطبته يوم أمس وقبل المجزرة الصهيونية في حق العزل من أفراد طاقم الحرية ، أن الفلسطينيين وأهل غزة أنتصروا سواء أوصل أسطول الحرية الى ميناء غزة أم لم يصل . وهذا ما ذهب أليه عدد غير قليل من الساسة والمفكرين الصهاينة اللذين عبروا عن خسارة الكيان الصهيوني الأكيدة في كلا الحالتين . وصدق الأثنان . فها هو العالم كله يطالب برفع الحصار عن غزة ، ومجلس الأمن يصدر بيانا حول جريمة الصهاينة ضد قافلة الحرية اوصى فيه بقيام الامم المتحدة باجراء تحقيق "سريع ومحايد وذي مصداقية وشفاف" في حادثة الهجوم على القافلة البحرية، كما يطالب اسرائيل باطلاق سراح الناشطين الذين تحتجزهم والسفن التي وضعت اليد عليها فورا. وادان البيان الرئاسي كل الاعمال التي ادت الى مقتل المدنيين في الهجوم .
"الا ان مراسلة بي بي سي في الامم المتحدة برباره بليت تقول إن الصيغة التي اعتمدها المجلس اضعف من المسودة الاصلية التي طرحت عليه، إذ كانت عبارة عن حل وسط بين اصرار تركيا على اعتماد صيغة تنتقد اسرائيل بشدة من جهة وتصميم الولايات المتحدة، حليف اسرائيل القوي، على اعتماد لغة اقل تشددا".
شكرا سيدة باربرا ولكننا لسنا بحاجة الى اي نوع من انواع الذكاء لتذكيرنا بهذه البديهية .
قبل المجزرة ، وفي الساينس مونيتر الأمريكية قال شلومو درور المتحدث باسم وزارة الدفاع الإسرائيلية "إننا متأكدون من شيء واحد وهو أننا سنخسر الحرب في كل الأحوال في الإعلام"، مضيفا "لا يهم ما نقوم به، فإذا سمحنا لهم (أسطول الحرية) بدخول غزة فسيتحدثون ضد إسرائيل، وإذا منعناهم فستكون الصورة سيئة أيضا .
وبعد المجزرة حصل ما كان منتظرا وتم خلال الساعات القليلة الماضية أستدعاء للسفراء الصهاينة في اثينا ، أوسلو ، ستوكهولم ، مدريد ، أنقرة ، باريس ، لندن ، وبرلين ، ولازالت تتوالى أستدعائات .
أما الردود العملية على هذه المجزرة فقد بدأت بأمتناع السفير الصهيوني في تركيا عن الأمتثال للأستدعاء الحكومي التركي والأخبار بدأت تتكلم عن قطع للعلاقات الدبلوماسية بين الكيان الصهيوني وتركيا . واليونان تلغي مناورات جوية مشتركة مع الكيان الصهيوني .
وفي فرنسا الحكومة تصرح بأن" لا شيء يبرر استخدام كل هذا العنف" ضد أسطول الحرية المتجه لغزة ". وساركوزي يدين الاستخدام غير المتكافئ للقوة.ووزير الخارجية الفرنسي "مصدوم بشدة" من التصرفات الإسرائيلية ويدعو لتحقيق .
رئيس الوزراء النرويجي يانس ستولتنبرغ يقول أن النرويج ترفض بشدة ما قامت به إسرائيل اليوم . ودعا إلى رفع الحصار عن غزة بأقصى سرعة ممكنة . بينما ألمانيا تقول إنها تشعر بالصدمة ازاء تصدي إسرائيل للقافلة وتسعى لمزيد من التوضيحات .و دعا رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون اسرائيل إلى رفع الحصار عن قطاع غزة.
أما ردود الأتحاد الأوربي فتمثلت بتصريح الرئاسة الإسبانية للاتحاد الأوروبي بأن الهجوم حدث "غير مقبول" و"خطير للغاية" . أضافة الى المطالبة بتحقيق كامل في المجزرة الصهيونية . كما تم استدعاء السفير الصهيوني لدى رئاسة الأتحاد . وسيقوم مبعوثو الدول الأعضاء بالاتحاد الأوروبي بعقد اجتماع خاص ببروكسل .
وفي الأمم المتحدة قام الأمين العام بان كي مون بأدانة قتل النشطاء قائلا " بإنه صدم من مدى خطورة حادث قافلة المساعدات لغزة "، ومؤكدا على ضرورة إجراء "تحقيق واف".
أما ردود الفعل الشعبية ومنظمات المجتمع المدني فلقد بدأت تتوالى ولن تنتهي بالمظاهرات والهجومات على سفارات الكيان الصهيوني في جميع عواصم العالم تقريبا " ما عدا سفارات الكيان في الدول العربية طبعا " بل ستمتد لا محالة الى رفع عشرات القضايا الجنائية ضد المسؤولين الصهاينة والقتلة من جنود عصابة الأحتلال المسلحة المسماة "بجيش الدفاع الأسرائيلي " .
وكما أسهم تقرير غولدستون في رفع الغطاء عن جرائم الصهاينة وحقيقة سطوهم المسلح على فلسطين وطرد شعبها الأصلي وأستبداله بيهود من جميع القوميات في الدنيا . ستسهم مجزرة الأحتلال الجديدة ضد العزل من المحتجين على الحصار الصهيوني البربري لغزة في فضح جرائم هذا الكيان البغيض أمام الرأي العام العالمي لامحالة . وقد يكون لهذا الحادث تداعيات أكبر من تداعيات حرب غزة الأخيرة وتقرير غولدستون . خاصة أذا كان من بين ضحايا " مجزرة الحرية " مواطنين أوربيين كما يتضح من بعض الأخبار الأولية . فالدم العربي يبقى رخيصا مقارنة بقيمة غيره من الدماء !.
والسؤال اللذي يطرح نفسه بقوة هنا هو لماذا يرتكب الصهاينة هذه المجزرة على مرأى ومسمع من العالم كله وعلى الهواء مباشرة دون خوف من التداعيات ؟ .
لايمكن أن يكون قادة الكيان الصهيوني اغبياء لدرجة عدم تكهنهم بردود الأفعال العنيفة على المجزرة اللتي قرروا أرتكابها . ومن اقوال شلومو درور في السايس مونيتر نعلم ان حكومة الأحتلال قد توقعت بالظبط ردود الأفعال هذه . فلماذا أرتكبوا هذه الجريمة اذا ؟!.
من المعلوم ان الحكومات عندما تعلن حربا أو تنوي القيام بعملية عسكرية محدودة أو حتى عند قيامها باتخاذ خطوات أو ممارسات سياسية وحتى أقتصادية ضد طرف آخر لابد أن تدرس أحتمالات الربح والخسارة . وأذا أضطرت حكومة ما الى دخول حرب سياسية أو عسكرية أو أقتصادية وهي تعلم بأنها خاسرة لامحالة ، فأنها لابد وأن تختار أهون الشرين في هذه الحالة . وأهون الشرين بنظر الصهاينة في حالة أسطول الحرية على ما يبدوا كان قتل وجرح العشرات من العزل بدم بارد في سبيل عدم أيصال الغذاء والدواء الى أهل غزة مما " قد " يسهم في صمودهم ضد الحصار الصهيوني النازي البربري اللذي يقتل الأطفال والمرضى والأبرياء كل يوم في غزة وبالتالي يبتعد امل المجرم الصهيوني في التخلص من ضحيته الى الأبد .
من الواضح أن الكيان الصهيوني وحكومته تتحمل كل استدعائات السفراء ، وقطع العلاقات الدوبلوماسية ، وكلمات الأدانة والاستنكار ، وحتى قضايا المحاكم ضد رموزه على أن يكسر الحصار على غزة ولو بحمولة سفينة لاتسمن ولا تغني عن جوع . فهذا اهون الشرين لكيان لايهمه ألا تركيع شعب فلسطين " بل وشعوب العالم" بقوة السلاح للكف عن المطالبة بحقوقه في أرضه اللتي سرقت عنوة بمباركة الغرب وحكوماته .
ولماذا ؟ . لأن حكومة الكيان تعرف جيدا ومن حوادث سابقة ليس أولها تقرير غولدستون، أن كل هذه الأحتجاجات والقضايا الجنائية ستظل حبرا على ورق ، وأن هذا الكيان البغيض محمي بالغرب وجيوشه مهما أرتكب قتلة جيشه من جرائم ارهابية ضد الأبرياء ، حتى لو كان هؤلاء الابرياء من مواطني الغرب أنفسهم . فحتى أقوى دولة في العالم لم تفرض عقوبات أقتصادية على الكيان الصهيوني ، أو تقصف منشأة صهيونية عندما سحق بلدوزر صهيوني جسد الأمريكية راشيل كوري عمدا لأحتجاجها على جرائم الأحتلال البغيض وهي اللتي تقيم الدنيا ولا تقعدها أذا ما قتل غير الصهاينة مواطنا أمريكيا.
السارق والقاتل لايهمه شيئا في الدنيا مثل أسكات ضحيته عن المطالبة بحقوقها ، فعندها فقط يمكن لهذا السارق القاتل ان يهنأ بغنيمته دون خوف من تحقيق العدالة في يوم ما . ومادام هذا السارق القاتل يعرف أن يد العدالة لن تطاله ، فبالتاكيد سيرتكب الخطأ تلو الخطأ والجريمة تلو الجريمة الى ان يقع في شر أعماله و يجد من يردعه بالقوة . هذه هي طبيعة القتلة ، هذه هي العقلية المريضة اللتي تحرك كل المجرمين والسفاحين لاشعوريا وتجبرهم على الوقوع في فخ أعمالهم القذرة فيقيض الله من يقتص منهم أن عاجلا أو آجلا .
لهذه الأسباب أنتصرت غزة سواء فتح الحصار الآن أم لم يفتح . فيكفي أن يعلم العالم أن قتلة جيش الصهاينة لايتورعون عن قتل العزل حتى لو كانوا من غير الفلسطينيين ، فما بالك بالضحية اللتي أفترس أرضها وعرضها .
نعم اثبتت جريمة سفينة الحرية أهمية المقاومة السلمية للأحتلال ونجاعة اساليبها في تغيير المزاج الشعبي وبالتالي الحكومي الغربي المهم في حل القضية الفلسطينية وأستعادة الحقوق . وهذا أمر في غاية الأهمية يجب أن يستمر الفلسطينيون وكل من يؤمن بعدالة قضيتهم بالتركيز على الأستمرار به واعادة أستخدامه مرارا وتكرارا حتى تحقيق الهدف .
ألا ان حماية الحكومات الغربية للقتلة الصهاينة حتى من القضاء اللذي طالما كان سلطة عليا مستقلة أثبتت أن المقاومة المسلحة تبقى مهمة ومهمة جدا في التصدي للمجرمين والقتلة اللذين لايعرفون غير لغة الرصاص والدم كما أثبتت مجزرة سفينة الحرية . فمن أمن العقوبة أساء الأدب . وما منع الحكومة البريطانية السابقة القضاء من أتخاذ أجرائاته ضد المجرمة تسيبي ليفني ، وتعهدها بتغيير قوانين بريطانيا لمنع ملاحقة قتلة الكيان الصهيوني من التعرض لذات الموقف مستقبلا ألا دليلا على ما نقول .
دروس جديدة تعلمناها وأخرى قديمة أستذكرناها من أبطال أسطول الحرية وشهدائه اللذين أثبتوا أن الموت في سبيل الحق فضيلة ما بعدها فضيلة . وأن انقاذ حياة اي انسان مهما كان لونه أو جنسه أو دينه واجب انساني على كل من يحترم الأنسانية والقيم النبيلة . فطوبى لكم سيداتي وسادتي حماة الحرية ، والعار كل العار لكل من اعتدى عليكم ولكل من رضي عن قتلكم و برر هذه الجريمة . ولكل حكومات التواطوء اللتي ترفع رايات من النيل الى الفرات في قلب عواصمها وتحاصر وتجوع اطفال غزة . ولكل حكومات السكوت عن الجرائم الصهيونية أمتثالا لأسيادها وحماتها الغربيين .
وسلام عليكم يا أبطال الحرية أحياء وشهداء . وشكرا لكم على تذكيرنا بهذه الحقائق .
http://www.bbc.co.uk/arabic/middleeast/2010/06/100601_security_council_tc2.shtml
التعليقات (0)