بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام علي أشرف المرسلين سيدنا محمد وعلي آل بيته
الطيبين الطاهرين وصحبه الغرّ الميامين
البدايّة (1) :
في أواخر شتاء عام 1998م وفي اليوم الأول لعيد الأضحي المبارك إستيقظت من النوم باكرًا لإداء صلاة الصبح ومن ثم إلي " الزاوية " لشرب الشاي الکیک " اللقيمات " والإستعداد لصلاة العيد , كانت الکثیرمن الرجال والأطفال والنساء يتجمعون في "مصلي العيد " لأداء صلاة العيد , وكنت حريصًا أن أكون في الصف الأول وبالقرب من الإمام لأستمع إلي قراءته وصوته الجميل .
كعادته يبدأ الأمام بسورة الضحي ثم الأعلي , ولكنه بعد الضحي قرأ سورة الجمعة .
عندما وصل الإمام إلي قوله تعالي : {وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها وتركوك قائما قل ما عند الله خير من اللهو ومن التجارة والله خير الرازقين } .
فجأة وبلاشعور مني وجدتُ نفسي أكرر هذا الآية , ولم أنتبه إلا علي صوت تسليم الإمام,
بعد الصلاة كعادة المواطنين في المنطقة يقومون بمصافحة بعضهم البعض , ويتبادلون التهاني والتبريكات , في تلك اللحظة كنت شارد الذهن حتي أن كل من يقترب مني , يجد مني هذا الشرود الواضح , ويسأل ؟ مابك ياأخي ,وأنا أقول : لاشئ , لاشئ , فقط قليل من الصداع .
بعد إنتهاء مراسم الصلاة والمعايدة بالمرور علي منازل بعض الأصدقاء والجيران ذهبت إلي المنزل وأنا بين الفينة والأخري أكرّر هذه الآية بحيث كل قريب مني يسمع صوتي بوضوح .وأفكر هل يعقل أن يوجد شخص علي وجه الأرض يقدم اللهو علي الصلاة خلف الرسول صلي الله عليه وآله وسلم , فكيف بالصحابة !
وأتعجب وأقارن ذلك بيني وبين نفسي , وأقول والله لو حصل زلزال مدمر وأنا في حالة الصلاة فلن أهرب و أترك إمام القرية فكيف بالصلاة خلف رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم !,
لو أعطوني مليارات الدولارات علي أن أترك الصلاة خلف الرسول صلي الله عليه وآله وسلم فلن أفعل , فكيف فعل هؤلاء ذلك ؟
لم أستطع أن أستوعب ذلك , ولو لم تكن هذه الحادثة جاءت في آية قرآنية لما صدقت بها.
وبينما أنا جالس جاء إخي الأكبر وجلس بالقرب مني وعرف ما بي
فقال لي : ما بك يا أخي, لست طبيعي ؟
قلت : أنا اليوم أمرُّ مشكلة لم أري مثلها في حياتي .
إندهش وقال : تعال , وإصطحبني جانبًا .
ثم قال : مابك ؟ .
قالت : اليوم في الصباح وأثناء صلاة العيد وعند وصول الإمام إلي قوله تعالي : (وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها وتركوك قائما قل ما عند الله خير من اللهو ومن التجارة والله خير الرازقين) .
هذه الآية كأني لم أسمع بها في حياتي , منذ الصباح وإلي الآن وأنا في حيرة شديدة , لا أستطيع أن استوعب أن بعض الصحابة يفضلون اللهو علي الصلاة خلف رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم ؟
ضحك وقال : يا أخي هؤلاء ليسوا صحابة , هؤلاء المنافقون الذين إذا قاموا إلي الصلاة قاموا كسالي, و الصحابة يا أخي لم يتركوا الرسول في ساحات الحرب وكانوا محدقين به كالصقور , كيف تصدق أن يتركوا في الصلاة عمود الدين ؟
بعد حديثه هذا إطمأن قلبي قليلاً , وبدأت ألوم نفسي علي سوء الظن بالصحابة وهم أفضل الخلق بعد الانبياء .
لكن مع ذلك لم أتوقف عن ترديد هذه الآية . وعندما تحيط بي الهواجس أستحضر حديث أخي فتطمأن نفسي قليلُا .
وبعد كثرة التفكير أحسست أن حديث أخي لا يمكن أن يحل المشلكة , كيف والآية تقول " إنفضوا " أي ذهب أغلبهم ,ولو كانت الآية تعني المنافقين لذكرتهم باسماءهم أو علي الأقل لأشار إليهم .
إستمريت علي هذه الحالة إلي حين صلاة المغرب حيث كنا نذهب إلي المسجد , وبعد الصلاة نجلس ونتحدث إلي حين صلاة العشاء , وبعد صلاة العشاء نذهب إلي منازلنا , في هذا اليوم وبينما نحن جلوس إقترب مني أحد الأصدقاء , وقال لي , مابالك اليوم " مريض " ؟ قلت : لا .
لكن عندي سؤال : هل تحفظ سورة الجمعة ؟ , قال نعم .
قلت ( أقرأها ) .
وعندما بدأ صديقي بالقراءة , وعند وصله إلي قوله تعالي :( وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها وتركوك قائما..) .
قلت هذه هي مشكلتي .
قال: ماذا !
قلت نعم , هذه هي مشكلتي منذ الصبح ,
ضحك ضحكة تعجبت منها , لأن فيها علامات السرور الأقرب منه للشماتة , وقال لي : (الجماعة عردوا وفكوا الزوقة من الرسول ) أي هربوا وتركوا رسول الله وحده ؟ ثم إستمر في الضحك , وقال : والله أنا منذ علمت من هروب جماعة كبار من الصحابة يوم غزوة أحُد وتركوا رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم وسط الأعداء مع مجموعة قليلة من الأوفياء , منذ ذلك اليوم وأنا " قنعت " من الكثير منهم !
إزدادت دهشتي ولكني في نفس الوقت شعرت بالراحة , إذ لم أكن بفعلي هذا متجاسرًا علي الصحابة كما كنت أظن .
في صباح اليوم التالي وبعد الإفطار ذهبت إلي صديقي في منزله علّي أجد عنده المزيد , فوجدته وكأنه في إنتظاري , رحب بي , ثم قال لي عندي لك مفاجأة ,
قلت ماذا ؟
قال : إصبر .
ثم دخل غرفة مجاورة , وعاد وهو يحمل تحت إبطه أربعة كتب فوضعها أمامي , فإذا علي الغلاف مكتوب : " تفسير القرآن العظيم للإمام الحافظ بن كثير ,
ثم أخذ المجلد الرابع , وبدأ يتصفح فيه , ثم وضعه أمامي وقال لي : إقرأ .
وإشار بيده إلي موضع , فعندما نظرت فإذا أنا أمام هذه الآية ( وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا قُلْ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ) ومن ثم إلي قوله :
قال الحافظ أبويعلي حدثنا زكريا حدثنا بن يحي حدثنا هُشيم عن حصين عن سالم بن أبي الجعد وأبي سفيان عن جابر بن عبد الله قال : بينما النبي صلي الله عليه وسلم يخطب يوم الجمعة فقدمت عير إلي المدينة فابتدرها أصحاب رسول الله صلي الله عليه وسلم حتي لم يبق مع رسول الله صلي الله عليه وسلم إلا إثنا عشر رجلاً فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم : والذي نفسي بيده لو تتابعتم حتي لم يبق منكم أحد لسال بكم الوادي نارًا ونزلت هذه الآية " وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَة أَوْ لَهْوًا اِنْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوك قَائِمًا " وقال کان فی الاثنی عشر الذين ثبتوا مع رسول الله صلي الله عليه وسلم أبو بكر وعمر .
بعد قراءت هذه الأسطر شعرت ..
نواصل .
التعليقات (0)