...بعد قراءتي ماقاله ابن كثير , بصراحة أصبت بالذهول , لأن ماقام به بعض الصحابة ليس بالعمل الهين فقد أغضب الله ورسول الله صلي الله عليه وآله وسلم , ولولا القلة الباقية لذهب الجميع إلي الجحيم بسبب ما قاموا به من فعل مشين ؟
بعده بدأنا نتحاور حول هذا الموضوع من جوانب متعددة ولم نصل إلي نتيجة , وفي نهاية الأمر إتفقنا علي أن نذهب إلي إمام المسجد فهو رجل حافظ للقرآن الكريم وله إطلاع لا بأس به بالتفسير والسيرة النبوية .
إنتظرنا حتي يوم الجمعة , وبعد صلاة الجمعة ذهبنا وجلسنا إلي جواره , وبعد التحية والسلام , عرضنا عليه ما واجهناه من مشكلة , وفي تلك الأثناء بدأ بعض المصلين يتجمهروا من حولنا , فطلب منا الإمام الذهاب معه إلي منزله للحديث بهدوا حول هذا الموضوع .
ذهبنا إلي منزل الرجل , وبعد الترحيب و تناول الطعام , بدأ الرجل بالحديث حول فضائل الصحابة ومكانتهم السامية في قلوب المؤمنين , وأنهم تركوا الأبناء والأزواج والأهل والاقارب من أجل الله ورسوله , ووو ..,و في نهاية الأمر قال لنا أن الصحابة بشر , ليسوا بمعصومين , قد تصدر منهم بعض الهفوات , لكن تلك الهفوات الصغيرة لا تسوي شيئًا بما لهم من حسنات , حتي أن أحدُنا لو عمل آلاف السنين لما بلغ معشار ما لهم من ثواب , وقال أن العلماء أجمعوا علي جزيل الثواب لمن يقوم بنشر فضائلهم وأن نسكت عن مساوي البعض منهم وكل ما شجر بينهم , وإتفق العلماء كذلك علي أن الكبار من الصحابة خاصة أهل بدر لا يحتاجون إلي توبة إذا صدرت منهم بعض الكبائر فكيف بالصغائر, لأنّ لهم من الحسنات ما تمحوا كل سيئة تبدر منهم . وقد قال عنهم رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم : ( لعل الله إطلع علي أهل بدر وقال إفعلوا ماشأتم فقد غفرت لكم ) , وقد قال هذا بعد قصة حاطب بن بلتعة الشهيرة ومراسلته لكفار قريش وإخبارهم بتحرك الرسول صلي الله عليه وآله وسلم لغزوهم , ومع أن هذا العمل يعتبر خيانة عظمي بمقاييس اليوم وجزاءه القتل , إلا أن الرجل كان من أهل بدر , فمشاركته محت عنه هذه الجناية الكبري , فإذا كان بعض الصحابة , أو اغلبهم ذهب من أجل ملاقات قافلة تحمل الطعام , والله قد عاتبهم علي هذا الفعل ,إلا أن لهم من الحسنات ما يقابل هذه السيئة .
فالحذر الحذر يا أبنائي أن يلعب الشيطان برؤوسكم , وإياكم أن تسلكوا طريق الشيعة الروافض , الذين لا دين لهم غير سبّ ولعن الصحابة .
إستمر الشيخ في الحديث وإسداء النصائح لأكثر من ساعة ونصف , وأنا وصديقي كلنا آذان صاغية .
بعد ذلك ودّعنا الشيخ وشكرناه علي حسن كرمه وإجاباته الصادقة وإنصرفنا .
بعد خروجنا , وبمجرد إبتعادنا عدة خطوات , أراد صديقي أن يتحدث ,وضعت يدي علي فيّه وقلت له , إصبر ,أعرف ماذا تريد أن تقول , لا تتعجل , رتب أفكارك في نقاط حتي نخرج بنتيجة واضحة .
بعد وصولنا إلي منزله ,
قلت دعني أتحدث أولا , قال : تفضل .
قلت : سوف اذكر عدة نقاط خرجت بها من إجابات الرجل ,فأرجوك كل ما نتفق عليه أن نسجله ونضعه جانبا .
قلت النقطة الأولي . بالنسبة لإجابة الشيخ حول ترك الصحابة للصلاة خلف الرسول صلي الله عليه وآله وسلم لم تكن مقنعة لي , لماذا ؟ لأننا نحن لا نتحدث عن سيئات وحسنات , أو حساب وعقاب , إنما نتحدث عن هذا الموضوع من الجانب الاخلاقي والإحترام أولا , ومن ثم تقديم الصلاة التي تعتبر عمود الدين علي ما سواها , خاصة إذا كانت خلف رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم .
النقطة الثانية والخطيرة في نفس الوقت , كيف لبشر أيًا كان يرتكب كبيرة من الكبائر ولا يحتاج معها إلي توبة ؟ والله تعالي يقول : ( من يعمل مثقال ذرة خيرًا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرًا يره ) , هل الصحابة فوق هذه الآية ؟
قال صديقي : سجل هذه النقاط فأنا اتفق معك فيهما تمامًا , فقط أريد أن أضيف إليها نقطة , وهي إذا كان بعض الصحابة الكبار وخاصة أهل بدر لا يحتاجون إلي توبة من الكبائر , وأن الله قال لهم إفعلوا ماشئتم فقد غفرت لكم , لماذا عاتب الله إثنين من اهل بدر وهما مرارة بن الربيع وهلال بن أمية مع الثالث كعب بن مالك عندما تخلفوا عن غزوة تبوك وقد قال الله في حقهم : (وعلى الثلاثة الذين خلفوا حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت وضاقت عليهم أنفسهم وظنوا أن لا ملجأ من الله إلا إليه ثم تاب عليهم ليتوبوا إن الله هو التواب الرحيم )
فهؤلاء بمجرد تخلفهم عن غزوة من الغزوات تمت محاصرتهم ومقاطعتهم من قبل رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم وحتي من قبل زوجاتهم , ولم تشفع لهم مشاركتهم في غزوة بدر ؟ فكيف بمن إرتكب جريمة أكبر من ذلك , يا صديقي الله لا يُحابي أحد , وهو من قال : إن أكرمكم عند الله إتقاكم , لم يقل الصحابة اكرم من غيرهم .
في الحقيقة أذهلني صديقي بهذه المعلومات والإستنتاجات الخطيرة .
أنتهت الجلسة بيني وبين صديقي وفي نهايتها إتفقنا علي أن لا نذهب إلي أحد مرّة أخري وأن نبدأ بأنفسنا بالبحث عن موضوع الصحابة وأن يكون البحث بحثٌ علي بالدرجة الأولي , وعلي أن نبدأ بأهل بدر وبالخصوص الرواية التي تقول : ( إفعلوا أهل بدر ماشأتم فقد غفرت لكم )
لأن هذه الرواية لا تنسجم مع قول الله ( من يفعل مثقال ذرة خيرًا يره ومن يفعل مثقال ذرة شرًا يره ) .
نواصل ..
التعليقات (0)