لماذا أكتب مقالا عن هذا الحديث .؟
كنت طالبا في المرحلة الإعدادية وبالتحديد عام 1992م ، وذات مرة جلست مع شقيقي ( رمضان ) عند أحد الجيران الذي يفتح دكان ، فطلب هذا الجار صاحب الدكان من رمضان أن يبتعد عني ولا يعلمني هذه الأفكار (يقصد الفكر القرآني) وبدون أي مقدمات أو اتفاق مسبق سألني شقيقي هذا السؤال (لماذا تذاكر الأحاديث يا رضا )) .؟ فأجبت في التو واللحظة أنا أذاكر الأحاديث لكي أنجح فيها في الدراسة ، فتعجب صاحب الدكان قائلا والله حرام عليك يا رمضان سيب رضا في حاله.
وفي عام 1996م كنت في نهاية المرحلة الثانوية وتسلل لزملائي في الفصل أنى لا أؤمن بالأحاديث فاجتمعوا لكي يناقشوني في وقت كنا بلا مدرس ، قالوا لي هل حقا أنت لا تؤمن بالأحاديث فقلت لهم نعم وكان في يدي المصحف فقلت لهم أنا لا أؤمن بأي شيء غير هذا القرآن الكريم فتعجبوا أيضا وتسابقوا في طرح أسئلة معتادة ومتكررة كيف عرفت الصلاة والزكاة ووووو..إلخ) .
وفي عام 1997 دخلت امتحان الثانوية الأزهرية للمرة الثانية بعد نجاحي في المرة الأولى بالطبع و كان ذلك لتحسين المجموع لأني حصلت على الشهادة الثانوية الأزهرية مرتين على التوالي ، وفي امتحان مادة الحديث كان السؤال الثاني يحتوى على حديث من أصعب أحاديث المنهج وكان ترتيبه في الكتاب المدرسي السادس ، ووفقني الله جل وعلا وحصلت على الدرجة النهائية في مادة الحديث 40 درجة من 40 درجة ، وعند ظهور النتيجة تعجب زملائي و كان لسان حالهم يقول كيف لا يؤمن بالأحاديث ويحصل فيها على الدرجة النهائية.
ذكرت تلك المواقف للرد على بعض الحقده والكاذبين والجاهلين والمتاجرين بدين الله ، و الذين عندما وجهنا لهم نقدا فكريا فشلوا في الرد عليه وحسبوه نقدا شخصيا للجسم لا للعقل لأنهم يقدسون الأجسام والأجساد على السواء ، فاتهمونا بأننا نتاجر بدين الله وأن لنا مآرب أخرى من كتابة هذه المقالات واتهمني أحدهم تحديدا في أبريل من عام 2008 أن هناك سبب لهذا التحول المفاجئ في شخصي ، في الفكر والعقيدة وكتابة مثل هذه المقالات ، لأن هؤلاء كانوا يسكنون الكهوف وعندما اصطدموا بخرافة الإنترنت ووجدوا أسماءنا موجودة ولها حيز من هذا الكيان الرهيب اشتعلت الأحقاد بداخلهم وبدأوا في كيل الاتهامات لنا بالباطل بلا علم ولا هدى.
بعد أن زاد انتشار وتأثير الفكر القرآني في كل أنحاء العالم ، وبعد أن أصبح الحديث عن التراث ونقده والمطالبة بإعادة قراءته وتصحيح أخطائه مطلبا هاما و متاحا ، وبعد أن طالب رجال وعلماء الأزهر أنفسهم البحث عن النسخ الأصلية لمخطوطات صحيح البخاري للوقوف على حقيقة بعض الأحاديث التي أثارت جدلا واسعا كما أثارت حفيظة كثير من المسلمين ، كل هذا التحول والتغير في المناخ الفكري وفي النظرة العامة للتراث وكتب الأحاديث كان سببه جهودا ومعاناة القرآنيين الذين جعلوا القرآن الكريم مصدرا وحيدا للتشريع يـحكمون من خلاله على كل ما هو بشري ، وهذه النقلة الكبيرة في الفكر الإسلامي التي قادها الدكتور / أحمد صبحي منصور على مدى ثلاثة عقود تقريبا صاحبها تغيير واضح وفاضح في تفكير وفكر المدافعين عن الأحاديث سواء من السنيين المعتدلين أو من الوهابيين ، ومن أبرز التغييرات التي طرأت على فكر هؤلاء جميعا حينما وجدوا أنفسهم على حافة هاوية لا يملكون حجة واحدة يدحضون بها قضية فكرية واحدة من القضايا التي فجرها الفكر القرآني فكان لابد من تغيير الفكر وتغيير أسلوب الرد واختراع حجج جديدة لمقاومة ومهاجمة الفكر القرآني ومحاولة تخفيف أثره وتأثيره الواضحين على كثير من المسلمين ، وما قالوه وما فعلوه يثبت ويبين هشاشة منهجهم وضعف حجتهم ، وإليكم أمثلة على ذلك:
1ـ عذاب القبر : حينما كتب الدكتور أحمد صبحي منصور ـ مؤلفا يتعرض فيه لأكذوبة عذاب القبر ، وقام بنفيها تماما من خلال عشرات الآيات من القرآن الكريم ، وكان هذا منذ حوالي ربع قرن من الزمان ، كان رد أهل السنة والوهابية على السواء الدكتور أحمد صبحي منصور كافر لأنه أنكر معلوما من الدين بالضرورة ، وعذاب القبر ثابت بالسنة (الأحاديث) ومنكره كافر : أما ألآن وبعد مرور هذا الزمن اختلفت الردود والحجج حيث قالوا أن عذاب القبر لا علاقة له بالجسد ، إنما العذاب يكون للنفس لأن الجسد يتحلل ويأكله الدود فالعذاب يكون للنفس لا للجسد .
وهنا أقول لهؤلاء طالما أن العذاب يكون للنفس لا للجسد فما قولكم في هذا الحديث الذي يثبت أن العذاب يكون للجسد
صحيح البخاري - كِتَاب الْوُضُوءِ - إذا تبرز لحاجته أتيته بماء فيغسل به
215 حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ خَازِمٍ قَالَ حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ طَاوُسٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ (مَرَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَبْرَيْنِ فَقَالَ إِنَّهُمَا لَيُعَذَّبَانِ وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرٍ أَمَّا أَحَدُهُمَا فَكَانَ لَا يَسْتَتِرُ مِنْ الْبَوْلِ وَأَمَّا الْآخَرُ فَكَانَ يَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ ثُمَّ أَخَذَ جَرِيدَةً رَطْبَةً فَشَقَّهَا نِصْفَيْنِ فَغَرَزَ فِي كُلِّ قَبْرٍ وَاحِدَةً قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ لِمَ فَعَلْتَ هَذَا قَالَ لَعَلَّهُ يُخَفِّفُ عَنْهُمَا مَا لَمْ يَيْبَسَا) ص 89 –
http://hadith.al-islam.com/loader.aspx?pageid=236&Words=%D9%8A%D8%AE%D9%81%D9%81+%D8%B9%D9%86%D9%87%D9%85%D8%A7&Level=exact&Type=phrase&SectionID=2
ومن المعلوم أن النفس البشرية بعد خروجها من الجسد عند الموت تعود لمكانها التي جاءت منه في عالم البرزخ.
2ـ حد الردة : بعد كتاب الدكتور منصور الذي ينفي من خلاله حد الردة ويبين تناقضه مع حقائق القرآن الكريم ، كان نفس رد الفعل تقريبا منصور كافر وحد الردة من الإسلام ومن يخرج عن دين الإسلام يجب قتله وكان الدليل حديث كاذب يقولون فيه (لا يحل دم أمريء إلا بثلاث إحداها التارك لدينه المفارق للجماعة) ، والآن بعد حالة الحراك الثقافي والتطور الفكري في العالم أصبحت هذه الأدلة والحجج واهية وتلحق بأصحابها العار والدعوة للعنف والتطرف والرجعية ، وهم يريدون ركوب الموجة و يتمنون الظهور بمظهر أهل الإصلاح والتنوير ودعاة الحرية وحقوق الإنسان ، فكان هذا التغيير فقالوا جميعا حكم المرتد الاستتابة واختلفوا في مدة الاستتابة هل هي شهر أو عام أو عشرة أعوام أو أو ....إلخ ، وفوضوا الأمر لولي الأمر وأن ولي الأمر وحده من حقه حبس أو قتل هذا المرتد ، هذا من ناحية ومن ناحية أخرى قال أحدهم أن من يريد الردة أو الخروج عن الإسلام من حقه أن يفعل هذا بشرط أن لا يعلن ردته في بلاد الإسلام وأن لا يجهر بكفره ، ولو أراد أن يجهر بالكفر فعليه ترك بلاد الإسلام والذهاب لأي بلد أخر ، وقال أخر من يريد الخروج من دين الإسلام أو من يرتد يروح في ستين داهية إحنا هانعمله أيه هكذا قال.
3ـ إنكار السنة : قضية ثالثة وهي الأخطر حينما أثار الدكتور منصور قضية الأحاديث وقال أن معظم الأحاديث آحاد ظنية تقبل الشك لأنها كتبت بعد وفاة خاتم النبيين عليهم السلام بأكثر من قرنين من الزمان ولم يناقش أحد منذ ربع قرن أو أكثر قضية تدوين الأحاديث بعد وفاة خاتم النبيين بعد قرنين من الزمان ولكن كان كل التركيز على تكفير أحمد صبحي منصور والدفاع عن البخاري واعتبار الأحاديث وحي مثل القرآن ، وقد طالب الإمام الغزالي لجنة الفتوى بالأزهر إصدار فتوى قالوا فيها من ينكر السنة ليس بكافر ، فكان الرد أحمد منصور كافر ومنكر السنة ويريد هدم الإسلام وتموله جهات أجنبية ويجب قتله والأحاديث المروية صحيحة وهي وحي مثل القرآن ، لكن الآن هذه الحجج لا تناسب عقلية وثقافة الإنسان العادي فكان الحل في إثارة فكرة جديدة جدا وهي أن الأحاديث تمت كتابتها في عهد النبي وفي حياته ، ومن القصص الظريفة التي استدل بها الدكتور أحمد عمر هاشم على ذلك قصة عن ابن عباس ، قال فيها أن ابن عباس كان يكتب ما يسمعه من خاتم النبيين عليهم جميعا السلام وكان يسمي الصحفية التي يدون فيها الصادقة وقال ابن عباس لا أتخيل حياتي بدون الصادقة إذن ابن عباس كان يترك رسول الله يتحدث بالقرآن و يفضل أن يعيش مع الصادقة ، على الرغم أن أبو بكر وعمر بعد أن تولوا الخلافة قام كلاهما في خلافته بجمع كل هذه الصحف وأحرقوها خوفا على المسلمين من التشتت وإهمال وهجر القرآن الكريم وهذا ثابت في السيرة السنية ، والعجيب أن هؤلاء جميعا يتفقون في شيء خطير ألا وهو أن القرآن لم يكتبه خاتم النبيين في حياته ، بينما الأحاديث تمت كتابتها في حياة في الرسول .هكذا وصل حال هؤلاء في دفاعهم عن البخاري وأحاديثه.
هذه كانت مجرد أمثلة سريعة لبعض القضايا التي تعرض إليها أهل السنة والمدافعين عن البخاري وهكذا تباينت ردود أفعالهم بمرور الزمن ، وهناك عشرات المواضيع وعشرات القضايا الدينية التي اختلفت ردود أفعالهم حولها بين الحين والأخر ، فهم مع الأسف يعيشون حالة من عدم الاستقرار النفسي والفكري بين حب الدفاع عن البخاري لما يضمنه لهم من حياة كريمة وتوقير واحترام من عامة الناس وبين اتباع الحق القرآني حتى لا يتحولوا لتلاميذ في مدرسة القرآنيين وبذلك تسقط الأقنعة وتـُفـْـقـَـد الكراسي والمناصب والهيبة ويحل محلها المساواة والحوار الهادئ الذي لا يجدون له سبيلا.
التعليقات (0)