عجيب هذا التشكيك المستمر بجدوى الثورات العربية !، وكأن تونس ومصر وليبيا وسوريا والبحرين واليمن وباقي بلاد العرب هي بيئة صالحة للعيش الآدمي ، ولا تحتاج الى أصلاح .
" الثورات العربية الى أين " ، " والفوضى هي ما ستحصل عليه الشعوب الثائرة " ، والكلام عن سيطرة الأسلاميين والعلمانيين وغيرهم ، والتسؤلات عن أدوار الصهاينة وأمريكا وأيران وتركيا في الثورات ، وغيرها من العبارات التشكيكية اللتي تملأ الفضاء المرئي والمسموع والمكتوب ، كلها تحاول تخويفنا ، وزرع بذور الشك في عملية التغيير اللتي نمر بها من المحيط الى الخليج ، واللتي أذهلت العالم وألهمته أيضاً .
حتى محاكمة الطغاة اللتي وصفوها باللا أنسانية ، وملاحقة المجرمين والقتلة وسراق المال العام ، لم تسلم من عبارات النقد الحاقدة على الثوار وثوراتهم ، ما جعلنا نشك بأن أحقاق العدالة ظلم بين ، وجريمة ضد الأنسانية !؟ .
تعني كلمة الثورة فيما تعنيه . تغيير واقع مجتمعي فاسد ، تغييراً جذرياً ،وبسرعة مفاجئة ، بيد المجتمع ذاته وبأدواته الخاصة .
والشعوب لاتميل الى الثورات ، ولا الى فراغ السلطة وما يصاحبه من سلب ونهب وأقتتال ، لذلك فهي عندما تغامر بالثورة ، فلأن واقعها قد وصل الى درجة من الفساد اللذي بات السكوت عليه أنتحاراً مجتمعياً أكيداً ، وهذا ما يجب أن نفهمه جميعاً .
الشعوب العربية حتى اللتي تعيش منها في بحبوحة ، تفتقد الى أبسط مقومات العيش بآدمية ، فالملك أو الرئيس هو أمير المؤمنين اللذي يتحكم بالرقاب ، وهو اللذي يعطي وهو اللذي يمنع ، وكلامه هو الدستور ، وهو الوطن والوطن هو ، والرضى والأستكانة على ذلك يعني أننا نعاج في قطيع ، لا أناس ولدتهم أمهاتهم أحراراً ، وأنتحاراً كنا ولا نزال نرى نتائجه في الفساد اللذي طال جميع مرافق الدولة ، والأنظمة الصحية والتعليمية والأجتماعية ، واللذي وضعنا في مؤخرة الأمم .
لاشك أن البطش اللذي يعاني منه الثوار في سوريا وليبيا والبحرين واليمن هو جريمة بشعة ومخيفة لنا جميعاً ، ألا أن لا كرامة ولا حرية دون تضحية ، هكذا علمنا التاريخ ، وهكذا يعلموننا ثوارنا اليوم .
وقد يخيفنا التغيير لأنه قد يأتي بالسيئين كي يتحكموا بنا من جديد ، ولكن هل للأنظمة القائمة والساقطة من حسنات تسمح لنا بأي نوع من أنواع المقارنة ؟ .
الثورة الأمريكية على بريطانيا أستمرت لأكثر من ثلاثة عشر سنة ، وراح ضحيتها الآلاف من المستعمرين وجنود الوطن الأم ، ولم تنتهي هذه الثورة بأعتراف بريطانيا بأستقلال مستعمرتها ، بل أستمرت تردداتها الى مئة سنة بعد الأستقلال ، وظلت عملية التغيير الأجتماعي والسياسي مستمرة حتى أندلاع الحرب الأهلية الأمريكية الدموية اللتي قتلت 620 ألف ، وعددا غير معروف من الضحايا المدنيين ، هذا غير القرنين اللذين أحتاجهما السود للقضاء على الفصل العنصري وأحتاجتها المرأة للحصول على حق التصويت .
كما أحتاجت الثورة الفرنسية لقرن من الزمن لتحقيق ما بات يعرف بالمجتمع الحداثي .
فمن ملكية دستورية في اولها ، الى جمهورية دموية ذبحت من الملكيين ثلاثين ألفاً تحت المقصلة ، ومئات الألوف من الشعب في مدينة فندي وغيرها من المدن ، الى أنتكاسة نحو الدكتاتورية البونبارتية ، الى العودة للديموقراطية ، حتى الوصول الى النتائج اللتي غيرت وجه أوربا كلها ، وربما العالم .
وهكذا كان حال الثورات الصينية والبلشفية والهندية ..
وبما أن ثوراتنا ليست ببدع من الثورات ، فأن ما يحصل في دولنا اليوم من حراك هادر ونقاش صاخب ومعارك دامية وفوضى سياسية ، هو أمر طبيعي جداً ، بل أن ثورات تونس ومصر بتحضرها وأهدافها النبيلة أصبحت مصدر ألهام للعدو قبل الصديق .
المشككون بالربيع العربي هم حتماً من أعداء شعوبنا اللذين يكرهون أن يرونا وقد خرجنا من القمقم ، ومن الأنظمة الساقطة والآيلة للسقوط اللتي جن جنونها من الرعب ، وأعوانهم اللذين أرتضوا الوقوف مع الدكتاتوريات طمعا بالفتات المتبقي على موائد هذه الأنظمة .
والأستماع الى هؤلاء ، والخوف من التغيير يعني مزيداً من الخريف اللذي أسقط كل أوراق أشجارنا الخضراء ، ليترك أشجارنا أغصاناً يابسة من التخلف والفقر والجهل والخوف والموت تحت سياط الجلاد ، والبقاء على هذا الوضع هو أجهاض يقتل الأجيال القادمة قبل أن تولد .
المهم أن بحيرات المياه الآسنة تحركت وتحولت الى بحار هادرة وأمواج عاتية ، ولكننا في آخر الأمر لابد وأن نحصل على ما في بطون هذه البحار من خيرات .
تحية الى الثوار ، عشاق الحرية والأنسانية في كل مكان .
التعليقات (0)