شفافة تبدو تلك العيون وکأنها قوارير بالغة الرقة، قوارير تشدك عندما تراها ليست ترمش بل تنبض کالقلب خصوصا عندما تلمح سنا وجد يسامرها. عيون، لاتجد في اعماقها جحيم بألهبـة نيران کالجبال و لاثمة فردوس سرمدي لاينتهي، وانما مشاوير و أرصفة غريبة تقود الى مجهول يترامى و يکبر کلما ولجت فيه أکثر واکثر، کبير حتى انه أکبر من کل مجاهيل الکون. عيون، تعشق لغة الصمت و تجيد صلب الاصوات و حتى حفيف الاشجار على روابيها المطلة على الافئدة کزهور برية متولهة بالنمو وسط أقسى الاشواك وادماها، عيون، تجيد کل لغات البسيطة لکنها لاتنبس ولو ببنت شفة، وتجد بين الرموش بقايا أصوات و ثمة صدى لمغامرين سعوا لفك طلاسم هذه العيون من دون جدوى فقضوا و مانالوا ابدا منالهم وقد کان کل واحد منهم يرنو لهفة لإکتشاف ثمة ظلال لهذه العيون.
عيون، ينام الليل وديعا خلف المآقي المتوقدة و يرقص الفجر ثملا عند نواصي البٶبٶين اللذين يدوران کصقرين محلقين في کبد السماء ليس بحثا عن فريسة وانما عن أيکة کقصور الملوك و الاباطرة، عيون، تخشع في صومعاتها القلوب و تهيم الارواح تولها و وجدا بزهدها عن القرابين و الاضاحي المبثوثة على أضرحتها.
عيون، لاتحلم بشئ أبدا بل وحتى لاتعرف شيئا عن دنيا الاحلام، لکن، تجدها حاضرة و متجسدة في احلام المنبهرين بسحرها الاخاذ وکل قيس او روميو او فرهاد متيقن من أنه في رٶياه التي مرت کبرق خاطف، قد نال شيئا ما منها، شئ أشبه بنسمة او فراشة ما مرت قريبا منها لکنها لم تمر وانما ترائى لها ذلك.
عيون، ليست ربيعا و لاخريفا ولاأي فصل من الفصول، وانما هي بونا و افقا متراميا تضيق بين طرقاتها و وديانها العصور و الازمنة وتجد معاني الزمان و المکان يتسامى في اروقتها وتکاد تجزم بأن هناك اسماء و مضامين جديدة للأشياء برمتها و تجد نفسك في النهاية مجرد بقايا متاع او کأوراق رمت نفسها من الاشجار منتحرة، وعندها لاتجد مناصا من التهجد و الترتيل صمتا بقدسية و رهبانية هذه العيون.
عيون، کتلك العيون التي برقت و أطلت ذات مساء عبق من احدى شرفات تلمسان و نادت من هناك:
من يبحث عن ظلالي فإنه ليس للعشق من ظلال سوى الجنون، ومن جن بي ولها، فإن فجر العشق قد لاح ورب الکعبة صدقا من عينيه!
التعليقات (0)