للعــدالة أيــادي ظـالمة
جيمس المظلوم
في الوقت الذي تروج فيه أجهزة الإعلام الأمريكية وأفلام هوليود للعدالة في العالم الجديد وأرض العسل والحليب ؛ تخرج علينا الأنباء الصادقة بين حين وآخر بمآسي تتعلق بمظاليم خلف قضبان السجون الأمريكية عن جرائم لم يرتكبوها ...... وآخرون قضوا نحبهم على الكرسي الكهربائي أو بالحقنة القاتلة ، ومنهم من ينتظر دون أن يبدل ذلك في واقع التسرع والحماقة التي يرتكبها القضاء وحماقة هيئة المحلفين تجاه متهمين أبرياء تحت ضغوط الرأي العام والإعلام المنحاز ؛ خاصة عندما يكون الضحية أبيض والمتهم أسود أو مهاجر وملون .
ونتيجة للتمادي في الظلم والإجحاف فقد تشكلت في الفترة الأخيرة العديد من الجمعيات المدنية التي تهتم بمساعدة الأبرياء في داخل السجون الأمريكية على إثبات براءتهم ، والخروج بالتالي من دوامة الظلم القضائي والعنصرية الغير مقننة (ولكنها ممارسة عمليا ) المستفحلة ضد الزنوج أوالملونين والمهاجرين ..... وحيث تجدر الإشارة إلى أنه وفي ولاية فلوريدا وحدها يوجد قرابة 250 سجين يعتقد أنهم أبرياء يقضون عقوبات بأحكام مؤبدة بتهم تتعلق بجرائم الإغتصاب وحدها... وحيث يكفي أن تحوم الشبهات حول زنجي غير محظوظ تصادف مروره في مكان الجريمة أثناء وقوعها لتتحول هذه الشبهات والظنون والمصادفة الغير سارة إلى قرائن إثبات وأدلة دامغة ضده....وسرعان ما يصب الإعلام الأبيض الزيت على النار ليحمو الوطيس ويتشكل رأي عام مهووس يطالب بسرعة القصاص.
والقضاء الأمريكي ولتكريس هيمنة العرق الأبيض المستوطن (اليانكي) منذ نشأته ، إبتدع نظام (المحلفين) في تحديد ما إذا كان المتهم الماثل مذنب أم بريء ... ويتم تشكيل هيئة المحلفين من أفراد عاديين فيهم المثقف والمتعلم والحرفي والجاهل وربات البيوت وهلم جرا من المواطنين (الصالحين على الطريقة الأمريكية) في كل مدينة أو بلدة تنظر محاكمها في الجرائم .... ووفقا لقرار أغلبية المحلفين الذي يتخذ بالتصويت يقوم القاضي بإصدار الحكم .. والمصيبة أن هؤلاء المحلفين لا يكون لديهم دراية بالقانون الجنائي ؛ وبالتالي فإنهم يتأثرون في قراراتهم بالإعلام والرأي العام وحدهما .... وحيث يكون أغلبية أعضاء هيئة المحلفين دائما من النمطيين البيض المستوطنين ؛ فالويل والثبور وعظائم الأمور للزنجي والملون المهاجر والهندي الأحمر إذا كان أحدهما متهما.
ومن آخر المآسي التي تكشفت عنها وجوه وأيادي العدالة الأمريكية في ولاية فلوريدا قصة السجين الزنجي المدعو "جيمس بين" الذي أودع السجن عام 1974 حين كان عمره 19 سنة بعد إدانته بتهمة إختطاف طفل أبيض (عمره 9 سنوات) وإغتصابه في الخلاء ليلا .... وعلى الرغم من أن دليل الإدانة الوحيد كان تعرف المجني عليه على المتهم . وعدم قدرة المتهم جيمس بين على إثبات مكان تواجده ساعة وقوع الجريمة وفق شهادة شهود ؛ وعلى الرغم من أن جيمس أنكر التهمة الموجهة إليه؛ فقد حكم عليه بالسجن المؤبد وظل قابعا وراء القضبان لمدة 35 سنة .
وبعد التقدم العلمي فيما يتعلق بالجينات والحمض النووي ( DNA ) تقدم السجين جيمس بين بعدة طلبات إلى الجهات المختصة في القضاء لتوقيع كشف ألـ DNA عليه ومقارنتها بمخلفات السائل المنوي الذي وجده الطب الشرعي في مؤخرة ومستقيم الضحية . ولكن طلباته تلك قوبلت بالإهمال دائما وكان مصيرها سلة المهملات على الرغم من تعيين أهل جيمس لمحامي يتولى متابعة طلباته تلك في أروقة القضاء ....
وبعد أن يئس جيمس من إمكانية الحصول على البراءة قيض الله له إحدى جمعيات مناصرة المساجين الأبرياء ، حيث تبنت الجمعية قضيته وأثارت الرأي العام حولها وكشفت ملابسات وحقائق إهمال وتلكؤ السلطات لتوقيع كشف ألـ DNA الذي يطالب به السجين جيمس دين.
تمت الاستجابة الفورية إذن لطلب جيمس دين بتحليل حامض ألـ DNA الخاص به ومقارنته بتلك المستخرجة من جسد الضحية وكان الرد من المختبر الذي أوكلت إليه المهمة غاية في الوضوح وهو الإختلاف بين العينتين .....
ووفا لتقرير المختبر أعيد ملف جيمس بين القضائي للمحكمة التي قضت ببراءته وإطلاق سراحه بعد أن قضى 35 سنة بالتمام والكمال خلف القضبان.
وبعد خروج جيمس بين للحرية وفي رد له على أسئلة الإعلام صرح بأنه ليس غاضبا من أحد ولا يكره أحد لأنه كان يشعر بأن الله عز وجل كان إلى جانبه في هذا الامتحان العسير. ..... وإن أكثر ما يرغب فيه الآن أن يقضي بقية حياته مع أمه المريضة التي تبلغ من العمر 77 سنة . ومع بقية شقيقاته وأهله لأنه يفتقدهم بشدة.
الجدير بالذكر أن جيمس بين سيستفيد من قانون أقر حديثا لإنصاف المساجين الأبرياء يقضي بتعويض كل من تثبت براءته مبلغ 50,000 دولار أمريكي عن كل سنة قضاها خلف القضبان .... وبحسبة بسيطة فإن السجين البريء جيمس بين يستحق مبلغ 1.75 مليون دولار أمريكي لا ندري إن كانت ستعوض له ما ضاع من أحلى سنوات عمره أم لا ؟؟
.. والطريف أن جيمس بين وبعد خروجه قدم له بعض أهله هاتف محمول للتحدث مع والدته وإخبارها أنه صار طليقا وفي طريقه للمنزل ... وقد بدأ جيمس مندهشا وسعيدا بهذا الجهاز وإمكانياته ، وهو يستخدمه لأول مرة في حياته ؛ لاسيما وأنه لم يكن قد تم إختراعه بعد في عام 1974م السنة التي أدخل فيها السجن وتوقفت فيها حياته نظريا.
التعليقات (0)