"... سأحمل بيتي على كتفيّ... وأمشي
كما تفعل السلحفاة البطيئة
سأصطاد نسرا بمكنسة، ثمّ أسأل:
أين الخطيئة... "
(محمود درويش، الأعمال الشعرية الكاملة (5) / شعر، وزارة الثقافة الجزائرية، 2010م، ص: 291)
لا الإنسان هو يدري ما يعلّم ويعلم، ولا الحكمة هي تعليم وتعاليم، إنّ لكل صيغة عربية كانت أم ترجيحية لاتينية موازينها، هي العابثة بأقدار الكلام، وعنفوان الاستلزام الالزامي. ما أصغر العالم عندما ننظر إليه بعين الفلسفة الحكيمة، عين فلسفة الفلسفة، خاصة وأنّ العمالقة هم عمالقة تحكيم الحكم؛ بعيدا عن رونق الاسم، أو هجاء الملمس، فتكون كل عتبات الأساطير دموع نهر ثار على مصباته. عملات البشري هي التي تقرر هدفه، وفاعلية المصادر الأولية هي التي تؤخر كل الفوائد وحرب المفاهيم والانشاءات هي ما يجعل الفصل في المغزى الوجودي للإنسان ضروريا، وما بين كل هذا يقف الفاصل الزمني، وعامل الكفاءة بامتياز. لا يعجب الفرد الإنساني من فردانيته التي تجعل العامل الأنطولوجي مهما، وإنما يكون للعامل الإنساني جوهره وقضاياه الالهية الكبرى، فالسلطة هي مردّ الأمور إلى جلالها، بينما القوة هي التي تكون مجاورة للجمال، كما أنها تركن إلى تلك العصا السحرية المصادرة لمسالك إعمال الأمور وضبط شظاياها. ما أضعف الإنسان عندما يشعر بالقوة، ما أجمل العالم البشري إن هو أحب وجوده، وما أسهل التعامل مع المستجدات إن كانت هناك فلسفة واضحة، وعمود ارتجالي صريح. لا يمكن على ما أعتقد أن يصرخ الإنسان بلا صدى، صرخة وسط ألاف الصرخات نميّزها بنغمتها المعبّرة بشكل لا يرقى إليه الشك، كون أن موطن الإنسان هو محمول على كتفه المعوز، وهذا ما يجعل الهوية الفردية منعرجات تستحق التسوية، إذ أوامر الإنسان لا يمكن أن تجرح عن اطار سكان المجمع البشري العالمي. تسكن الإنسان ذاتا عجيبة، ويلاحق أسره في مسابقات عدة معاني موحشة، وهذا بالضبط ما يفلت من الإنسان، هذا ما يكلله بمصاعب المصعد الأبدي، كون أنّ مواقف الإنسان هي ما تصنعه، وهي أيضا كفيلة بتدميره، لأن مستويات الإقامة التأكيدية على أمر ما، هي التي تعدّل من ملتقيات الأجر العالمي لمعدّل العمل الجاد. على صور المجلات الرديفة تكون المعدلات الحكيمة أمرا دخيلا، وهي التي تدرك جيّدا ما معنى التداخل من ناحية، والتدخّل من ناحية ثانية، فالفرق بين القلم الدامي والرؤوس المتكلمة كالفرق بين أشعار أمرؤ القيس، وأشعار الهوميروس، لكلّ من هذه المجالات جوقتها الخاصة، ولكل جوقة منها منسقها الخاص. أكره النوم، إنه شبيه بالموت، إذ يجعل أقوى الرجال مستلقين على ظهورهم بلا حراك، هذا ما يساعد الناس على هجرتهم المؤقتة من الحياة العملية إلى حياة تشتاق إليها أفئدتهم. إنها كماليات المسجون، لأنّ السجن لا علاقة له بربط البدن، فأقسى أنواع السجون هو ذاك الذي يسجن الضمير أو الخاطر البشري بواسطة الكومة البالية من تقاليد الحفريات المتصدعة أو القديمة. ما أسوء الشعور بالحصار، من السوء أن يحس الإنسان بأنه محجوز في لبنات روحية مزدوجة الانفعال، إنه الكائن الانفعالي، فلما لا يكون فاعلا أمام انفعاله الفعّال. ما يجعل الالهام يتسرب إلى عالم الإنسان هو ذلك المأخذ المتجلي في سحر نواة الإنسانية؛ لا يعني الإنسان إن كان جاهلا بأنه جاهل فعلا، ربما هو يعتني بأمور تبدوا للعامة بأنها ليست مصبّا لمنابع الحكمة، وهذا ما يفسّر علاقة الناس بأحوالهم، حيث يغتال الفرد الإنساني عوامل قوته بواسطة زكاة روحه، دون إدراك أو دراية منه. أهرب من عالمي إلى عالمها، أكون بهذا قد ألقيت ذاتي في أحضان المنفى، وهذا ما يجعلني أحكي لخيالها ما فات حضرتها، أسرد على مسامع عذراء بابل ما نسته أو تناسته، لا أدري، قصة ذاك الرهبان الذي رفض تاج القديس، هي حركة مناورة روحية عادية، أو هي تبدوا لي عادلة في الحد الأدنى، عدل أن أستحضرها كما هي، وعادل أن أقاسمها ابتساماتي وهي غائبة، فلا حواراتنا الرقمية هي شافية أمام غليل الشوق، ولا همساتها الصامتة تجيب عن أسئلتي الصامتة أيضا في حضرة العشق، الكل مبهم، الكل واهم، إلا هي وأنـا، هي اختارت أن أنفى، ومن اختار المنفى هو: أنـا. هناك تفاصيل تضيع من الفرد الإنساني حين يحاول أن يداعب إنسانيته الراقية، هناك مآخذ تملك الإنسان في كل تفصيل يفلت منه، فالفاصل بين جزئية، وأخرى هو ما يحدد الوجهة المكتملة، وكأنّ قلة حيل الإنسان هي من نتاج لحظات سهوه لا أكثر.
التعليقات (0)