من اجمل ماقرات عن ابرهة فلوريدا في دعوى حرق القران نقلا عن جريدة الاحداث السودانية
;د. عبدالوهاب الأفندي</p> <p>(1) <br /> دعيت في عام 2003 لإلقاء محاضرة في مدرسة الدراسات السياسية والاقتصادية بجامعة لندن ضمن سلسلة المحاضرات السنوية التي تخلد ذكرى المفكر والناشط السياسي الاشتراكي رالف ميليباند، والد وزير الخارجية البريطاني الأسبق. وقد كان عنوان سلسلة محاضرات ذلك العام »قوة أمريكا في القرن الحادي والعشرين» حيث طلب مني أن أتناول القضية من زاوية نفوذ أمريكا في العالم الإسلامي. وقد أعدت تلك المحاضرة في الفترة التي سبقت غزو أمريكا للعراق ولكنها ألقيت بعد الغزو بشهرين. <br /> (2) <br /> من النقاط المحورية التي سعت المحاضرة لإلقاء الضوء عليها كانت السجال حول ما إذا كان يمكن وصف حرب أمريكا على الإرهاب بأنها حرب على الإسلام. وقد كان تعليقي أن موقفنا معشر المسلمين يجب أن يتبع سنة عبدالمطلب بن هاشم، جد الرسول صلى الله عليه وسلم، حين سخر منه أبرهة قائد حملة هدم الكعبة لأنه طلب رد جماله، ولم يهتم بالخطر الذي يتهدد البيت الحرام رمز دين آبائه، فكان رد عبدالمطلب: إن للبيت ربا يحميه، بينما أنا رب هذه الإبل. وبالمثل فإذا أرادت أمريكا وغيرها شن الحرب على الله ورسوله فهذا شأنها، لأن الله سبحانه وتعالى قادر مريد وعد بحفظ الذكر. ما يهمنا هو أن يشنوا هذه الحرب بعيداً عن بيوتنا ومزارعنا وآبار نفطنا. <br /> (3) <br /> استعدت تلك المداخلة والسجال الذي تبعها وأنا أتابع هذه الأيام الجدل الذي أثاره قس أمريكي مهووس قرر أن يقود حملة دولية لحرق المصاحف يوم غد السبت. (وليس صحيح أن الرجل سيقوم ب »حرق القرآن» لأن القرآن مصون محفوظ في السماء والأرض، فهو في كتاب مكنون، لا يمسه إلا المطهرون، ولا يمكن أن يطاله هذا الرجل ولا غيره. وإنما قصارى ما سيفعله الرجل هو أنه سيحرق نسخاً من المصحف). فمثل هذا العمل الأحمق لن يؤثر شيئاً في مكانة الذكر المحفوظ، وإنما سيضر نفسه وقد يجلب على قومه الدمار. <br /> (4) <br /> صحيح أن هدف الرجل هو إغاظة المسلمين وإظهار الاستهتار بعقائدهم، وإظهار الكفر والفسوق والعصيان، شأنه في ذلك شأن طغاة قوم صالح ممن قرروا عقر الناقة التي جاءتهم آية من الله، فدمدم عليهم ربهم بذنبهم فسواها، ولا يخاف عقباها. <br /> (5) <br /> القرآن أعلى شأناً بكثير من ناقة صالح، لأنه أقرب ما يكون إلى تجلي الله المباشر على بني الإنسان. وقد ورد في سورة الحشر: «لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعاً متصدعاً من خشية الله.» كما ورد في سورة الأعراف: «وَلَمَّا جَاء،مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ، قَالَ لَن تَرَانِي وَلَـكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ، فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ، موسَى صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَاْ، أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ.» ومن المقارنة بين أثر تجلي الذات الإلهية للجبل ونزول القرآن عليه ندرك عظمة الظاهرة القرآنية وخطورتها ومكانتها. <br /> (6) <br /> من أراد إذن أن يدخل في مثل هذه المواجهات المباشرة مع الذات الإلهية على طريقة ادعاء فرعون القدرة على بناء صرح يرقى فيه إلى السماء ليتحدى المولى سبحانه وتعالى وجهاً لوجه، فهذا شأنه. كل ما ننصح به هو أن يبتعد العقلاء ما أمكن عن فلوريدا ونواحيها في ذلك اليوم المشؤوم، فمن غير المعلوم أي كارثة تنتظر القوم. <br /> (7) <br /> القس الذي تولى هذه المواجهة مع السماء يدعي بزعمه أن لا مشكلة له مع المسلمين، وإنما مشكلته مع القرآن وكلام الله تعالى. ونحن نكرر كذلك أنه لا مشكلة لنا دينية مع المسيحيين أو اليهود أو غيرهم، فهم أحرار فيما يعتقدون. ولكن مشكلتنا هي مع من يغزو بلادنا وينهب الأراضي والموارد، ويتولى إذلال الإنسان أو يوالي من يفعل ذلك. وبحسب علمنا فإن الغالبية الساحقة من قيادات الحركة الصهيونية هم ملحدون لا يؤمنون بتوراة ولا إنجيل، ومثل ذلك كثير من جنود الاستعمار والغزو قديمه وحديثه. ولكن حتى لو أعلن كل الصهاينة وكل جنود جيوش الغزو اليوم إيمانهم بالله ورسوله، وأصبحوا يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة كل يوم، فإن المشكلة معهم لن تنتهي ما لم يتوقفوا عن ارتكاب الجرائم في حق أهل البلاد التي غزوها ويواصلون نهبها وإذلال أهلها. <br /> (8) <br /> بالطبع نحن نشفق على من يجاهر بالكفر ويمتهن محاربة الله ورسوله، لأن هذه حرب خاسرة، ولو استنصحونا لنصحناهم بالابتعاد عن سبيل التهلكة هذا. ولكن العالم مليء بالملاحدة وأصحاب الديانات المخالفة من هندوسية وبوذية ومعتقدات اخرى، دون أن يكون هذا مبررا للصدام بينهم وبين المسلمين. وعليه فإن تفسير الصراعات الدائرة اليوم بأنها صراعات دينية بعيد عن الحقيقة. فالجزائريون لم يحاربوا فرنسا لأنها مسيحية أو علمانية، والفلسطينيون والعرب لم يحاربوا اليهود بسبب المخالفة في الدين. مشكلتنا معهم، كما كانت مشكلة عبدالمطلب مع أبرهة، هي أنهم يريدون نهب الإبل. <br /> (9) <br /> وعليه فإن ما يعتزم هذا القس المهووس وشيعته أن يرتكبوه من حماقات يجب ألا يشغل بال المسلمين، فالرجل لا يهلك إلا نفسه. والقرآن باق محفوظ بالرغم مما فعله أسلاف الرجل من مغول ومحاكم تفتيش. ولا يجب أن يصرفنا هذا عن حقيقة المعركة الدائرة وظروفها. وقد ظللت أتلقى خلال الأعوام الماضية رسائل متكررة متشابهة تدعي أن البعض سيقوم ب »حرق القرآن يوم السبت المقبل» ويحدد المكان والوقت، دون أن يحدث ذلك. وقد دأبت على تجاهل تلك الرسائل التي من الواضح أنها كانت مدسوسة من قبل جهات تريد أن تهيج المسلمين وتدفعهم إلى ارتكاب أعمال هوجاء تسيء إلى سمعة المسلمين ودينهم. ومن الأفضل تجاهل مثل هذا المعتوه الذي لن يكون لعمله أي تأثير إذا لم يلتفت إليه الناس ويعطونه الأهمية والتغطية الإعلامية التي يتوق إليها. <br /> </p>
التعليقات (0)