أذا كان هناك من علماء دين مسلمين ممن يمكن أن نطلق عليهم تسمية علماء الوحدة والتوحيد بين المسلمين بجميع فرقهم ، وبين المسلمين من جهة ، وغيرهم من مواطني دول الوطن العربي والدول المسلمة من جهة أخرى ، فأن السيد محمد حسين فضل الله يحتل مرتبة الصدارة بين هؤلاء العلماء بالتأكيد .
وأذا كان من علماء دين مسلمين ممن يمكن أن نطلق عليهم نموذج لرجل الدين اللذي يمكنه أن يقوم بتنفيذ قول رسول الله صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله ( أنتم أعلم بأمور دنياكم ) فعلا وممارسة على أتم وجه ، فأن فضل الله هو بالتأكيد رجل هذه المهمة .
لقد كان لفضل الله وفتاويه أكبر الأثر في تبيان الأمور اللتي توحد الأمة المسلمة وتخرجها من هذا الجدل العقيم حول أحقية السنة أوالشيعة اللذي أنشغلت به عن أمور حياتهم الأجتماعية والأقتصادية والسياسية . حتى أصبحت الأمة ألعوبة بيد حكامها الطغاة توجهها أينما شائت بأعتبارهم حماة هذا المذهب أو ذاك . وألعوبة بيد أعدائها حماة هؤلاء الطغاة .
كما أنه وبفتاويه اللتي تمثل روح القرآن وسماحته قد بين عظمة الأسلام وأهميته لأن يكون الطريق الذي يجب أن تسير عليه البشرية لكي تصل الى غاية السعادة والعدل في كل زمان ومكان . فهو لم يكن يوما من علماء دعوة الأمة للرجوع الى فتاوى علماء الجاهلية اللذين يحرمون التكنلوجيا ويمنعون المرأة من التعلم والعمل والأبداع .
وحتى في فتاويه السياسية كان قدوة للعلماء المسلمين لأن لا يتحولوا الى حكام بأمر الله ، ولا أن يكونوا أبواقا للطغاة ، يستخدمونهم في أسكات المعارضين لحكمهم الأبدي . أو تحويل الناس الى قنابل بشرية تقتل الأبرياء .
كما أنه بحق كان نصيرا لكل المقاومين للاحتلالات في كل بقاع العالم وليس فقط العالم العربي والأسلامي . وكان نصيرا لكل مقاوم للطغاة والدكتاتوريات اللتي تحتل قصور الحكم في جميع بلداننا .
لقد فقدت الأمة بحق عالما عظيما تفخر به أي امة ينتمي أليها هذا العالم الجليل وأمثاله . فليرحمك الله يا فضل الله ويجزيك عنا خير الجزاء .
اللهم أرحم محمد حسين فضل الله ، وأجعله مع الصالحين، وأدخله جنتك برحمتك يا ارحم الراحمين . اللهم آمين .
موجز عن حياة فضل الله منقول عن موقع CNN العربي .
فضل الله: فتاوى جدلية من التدخين برمضان إلى ولاية الفقيه
مع رحيل محمد حسين فضل الله يفقد الشيعة العرب مرجعية كانت الأكبر لهم في المنطقة، خاصة في ظل ندرة المرجعيات العربية مقارنة بتلك الإيرانية. ونظراً لقوة مفهوم "التقليد" الذي يدفع الشيعة إلى اتباع تعاليم مرجعياتهم، فإن غياب فضل الله سيترك ثغرة كبيرة بالنسبة للكثيرين دينياً وسياسياً.
ومن المعروف أن لرجل الدين الراحل آراء فقهية مخالفة في الكثير من القضايا للاتجاه الشيعي العام، فهو يحرم شتم الصحابة وزوجات النبي، ولا يقوم بامتلاك أئمة الشيعة علم الغيب، كما لا يقر باعتداء الخليفة الثاني، عمر بن الخطاب، على زوجة الخليفة الرابع، علي بن أبي طالب.
ويقر بالمقابل بإمكانية ممارسة المرأة للعادة السرية وتدخين السجائر خلال الصوم، ويرفض نظرية ولاية الفقيه المطبقة بإيران، بحسب ما يراه بعض المراقبين.
ويرى أنصار فضل الله أن فتاويه لها طابع عصري وتنويري، إذ يتناول قضايا يتجنبها رجال الدين عادة، وتتعلق بحياة الناس اليومية والمسائل المرتبطة بالعلوم الحديثة.
فتاوى بقضايا شيعية
يرى مراقبون أنه كان لفضل الله آراء خالف فيها ما هو سائد لدى سائر علماء المذهب الشيعي، إذ رفض القول بتحريف القرآن، كما حرّم شتم الصحابة والخلفاء (أبو بكر وعمر وعثمان،) أو القول بكفرهم وردتهم عن الإسلام، وكذلك زوجات الرسول، بمن فيهن عائشة، التي ينتقدها الكثير من الشيعة بسبب "حرب الجمل" التي خاضتها مع علي بن أبي طالب.
وندد فضل الله بالممارسات التي يقوم بها الكثير من الشيعة بمناسبة عاشوراء، لجهة ضرب الرأس والجسد بالسكاكين والسلاسل، واصفاً الأمر بأنه "مظهر تخلف" ما دفع بعض رجال الدين الشيعة إلى محاولة إحراجه عبر إيراد مواقف لمفجر الثورة الإيراني، روح الله الخميني، يقول فيها بأن هذه الممارسات هي التي حافظت على وجود الشيعة.
كما قام فضل الله بإخراج مسألة الإيمان بإمامة علي وعصمته حصراً دون غيره من الصحابة من أسس الإسلام، واعتبرها من أسس المذهب الشيعي. وبذلك فقد اعتبر أن أسس الإسلام ثلاثة، هي التوحيد والنبوة والمعاد، ومن قال بها فهو مسلم، منهياً بذلك، من وجهة نظره، الخلاف العقائدي بين السنة والشيعة.
وتعرض فضل الله لانتقادات شديدة عندما نفى صحة الرواية التي يتناقلها الشيعة حول اقتحام عمر بن الخطاب لمنزل علي بن أبي طالب والتهديد بإحراقه، وقيامه بكسر ضلع زوجته فاطمة، ابنة النبي محمد، خاصة بعدما وصف الرواية البالغة الأهمية لدى الشيعة بأنها "ضعيفة ولا يمكن الاعتماد عليها لأنها ليست موثوقة."
وكذلك ناله الكثير من الهجوم بسبب إنكاره معرفة الأئمة من نسل علي بن أبي طالب بالغيب بشكل مطلق، أو امتلاكهم ما يسميه الشيعة بـ"الولاية التكوينية" أي القدرة على القيام بمعجزات وخوارق أو القول بأنهم أفضل من الأنبياء.
فتاوى عامة
وحسب بعض المراقبين فإن فضل الله يرى أيضاً أن التدخين ليس من المفطرات، باعتبار أنه ليس نوعاً من الطعام أو الشراب، وهو يجيز للصائم مواصلة التدخين، وإن كان يرى ضرورة الإقلاع عن هذه العادة لضرورات صحية.
وفي موضوع شائك آخر، أفتى فضل الله على موقعه بجواز ممارسة المرأة للعادة السرية، وقال على موقعه الشخصي، رداً على سؤال "ما هو المسوغ الشرعي والبناء الفقهي والعقلاني في جواز استمناء المرأة، وهل تبيحون ذلك؟" بالقول: "لا دليل على حرمة ذلك بالنسبة للمرأة والأصل الإباحة ما لم يرد دليل خاص على الحرمة."
وتابع: "ثبت عندنا أنه لا مني للمرأة والحرام إنما هو مداعبة العضو التناسلي طلباً لإخراج المني مع تحقق ذلك بعيدا عن العلاقة الزوجية الشرعية، وهذا غير متحقق بالنسبة للمرأة فإنها مهما داعبت عضوها فلن يخرج ما يكون منياً، وإن كانت تخرج منها سوائل تكون عادة لترطيب الفرج وتسهيل عملية الدخول."
وأجاز فضل الله استخدام الحسابات الفلكية لمعرفة موعد حلول شهر رمضان، دون الحاجة لمراقبة الهلال بالعين المجردة، ورغم أن البعض رحب بالأمر باعتبار أنه يجعل عملية الصوم تستند إلى العلوم الحديثة، إلا أن هذا لم يحل دون بعض البلبلة، خاصة في البلدان التي فيها مقلدون له، إذ كانوا يصومون في يوم، بينما يصوم سائر الشيعة في يوم آخر، ويصوم السنة في يوم ثالث.
ومن الأمور التي أثارت اللغط ضد فضل الله، كانت مواقفه حيال النساء، فبمناسبة اليوم العالمي لمناهضة العنف ضد المرأة أفتى بأنّه لا ولاية لأحد على المرأة "إذا كانت بالغةً رشيدةً مستقلّة،" وأن قوامة الرجل على المرأة لا تعني سيادته عليها، وبالتالي يمنع على الرجل ضرب زوجته، ويحق لها مبادلته العنف دفاعاً عن النفس.
كذلك أباح فضل الله للمرأة، في الإطار نفسه، منعه من التمتع ببعض حقوقه الزوجية، مثل الجنس، إن كان هو قد منعها من بعض حقوقها، وهو ما أثار ردود فعل غاضبة من علماء دين سنة وشيعة على السواء.
الموقف من ولاية الفقيه
تعتبر قضية ولاية الفقيه إحدى أبرز نقاط الخلاف السياسي بين الشيعة والسنة، وحتى بين الشيعة أنفسهم، إذ يرى بعض رجال الدين الشيعة ضرورة وجود إمام يحكم في الأرض ويدين له الجميع بالولاء، وهو يقوم مقام الأئمة بانتظار ظهور الإمام الأخير بالتزامن مع حلول يوم القيامة، وبالتالي فهو يخلق شخصية تحكم بسلطة شبه إلهية، بحسب ما يراه بعض المراقبين.
وعززت الثورة الإيرانية هذه النظرية، واستخدمها الخميني، ومن بعده الخامنئي، للإمساك بكافة مقاليد السلطة دينياً وسياسياً في البلاد.
ويثير الطرح قلق دول محيطة بإيران تقول بأن النظرية تجعل ولاء الشيعة من مواطنيها هو لصالح طهران، وتدفعهم إلى تنفيذ أوامر "الولي الفقيه" وليس أوامر السلطة المحلية.
وقد وقف فضل الله بشكل حازم ضد الطرح بشكل نظري، وأكد عدم موافقته عليه، غير أنه لم يصطدم علناً مع السلطة في إيران حوله، خاصة في الفترة التي كان فيها الخميني على قيد الحياة، ما ترك فضل الله بمثابة المرجع الروحي لحزب الله في لبنان، وقام أتباع الحزب بتقليده على صعيد الفتاوى.
ومع حلول عام 1991، وتولي عباس الموسوي منصب الأمانة العامة لحزب الله، برز الخلاف بين الجانبين، إذ قرر الموسوي أن تكون المرجعية الدينية للحزب بيد الولي الفقيه في طهران، وكان خامنئي قد تولى هذا المنصب بعد وفاة الخميني، وانتهى الأمر بإبعاد فضل الله عن مقام المرجع الروحي للحزب.
وتبع ذلك تعرض فضل الله لضغوطات من التيارات التابعة لطهران، والتي حاولت إرغام من ظل يقلده من عناصر الحزب على ترك هذه الممارسات من خلال توزيع مناشير رافضة لبعض أفكاره، كما شهدت تلك الفترة برود واضح في العلاقات بينه وبين إيران.
ووصل الأمر إلى حد إصدار المرجعيات الشيعية في إيران بيانات ترفض فيها فتاوي فضل الله، ومنها ما كتبه الميرزا جواد التبريزي، والمرجع صادق الروحاني، كما انقطعت زيارات المسؤولين والدبلوماسيين الإيرانيين في بيروت عنه، مع أنهم كانوا يحرصون على زيارة كافة الشخصيات الدينية من كل الطوائف.
وفسر البعض الأمر بأنه جاء نتيجة رغبة من إيران في إضعاف موقع فضل الله مقابل تقوية مواقف المرجعيات الإيرانية، باعتبار أن الأول يعتبر المرجع العربي الوحيد من هذا الوزن .
وفي السنوات الأخيرة، عادت العلاقات إلى قوتها السابقة بين فضل الله وإيران من جهة، وبينه وبين حزب الله من جهة أخرى، حيث يرى البعض أن السبب في ذلك يعود إلى قضايا سياسية ترتبط بالوضع في لبنان والمنطقة العربية، وحاجة إيران للانفتاح على كافة الأطراف خلال خلافها الحالي مع الغرب.
رابط موقع سماحة السيد فضل الله
رابط CNN
التعليقات (0)