مواضيع اليوم

لكي لا ندفن ضحايانا مرتين..

جمال الهنداوي

2011-02-08 19:02:37

0

 صفوف طويلة من خيرة من انجبتهم ارض العراق..تصطف متدافعة مرعوبة رافعة الايدي سائرة تحت الصفعات والركل والاهانات ..متجهة الى شاحنات مغلقة تنقلهم الى الدرب المؤدي الى اللارجوع.. ضابط كبير مطفأ العين بنجوم ونسور على كتفيه يراقب فرحا جذلا منتشيا سيرهم المضطرب وعصاه الصغيرة تجول باهمال ما بين وجوههم المذعورة لتسحب من يختاره القدر الى جانب آخر .. يكدسون كيفما اتفق معصوبين مقيدين بخرق من ملابسهم الممزقة..وبعدها..طلقة واحدة في الرأس لكل منهم وهم يهتفون فزعا وتقية ورجاء بالروح والدم نفديك ياصدام..كل هذا والعالم يغمض عينيه عن العراق..

قتل وسحل واحراق وتفجير الاجساد الطاهرة بالديناميت..حفر عجولة كثيرة غير مبالية ترمى بها عوائل كاملة ويهال عليها التراب وسط استغاثات عزت عليها الاجابة..اعتقالات واغتيالات..الوف تشحن للقتل ككيس بقالة مصحوبة بكتاب رسمي ممهور بهامش "للتصرف بهم من قبلكم واعلامنا"..حشرجات وانين خافت ونداء اخرس وسماء مغلقة الابواب..كل هذا..لأن العالم وقتها قد أطفأ قابس الضوء عن العراق..

وجع وألم وسحق للقلب ينتابنا ونحن نستذكر معاناة العراقيين ايام انتفاضة1991 المباركة والمغدورة التي نسيها الزمن وأشاح التاريخ عن وجوه ضحاياها..مئات الالوف من الاحلام الضائعة دفنت في مقابرجماعية تكفل الرعب باخفاء معالمها عن ذاكرة من عاش آهات ضحاياها في جوانح ضمائرهم..مئات الالوف من الحيوات التي بددت وما زال هناك من يجادل بانهم متسللون بلا ثمن ولا دية قتلهم النظام في السكون الذي نام فيه العالم الحر وقتها..ولكننا نرى الان ان زعيق في زقاق خلفي في احد شوارع القاهرة يتردد صداه في جنبات منازلنا وتخفق له وجلا دقات قلوبنا..

تستحضرني هذه الذكريات الاليمة عنوةً وانا استلم رسالة الكترونية من احد منتحلي الجنسية المصرية يعيب فيها علينا-كعراقيين- فيها الوقوف مع الشعب المصري..ويعدها ..وبلغة سوقية جدا..نوع من محاولة التشبث بالثورة لمسح صورة الشعب الخانع المهان الذي استعان بالاجنبي للاطاحة برئيسه الشرعي..ويعتبر ان كل كلمة نقولها هي نوع من التطفل غير المرغوب به على شأن داخلي مصري او محاولة لفرض الذات على الاحداث..وكل ذلك طبعا دون اهمال المرور على مؤخرات العراقيين المشرعة في ابو غريب ونسائنا اللواتي يتراقصن مع الامريكان وتذكيرنا بايادي النظام البيضاء على العراق..

لا احمل اي اوهام بأني لست معنيا بهذه الرسالة..ولا شك لي في مصدرها..وقد اكون على يقين بانها رسالة موحدة مثبطة مرسلة الى العديد من الكتاب والاعلاميين الذين كان موقفهم واضحا في الاصطفاف مع حق الشعوب في التعبير عن خياراتها الحرة..وهي بالتأكيد غير ذات معنى ..ولكنها تشير الى اننا استطعنا ان ندوس على مواطن الالم في جسد النظام المصري المحتضر..وان كلماتنا لم تكن بذلك العجز الذي نظنه..وان اقلامنا قد تدمي ارجل الباطل..وقد تشكل بعض اللبنات البسيطة ولكن الصلبة والقاسية في جدار الصمود الشعبي المصري العظيم..

ان التاريخ سيذكر ان نجاح انتفاضة الشعب المصري الكريم.. وثباتها واتساع حجم التأييد الشعبي لخطابها الثوري.. يعود في جوانب كثيرة منه الى الاعلام الحر الفاعل واقلامه الشريفة التي بادرت الى التموضع الى جانب الجماهير معلية الصوت بالنداء والهتاف للشعب المصري البطل وثورته المباركة..ذلك الصوت الذي اخرسه تواطؤ الغرب المنافق والعفن الرسمي العربي ..ولم يصل الى اسماع اهل لكم في العراق..

وان وحش السلطة"الجريح"قد الجمته وقيدته كشرنقة من الانوار الكاشفة مئات الاميال من المداد والاسلاك والاضواء التي انارت جحور النظام وانفاقه وخباياه المظلمة.. مستبقة ردود افعاله ومحجمة ممارساته ومصنفة افعاله في مكانها الصحيح كجرائم ضد الانسانية ..وبدون هذه الانكشاف الكبير امام النور الساطع للكلمة الحرة ..لكان النظام استطاع ان يمرر مخططاته الخبيثة في عزل قوى الثورة وتشتيتها ان لم يكن تصفيتها..والتاريخ يذكر اخوان لكم توذرت اجسادهم تحت سرف الدبابات دون ان يسمع لهم ندب او نحيب..وهذا ما لا يمكن ان نسمح به بعد الآن..

لم نكن بالجبناء..ولن نكون..ولن نحاسب اننا لم نفنى ..ولن ندخل في مزايدة مع شركائنا في المصير..ولن نكون في هذا متطفلين او مقحمين او داخلين فيما لا يعنينا..فالحس الانساني وسلامة وامن الشعوب وحقها في الحياة الحرة الكريمة مسؤولية كل من يسير تحت الشمس..سنظل نكتب..ونكتب ونبحث وننقب..ونعيد الصدى..ونحن في هذا نعيد صياغة موقفنا من الجلاد..ونعبر عن رفضنا للظلم في كل مكان..ونحن واثقين باننا يجب ان نجبه ببعض الحجارة المهملة المرمية كالدغل الضار في قارعة طريق الحق الذي اصبح اقل وحشة مع كثرة الاحرار في عالمنا..وسنظل نعمل لوجه الانسان..ولجعل كلمة الحق والحرية هي العليا..لكي لا يستفرد حاكم متغول منفلت العقال بشعبه الاعزل المسالم بعد الآن..ولكي لا ندفن ضحايانا مرتين.. 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !