نتذكر جميعا تلك الايام التي نتمنى لو انها لم تكن..وبقلب راجف مدمي تعيدنا بعض الحوادث المستجدة الى ايام الجمر التي عاشها العراق في ظل الستار المعتم الثقيل لغمامة النظام الديكتاتوري السابق..فكلمات قد تكون مهملة للبعض لا يمكن لها الا ان تتردد كصدى منفر في زوايا ذاكرة الانسان العراقي العصية على النسيان..
جرذان وكلاب وسكارى وحثالات ..هو الوصف الذي اطلقه العقيد على الشباب الثائر من ابناء الشعب الليبي البطل..وهو مرادف قد يكون اكثر تشنجا للقب الغوغاء الذي اطلقه صدام حسين على ثوار الانتفاضة الشعبانية المباركة قبل ان يعدل عنه الى لقب قوى الغدر والخيانة المتسللة من خارج الحدود كمسعى لنزع صفة الحراك الشعبي عن الثورة..وقد يكون نفس هذا السبب هو الذي حدى بالاخ العقيد الى استخدام مصطلح القاعدة والعناصر المندسة في الاشارة الى جماهير الشعب المناهضة لحكمه القمعي الاستبدادي..
ورغم اليقين قد لا يكون التطابق في مثل هذه المقدمات الفرعية مبررا كافيا لتوقع نفس النتائج التي افضت لها الامور..الا اننا لا يمكن لنا تجاهل خطورة تكرار الكوارث التي افرزها الصمت المتواطئ المغلف والمكتفي بالشعارات الزائفة التي تتحدث عن التضامن مع الشعب العراقي والذي انتج لنا مئات الالوف من الضحايا الذين ضاقت بهم المقابر الجماعية التي زرعها النظام البائد على كامل رقعة الوطن الجريح..
فعلى الرغم من انهاخطوة كبيرة وجبارة هي تلك التي قامت بها جامعة الدول العربية باصطفافها الى جانب الشعب الليبي في معركته المصيرية مع قوى التخلف والديكتاتورية والطغيان التي تمثلها فاشية الحكم القمعي العائلي للعقيد القذافي وابنائه واعوانه..وعلى الرغم من كونها خطوة كبيرة وغير مسبوقة وتاريخية ان يتقرر وقف مشاركة وفود ليبيا في اجتماعات مجلس الجامعة ولكنها بالتأكيد ليست كافية لتغيير توجهات نظام منفلت خارج على القانون وقد لا يكون لها اي تأثير على نظام كان يهدد دائما بالانسحاب من الجامعة العربية..
ان مصطلح التضامن مع الشعب دائما ما يحتوي من الميوعة والهلامية ما يمكن ان يفسره المرء حسب اسقاطاته المرجعية..وخصوصا في حالة الانظمة العربية التي تتحصل على موهبة اصيلة متفردة في جر جميع القرارات الى الخانة الرمادية المعتمة التي تدخل التضامن في دوامة تعريف ماهية العنوان او الصيغة التي تمثل هذا الشعب في جعجعة عقيمة غالبا ما تنتج شعبا واحدا لكل نظام..
فهناك عنوان واحد فقط يجب ان تتوجه اليه المبادرات ويجب التعامل معه كممثل شرعي وحيد للشعب الليبي الحر..الا وهو المجلس الوطني الانتقالي او اي جهة يمكن ان تنبثق عنه..فالامور على الارض تمثل استفتاء شعبي طوعي وشرعي وتخويل كتب بالدم والدموع للقوى الحية التي تقود الثورة الشعبية وتعبر عن اهدافها..والاعتراف بهذا المجلس قد يكون اول الصواب والموقف الذي يتوجب على العرب اتخاذه لدفع دول العالم الحر للاقتداء به..
كما يجب التعامل بمنتهى الحذر مع الوساطات او الخطط التي تدعي العمل على نزع فتيل ازمة لا يعترف احد الاطراف بوجودها ..ولا يعترف الوسيط الدولي بوجود الطرف الاخر..فشافيز لا يرى غير القذافي مالكا شرعيا للحرث والنسل على ارض ليبيا ..والنظام لا يرى المعارضة ومجلسها الانتقالي الا زبالة يستحقون الضرب بالجزمة..
ان المعطيات على الارض جميعها تؤكد ان مفاتيح الحل مرهونا بسياسة عربية اكثر موضوعية
وأكثر التصاقا بخيارات الشعب الليبي البطل..وليس الابتعادً عنها أو اتباع سياسة التوفيقية المستحيلة التي تجاوزها الزمن والاحداث ما بين نظام يرى نفسه الوطن والارض والثروة وما بين الشعب الذي اتخذ قراره بالتوجه نحو الغد المحمل بوعود التحرر والأمن والعدالة والتنمية..
ان العرب ممثلين بجامعتهم التي يبدو انها بدأت تتأثر برياح التغيير التي تهب على المنطقة مطالبين باتخاذ قرارات تاريخية تعيد لهم انتماؤهم الانساني وتمثل انعتاقا طال انتظاره من النمطية النعامية التي لطالما كانت علامة فارقة في اليات صنع القرار السياسي العربي..وبدون هذه المقدمات لا نستبعد ان تتكرر النتائج المأساوية التي آلت لها الانتفاضة الشعبانية على الارض الليبية الطاهرة وبنفس القسوة والتضحيات الكارثية والتي لن تكون مستغربة لو استمر العرب بموقفهم المتردد المتخاذل تجاه طموحات وتطلعات الشعب الليبي النبيل..
التعليقات (0)