لكي تكونَ مثقفاً(1)

لكي تكون مثقفاً ينبغي عليك الإطلاع على المصطلحات الثقافية التي يكتب و يتشدق بها و يستعملها الكثير من المثقفين ومن يمتهن صناعة الثقافة في العالم اليوم كما يجب عليك أن تكون مطلعاً على كثير من والروئ والنظريات التي تُطرح في الكتب والصحف والمجالات التي تُعنى بالشأنِ الثقافي مؤيداً ومتبنياً ومطبلاً لها أو ناقداً جارحاً حتى ولو لم يكن هناك مجالاً للنقد أو التعارض وإلا سوف لن تُعد من المثقفين المبرزين الذين يُشار لهم بالبنان و يرفع من شأنهم الإعلام و تُرفع راياتهم في الصحافة الأعلام ، و كما يقولون خالف تُعرف.

نحن هنا لا ننتقد هذه الرؤية بمقدار ما نحاول أن نوصف الحالة وما ينبغي وما يتوجب على الفرد المثقف  عليه من أن يكون مطلعاً ومدركاً وملماً   بثقافته وتراثه بالدرجة الأولى عارفاً مداخلها ومخارجها ثوابتها والمتحرك بها وإليها ومنها، وما هي مساحة الحرية التي يُمكن له أن يمتلكها وما المحرمات والمحظورات التي يجب أن لا يلامسها أو يتعرض لها،  وعندما نقول هنا المحرمات والمحذورات لا نقصد أن نعيق حركة المثقف خأو إيجاد العوائق أمامه بحيث لا يستطيع أن يمارس النقد بحرية يستطيع من خلالها أن يصحح بعض والروئ والمفاهيم الذي والتي يعتقد أنها خاطئة، فليس هناك أي علم من العلوم ليس لديه ثوابت تنظم حركته وتضبط إيقاعاته وتدير دفته لذلك ينبغي على من يمارس عملية النقد أن يكون ملماً  بآليات النقد ومقوماته.

وذلك لكي يكون للنقد طريقا واضح المعالم يبتني على أسس سليمة وواعية وليست شطحات فكرية متغايرة غير ذي اتجاه في تناقض أيدلوجي وفكري متناثر دون معالم واضحة فلا يصل في قراءتها إلى نتيجة ولا تؤدي إلى بر أمان ليأخذها الفرد بطمأنينة وصفاء.

 وكي لا ننتقد من باب أن الناقد المثقف ينبغي أن ينتقد  ما لا يتناسب مع أرائه و أفكاره وما يؤمن به و  قد تكون أرائه و أفكاره هواجس و تساؤلات تساور ذهنه يقودهُ فيها الشك وقد يحتج علي البعض بقوله أن أول العلم هو الشك وأن الشك يقود للظن والظن يقود للعلم فأقول له بأن ما تقوله صحيح ويقره العقل ويؤمن بع وإنما أختلف معك في كيفية تعاملك و تعاطيك مع هذا الشك فأنت بعدُ لم تصل إلى مرحلة الثبات والاستقرار في الفكرة أو النظرية وقد تثبت الدراسة المتأنية لها خطأها وقد تكون سليمة وصحيحة، فإن كانت خاطئة سَهُل عليك التراجع عنها أما بعد النشر فلا تستطيع أو تقدر على التراجع وقد تأخذك العزة بالإثم ثم تزين وتسول لك نفسك عدم التراجع وتحاول أن توجد لرأيك ما يدعمه ولو بأوهن الحجج واضعف الدلالات والبراهين  لذا ينبغي عليك الانتظار حتى تكون روائك و أفكارك أكثر صحة  ثم تقوم بنشر ما توصلت له من شكوك وصلت فيها إلى مرحلة العلم أو اليقين .

وقد يستورد البعض بعض تلك الأطروحات الثقافية وهو يعتقد أنه أتى بجديد في ميدان الفكر والثقافة فيصاب بحالة من الغرور والاعتداد بالنفس ، بينما تلك والروئ والأفكار هي موجودة في التراث الذي هو ينتمي له لكنها لم تجد ما ينفض عنها غبار التراكمات الزمانية ومن يتولى عملية البحث والتنقيب عنها والدراسة عنها لذلك بقيت أسيرة  في انتظار من يزيح الستار عن مضامينها  أو يعي مغازيها ومفاهيمها وذلك هو دور المثقف الواعي.

هناك من يتولى النقد لعادات وتقاليد ونشوء مذاهب وفرق أسلامية وهي في انتماءاتها ونزعتها القومية والفكرية المتحررة التابعة للأخر أكثر التصاقاً وانتماءاً من الانتماء الذي تنتمي إليه اسمياً لا فعلياً وبالطبع هي مجتهدة فيما تدعيه ، فلا ينبغي أن يمارس عملية النقد من حيث هو بل من حيث هي في مبانيها الفكرية والإعتقادية كما ينبغي أن يكون ملماُ بمبانيها العقائدية والفكرية كي يكون النقد مبنياُ على أسسٍ وثوابت سليمة وكي تكون الحجة أقوى والبيان أوضح واسطع في توصيف و شرح الفكرة و تسويق معانيها.

من خلال محاوراتي الفكرية مع كثير ممن يوجهون نقدهم للفكر الديني أو للموروث الديني ليس لديهم الإطلاع الكافي على هذا الموروث.

كما إن البعض من أولئك تكون منطلقاتهم في النقد الخلفية الفكرية والثقافية التي يستندون إليها من خلال ما ابتنى عليه فكرهم أو من خلال دراستهم ضمن مدارس معينة ، فيكون نقدهم انتقائياً التقاطياً يفتش عن الثغرات والنقاط الضعيفة كي يوجه نقده إليها ولو أنها قوية في مضمونها لكنها خافية عليها لأنها لا يرى الحكمة منها

فعلى سبيل المثال يتوجه بالنقد لتشريع الزواج من أربع أو الحكمة من قطع اليد في السرقة أو التعزير وما يلحقه بأضرار في المجتمع لكنه يغفل أو يتغافل عن الغرائز والطبيعة الفسيولوجية التي تتحكم في  حركة الإنسان كما يتعدي على نقض حكم سماوي بأخر بشري بدعوي تناقض ذلك مع العقل مع إن العقل تابع للهوى في كثير من الحالات كما نراه في التشريعات المتناقضة التي تحكم عدد من الديمقراطيات في العالم.

فليس كل ما يعترف به العقل يعترف به الدين والعكس هو الصحيح فكل ما يقره الدين يقره العقل ، فما جاء به الأنبياء من معاجز خارقة في الفعل هو خارج نطاق إدراك العقل البشري القاصر ، لكن في نفس الوقت لو تفرس  وتمعن ودقق هذا العقل بروية وبتأنٍ في معرفة ما شاهد لوجد هناك من الدلائل والبراهين العقلية والحجة الدامغة التي تخاطب العقل والتي تٌثبت ما جاء من معاجز لكن هذا العقل البشري المتفاوت في إدراكاته يعجز عن إدراكها  أو البلوغ و الوصول إلى إدراك معانيها ودلالتها.