نجم والي
إذا كان هناك ما يميز الكاتب الجزائري بالفرنسية بوعالم صنصال عن بقية زملائه الروائيين في البلدان العربية وفي الجزائر على وجه الحصر، فهو كسره لأكثر التابوات «قداسة» في التاريخ العربي الحديث، المقصود: وضع تاريخ حركات التحرر العربية وكفاحها ضد الكولونيالية في القرن العشرين موضع الشك. أغلب الروائيين العرب، إن لا أقول كلهم، تغنوا بمقاومة الإستعمار والتحرر منه، ما تزال شخصيات مثل جمال عبدالناصر وهواري بومدين (رئيس الجزائر لأكثر من عقدين)، وحتى وقت قريب صدام حسين ومعمر القذافي، برغم دكتاتوريتها وإستبدادها، تجد لها مكاناً مميزاً على الصفحات الثقافية العربية بصفتهم أبطالاً «قوميين»، صحيح أن روايات عربية عديدة تحدثت عن الفساد والظلم والسجن، لكنها لم تمس سلطة العسكر أبداً، حتى بعضها القليل الذي تعرض للسلطات الدكتاتورية، فإنه زاود السلطات هذه واتهمها بخيانة المبادئ الوطنية والعمالة لإسرائيل، كما فعل بعض الروائيين المصريين، حتى الآن ليست هناك رواية عربية، وضعت حركات التحرر القومي العربية موضوع التساؤل، خاصة في علاقتها مع الفاشية الإيطالية والنازية الألمانية، الحديث عن علاقة مفتي القدس الحاج أمين الحسيني بالنازية وزيارته لبرلين وإستقبال هتلر له هناك، أو الحديث عن الإنقلاب العسكري للعراقي النازي رشيد عالي الكيلاني في 2 مايس 1941 في بغداد وحدوث أعمال نهب وقتل اليهود والتي أُطلق عليها بـ»الفرهود»، أو الحديث عن الثورة الجزائرية وعلاقتها بالنازية الألمانية، يدخل في باب التابوات، ومن يجروء ويكتب عنها، فهو أما عميل لليهود، أو يريد فقط الحصول على جائزة نوبل للآداب، لأن حسب العرف السائد في المشهد الثقافي العربي الرسمي، اليهود هم الذين يسيطرون على قرارات منح النوبل، كلام مثل هذه نقرأه كل عام من محررين كبريات الصفحات الثقافية العربية، كل ذلك ليس بجديد، الجديد فقط، هو أن كاتباً عربياً يلقح نفسه ضد نفاق «وطنية» المشهد العام، ويكشف عن المحظور. ذلك هو الإنجاز الذي يُحسد عليه بوعالم صنصال، والذي تجسد بصورة واضحة في روايته «قرية الألماني»، التي يتحدث فيها عن جندي ألماني نازي هاجر إلى تلك القرية في مدة حرب التحرير الجزائرية ضد الإستعمار الفرنسي، والذي أكسبه إلتحاقه بجبهة التحرير الوطني سنة 1954 ومساهمته في الثورة التحريرية، الكثير من الإحترام في القرية، وفقط بعد مقتله في إعتداء إرهابي على يد متطرفين إسلاميين عام 1994، يعرف ولداه اللذان كانا يعيشان في فرنسا عن ماضيه النازي وعن الهولكوست، أمر لم يهم سكان القرية أبداً. ومثلما لم يهم سكان القرية «المقاومة» وجود نازي في صفوفهم، لم يهم أحد أن القرية التي تحدث عنها بوعالم صنصال موجودة بالفعل، لأن لا أحد يريد الإعتراف بوجود ظلال نازية على «أسطورة» المقاومة الجزائرية وحرب التحرير، في بلد «المليون شهيد» (كما يُطلق في الإعلام الرسمي على الجزائر) الحديث عن هذا الموضوع مازال حتى اليوم تابو. ليس من الغريب إذن، أن يثير هذا الكتاب هذا زوبعة ضده، أكثر من الزوبعة التي أثارتها قبله صراحته في رسالته المفتوحة إلى مواطنيه الجزائريين والتي نُشرت على شكل كُتيب صغير عام 2006 بعنوان «مكتب البريد: الجزائر»، لكن على الأقل إنحصر النقد عليه بسبب هذا الكتاب في بلاده الجزائر، في كتابه الثاني «قرية الألماني»، إستفز بوعالم سنصال المشهد الثقافي العربي بشكل عام، لأن كُتّاباً من هذا النمط، يتحدثون عن الهولوكوست واليهود، كتاباً لا يخفون شكوكهم بالوطنية التي لم تقد المجتمعات العربية إلا إلى الخراب والبؤس والحروب والموت، لا بد وأن يُقاطعون، فمن لم يُتهم منهم بالعمالة لليهود، سيُذكَّر بما ترتكبه إسرائيل أو اليهود من مجازر في غزة وغيرها من أرض فلسطين، زملاء بوعالم صنصال أعابوا عليه، أنه إختار الكتابة عن حالات إستثنائية بتعمد، لأنه يريد فبركة حاضر على مقياسه، دون أن يدرون، أن الكتابة الروائية بالذات هي رواية الحالات الإستثنائية هذه، وأن عدم الحديث عن هذه الحالات الإستثنائية، «يعني الإبقاء على مستقبل البلدان العربية ملغوماً»، كما علق الكاتب ذاته على مهاجميه.
أنها لمفارقة بالفعل، فبإستثناء الهجوم الذي تعرض له في الإعلام الرسمي في الجزائر (صحيفة الخبر، نعتته بالكذاب، لأن حسب قولها كتبه لم تُمنع، تُباع في الأسواق)، لم يحظ خبر فوزه بجائزة بورصة الكتاب للسلام لهذا العام، إلا بالتجاهل في الصحافة العربية، خبر فوزه نُشر بشكل عابر، من دون تعليق، كأن بوعلام صنصال إرتكب جنحة مخلة بشرف «الأمة البطلة» بحصوله على هذه الجائزة. منح بوعالم صنصال جائزة السلام لهذا العام هو ليس ترويجاً لقراءة رواياته المترجمة كلها للغة العربية وحسب، بل هو أيضاً تشجيع لكل أولئك الكتّاب العرب الشباب الذين يريدون كسر التابوات، على الأقل لكي نملك في البلدان الناطقة بالعربية أكثر من بوعلام صنصال.
http://www.beladitoday.com/index.php?aa=news&id22=2588
التعليقات (0)