لن نعرف خبايا وأسرار الثورة المصرية وبخاصة دور قواتنا المسلحة فيها إلا بعد عدة سنوات على الأقل ، فهناك مشاهد بسيطة يجب أن نقف أمامها بعد أن نزل الجيش للشارع بأوامر من الرئيس ولا ندرى إن كان نزوله بغية ضرب الثوار أو أن يحمى المنشآت ومعها النظام ، ولكنه فى النهاية لم يضرب المتظاهرين سواء كانت تلك نية الجيش منذ البداية أو أن الجيش إضطر لها خجلاً من الإستقبال الحافل له من قِبل الشعب وكيف يضرب ملايين وآلاف صعدوا على أسطح دبابات
جيشهم .
وكانت أول لقطه طمئنتنى لموقف الجيش المصرى هو ظهور الدبابات والمدرعات منذ أول لحظة فى الشوارع ومكتوب عليها يسقط "حسنى مبارك" فكانت أول رسالة لمن يهمهم الأمر وهم شعب مصر وجيشه ونظامه المُترنح ، وكانت ثانى لقطه فى صبيحة يوم الأحد التالى ليوم جمعة الغضب حيث ظهرت يافطات على كوبرى قصر النيل تدعو للهدوء وأن الرسالة وصلت وهذه اليافطات ـ المجهولة ـ أشعرتنى بالإطمئنان لأننى على يقين أن الجيش ـ وليس غيره ـ وراءها ، وبدد ذلك التفائل تحليق طائرات حربية ـ مجهولة ـ فوق رؤوسنا فى ريف مصر وبعدها عرفنا أنها مصرية وتساءلنا عن سبب تحليق تلك الطائرات وهل هو للتطمين أم للترهيب إلى أن صرح قائد القوات الجوية أخيراً وبعد خمسة أشهر بأن طائرات ”اف 16“ حلقت خلال الثورة تأييدا للشعب .
وبعد أن بدأت سياسة قضم الأصابع بين الشعب والنظام وقف الجيش على الحياد بينهما إلى أن حدثت موقعة الجمل وتعرض المجلس العسكرى لنقد شديد وإن كنت أرى أنه كان فى موقف لا يُحسد عليه فى كل ثانية ودقيقة من تلك المرحلة الصعبة وفى حيرة حقيقية من أمره ، وأخيراً سقط رأس النظام وترك لنا رجاله فى كافة الوزارات ، وكاد الشعب المصرى يشرب أخطر وأسوأ مقلب فى حياته وهو الإبقاء على رجال مُبارك حتى يلتفوا على مطالب الشعب والثورة بتغيير صورى لبعض الوجوه والرجال والسياسات ، ولكن الله ألهم الشعب بالإستمرار فى ثورته وبتصريحات جريئة من بعض المُفكرين وعلى رأسهم الأستاذ هيكل بتصريحه الشهير عن "بؤرة شرم الشيخ" وأن مبارك ما زال لديه إتصالات مع بعض الموجودين بالسلطة بمصر ، فأغضب بذلك آخر رئيس وزراء لمبارك وكان اللقاء الشهير والمناظرة الشرسة بين الأديب علاء الأسوانى ورئيس الوزراء أحمد شفيق والتى بعدها إستقال رئيس الوزراء الذى إكتسب عطف كثير من المصريين وخسره بعدها مباشرة بعدما بدأت مفارم أمن الدولة تعمل بكل طاقتها لتثبت لنا أننا كنا أمام عملية إلتفاف واضحة على الثورة ، وبدأ إبعاد يتامى مبارك بالتدريج وهو أسلوب أراه مناسباً رغم تتباين الآراء ما بين موافق عليه ومعارض ، وبدأت وتيرة الإصلاح تتباطأ فخرج علينا الأستاذ هيكل بتصريح آخر جديد بعد الفتنة الطائفية فى منطقة إمبابة بالقاهرة حيث ذكر أن "المجلس العسكرى يدير البلد ولا يظهر ورئيس الوزراء يظهر ولا يُدير " ، ففتح الطريق إلى المطالبة بمنح رئيس الوزراء صلاحياته الدستورية كاملة بعد خروج أنباء عن عدم مقدرته عزل بعض الوزراء الذين يعطلون مسيرة الثورة ، ومع إستمرار المليونيات تم تغيير وزارى كبير وتفعيل قانون الغدر لمحاكمة أقطاب النظام البائد وإحالة الرئيس المخلوع للمحاكمة فى القاهرة مثله مثل أى مواطن آخر ، وستتم تغييرات شاملة فى المحافظين ، إذا نحن نرى تغييرات وإن كانت بطيئة فهى مُهمة وتكشف عن نية حقيقية ـ حتى الآن ـ للتغيير ، ولكن هناك بعض الشكوك لا يمكن تجاهلها تنتاب البعض كان منها ما قاله البعض بأن هناك تحالف بين المجلس العسكرى وجماعات الإسلام السياسى وعلى رأسها جماعة الإخوان المسلمين وإن كنت أرى أن تطابق آراء المجلس العسكرى والإخوان فى موضوع الإنتخابات التشريعية أولاً هو الذى أدى لتلك الشكوك ، وما يُفنِد قيام ذلك التحالف هو إختلاف تلك الجماعات مع المجلس العسكرى عندما تحدث عن القيام بعمل "وثيقة المبادئ الحاكمة للدستور" .
وكان الهجوم على جماعة 6 أبريل وتخوينها وإتهامها بأنها تدربت فى الخارج وتتلقى دعماُ ـ دون دليل حتى الآن ـ لإحداث فتنة بين الشعب والجيش هو من أسوأ ما حدث فى الأيام الماضية ، فكيف ننسب ثورة عظيمة قام بها الشعب كله لجماعة من الشباب مهما كان تأثيرهم المزعوم ، وكان الأخطر هو التحريض عليها ، مما أدى إلى عمل كمين للمتظاهرين فى ميدان العباسية بالقاهرة وعندما نُفسر ما حدث فسوف نجد أننا أمام موقعتين حدثتا فى العباسية ، الأولى تبرأ منها ثوار التحرير وهى لأشخاص غير معروفين مهدوا أرض المعركة وصنعوا الفخ من تهشيم سيارات وإرهاب المنطقة حتى جاء المتظاهرون الحقيقيون ثانى يوم ليجدو ويقعوا فى الفخ ، وتم الإستعانة بإعلام مُخجل يشبه تماماُ إعلام النظام السابق ليبث لقطات من المظاهرة الأولى والتى فيها سب لا يرضاه أحد لبعض القادة العسكريين وإدماجها فى لقطات للمظاهرة الثانية على أن تلك اللقطات المُسيئة حدثت جميعها فى المظاهرة السلمية الثانية ، لذلك شعر الكثيرون بأن هناك فخ منصوب للثورة المصرية لأن من بيدهم الأمر يستعملون نفس أساليب النظام السابق من إعلام مشبوه وبتحالف مخفى مع جماعات الإسلام السياسى لأن من من بيدهم الأمر يرون المطالبين بالديمقراطية أشد خطراً من المطالبين بإنشاء دولة دينية ، فالأخِيرين قد يرى البعض وللأسف أن "ديتهم معروفة" ولن يقف معهم أحد كما حدث لهم فى العهود السابقة ، وفى النهاية نقول إن خروج بعض الخبراء العسكريين ومعهم مندوبة عسكرية بإحدى الصحف وقناة فضائية "مغمورة" للدفاع عن المجلس العسكرى والجيش المصرى بضر أكثر مما ينفع .
التعليقات (0)