القرآن المهجور
في مختار الصحاح قرأ الشيء قرآنا جمعه وضمه , ومنه سمي القران لأنه يجمع السور ويضمها , وقوله تعالى (( ان علينا جمعه وقرآنه )) اي قراءته , وفي المنجد قرأ الشيء قرآنا جمعه وضم بعضه الى بعض . فلا بد ان يكون القرآن هكذا على عهد النبي ص , فما ادري ما الذي جمعه عمر رض واي قراءة فرضها عثمان رض .
واذا كان دين الاسلام الى الناس كافة وحتى قيام الساعة , فأن آيات القران الكريم تضمنت على حصيلة ضخمة من المعلومات , على الاقل , ما يماشي تطور البشرية طوال فترة وجودها على وجه الارض .
ولكن سقوط الكثير من اساليب التفسير التي اتضح خطؤها مع مرور الزمن , ذلك لأنها لم تتسم بالصفة العلمية كالتراكم والتنظيم والدقة والتجريد وغيرها التي تطبع نوعية التفكير السليم فيمكن ان تعالج به ظاهره التنزيل . بل بدلا من اللجوء الى الايات والاحاديث الصحيحة في طلب التفسير , عمت الاسطورة والخرافة وثقافة الشعر الجاهلي والاقتباس من الكتب السالفة .
لقد اقترن ذلك الاتجاه بالخضوع للسلطة صاحبة الوصاية على الرسالة , وعندما تحكم دكتاتوريات مثل ملوك بني امية وبني العباس , فأن الرغبة والتمني والموروث وحضر التجديد والتعصب والدعاية الكاذبة وكل اساليب الجمود الذهني تكون هي الشائعة في طريقة التفكير , حتى قد تفضي الى تحالف الكفر والايمان كما حصل عند الفلاسفة الاسلاميين , بالرغم من ان تعاليم افلاطون وارسطو وافلوطين قد ظهرت في اطار وثني , ولكن الاسلاميين اعطوها ما يشبه القداسة الدينية .
يقول الشهرستاني في الملل والنحل بعد ان عدد الفلاسفة الاسلاميين انهم قد سلكوا كلهم طريقة ارسطوطاليس في جميع ما ذهب اليه وانفرد به . ولكن محاولة التوفيق بين الفلسفة والدين ما هي الا خداع للجمهور , حيث احتضن المعتزلة الفلسفة اليونانية كوسيلة لأستعلاء العقل على المدارك الدينية , مدعين ان الحكمة هي ذات اليقين الذي يبحث عنه الدين عن طريق الوحي . وذهب الكندي والفارابي وابن سينا الى قدم العالم وازلية الزمان وان ما لا يتجزأ لا وجود له , وظن الفارابي ان العالم و الله كظاهر وباطن , فحملوا الاعتزال والتشيع واليونانية والمسيحية والزرادشتية , وتركوا آثارهم حتى على شانئيهم مثل الغزالي .
وعندما تستمد عناصر المعرفة من الكتب والصحف القديمة , تتوجه ابعاد الجدل اللفظي كليا الى دعم المعارف البائدة , فلا احد يرجو الكشف عما هو جديد او يسعى نحو انجاز فعلي . لذا قد تحجم غثاء العقيدة في تلك العقول الفارغة , فتصورت ان القران هو مجرد بلاغة لفظية رنانة , بأمكان اي كان ان يصنع مثيل معجزتها ولكن الله صرفهم عنها , وظنوا ان تلك التعابير الضخمة في الكتاب يمكن ان تشبع طموح الانسان في التجلي , خصوصا وان الروح الاخلاقية العالية المطروحة , قد دعت عامة الناس الى الزهد في متع الحياة . فما تفتقت عقول اولئك الواهمين بعد ذلك الا عن ظلم الكلام الذي طرح قيم الازل المطلق على طاولة التشريح البدائي .
ان العلم والدين شيء واحد , فليس في الدين الحق ما يكبت العلم , وليس في العلم ما يتعارض مع القيم الانسانية الشريفة , بل انه يثري نفس الانسان ويزيد من قدراته , لذا فان له الاولوية الاستراتيجية اذا كان الهدف هو تحسين وضع الانسان الراهن ورفع احوال العالم في القرون التالية .
كذلك القرآن يكتسب سماته الفريدة المميزة من خلال البناء العلمي الفذ للسور والقدرة الباهرة للآية الواحدة , على ان تتشكل مع ايات اخرى بما يتيح بلوغ نتائج نظرية وتطبيقية متعددة ومستمرة للابداع حتى بعد تقدم طويل . فحيث يراد للأسلام ان يكون منهجا حياتيا للناس , فأنه لا يمكن اقامة حضارة ناضجة الا ان ترتكز في نهضتها على اساس علمي راسخ , اي نوع من التفكير المنظم الذي يلبي الحاجة في كافة الشؤؤن , ومن خلاله يتم احراز التقدم , وهذا ما لا يوفره حشد المعلومات ولا التجربة الخاصة ولا الارهاصات العاطفية ولا التجليات الصوفية .
عن الامام الصادق ع (( ما من شيء الا وفيه كتاب وسنة ))
وعنه ع ايضا (( انا اعلم كتاب الله , وفيه بدء الخلق , وما هو كائن الى يوم القيامة , وفيه خبر السماء وخبر الجنة وخبر النار , وخبر ما كان وخبر ما هو كائن , اعلم ذلك كما انظر الى كفي , ان الله يقول (فيه تبيان كل شيء ) ))
وعنه ع ايضا (( ان الله تبارك وتعالى انزل في القران تبيان كل شيء , حتى والله ما ترك الله شيئا يحتاج اليه العباد , حتى لا يستطيع عبدٌ يقول : لو كان هذا انزل في القرآن , الا وقد انزله الله فيه )) ...
التعليقات (0)