قبل الافتتاح الرسمي للأيام الأدبية بالعلمة و على عادة الملتقيات و ما تقتضيه من تحضيرات مختلفة ، كان ذلك فرصة ثمينة بالنسبة لي للتفرد بأمثال هؤلاء الأدباء و الباحثين ، خاصة أولئك الذين خبروا الحقيقة و لو جزئيا في المجال الأدبي و العلمي ، في هذه الأثناء و في جلسة خصنا بها الدكتور السعيد بوطاجين القاص المتميز الذي عرفته أستاذا لي بامتياز منذ أن درسنا وحدة المصطلحات سنة 1984 بالجامعة المركزية ، ذكّرته بذلك و كان لي الشرف أن ألتقيه كطالب يستأثره النقد و أهله الأكْفَاء ، و قاص تستهويه العملية الإبداعية ،إنّنا نتقاطع في كثير من الأشياء ، ، أبدى ابتسامة ترحيب جميلة ، و مرة أخرى و في وقت أطول على غير اللقاءات السابقة التي لم يسعفنا الحظ للحديث معه في وقت كاف كهذه الفرصة ،بقي معنا و لفترة طويلة و لذلك دلالته الحضارية و متعته النفسية و نكهته العقلية ، ظل الرجل واقفا لأكثر من ساعة في بهو المجمع الثقافي بالعلمة و نسينا أنفسنا و لم نشعر بعناء السفر والوقوف الطويل ، و هو يحدثنا عن إمكانات الذات و طاقة العقل البشري في البحث عن راهن الفكر و الأدب في الجزائر ، كل ذلك إجابة عن سؤال طرحته عليه : نحن كطلبة نعاني تراكمات اصطلاحية كثيرة و معظمها يتقاطع مع علوم إنسانية أخرى ناهيك عن التفرعات النقدية و المنهجية المستحدثة في النقد الجديد و على سبيل المثال طغيان المنهج السيميائي أحدث إرباكا كبيرا في الساحة النقدية ، فهناك أكثر من رأي و توجه في السيميائية ما رأيك يا دكتور؟
المشكلة أن العملية الإجرائية في تفعيل هذه المنهج لم تحسم في شكل واضح إذ كثير من النصوص الإبداعية تتعاطها السيميائية بحيثيات مستحدثة و متعددة لأنّ أصولها الثقافية و الفكرية تخضع لعوامل عديدة أهمها المصنفات الأدبية التي استحدثتها الخلفية الفلسفية الفرنسية مثلا و التي تتعاطى النّص من وجهة نظر علمية بالرغم من معاناتها من توالد المصطلح و العملية التطابقية بين دلالته العلمية و ترتيبه المعجمي من جهة و اختلاف دلالاته اللغوية كما ورد في القاموس من جهة أخرى ، و ربما الاجتهاد الذي قام به الباحث الفرنسي على مستوى البحث الأكاديمي يعنى بالجانب الحضاري و الاحتكاك المتكرر بين مختلف التيارات الفكرية و الفلسفية ، فالسيميائية ليست بالمعنى الذي يعتقده كثير من المتطفلين على العملية النقدية و تاهوا في توجهاتها الكثيرة ، و هي ليست مجرد إسقاط لزخم من قاموسها الاصطلاحي بقدر ما تعني بتفاعل البنية الأساسية لمضمون المدلول و علاقته بالدال الذي اختلفت توظيفاته أو سياقاته في ظل نسق ثقافي جديد ، و أسهب الدكتور سعيد بوطاجين في الوقوف عند كثير من الحقائق باعتباره أحد الضالعين في هذا الاختصاص و منذ فترة طويلة على اعتبار أنّ تصور السيميائيين العرب و في الجزائر خاصة قد لاقى اهتماما واسعا في الجامعة الجزائرية و مشكلة الإصطلاح مسألة أساسية في نظره قبل تعاطي النّص أو مباشرته بالتحليل و التركيب و التأويل ، و يعتقد بأنّ المصطلح في العملية الأدبية و النقدية على وجه التحديد تقتضي البحث في طبيعة المصطلح و تحديد جذوره الأساسية فكريا و بيئيا و اجتماعيا حتى ، و السبب أنّ توظيفه على المستوى الإجرائي وهو غامض قد لا يعطي للنّص حقه من حيث تحديد أبعاده الحقيقة داخل النّص أو خارجه ، فالمعمول به على مستوى البحث الأكاديمي أنّ يكون الباحث ملما بالمعجم الذي يوظفه سواء عند السيميائيين العرب أو السيميائيين الغربيين و الفرنسيين تحديدا ، في النهاية ما فهمته كطالب أنّ العملية لا تزال في بداية الطريق و ناصية السيميائية لم تحسم بعد عن مؤسسيها فما بالك عندنا .
شكرا يا دكتور سعيد بوطاجين على هذا الجهد و لك منا كل التحية و التقدير.
و شكرا للعلمة الجميلة
التعليقات (0)