- تحت أي مسمى بقيت هناك مجموعة من القوات الأميركية في بغداد.. مسمّى التدريب، ومسمّى الاشتراك بمهامّ أمنية.. هل الآن بالفعل كما أشرت في تصريحاتك الأخيرة لإحدى الصحف أن القوات الأميركية ستبقى من دون حصانة؟
الجعفري: مسألة توفير الحصانة للقوات الأميركية الأجنبية التي تتواجد في العراق، يستمر حسمها، وقد أخذت حجماً برلمانياً؛ وأصبحت قراراً وطنياً ساهمت فيه كل القوى، والكتل في البرلمان، وحظي بالإجماع، ولا رجعة فيه..
وكما هو معلوم أن هناك إرادة أميركية يمثلها الكونغرس، و لا يسمح بأن يحاسب أي جندي أميركي على أي أرض أجنبية، وهذا تناقض.. مهما يكن الفهم الأميركي في التواجد، وطريقة التعامل مع الملفات القضائية، فقرارنا واحد ونهائي، بأن لا يُسمَح بوجود شيء اسمه (الحصانة) لقوات أجنبية تتواجد على الأرض العراقية.
- هل قوات الأمن العراقية أتمّ الجهوزية بعد انسحاب القوات الأميركية نهاية هذا الشهر؟
الجعفري: منذ فترة ليست قصيرة اعتمدت القوات العراقية على قدراتها الذاتية حتى مع وجود القوات الأجنبية على الأرض العراقية، لكن من يُمعن النظر بشكل جيد ودقيق من خلال العمليات التي كانت تحصل لم يجد أن هناك نصيباً للقوات الأميركية في التعامل الميداني، والتعاطي مع الأزمات التي حصلت.
القوات العراقية تدرجت في الاعتماد على نفسها في الأشهر الأخيرة، إن لم نقـُل في السنة أو السنتين الأخيرتين، وما كان هنالك تواجد حقيقي في ميدان العمليات، وحتى لو افترضنا جدلاً أن هناك خللاً بسيطاً يتطلب الارتقاء بالقوات العراقية فهذه مشكلة عراقية، وعلى القوات العراقية أن تفكر كيف ترتقي بذاتها، أضف إلى ذلك أن طبيعة الإرهاب لا تتطلب أكثر من تدريب على مستوى الأسلحة الخفيفة والمتوسطة، فلسنا في حرب نظامية مع جيوش مدجّجة بالسلاح.
الحرب على الإرهاب تتطلب تعاطياً بالمعلومات وأسلحة خفيفة ولعلها في أقصى مدياتها تتطلب أسلحة متوسطة، والقوات العراقية قابلة لأن تتطور سواء كان من حيث الكم أو النوع او الأداء أو التجهيز، وبإمكان القوات العراقية أن تقطع هذه الأشواط، وهذه ليست في العراق فقط، فنحن اليوم في حرب عالمية.
- ذكر السيد (خايم): أن العراق لا يملك دفاعات جوية، والحدود لا يمكن السيطرة عليها إضافة إلى تحديات داخلية في العراق.. كيف يتمكن العراق من ضبط كل هذه الأمور؟
الجعفري: في الشق الأول من السؤال: كنا نتعرض لمسألة مدى قدرة القوات العراقية على سد الحاجة الأمنية، الآن نتحدث عن شيء آخر: وهو انسحاب القوات الأجنبية، وهذا بحد ذاته سيحفز البعض ممن يتذرعون بوجود قوات أجنبية، فيتحركون على الأرض العراقية على شكل مليشيات، كما إنه يحفز الوضع الإقليمي لجهة أنه يريد أن يصون حدوده وسيادته ومصالحه، وهو ما قد يشكل خطراً إقليمياً، إذن ستنفتح لنا كفة أخرى، منها احتمال تنشيط المليشيات، وتنشيط تدخـّل الوضع الإقليمي.. بانسحاب القوات الأجنبية سيكون أقل مما لو كانت على الأرض.. في تصوري أن القوات العراقية لديها جاهزية جيدة، ومن الجانب الآخر انسحاب القوات الأجنبية سينزع فتيل أي ذريعة تتشبث بها ما يسمى بـ(المقاومة) في الداخل، أو (التدخـّل الإقليمي) في الخارج، وهذا أمر يعيه العراق جيداً، ومن الآن فصاعداً علينا أن نربط بين الارتقاء في الوضع الأمني والوضع الاقتصادي؛ وبذلك نكون قد وفـّقنا بين جناحي الاتفاقية الأمنية الأساسية، والانسحاب في 31/12، وإلى غير رجعة.
بقيت الآن الاتفاقية الاستراتيجية التي ستقوي الوضع الاقتصادي والزراعي والصناعي والتجاري والعلمي وبقية الاختصاصات وأيضا سيضفي على الجانب الأمني والجانب السياسي مزيداً من الاستقرار.
- مراقبون عسكريون يقولون: إن العراق قام بشراء طائرات بصفقة ضخمة، لكن هذه الطائرات لن تـُجهَّز، هذا فيما يتعلق بمجال الجو العراقي وحمايته إلى عام 2020، ويقولون: هذه مخاطرة كبيرة، وسيبقى المجال الجوي العراقي بلا أي جهاز منظم يحميه لغاية 2020؟
الجعفري: حاجة العراق إلى الطائرات ليست مُلِحة، وأعتقد أن العراق كان يشكل بؤرة توتر في المنطقة على إيران والكويت والسعودية وعلى الدول الأخرى، ما نقرأ في الأفق هو وجود حرب أو أجراس حرب تـُقرَع في هذه الدولة أو تلك الدولة، وتحتاج إلى مضادات جوية وأسلحة ثقيلة، ثم من يرد أن يحمي العراق لا يأتينا على ظهر جمل، ونحن لسنا في زمن الجمل إنما زمن الطائرات، أي إن المنطقة مغطاة من كل الجوانب، ونحن ندافع عن العراق، وهو خلو العراق من قواعد أجنبية ووجود قوات أجنبية تحت أي ذريعة كانت، وهذا في تصوري مبرّر مشروع لا يعادله أي مبرّر آخر لحماية الأجواء العراقية وما شاكل ذلك.
من يُرد أن يحمي الأجواء العراقية يستطع أن يراقب المنطقة من كثب، وينزع فتائل التوترات هذا من جانب، ومن جانب آخر إذا كان للعراق حاجة من هذا القبيل فإنه سينفتح على الدول التي تستطيع أن تسانده، وليست هذه بعيدة عن ساحة أي مواجهة، فيما لو حصلت، ولا أظن أن في الأفق احتمالات لمثل هذه الحاجة.
- هناك تحديات أمنية كبيرة داخل العراق، مثلاً: موضوع البيشمركة، وموضوع القوات الأمنية في بغداد، والخلاف المستمر بين كردستان العراق وبين الحكومة المركزية، ووجود فلول تنظيم القاعدة، ووجود مليشيات مسلحة داخل العراق، إضافة إلى الحدود.. كل هذه التحديات كل هذه التحديات ألا تهدد الجهاز الأمني داخل العراق؟
الجعفري: انتقلنا من الخطر على المستوى الدولي والإقليمي إلى الخطر المحتمل في الوضع الداخلي، هذه المشاكل سواء كانت بين الإقليم والحكومة الاتحادية، أو بين المحافظات والحكومة الاتحادية، أو في داخل الإقليم أو ضمن المحافظات نفسها هذه الأمور سببها حداثة التجربة الديمقراطية والفيدرالية، وتتطلب تطوير العملية السياسية، وتطوير حتى الدستور والبرلمان، نعم.. قد تكون باعتبارها في البداية شكلت بعض المماحكات للتداخل في السياقات التي حصلت في بعض المناطق العراقية، لكني أتصور أن هناك إمكانية للحل خصوصاً أن في الآونة الأخيرة حصل تقارب جدي في وجهات النظر؛ لوضع حلول لبعض المفارقات التي حصلت.
حل هذه المشاكل يكون بتفعيل الآليات العراقية برلمانياً ودستورياً وتنفيذياً على مستوى الحكومة الاتحادية، لا عن طريق تواجد أجنبي.
- كان هنالك تلميحات من كردستان العراق برغبة في بقاء القوات الأميركية، ولديهم تخوّف من احتمال احتكاكات تحدث في المناطق المتنازع عليها؟
الجعفري: ليس سراً على أحد أن هناك هاجساً كردياً غير سياسي، وغير مسيَّس من شيء اسمه القوات العراقية المسلحة، وهذه مخاوف مشروعة، وقد تراكمت من خلال سلسلة الحكومات التي تعاقبت على العراق، وعرّضت كردستان إلى المزيد من المخاطر، كما حصل في مأساة حلبجة والأنفال، ومثله حصل في الانتفاضة الشعبانية وفي الأنبار والانتفاضات الأخرى في العراق، ونحن أيضاً لدينا هواجس من وزارة الداخلية والأمن والمخابرات، وهي ما جاءت من تعبئة إعلامية إنما جاءت بسبب عقود من الزمن.
اليوم أثبت العراق أن الأجهزة الديمقراطية لم تقف عند حدود الإدارات السياسية، وإن كانت في بدايتها إنما امتدت في الأجهزة الأمنية، كذلك كلما مضى الوقت، وحصل هذا التفاهم استطعنا أن ننزع فتيل هذه المخاوف.
- قبل قليل عندما سألت ضيفي وكيل وزارة الدفاع الأميركية الأسبق السيد (خايم) عن أن الانسحاب أميركي يترك الساحة لإيران، أجاب باختصار: نعم.. كيف تعلـّق؟
الجعفري: أنا أتصور أن إيران كجزء من منظومة الدول الإقليمية، ومن الحزام المجاور للعراق من حقها أن تخشى، فمرحلة نظام صدام حين شن عليها أطول حرب من حيث الزمن في القرن العشرين، ومن حق الكويت أن تخشى صدام؛ لأنه احتلها، ومن حق السعودية أن تخشى العراق في زمن صدام؛ لأنه دك الرياض بالمدفعية العراقية، وحتى بعد السقوط كانت هناك بشكل أو آخر جسور عبور تتعاطى مع دول الجوار الجغرافي للإرهاب، وقلق من وجود قوات أجنبية على الأرض العراقية، أما بعد الوضع الأمني المتطور، وانسحاب القوات الأجنبية فلا يوجد ثمة مبرر لدى إيران ولا أي دولة من الجوار الجغرافي أن تقلق من العراق الجديد.
العراق اليوم هو الذي يحتاج أن يؤمّن نفسه، ويطمئن بعدم التدخل، أما أن يثير مخاوف الآخرين فأنا أعتقد أن هذه مزاعم لا أساس لها من الصحة.
على ماذا تخشى إيران والسعودية والكويت وتركيا وسورية والأردن!؟ لا خشية من العراق، وهذه الساحة مفتوحة اليوم في كل العالم للإرهاب؛ لأنه عمل سهل التنفيذ، ولم تـُسجَّل أي عملية إرهاب في أي منطقة من مناطق العالم يقوم بها عراقيون إطلاقاً.
العراق الضحية الأول والأخير للإرهاب؛ لذا لا مبرر لإيران وأي دولة أخرى لأن تخشى العراق، وقد تطوّر وضعه الديمقراطي.
التعليقات (0)