مواضيع اليوم

لقاء قناة الحُرّة عراق بالدكتور إبراهيم الجعفريّ رئيس التحالف الوطنيّ العراقيّ

 الجعفريّ: العراق يُريد أن يبني العلاقات، والمُشترَكات على أساس المصالح المُشترَكة، وحُسن الجوار خصوصاً مع حوض الجوار الجغرافيِّ، وكذا عدم الاستفزاز، والتدخّل في شؤون الآخرين..

 

الجعفريّ: عندما يُصِرُّ العراق، ويجب أن يُصِرَّ على فتح العلاقات مع الآخرين مع حفظ السيادة، وحفظ المصالح.. يجب أن يبرهن على حُسن نيته، ويتعامل مع الآخرين بثقة، ويمشي واثق الخطا؛ يفتح علاقات دون أن يتدخّل أحد في شؤونه..

 

الجعفريّ: التدخّل بشكل أو بآخر ليس علامة صِحّة، وما من بلد تُدُخِّل فيه إلا وكان فيه استعداد للتدخّل، وفيه ضعف في داخله، وداخل أبنائه بخاصة السياسيين. لا يُوجَد دولة تتدخّل في شؤون دولة أخرى ما لم يكن هناك ضعف في تلك الدولة.

أن ننتظر تلك الدول بألّا تتدخّل فهذا دعاء لا يُستجاب، وحلم لا يتحقّق.

عندما نجعل العراق قويّاً سيكون بمأمن من تدخُّل الآخرين مهما كانت النوايا..

 

الجعفريّ: العراق كحكومة لم يتدخّل في الملفِّ السوريِّ، ولا أعتقد أنَّ هناك مُبرِّراً للتدخّل في الموقف السوريّ كجيش، ولو أرادت الحكومة العراقية أن تتخذ هكذا قرار لابدَّ أن يمرَّ من خلال البرلمان.. أمَّا أنَّ هناك عراقيين ذهبوا، فنعم.. والحكومة قد تكون غير قادرة على منع موقف مواطنين يُحدِّدون تكليفهم، ويرون أنفسهم بهذه الحالة..

 

الجعفريّ: الشعائر تعبير عن أفكار، وإنَّ الأمّة بلا شعائر تموت، ولا تجد لها شيئاً؛ إذن لابدَّ من مزج الفكر بالعاطفة. كلُّ الفلاسفة ما تحوَّلوا إلى تيارات لا افلاطون، ولا أرسطو، ولا سقراط، لكن كلّ الرُسُل والأئمة تحوَّلوا إلى تيارات؛ لأنهم مزجوا الفكر بالعاطفة..

  

الجعفريّ: أنا عضو برلمان، وجزء من الحكم، ولستُ جزءاً من الحكومة، فليس لديَّ مفصل تنفيذيّ أعمل فيه، لكني أوصل صوتي، وأوصل خطابي، وحين أقول: يُوجَد فساد لا أعني فاسداً بعينه لديّ عُقدة منه، إنما يجب أن أشير، وأقول كلمة الحق، ولو على رقبتي، ولا أتردَّد أبداً، أقول: يُوجَد فساد، ويجب أن يكون بالمقابل إصلاح..

 

الجعفريّ: بناء الدولة، وبناء المُؤسَّسات يحتاج في جملة ما يحتاج إلى نظرية بناء الدولة والمُؤسَّسات، ويحتاج إلى شخصيات قوية بدرجة كافية تُناضِل ليلاً ونهاراً؛ لتهزم الفساد، ويحلَّ محلّه الإصلاح..

 

الجعفريّ: أعتقد أنَّ الملفات ذات الطابع التنفيذيّ يُفترَض أن تُوجَّه إلى المفاصل التنفيذية التي تتحمّل المسؤولية، ويُسمَع منهم، ويُنصَفوا بما لهم، وما عليهم دون خوف، أو حياء؛ وبهكذا قضايا علنيّة وبصراحة، لكن تعرف جيّداً يُوجَد من الثنائيات المُتباعِدة، بل من الازدواج في المواقف إذ تجد بعض الكتل تشارك في الحكومة ووزراؤها يشاركون في الحكومة، ويمارسون دور المُعارَضة؛ فهذا الفساد من أين يأتي، وبيد مَن هذه الوزارات الخدمية؟

كتلة برلمانية تنتقد الفساد، وهي تتصدّى لملفات الخدمات، وكتلة حكومية تأخذ حقائب مُتعدِّدة، وتُباشِر دورها في الحكومة، لكنها تُوجِّه النقد.

مَن المُنتقِد، ومَن المُنتقَد؟!..

 

الجعفريّ: في عام 2005 تسلّمنا مخازن وزارة التجارة فارغة فالنجف تستغيث، وتستغيث الموصل، وخلال فترة قصيرة فتحنا المخازن، وكان الدكتور عبد الباسط وزير تجارة العراق، وسلّمنا الحكومة الحالية مخازن مشحونة أقلّ الموادِّ فيها تكفي لأربعة أشهر.

حين يلتزم الوزير بسياسة الحكومة، ويُطبِّقها بجدّ يستطيع أن يتجاوز المشاكل..

 

الجعفريّ: بعض الدول الإقليمية -وكم ليس بقليل من المتلقين العراقيين التقت مصالحهم- هم سبب ثقافة الفساد التي تفشَّت في المُؤسَّسات، نحن بحاجة إلى ثورة، ولتكن ثورة صامتة سلمية للقضاء على الفساد، وبعض الذين يتكلمون بالإصلاح خطابه فاسد، وبعضهم بطريقة الفساد يُريد أن يهدم البيت على ساكنيه.. فالفساد كُليّ لا يتجزّأ، وعندما نتكلم عن الدولة يجب أن يكون هنالك جهاز، ودستور، وبرامج عمل، ويجب أن تتضافر كلُّ الجهود..

 

الجعفريّ: لا نُجرِّد البرلمان كلّه وكلَّ أعضائه من المواقف الوطنية المُتميِّزة. يُوجَد فيهم مجموعة من الشخصيات يقفون مواقف مُشرِّفة، ويصدحون بصوتهم، ويتعففون عن الكثير من الأشياء، وهذا موجود، ويُوجَد أيضاً صفٌّ آخر يُفكّر بمصالحه، وغائب عمّا يجري في العراق، ولا يجرؤ أن  يتكلم..

 

الجعفريّ: من جاء بهذا البرلمان؟ جاء بانتخاب، وجاء من الشعب. هذا النظام الانتخابيّ البائس الذي خطّط له المخططون، وقطفوا ثماره.. النظام الذي يأتي بالذي يحصل على مائة أو مائتي صوت، والذي يحصل على سبعة آلاف، أو ثمانية آلاف، أو عشرة آلاف لا يصل إلى البرلمان، ومن يحصل على المائة والمائتين يصل إلى البرلمان، ويكون مُخّ الدولة بالتفكير، والتشريع، وضمير الدولة بالمراقبة، والمحاسبة، بينما الذي يحصل على سبعة آلاف، أو ثمانية، أو تسعة آلاف، أو عشرة آلاف في المحافظات لا يصل إلى البرلمان.

هكذا مُقدّمة بهكذا أنظمة انتخابية لا تتوقع أفضل من هذا، وأنا أعرف أنها خطّطت لها دوائر دولية، وأعني ما أقول، ووجَّهت الكلام إلى ممثل الأمم المتحدة عدة مرات، وأعرف أنَّ هنالك تزويراً حصل في الانتخابات.

 

الجعفريّ: حاول الخطاب في التحالف الوطنيِّ أن يبقى خطاباً وطنياً لا يستغرق بالقضايا الطائفية، ولا بالقضايا العنصرية، ولا بالثارات، وأن يحافظ على إنسانيته، وعلى وطنيته، أمّا المُكوِّنات في التحالف الوطنيِّ فمُتضاربة، ومختلفة، ويحاول بعضها إضعاف البعض الآخر. ليس سِرّاً على أحد هناك قضايا مُعيَّنة تُكوِّن ثنائيات تُدخِل بعض أطراف التحالف الوطنيِّ مع جهات مُعيَّنة، ويتقاطعون فيما بينهم في العلن تحت ضوء الشمس. لا يُوجَد سِرٌّ على أحد، ونحن نُفرِّق بين النقود البناءة، فنحن ننتقد الحكومة، ونقول يُوجَد فساد في المُؤسَّسات، لكن هل هذا يبرهن أن تُسقِط حكومة، وتدع العراق يذهب إلى فراغ.

هل يوجد دولة في العالم تتصرَّف بهذه الطريقة؟ نحن الآن أصبحنا في سياقات ديمقراطية، ولندع الشعب يختار.

 

 

 

 

النص الكامل للقاء قناة الحُرّة عراق بالدكتور إبراهيم الجعفريّ رئيس التحالف الوطنيّ العراقيّ

 

 

- ملفُّ العلاقات الخارجية، وأبدأ من الدعوة التي وجَّهها رئيس مجلس الوزراء إلى السعودية عبر وسائل الإعلام. هل تكفي الدعوة عبر الإعلام، أم لا، وهل تجاهلت السعودية هذه الدعوة؟

 

الجعفريّ: العلاقات العراقية - الإقليمية، ومُطلَق العلاقات العراقية - الدولية مع كلِّ دول العالم منذ أن بدأ العراق الجديد رحلته بعد سقوط النظام المقبور كان يتوق، ويتطلّع لأن يمدَّ جسور العلاقات مع الجميع، مع الأخذ بنظر الاعتبار الأقرب جغرافياً، والأقرب سياسياً، والأقرب من حيث الأحداث الحيوية، وبدأتُ على هذا الأساس منذ دورة مجلس الحكم الأولى، وكانت المدة شهراَ واحداً اقتطعتُ منها سبعة أيام لزيارة سبع دول؛ تأكيداً مني على حرص العراق، وللتطمين، وللأسف الشديد هذه التجربة الجديدة وُلِدت في أجواء أثيرت في وجهها استفهامات كثيرة، منها: أنها تحت الاحتلال، مع الأخذ بنظر الاعتبار أنَّ الدول المُحيطة بالعراق عموماً كانت تعيش مرحلة الاعتداد بالنفس، وأنها مضى عليها وقت طويل، فحسني مبارك، ومعمر القذافي، وعلي عبدالله صالح، وزين العابدين بن علي؛ لذا يُعتبَر العراق بنظامه الجديد بديلاً ونقيضاً لنظام صدّام.

كان نظاماً جديداً، وفتياً أثيرت بوجهه إشكالات كثيرة، ومع ذلك أصرَّ العراق على أن يُثبِت حُسن نيته بالتعامل الطيِّب والجيِّد مع كلِّ هذه الدول، بين زيارات، وبين استقبال لهم.

للأسف كان هناك موقف سلبيّ، وانعكس على جامعة الدول العربية حتى إنها تعثّرت في استقبال العراق كدولة مُؤسِّسة في الجامعة العربية.

بعد أن جاء ما يُسمَّى بفصل الربيع العربيّ أصبح العراق في غالبية المنظومة العربية هو الأقدم من ليبيا الجديدة، وتونس الجديدة، ومصر الجديدة، وما تبرَّم العراق، وما استعلى على هذه الحالة.

العراق يُريد أن يبني العلاقات، والمُشترَكات على أساس المصالح المُشترَكة، وحُسن الجوار خصوصاً مع حوض الجوار الجغرافيِّ، وكذا عدم الاستفزاز، والتدخّل في شؤون الآخرين.

للأسف ركب الموجة الإرهاب والحالة الطائفية المقيتة، وحاولت مرة أخرى الحكومات الجديدة أن تبدأ رحلة جديدة بأن تبدأ بتبادل حُبِّ العراق وحُبِّ الشعب العراقيِّ بحُبِّه واحترامه، لكنَّ الهواجس غلبت على هذه الحالة، وهذا لا يُعفي الدبلوماسية العراقية عموماً من أن نُقيِّمه بأنه لم يكن بالمستوى المطلوب.

كان المفروض أن تُؤسِّس علاقة العراق الجديد مع دول الجوار على أساس استراتيجية ثابتة لا تتبدَّل مع تبدُّل دورة حكومية مُعيَّنة.

عادة الدول المُستقِرّة أن تبني علاقتها؛ لأنَّ علاقتها قامت على الشعب، والشعب لا يتبدَّل، إنما الحكومات تتبدّل، لكنّ -للأسف الشديد- صارت بعض الأخطاء.

على العموم العراق يستثمر كلَّ مُناسَبة؛ ليُثبِت حُسن نيته مع هؤلاء.

ما يتعلق بالسعودية. فالتصريح الذي نُقِل في الإعلام من قبل السيِّد رئيس الوزراء لم يكن الأول، وقد لا يكون الأخير، يُوجَد أكثر من إشارة كانت تُرسَل إلى الإخوة المسؤولين.

 

-         عبر السلك الدبلوماسيّ؟

 

الجعفريّ: حتى عبر السلك الدبلوماسيّ.

 

-         تمَّ تجاهله؟

 

الجعفريّ: لا أقول: تمَّ تجاهلها. علاقات هذه الدول في منطقتنا ليست بالبساطة التي تتصوَّرها، إنما تخضع لاعتبارات مُتعدِّدة، أكثر من مرة تُوصِل السعودية: مادام العراق من الناحية الأمنية غير مُستقِرٍّ أمنياً فنحن لا نستطيع أن نفتح سفارة في بغداد. على سبيل المثال، لكنها استقبلت وفوداً، وما شاكل ذلك،. ومثلت نفسها في مُؤتمَر قمّة بغداد لجامعة الدول العربية.

أمامنا شوط، وأمامنا عقبات. عندما يُصِرُّ العراق، ويجب أن يُصِرَّ على فتح العلاقات مع الآخرين مع حفظ السيادة، وحفظ المصالح.

يجب أن يبرهن على حُسن نيته، ويتعامل مع الآخرين بثقة، ويمشي واثق الخطا؛ يفتح علاقات دون أن يتدخّل أحد في شؤونه.

 

-   بمناسبة التدخّل. قرأتُ لكم تصريحاً نُشِر في صحيفة الأهرام المصرية رأيت فيه إشارة إلى السعودية، تقول: عناصر خارجية تعبث بأمن واستقرار العراق، بعض العناصر تكون بعُقَد طائفية تأبى أن يخرج العراق من مألوف التاريخ السُنيّ دون النظر إلى الغالبية الشيعية، وهكذا تسرد بأنَّ السلطة الآن بيد مُكوِّنات الشعب العراقيّ كلّه، ولا  يُوجَد تمييز، وبعد هذا تتحدَّث عن حال المرأة في العراق، وأنَّ تمثيلها وصل إلى 83 امرأة في مجلس النواب مُقارَنة ببعض الدول التي لا تسمح للمرأة بقيادة السيارة، وهذه ميزة الديمقراطية، أضف إلى ذلك الدوافع الاقتصادية التي تزاحمت على النفط العراقيِّ في السوق العالمية.

ذيل الكلام يُشير إلى أنَّ النقد مُوجَّه إلى السعودية؟

 

الجعفريّ: أن ينطبق هذا المفهوم على السعودية لا يعني أني أريد أن أحترب مع السعودية. هذه حقيقة، ما بالك بالسعودية اليوم على المستوى الشعبيّ، وحتى على المستوى الحكوميِّ تُناضِل لتتخطّى حاجز المرأة.

المرأة عندهم تصل إلى أيِّ مستوى، يُوجَد لديهم طبيبات جرّاحات، هذه الحقيقة لم أبتدعها، المرأة نصف المُجتمَع، لكن لا يجوز أن تقود سيارة.

أعتقد أنَّ هذه حالة ليست مُوجَّهة إلى حكومة، أو نظام، إنما مُوجَّه إلى ظاهرة، أو حالة اجتماعية يجب أن تتبدَّل.

 

-         تصريحكم يُشير إلى عناصر خارجية تعبث بأمن واستقرار البلاد، وفي ذيله إشارة إلى السعودية؟

 

الجعفريّ: بكلِّ اعتزاز أقول: إنَّ التجربة العراقية الوليدة الجديدة تختلف عن بقية الدول، ومن جملة الاختلاف أنها جاءت بعدد كبير من النساء، الكويت ما كان بها أعضاء برلمان نسوة، وعندما خطبت في البرلمان قلتُ لهم: سجِّلوا عليَّ أنَّ المرأة الكويتية في الدورة القادمة داخلة إلى البرلمان، وجاءت بأربعة، لكنها تراجعت للأسف الشديد.

هو غير مُوجَّه إلى دولة مُعيَّنة.

حين نتكلم بالحقيقة لا ندّعي أننا مُلّاك الحقيقة، في نفس الدولة في السعودية، ونفس المسؤولين يتعاطفون مع هذا الفهم، يُمكِن أن يكون هذا الكلام عوناً لهم.

يُوجَد ثقافة لا يستطيعون أن يتخطّوها بين عشية وأخرى، وتحتاج إلى عمل، ومُفاعِلات ثقافية؛ حتى يُهيِّئوا المُناخ المُناسِب، والطبيعيّ لأن تتسنَّم المرأة دورها في البرلمان، في مُؤسَّسات الدولة الأخرى.

لا يُوجَد مانع من الناحية التكوينية، ومن الناحية النفسية، ومن الناحية الشرعية في ذلك.

 

 

-         التورُّط بملفِّ الإرهاب في العراق مُوجَّه إلى دول الجوار؟

 

الجعفريّ: هناك شخصيات تأتي من هذه الدولة، أو تلك الدولة يتبرَّؤون منهم، ويقولون: هؤلاء الإرهابيون لا يُمثّلوننا.

أتذكّر أنَّ رئيس وزراء دولة الكويت الأمير صباح حينما كان رئيس وزراء قال: يُوجَد اثنان يتسرَّبان من الحدود السورية إلى العراق، وهما كويتيان.

أعتقد أنَّ الذي يتكلم بهذه الطريقة يدعوك لأن تحترمه، والاحترام أقلُّ القليل.

حين يثبت على المُتورِّط بالإرهاب أنه سعوديّ لا نحكم على الحكومة ما لم يكن موقف الحكومة عدوانياً، وإرهاباً فننتقد الحكومة، ولا نحتاج إلى شجاعة.

 

-   عندما ينتقل الحديث عن الدور الإيرانيّ تقول هناك قلق وهميّ بأنَّ إيران تتدخّل في الشأن العراقيّ، وأعتقد أنَّ العراق ليس بهذا الضعف الذي يجعل إيران تتدخّل في شأنه، فما العراق ضعيفاً.

السؤال: أمّا العراق ضعيف ويُمكِن لدول الإقليم كلها أن تتدخّل، أو العراق ليس ضعيفاً، ولا أحد يتدخّل. أشمُّ رائحة تمييز بين تدخّل وآخر؟

 

الجعفريّ: لا.. التدخّل بشكل أو بآخر ليس علامة صِحّة، وما من بلد تُدُخِّل فيه إلا وكان فيه استعداد للتدخّل، وفيه ضعف في داخله، وداخل أبنائه بخاصة السياسيين. لا يُوجَد دولة تتدخّل في شؤون دولة أخرى ما لم يكن هناك ضعف في تلك الدولة.

أن ننتظر تلك الدول بألّا تتدخّل فهذا دعاء لا يُستجاب، وحلم لا يتحقّق.

عندما نجعل العراق قويّاً سيكون بمأمن من تدخُّل الآخرين مهما كانت النوايا.

رُبَّما هناك عوامل تتداخل كالاستثمار فتركيا لديها استثمار، وإيران، ودول الخليج. العراق بلد يستهلك الكثير من المنتوجات السعودية، وكذا المنتوجات الإيرانية، كما أنَّ العوامل الاقتصادية تتداخل مع العوامل الأمنية.

نحن نُريد لهذه العلاقات أن تزدهر، وتتقدَّم مادامت تحقق مصلحة مُتبادَلة بيننا وبين دول الجوار الجغرافيّ، وحين تكون السوق ناشطة بيننا وبينهم تخضع الناحية الأمنية لذلك.

أثيرت ضجَّة أنَّ البصرة يُمنَع أن يتكلّم فيها أحد باللغة العربية كلّهم يتحدّثون بالفارسية. أعتقد أنَّ تجنٍّ على العراقيين، وعلى البطولة العراقية، والشهامة العراقية، والقِيَم العراقية، والمبادئ الإسلامية التي تحكم العقل والقلب العراقيّ.

أن نُتهَم بالضعف فهذا شيء وهميّ.

مفهوم التدخّل بالمعنى الذي يستفرغ الإرادة العراقية الوطنية من إرادتها فهذا غير مقبول.

 

-   ملفُّ السوري.. التصريح الأخير لحسن نصر الله: نحن باقون في سورية، وحزب الله باقٍ في سورية، وهناك كلام كثير مُوثّق بوجود مقاتلين عراقيين يقاتلون داخل سورية، وتدخّلات إيران، وموقف الدول من موقف الحكومة العراقية بأنها دعمت نظام بشار الأسد؛ هذا يُؤدِّي إلى تُشكيل محور شيعيّ، ويُثير المخاوف من تشكيل محور سُنّيّ في المقابل.

أليس معناه أنَّ شيعة العراق دخلوا في اللعبة الطائفية، وساعدوا على إثارتها؟

 

الجعفريّ: أنا أفرِّق بين موقف العراق وموقف العراقيين. العراق كحكومة لم يتدخّل في الملفِّ السوريِّ، ولا أعتقد أنَّ هناك مُبرِّراً للتدخّل في الموقف السوريّ كجيش، أو قوى أمن وما شاكل ذلك.

لو أرادت الحكومة العراقية أن تتخذ هكذا قرار لابدَّ أن يمرَّ من خلال البرلمان، ولكن لا الحكومة، ولا البرلمان مضيا بهذا الطريق، وواجها هذا الملفّ.

أمَّا أنَّ هناك عراقيين ذهبوا، فنعم.. والحكومة قد تكون غير قادرة على منعهم، أو إنها لا تقتنع. عراقيون يُريدون أن يذهبوا خصوصاً أنه ليس سِرّاً على أحد أنَّ المسلحين في سورية قاموا بقتل العراقيين المُقيمين في سورية، وتعذيبهم على خلفيات عراقية، أو شيعية، أو غيرهما، وقد وصلت رائحتها إلى عنان السماء.

أنا شخصياً لا أعرف هذه الأسماء التي ذهبت، وهذا ليس موقف البرلمان العراقيِّ، أو الحكومة العراقية، إنما موقف مواطنين يُحدِّدون تكليفهم، ويرون أنفسهم بهذه الحالة.

لماذا نستغرب لعراقيّ يذهب كردّة فعل، بينما نجد بعض الأحيان حكومات تساهم في هذه الحالة؟َ أمّا قضية المحور الشيعيّ، فلنفرِّق بين المحور المذهبيّ السيّئ وردِّ الفعل الإعلاميِّ والسياسيِّ. ليس سِرّاً على أحد -للأسف الشديد- أنه قد ركب الموجة في سورية خطران كبيران، هما: الإرهاب، والطائفية.

كنا نُغنّي، وننشد، ونتمنى الموفقية لكلِّ المنطقة التي عمَّت فيها الصحوة، وانتقلت الصحوة إلى ثورة، والثورة قطفت ثمارها، وتحوَّلت إلى حكومات جديدة، لكن عندما وصلت إلى سورية كشَّر البعض عن أنيابه، وإذا بهتاف ضدَّ الشيعة بشكل عجيب ليس له سابق.

 

-         أشرتَ إلى المخاوف الطائفية. ما هي مخاوف شيعة العراق من الصراع الدائر في سورية؟

 

الجعفريّ: ما يحصل في سورية يهمُّنا كثيراً؛ لذات سورية كدولة جوار جغرافيّ تربطنا بها حقيقة جغرافية، وتربطنا بها حقيقة تاريخية من ضمنها الدين، وكذا المصالح المُشترَكة، وغيرها؛ إذن عندما تُقرَع طبول الحرب على دولة ستُثير الدول المُجاورة، والدليل على ذلك: عندما صعدت وتيرة الاضطرابات في سورية في شدّة الأزمة كانت وتيرة الأحداث في مناطق عراقية كثيرة قد تصاعدت؛ استجابةً لها.

ليس السؤال لماذا يتأثّر العراقيون لما يحصل في سورية، إنما لماذا لا يتأثر؟

 

-   إقامة فيدرالية في مناطق مُعيَّنة هل يُثير عندكم مخاوف من أن تندمج مع فيدرالية سورية، وتصبح فيدرالية عابرة للحدود؟

 

الجعفريّ: عندما تكون فيدرالية ذات طابع طائفيّ فهذا يُقلقنا، لا ينبغي أن تكون الفيدرالية بهذا الشكل.

الفيدرالية تطمئن الشعب ذا المُكوِّنات المختلفة.

كلمة فيدرال تعني باللغة الإنكليزية (trust) أي الثقة، فالمُجتمَع الذي كادت أن تضعف الثقة فيه بين المُكوِّنات يأتي نظام فيدراليّ ليُعطيها الثقة، أمّا إذا كانت الثقة مبنية على أسس طائفية، وتعبر الحدود فهذا معناه لا فيدرالية، بل كونفدرالية، بل أكثر من كونفدرالية.

 

-   لنعُد إلى الداخل.. قلتَ: نحن نعيش عاشوراء يخطر على البال سؤال: موقف حزب الدعوة السابق من الشعائر الحسينية، وهو موقف كان يدعو إلى التنوير، ونقد بعض الشعائر كالزنجيل، والتطبير حتى اللطم المُبرِّح، أو إيذاء الجسد، وأنتم الآن ساكتون؟

 

الجعفريّ: الدعوة عندما تتحرَّك تتبنّى نظرية إسلامية فيها بُعد سياسيّ، فهي ليست حركة سياسية فيها بُعد إسلاميّ إنما حركة إسلامية، وفي الوقت نفسه فيها أهداف اجتماعية تسعى إلى تحقيقها.

في نهاية الستينيات وتحديداً السابعة والستين، وبداية الثامنة والستين كانت مواسم مُحرَّم تشهد مواكب الطلبة، ومواكب الجامعة كانت يأتي آلاف الطلاب من الجامعات المُختلِفة من بغداد، ومن الموصل، وأنا كنتُ في الموصل، وكذلك من البصرة، ومن مُختلِف جامعات العراق، ويُحيون الشعائر، والشعائر كانت على شكل طلاب، والسيِّد محسن الحكيم يكتب كلمة، ويُلقيها باسمه السيِّد مُحمَّد باقر الحكيم؛ إذن الدعوة مُنسجِمة مع مفاهيمها ومبادئها، والشعائر جزء من شخصية الأمّة.

لا أتصوَّر أمّة بلا شعائر، بل لا أتصوَّر إنساناً بلا مشاعر، لكن هذه المشاعر تختلف من أمّة إلى أخرى، ومن إنسان إلى إنسان حسب مستواه، ومحتواه الداخليّ، قال تعالى: ((ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ))  [الحج : 32].

 

-   ما رؤية حزب الدعوة، ورؤية تيار الإصلاح الآن بالتأكيد بما بدأ في المُجتمَع من تطرُّف وتصاعُد في تطبيق الشعائر؟

 

الجعفريّ: أنا أعطيك موقفاً مُعبِّراً عن فهمي للدعوة، ولكن لا يُعبِّر سياسياً، وما شاكل ذلك عن حزب الدعوة.

أمّا عن فهمي فإنَّ الشعائر تعبير عن أفكار، وإنَّ الأمّة بلا شعائر تموت، ولا تجد لها شيئاً؛ إذن لابدَّ من مزج الفكر بالعاطفة. كلُّ الفلاسفة ما تحوَّلوا إلى تيارات لا افلاطون، ولا أرسطو، ولا سقراط، لكن كلّ الرُسُل والأئمة تحوَّلوا إلى تيارات؛ لأنهم مزجوا الفكر بالعاطفة.

حين ينبض الشارع، الكبير والصغير، والمرأة والرجل، والشيخ والشابّ، ويتفاعلون مع الفكرة، وتعتمل الفكرة في عقلهم، والقِيَم في قلبهم تنبجس على شكل شعائر، وهذا رصيد رائع.

لا أرفض المُتطبِّرين؛ هؤلاء أولادي، هؤلاء يُصلّون، ويصومون، هؤلاء أناس مُحِبّون لأهل البيت، وليس من حقي حين أشخِّص ظاهرة مُعيَّنة، وأنقل رفضي الظاهرة إلى الذين يتحلّون بها.

أنا أنتقد الذين يُحوِّلون رأيهم، ويُخالِفون التطبير، ويفتحون معركة مع المُتطبِّرين.

يجب أن نتعامل معهم، هؤلاء أبناؤنا يفهمون تعبيرهم عن حُبِّهم للحسين، ثم إذا كنتَ تختلف معهم فهم أيضاً يختلفون معك في غير قضية.

لا معنى لأن نُحوِّلها إلى معركة، إنما نُوجِّه خطابنا.

 

 

-   كتقييم لمرحلة تكاد تنتهي. أنت رئيس التحالف الوطنيّ، والحكومة عند التحالف الوطنيّ صحيح أنها حكومة شراكة وطنية، لكن -بالنتيجة- النقد يُوجَّه إليها. لنأخذ جولة، ونحن نعيش هذه الأيام موسم أمطار أغرق الكثير من مُدُن بغداد إلى الآن. هذا يُثير التساؤل، ويُحمِّلكم المسؤولية؟

 

الجعفريّ: نحن من جانب نُريد المطر: ((وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيّاً)) [الأنبياء : 30]

إذ الأرض تشكو الجُدب، ونُريد هذا المطر بالفعل لتحسين البيئة، وتحسين الزرع، لكن في الوقت نفسه يُوجَد -للأسف الشديد- أنَّ مطرة واحدة تجعل الناس بهذه الحالة البائسة، هذا ضعف ينبغي تجاوزه.

بالنسبة إليّ أنا عضو برلمان، وجزء من الحكم، ولستُ جزءاً من الحكومة، فليس لديَّ مفصل تنفيذيّ أعمل فيه، لكني أوصل صوتي، وأوصل خطابي، وحين أقول: يُوجَد فساد لا أعني فاسداً بعينه لديّ عُقدة منه، إنما يجب أن أشير، وأقول كلمة الحق، ولو على رقبتي، ولا أتردَّد أبداً، أقول: يُوجَد فساد، ويجب أن يكون بالمقابل إصلاح.

 

-   كونك رئيس التحالف الوطنيّ نُحمِّلك مسؤولية، واسمح لي أن أعبِّر عن آراء كثيرة تصلني تطالب بأكثر من هذا الأداء، فالنزاهة، والسلطة، والحكومة للتحالف، وعندكم هيئة سياسية، ورئاسة تحالف وطنيّ، وتعلمون المسؤولية الجماهيرية عليكم.

الأمن مُختلّ، والمُواطِن لم يشبع من الخبز لأنَّ البطاقة التموينية تصل أجزاءً ومُتأخّرة، إضافة إلى ملفِّ الخدمات؟

 

الجعفريّ: وتُوجَد ملاحظات أخرى تساهم فيه كلُّ أطراف الحكومة، ولا يقع على جهة دون أخرى، ولا على السلطة التنفيذية دون السلطة التشريعية. الجميع يتحمّلون المسؤولية على حدٍّ سواء.

في خطاب لي في السلم الاجتماعيِّ قلتُ: نحن -العراقيين- نتحمّل جميعاً المسؤولية الفساد المُتفشّي، كلٌّ بحسب مسؤوليته، وبحسب حجمه.

التحالف الوطنيّ فيه كتل مختلفة، وحدة التحالف الوطنيّ كاسم وكمُحتويات لا يعني تُوجَد وحدة فهم واحدة تسود فيه، ولا يُوجَد غيرها. هذا خطأ.

التحالف الوطنيّ فيه أكثر من فهم، وفيه جهات مُتعدِّدة، وفي تصوُّري لو كان التحالف الوطنيّ بحالة غير الحالة الآن لكانت الحكومة أقوى، ولكان البرلمان أقوى، ولكانت الكثير من النتائج اختلفت، ولقطف الشعب العراقيّ ثمارها، ولكن -للأسف الشديد- التفاوت، والتناقض الموجودان انعكس على شكل مواقف، وهذا كان يُؤذي، ويُؤلِم.

أكثر من مرة أشرتُ من خلال خطابات أنَّ هذه الموازنة الضخمة الموجودة عند العراقيين مع نفوس اثنين وثلاثين مليون ونصف المليون نسمة وهو بهذا المستوى، لكنَّ لا يعدم أنَّ الحكومة أقدمت على خطوات مُعيَّنة، عملت بعض الأشياء، وهو لا يُبرِّر أيضاً أشياء أخرى.

نحن إلى الآن في هذا الوضع الأمنيِّ المُتدنّي، وهذا الوضع الخدميِّ المُتدنّي، والكثير مُنشغِلون في المُحاصَصات، التي وصلت إلى حدّ -والله يستحي الإنسان أن يذكره- شخص يتعيَّن في مُؤسَّسة مُعيَّنة، ويباشر، ويأتي شخص آخر قبله مُتمسِّك بالمقعد الذي يُريده، ويمنعه.

إذا لم يكن القانون موجوداً، ولا تُوجَد دولة فكيف تُحَلُّ هذه القضايا؟!

أنا أقول: مازلنا -للأسف- نعيش ظواهر فساد، والجميع يتحمَّلون مسؤوليته، ولا أحد يقول: أنا غير مسؤول، وأنتم -الإعلام- تتحمّلون مسؤولية، ومسؤولية غير قليلة.

 

 

-   ما كان ضرَّ التحالف لو أنه أمسك ملفَّ البطاقة التموينية، وقدَّم إلى كلِّ ناخبيه، وكلِّ العراقيين مُعالَجة للبطاقة التموينية، و75% من العراقيين يعتمدون عليها غذائياً، ما كان ضرَّ لو حلَّ المشكلة الأمنية، وما كان ضرَّ لو حلَّ مُشكِلة الفساد؟

 

الجعفريّ: هذه تعتمد -إلى حدّ كبير- على مدى كفاءة المفصل التنفيذيّ. في 2005 تسلّمنا المخازن فارغة فالنجف تستغيث، وتستغيث الموصل، وخلال فترة قصيرة فتحنا المخازن، وكان الدكتور عبد الباسط وزير تجارة العراق، وسلّمنا الحكومة الحالية مخازن مشحونة أقلّ الموادِّ فيها تكفي لأربعة أشهر.

حين يلتزم الوزير بسياسة الحكومة، ويُطبِّقها بجدّ يستطيع أن يتجاوز ذلك.

 

-   الكلام كان على الوزير السابق بأنه تمَّ تهريبه، وتمَّ إنقاذه من ملفِّ الفساد، أو من تُهَم الفساد، وهو الكلام عن مسؤولية الحكومة، وهل أنتم مسؤولون عن الحكومة.

 

الجعفريّ: لا أريد أن أمرَّ بهذه، وأضغط على ضميري، وأنا غير مُطّلِع على ملفِّ وزارة التجارة السابق، وعندي كذا ملفات، ما الذي أستطيع أن أعمله بهذا الجوِّ الذي تراه، ومع ذلك فأنا لم أجلس، وأسكت، وأنا هنا؛ لمُتابَعة بعض القضايا.

ليس من الصحيح، ورُبَّما نجني على بعض الناس دون أن نُدقّق الملفَّ بشكل صحيح، وهل كان هناك فساد، وإذا كان الفساد موجوداً فهل هو فساد في إدارة الملفات، أم هو فساد أخلاقيّ بسرقة الأموال، أم فساد فنيّ بالجهل بما يحصل، ثم يُوجَد موظفون، أو لا يُوجَد، ونحن إلى الآن نسمع بالفساد، ولم نجدهم على شاشات التلفزيون يُخرجون قسماً منها على شاشات التلفزيون، ويقولون فلان قدَّم إفادته؛ لأنَّه طرف بالفساد، أو شاهد على الفساد، حتى الذين يتحدَّثون يُراد لهم توجيه، وجّه سهام النقد بالحقّ إلى مَواطِن الخلل الحقيقية، وأشِر إليها.

بناء الدولة، وبناء المُؤسَّسات يحتاج في جملة ما يحتاج إلى نظرية بناء الدولة والمُؤسَّسات، ويحتاج إلى شخصيات قوية بدرجة كافية تُناضِل ليلاً ونهاراً؛ لتهزم الفساد، ويحلَّ محلّه الإصلاح.

 

 

-   أريد أن أنوِّه بأنَّ سُمعة الإسلام السياسيّ، واسمح لي أن أقول: إنَّ سمعة القياديِّ الشيعيِّ على المحكّ سواء كنتم قادة شيعة، أو قادة إسلام سياسيّ.. المُواطِن الإن جائع، وخائف، ولا تُوجَد خدمات؟

 

الجعفريّ: أعتقد أنَّ الملفات ذات الطابع التنفيذيّ يُفترَض أن تُوجَّه إلى المفاصل التنفيذية التي تتحمّل المسؤولية، ويُسمَع منهم، ويُنصَفوا بما لهم، وما عليهم دون خوف، أو حياء؛ وبهكذا قضايا علنيّة وبصراحة، لكن تعرف جيّداً يُوجَد من الثنائيات المُتباعِدة، بل من الازدواج في المواقف إذ تجد بعض الكتل تشارك في الحكومة ووزراؤها يشاركون في الحكومة، ويمارسون دور المُعارَضة؛ فهذا الفساد من أين يأتي، وبيد مَن هذه الوزارات الخدمية؟

كتلة برلمانية تنتقد الفساد، وهي تتصدّى لملفات الخدمات، وكتلة حكومية تأخذ حقائب مُتعدِّدة، وتُباشِر دورها في الحكومة، لكنها تُوجِّه النقد.

مَن المُنتقِد، ومَن المُنتقَد؟!

 

-   المُواطِن يعرف أنَّ المسؤولية تقع على عاتق السلطة التنفيذية، لكن أنتم في التحالف الوطنيّ، والحكومة لكم، والسؤال المُوجَّه: كم تتحمَّلون من المسؤولية؟

 

الجعفريّ: مَن هو التحالف الوطنيّ: هل هو خطاب التحالف الوطنيّ، أم مُؤسَّسة التحالف الوطنيّ، أم مواقف التحالف الوطنيّ. أياً منها تقصد؟

إذا كان الخطاب فقد حاول الخطاب في التحالف الوطنيِّ أن يبقى وطنياً، ولا يستغرق في القضايا الطائفية، ولا القضايا العنصرية، ولا الثارات، ولا غيرها.

خطاب يحافظ على إنسانيته، وعلى وطنيته.

أمّا المُكوِّنات في التحالف الوطنيِّ فمتضاربة، ومختلفة، ويحاول بعضها إضعاف البعض الآخر. ليس سِرّاً على أحد هناك قضايا مُعيَّنة تكون فيها ثنائيات، فتدخل بعض أطراف التحالف الوطنيِّ مع جهات مُعيَّنة، ويتقاطعون فيما بينهم في العلن تحت ضوء الشمس. لا يُوجَد سِرٌّ على أحد.

أمّا مواقف التحالف الوطنيّ فقد حقق بعض المواقف، منها وحدة السكانية الغالبية، وأداؤه في البرلمان مُتماسِك مع بعضه، ولا يتهشَّم، ولا يتشرذم.

استطاع التحالف الوطنيّ أن يفعل هذا الشيء عندما تعرَّضت الحكومة لمشاكل، ونحن نُؤيِّد النقود البنّاءة، وننتقد الحكومة، ونقول يُوجَد فساد في المُؤسَّسات، لكن هل هذا يدعو إلى أن نُسقِط حكومة، وندع العراق يذهب إلى فراغ.

هل يُوجَد دولة في العالم تتصرّف بهذه الطريقة؟

لا.. نحن أصبحنا الآن في سياقات ديمقراطية، وأمام الشعب الذي اختار. في الجمعة الأولى عندما أصبحت ظاهرة التظاهرات قلتُ بصريح العبارة: أنا مع الشعب، وأسمع هتاف الشعب في ساحة التحرير يقول: نُريد إصلاح النظام، ونُريد تغيير النظام، وأنا معهم، لكن لم أسمع أحداً يقول: نُريد تغيير النظام، ولو أنَّ الشعب يقول: نُريد تغيير النظام لوقفتُ مع الشعب.

أنا مع شعبي، وأعتقد أنَّ كلَّ إخواني الوطنيين في هذا الاتجاه.

والتحالف الوطنيّ كمواقف ساهم على الرغم من أنه لم يتحوَّل إلى مُؤسَّسة؛ لأنَّ أطرافه ترتبط بأجنداتها الخاصة، والتزاماتها الخاصة، وتوافقاتها الثنائية والثلاثية خارج التحالف، لكننا ليس على قاعدة: (إمّا الكلّ، وإمّا لا).

ما نستطيع أن نُحقّقه حققناه بالمواقف الحرجة، واستطعنا أن نُمسِك التحالف الوطنيَّ بالتوافقات بيننا وبين القوى الوطنية المُختلِفة، وفي البرلمان استطعنا أن نُحقّق موقفاً وطنياً واحداً صبَّ في صالح الجميع مع الإخوة الكرد، ومع العراقية.

 

-   أناقشك كإعلاميّ وكمُواطِن أنا أنتظر من بعض قادة التحالف موقفاً أكثر تحديداً، وقوة ثورية على الفساد، أنتظر قيادياً، أو اثنين، أو ثلاثة يكون لهم موقف أكثر وضوحاً، ويُعلِنون تمرُّدهم على الفساد، والجميع شركاء فيه، مثلما يقول الجميع شركاء واحد يُغطّي على الآخر.

يعلنون ثورة، وانقلاباً على التماهل بالبطاقة التموينية. أنتم تعرفون أنَّ مجلس النواب لم يُقدِّم حساباته الختامية. وهذا موضوع خطير، وكيف لمجلس النواب أن يطالب الحكومة أن تُقدِّم حساباتها الختامية، والمجلس لم يُقدِّمها إلى الآن.

مجلس النواب لم يُصدِر قانون الأحزاب، والجميع يقول: لأنَّ موضوع تمويل الأحزاب مخفيّ، وغيرها الكثير.

 

الجعفريّ: لا تُجرِّد البرلمان كلَّه، وكلَّ أعضائه من المواقف الوطنية المُتميِّزة، يُوجَد فيهم مجموعة من الشخصيات يقفون مواقف مُشرِّفة، ويصدحون بصوتهم، ويتعففون عن الكثير من الأشياء، وهذا موجود، نعم.. يُوجَد أيضاً إلى جانب هذا الصفِّ صفٌّ آخر يُفكّر بمصالحه، وغائب عمّا يجري في العراق، ولا يجرؤ أن يتكلّم.

لننتقل من الآنيات التكتيكية إلى الاستراتيجيات. من أين جاء البرلمان؟

جاء بانتخاب، وجاء من الشعب.

هذا سببه النظام الانتخابيّ البائس الذي خطّط له المُخطّطون، وقطفوا ثماره، فجاء بمن يحصل على مائة أو مائتي صوت، وأبعد مَن يحصل على سبعة آلاف، أو ثمانية آلاف، أو عشرة آلاف، والذي يحصل على المائة والمائتي صوت يصل إلى البرلمان، ويكون مُخَّ الدولة بالتفكير، والتشريع، وضمير الدولة في المراقبة والمحاسبة.

النتيجة تتبع أخسَّ المُقدّمات، وهكذا مُقدّمة بهكذا أنظمة انتخابية لا تتوقع أفضل من هذا، وأنا أعرف أنها خطّطت لها دوائر دولية، ووجَّهت الكلام إلى الأمم المتحدة في بيتي، وعدة مرات، وأنا أعرف أنَّ هنالك تزويراً حصل في الانتخابات، ساهمت فيه عدة دوائر.

الفساد كُليّ لا يتجزّأ، وحين نتكلّم عن الدولة غير ما نتكلّم عن شخص يسوق سيارة، فالذي يسوق السيارة سائق واحد يقود فإن كان كفوءاً يكون طريقه صحيحاً، وإن كان غير كفوء يصنع لك مشاكل، أمّا عندما تُريد أن تُدير دولة فيجب أن يكون هنالك جهاز، ودستور، وبرامج عمل، والجميع يجب أن تتضافر جهودكم.

من المسؤول عن ظاهرة الفساد، وثقافة الفساد التي تفشَّت في المُؤسَّسات؟

المسؤول عنها عوامل دولية، وبعض الدول الإقليمية حاولت أن تدسَّ أنفها في الداخل العراقيّ، وبعض المتلقين، وهم وكم ليس بقليل من العراقيين التقت مصالحهم بمصالح أولئك.

نحن بحاجة إلى ثورة، ولتكن ثورة صامتة سلمية؛ لأن ليس سياقاً طبيعياً أن تأتي، وتُعدِّلها دفعة واحدة، وقد أصبح حتى الذين يتكلّمون بالإصلاح خطابهم فاسداً، وبعضهم بطريقة محاربة الفساد يُريد أن يهدم البيت على ساكنيه.

 

 

-   لماذا تعجز الدولة بمُؤسَّساتها التشريعية، والرقابية، والتنفيذية عن الوقوف بوجه الفساد بخاصة المُؤسَّسة صاحبة المسؤولية المباشرة، وهي التحالف، التحالف يجب أن يُنقِذ سُمعته؟

 

الجعفريّ: التحالف له جذور قيمية، وفكرية، وأما بالتضحية فرائع جداً إذ إنَّ كلَّ كتلة من كُتَله لديها تاريخ من الشهداء.

أنا أقول ما لهم وما عليهم، يُوجَد خلل، وضربت به آفة الخلافات، والمُناكَدات، والتحالفات الجانبية على حساب خطِّ التحالف، وتاريخ التحالف، وحاضر التحالف، ومُستقبَل التحالف.

 

-         لِمَ لا نقول: إنَّ التحالف تورَّط بالفساد؟

 

الجعفريّ: أتحدّى مَن يأتي بموقف للتحالف كتحالف رسميّ مُتورِّط بالفساد، أمّا أطراف التحالف فإن كان هناك فساد فأنا أبدأ بهم.

 

-         أعني التحالف الذي ينحلُّ إلى مسؤولين تنفيذيين، ووزراء، وموظفين، وقادة؟

 

الجعفريّ: التحالف ليس مُؤسَّسة تنفيذية، ونحن بالكاد استطعنا أن نجمع هؤلاء سوية، وهم كذلك جهودهم معنا، ولست وحدي إنما تتضافر جهودنا جميعاً من أجل حفظ وحدة التحالف.

التحالف يعاني من مجموعة مشاكل، وتناقضات في داخله، وهي ليست أكثر من باقي التحالفات.

كلُّ تحالف تنظر إليه كمُركّب من الخارج تجده مُتماسِكاً، وعندما تقترب منه تجد أنَّ هناك آراءً مختلفة، ولم يكن لدينا شرذمة وتفتّت كالذي أصبح عند الآخرين. اللهم اشهد ليس انتقاماً، ولا تشفّياً بأحد.

أقول: نحن غير راضين عن هذا الشيء، وقلناها بصراحة، ونعرف أنَّ هناك مُحاصَصات، ونعرف أنها توزَّعت بطريقة لا تتناسب والكفاءة، ونعرف عندما يتمُّ تقديم مُرشَّح في وزارة مُعيَّنة ليس على أساس كفاءته، ومدى مطابقة هذه الكفاءة مع الموقع بقدر ما هو التمتع بالحصة، والحجم الموجود في المواقع.

متى كانت الحصة في البرلمان تُعبِّر عن الكفاءة، وقد يكون لدى الإنسان القدرة بالنفط، أو الكهرباء، أو التجارة، أو الصناعة، أو أيّ وزارة من الوزارات، وينتمي إلى كتلة ذات حجم صغير، ولم يتمَّ التعامُل معه، وهم عندما يتكلّمون يُعيدون نفس القضية، وعندما يتحاورون خلف الستار يتحاورون ليس على أساس البحث عن الأكفأ.

هذه الآفة أكلت الكثير من الأحزاب والحركات حتى في المحافظات، ولم يفكر أن يأتي بالكفوء، إن نجح فهو له، وإذا لم ينجح فذنبه عليه.

الأفضل أنَّ القوى الأكبر في كلِّ التحالفات بدون استثناء أن تبحث عن الكفوء، وتُعطيه فرصة، وتقول له: هذا برنامجك الوطنيّ، وليس برنامجك الشخصيّ، أو الحزبيّ، فإن نجح فالشعب سيشهد أنَّ هذه الكتلة التي جاءت به وطنية، وإن فشل يقول له: أنت لم تحقق الهدف الشعبيَّ والوطنيَّ، وعليك أن تتنحّى، ويأتي غيرك.

 

إلى الآن العقلية عقلية انتفاع، وهذه كلّها تتفرَّع منها العقود، والمواقع، وتقسيم الأشياء الأخرى.




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !