الجعفري: العراق كما هي بلدان العالم يمر بتحوّلات، وحين نؤرّخ للتحوّلات التي نحن بصددها الآن سنكون أمام تحوّلات نوعية، أولها كان في بداية الشهر الرابع عام 2003 حين سقطت الدكتاتورية غير أنه لظروف استثنائية ولحماقات النظام السابق حين تسبّب بسلسلة حروب، وكانت واحدة من مشاكله أن العراق تعرّض للاحتلال، وكان على القوى السياسية أن تفي لمبادئها وقيمها وإرادة شعبها، وبدأت رحلة جديدة لتصنع تحوّلاً نوعياً ثانياً، وهو خروج القوات الأجنبية من العراق.
في هذه الأيام نحن أمام ولادة جديدة، وهي خروج القوات الأجنبية من العراق، وهي في تقديري عيد وطني يخاطب هذا الجيل والأجيال اللاحقة، ويُفترَض أن تتضافر كل القوى السياسية في الحكومة وحتى خارج الحكومة لاستثمار هذه المناسبة، وتصنع العراق الجديد.
هذه التحوّلات النوعية هي التي ترسم استراتيجية البلد، وتنتقل به من عصر الدكتاتورية إلى عصر بداية الديمقراطية، وفي خضم الديمقراطيات تنتقل إلى حالة الاستقلال والسيادة.
- الاحتلال والاجتياح العسكري الأميركي.. هل كان مطروحاً على المعارضة أم أجبروا المعارضة عليه؟
الجعفري: يمكن أن أقسّم القوى السياسية العراقية إزاء موقفها من الاحتلال ودخول القوات الأجنبية في العراق على ثلاثة أقسام: قسم كانت مؤمنة بضرورة التدخّل، وتعتقد - بعد أن انقطعت السبل بأنه لامناص إلا من الاعتماد على القوى الدولية والخارجية لإعانة الشعب العراقي من دون أن نسمّي تلك القوى، وقسم ثان ٍلا يؤمن بهذا، لكنه يرحّب بالاحتلال إذا حصل أي لا يصنع هذه القضية، ولا يطلب من القوى الأجنبية التدخّل، لكنه يرحّب بها، وقسم ثالث وهو (حزب الدعوة الإسلامية) الذي كنتُ أمثله كنا لا نرضى بذلك، ونرفضه، وقد قاطعنا المؤتمرات التي عُقِدت في هذا السياق (مؤتمر لندن في 2002، ومؤتمر صلاح الدين، ومؤتمر الناصرية، ومؤتمر بغداد)، وكنا نطرح البديل.
لا يشك أحد في سيل الشهداء الذي قدّمه الحزب، ومن اتـُهـِم باسم الحزب، واستشهد باسم الحزب، فكان لابد للحزب أن يأخذ دوره في التغيير، ونحن رُوّاد التغيير.
نحن نعتقد أن الحرب تعرّض البلد إلى دمار، وقد يعقب الحرب احتلال، وهذا الذي حصل؛ فكنا نرفض حين سُئِلنا عن البديل، وقلنا: إن البديل هو أن يقوم الشعب بهذه العملية، وأنتم كقوى دولية أغلقوا سفارات النظام المقبور في عواصمكم، وأغلقوا سفاراتكم في بغداد، وساعدوا الشعب العراقي بتحويل صدام إلى مجرم حرب والزمرة التي من حوله التي ورّطت العراق بهذه المشاكل، وحوّلوا الأموال والثروة العراقية إلى الشعب العراقي عبر القوى الوطنية الحقيقية حتى بالتنسيق مع منظمات الأمم المتحدة.. هذا هو الطريق الطبيعي الذي يُسقِط النظام، ويساهم في ولادة وطنية بديلة.
- بعد مرحلة التغيير جاءت مرحلة بناء سياسة جديدة للعراق، وهذه السياسة والتجربة الديمقراطية الوليدة رافقتها تداعيات.. ما أبرز هذه التداعيات؟
الجعفري: تداعيات كثيرة أولها: إننا لأول مرة نسمع أن هذا سني أو شيعي، عربي أو كردي أو تركماني، مسلم أو غير مسلم.. فقد كنا في المعارضة نتعامل على الأساس الوطني العراقي بغضّ النظر عن كل الاعتبارات، غرست هذه البذرة في المرحلة الأولى في مجلس الحكم حين قاموا يسألون، ونحن نستغرب لهذه الأسئلة.
لم نكن لنعتاد على هذه المصطلحات في الوقت الذي يتشرّف كل واحد منا بانتمائه للمذهب كحقيقة فكرية، وانتسابه الطائفي كحقيقة مجتمعية من دون أن تتحوّل الانتسابات الطائفية إلى نعرة طائفية، وتعصّب طائفي.
- من صاحب هذه الفكرة؟
الجعفري: والله لم يجرؤ أحد أن يصدح بصوته، ويقول: أنا صاحب هذه الفكرة، لكني أظن أنها كانت صدى لصوت خفي من خارج الحدود (الإقليمي والدولي)؛ لذا أنا أسجّل هذه الإدانة لمن أطلق هذا الصوت، وسمح لنفسه أن يكون صدى لهذا الصوت.. على كل حال كان علينا أن نواجه هذه التداعيات، ونضع لها معادلاً إصلاحياً.
كنا نركز على أن الوحدة الوطنية فوق كل شيء، وإن السنة والشيعة هم أبناء بلد واحد وأبناء دين واحد، وكلما أتيحت أمامنا فرصة المبادرات نـُجلي الوجه المُشرق والوحدة الوطنية بين السنة والشيعة، مسلمين وغير مسلمين، من قوميات متعددة.
وكردود أفعال حين تحصل مشاكل؛ ولسد الطريق أمام الأيدي المشبوهة التي تحاول أن تسعّر نيران التفرقة، وتوجّج الطائفية كنا نضع معادلات إصلاحية، كالذي حصل في جسر الأئمة حين استثمرنا اسم الشهيد (عثمان علي العبيدي)؛ لإخماد نار كان ممكناً أن تـُؤجَّج، وتحرق البلد؛ فاستثمرنا هذا الاسم المبارك، وكيف كان تجسيد رائعاً لعنوان الوحدة الوطنية العراقية حين أنقذ ستة من الغرقى في نهر دجلة.
- هل استطاع السياسي العراقي في هذه الفترة تمزيق العباءة الطائفية، أم لاتزال؟
الجعفري: هناك محاولات لتحريك العناصر الطائفية حتى اليوم، وستأخذ وقتاً طويلاً إلى أن تختفي، لكن في المقابل هناك إرادة وطنية، وثقافة وطنية، وإرادة شعبية رائعة، وواقع متجذر في التعاطي بين أبناء المذاهب، فلا توجد مدينة من مدن العراق ليس فيها سنة وشيعة بدءاً من البصرة حيث الكثرة من الشيعة وقلة من السنة، وتنتهي إلى الموصل حيث الكثرة الكاثرة من السنة والقلة من الشيعة، وما بين المدينتين نسب ترتفع وتنخفض.. هذا واقع اجتماعي ضغط على الخطاب، وضغط على القوى، وعلى الإرادة الدولية والأجنبية والإقليمية، وغذى الوطنيين المخلصين من القادة السياسيين بثقافة هذا الواقع، نعم.. يوجد حتى الآن مجموعة من الشخصيات - للأسف الشديد- يستعر في صدورهم الصوت الطائفي، لكنه يختنق، ولا يجد فضاءً يستلهم ويأخذ هذا الصوت.
- يعرف المواطن العراقي وحتى رجال الصحافة والسياسة أن السيد الجعفري حامل لواء الإصلاح وبالقدر الذي يراه مدعاة للتغيير ألا يتطلب هذا الأمر إنشاء أو بناء مدرسة تعنى بالإصلاح؟
الجعفري: حين تتعرض البلدان إلى تداعيات كالتي تعرّض لها العراق وكان إحداها هو النعرة الطائفية، وتصعيد لغة الطائفية، والمحاصصة، والنعرة العنصرية القومية، وإشاعة الفساد، هذا المركّب كله نصطلح عليه (الفساد الأمني)؛ لأنه يأخذ صفة الإرهاب، وبالمال ويأخذ صفة (الفساد المالي)، وبالتعيينات، ويأخذ صفة (الفساد الإداري) وبالمحاصصة وهو (الفساد السياسي)، وبتزوير الشهادات وهو (الفساد العلمي).. فيكون المعادل الطبيعي لظاهرة الفساد هو الإصلاح..
مثلما يوجد عندنا فاسد فمقابله صالح، لكن الصالح والفاسد مصنوعان، أما إذا تحوّل من مصنوع إلى صانع سيتحول الفاسد إلى مُفسِد يصنع الفساد، وفي المقابل يتحوّل الصالح إلى صانع من صالح بالذات إلى مُصلح، والله (تبارك وتعالى) يريد من الإنسان أن يكون مُصلِحاً:
((وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ)) [هود: 117]؛ لأجل هؤلاء ولمكانتهم يرفع العذابات التي قد تنزل في قرية؛ لكن لوجود مجموعة من المصلحين يؤجل هذا: ((وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ)) [هود: 117].
اقترنت حركات الإصلاح في التاريخ بردة فعل طبيعية مع انتشار ظواهر الفساد هكذا كانت دول العالم على موعد مع ظهور المصلحين حين يستبد الفساد، وينتشر.
لو رجعنا الى ما قبل السيد المسيح (عليه السلام) منذ 600 قبل ميلاد إلى 480 خلال 120 سنة ظهر زرادشت، وبوذا، وفيثاغوا، وكونفوشيوس، والشيوعية الثانية خلال 120 سنة بين 600 إلى 480 قبل الميلاد ظهر هؤلاء، ولم يلتقوا، لكن التقت أفكارهم، وشكّلوا معادلاً إصلاحياً بتعليماتهم، وهم اليوم على الرغم من أن كونفوشيوس ضاقت به الصين بما رحبت إلا أنه اليوم يشكل حوالى خـُمس العالم (كونفوشيوسية كورية، وكونفوشيوسية صينية، وكونفوشيوسية يابانية).. صاموئيل هنتغتون في كتابه (صِدام الحضارات) يخشى على الليبرالية الأميركية بعد سقوط الاتحاد السوفيتي وانتهاء الحرب الباردة بقوله: الليبرالية الأميركية ستواجه تحدياً وحرباً من قبل الكونفوشيوسية والإسلام.
الشعوب تتلقف فكر الإصلاح دائماً؛ لأنه ينسجم مع الفطرة، وتؤكد عليه ديانات السماء، وما غاب الفكر الإصلاحي عن البشر كمعادل للفكر الفاسد، والإفساد الذي يحاول أن يعبث بغض النظر عن ملاحظاتنا على هذه المذاهب الإصلاحية وعلى رجالها.. رُوّاد الإصلاح في أوروبا في القرون (الرابع عشر، والخامس عشر، والسادس عشر) ظهروا في ألمانيا وبريطانيا وفرنسا وفي الشرق الإسلامي ظهر عبد الرحمن الكواكبي وجمال الدين الأفغاني ومحمد عبده وكثير من الرجالات هؤلاء ظهروا حين بدأت ملامح الفساد، وشكلت تحدّياً حقيقياً.. ظهروا ليكون بالضد من الفساد.
يجب أن نفكر كيف نواجه الفساد، ولا يكفي أن نرفض الفساد، ونلعنه.. لابد أن نشكل معادلاً إصلاحياً..
الفساد كلي لا يتجزأ يبدأ من الذات، وينعكس على الأسرة، ويمتد إلى المجتمع، وينتهي إلى البنية الفوقية في المؤسسات والسياسات، وحين ينطلق الفساد لابد أن ينطلق الإصلاح، ونمتد مع امتداده؛ حتى نحدّ، ونمنع استحكامه.
أعتقد أن ثقافة الإصلاح ثقافة متسعة لا تـُختزَل بشخص، ولا تـُختزَل بحزب ولا بحركة ولا بتيار إنما هي تربية وقيم وأخلاق وبنيويات، وبمقدار ما يوجد تحدٍّ من ظواهر الفساد يوجد تعبئة إصلاحية.
لابد من معالجة ظواهر الفساد المختلفة بطرح ثقافة الإصلاح وإرادة الإصلاح.
- متى يلجأ النظام السياسي العراقي إلى تطبيق الشرائع السماوية خصوصاً أن أغلب الأحزاب التي وصلت إلى سدة الحكم هي أحزاب إسلامية؟
الجعفري: الأحكام السماوية تأتي مرة بصيغها الدينية الإسلامية على وجه الخصوص، وتطالب بتطبيق الأحكام والحدود وما شاكل ذلك، ومرة أخرى تأتي في قوالب مرنة؛ لذا تنقسم الأحكام في الأصول الفقهية على أحكام إلزامية؛ لأنها (واجبة، أو محرّمة)، وهنالك أحكام مرنة (المستحب، والمكروه، والمباح)؛ وبالأحكام المرنة نستطيع أن نتحرك بفضاء واسع، ونستشرف المستقبل، ونتحرك فيها.. أحكام الشريعة تنسجم مع الفطرة حتى الذين هم غير متدينين حين تـُطبَّق الأحكام بطريقة مؤنسنة لا يجدون في ذلك حرجاً.
دُعاة حقوق الإنسان ولنأخذ (مارتن يوثرثنك) الأسود الأميركي الذي قـُتِل في عام 1968 كانت دعوته تنسجم مع الإسلام، وكذا الـ(مهاتما غاندي) الذي قـُتِل كان يدعو إلى تحرير الهند، وكان يدعو إلى الإصلاحية ودعوته تنسجم مع أحكام الإسلام ومع الفطرة الإنسانية؛ إذن نحن نلتقي مع الآخرين، ولا نطرح الإسلام طرحاً متزمتاً يُقصي الآخر، ويُشعره بأنه أمام دولة ثيوقراطية وإقصائية سواء كان مِن الديانات الأخرى أو كان ليبرالياً أو غيرهما إنما يجب أن نعمد إلى تطبيق هذه الأحكام بطريقة إنسانية تلتزم بثوابت الإسلام، ولا تنتهك حرمته، وتستثمر الأحكام المرنة، وتواكب الزمن، وترعى حقوق الإنسان.
يختزن الإسلام الكثير من القيم والمبادئ التي تجعل دائرة التلقـّي غير محصورة بالمسلمين إنما حتى مع غير المسلمين؛ لذا عاش غير المسلمين ربيعهم في حاضرة الإسلام حين بنى رسول الله (ص) في المدينة المنورة حاضرة الإسلام كان اليهود من بني قينقاع وبني النظير يصولون، ويجولون، وحين أقام الإمام علي (عليه سلام الله) دولة الإسلام كانت عاصمته الكوفة، وكان النصارى يصولون، ويجولون، ولم يختنق منهم أحد.. جيء للإمام علي (عليه السلام) بخبر أن امرأة من تكريت كانت من أهل الكتاب سُلِب معضدها من يدها، فتألـّم عليها كثيراً، وقالوا له إنها كتابية، فقال: (ولو أن امرئاً مات على ذلك كمداً ما كان عندنا ملوماً).
يقول الله (تعالى): ((وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ)) [الإسراء:70]
في هذه الآية تكريم لجنس بني آدم، فلا توجد مكانة للإنسان بهذه الكرامة كما هي في الإسلام؛ لذا يجب أن يتقدم الإسلام على المتلقي من المسلمين وغير المسلمين بعمقه الإنساني وبحضارته الإنسانية وبحقوقه الإنسانية.. الإسلام لا يسمح بهدر كرامة أحد من موقع الاختلاف الديني، أو الاختلاف القومي، أو الاختلاف المذهبي.
- بالنسبة إلى المؤسسات الحكومية.. يقول الشارع العراقي متسائلاً: هناك تناقض كبير بين مفاهيم الأحزاب وبين التعامل الحقيقي فأغلب الأحزاب الإسلامية وصلت إلى سدة الحكم، واستشرى الفساد في المؤسسات الحكومية ولايزال الفساد مستشرياً.. كيف نفهم هذه المعادلة؟
الجعفري: دعنا نميّز بين مفهومين في هذه المرحلة من الحديث:
هل التفاوت بين النظرية والتطبيق يُعتبَر تناقضاً؟
لا يُعتبَر تناقضاً، فأن تكون النظرية بمستوى والتطبيق بمستوى أقل فهذا ليس تناقضاً إذا كان باتجاه واحد، حين تـُطرَح نظرية استلهمت من القرآن الكريم، وينظر إليها أحد على أن تطبيقاتها ليس بمستوى ما يُدَّعى في الخطاب فهذا التفاوت ليس تناقضاً.
سُئِلت السيدة عائشة عن أخلاق رسول الله (ص) قالت: كان خلقه القرآن.
هذا محمد بن عبد الله (ص) يقول شيئاً، ويطبّقة 100%، أما الناس العاديون فليسوا كذلك، فهم حين يتحدثون بالقرآن على مستوى النظرية يتفاوتون على مستوى التطبيق، يقول الله تعالى شأنه:
أن تقولوا ما لا تفعلون غير أن تقولوا أعلى مما تفعلون، هذا هو الفرق بين النظرية والتطبيق، وهو طبيعي، أما أن تقولوا ما لا تفعلون بأن تقولوا باتجاه اليسار، وتسلكوا باتجاه اليمين، وتتحدثون بالعدالة، وتصرون على الظلم، تتحدثون بالأمانة، وتصرون على الخيانة، وتتحدثون بالإصلاح، وتصرون على الفساد.. هذا الاتجاه المعاكس تناقض.
أما الخطاب فنحن لدينا خطاب، ويوجد لدينا سلوك مناقض، وليس متفاوتاً بالدرجة، وهذا هو الذي مقته الله (تعالى).
لا أحد يُعفي أي حزب أو أي حركة من هذه الحالة بما فيها الأحزاب والحركات الإسلامية لكن لا يحكم عليها بفعل شخص أو شخصين أو ثلاثة إنما من خلال الحركة الإجمالية.. بعض من كانوا حول النبي (ص) لم يتعافوا من هذا التناقض: ((وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ)) [البقرة : 204]
وليس لنا أن نعمّم دائرة الخيانة على مُجمَل المتحركين في زمن رسول الله (ص)؛ إذن الحركات قد ينتابها بعض الشخصيات ممن ليسوا بمستوى الخطاب، ويناقضون الخطاب، ويغتالون الخطاب من الناحية السلوكية، لكن ليس من الإنصاف أن نحكم على هذه الحركة أو هذا الحزب أو هذا التجمّع بالخيانة؛ لأن فرداً فيهم قد خان، وإذا جاز لنا أن نحكم على كل كيان أو حركة من خلال شخص ما فعلينا أن نحكم من خلال أحسن الأشخاص، على سبيل المثال: إذا أردنا أن نحكم على الإخوان المسلمين نأخذ الشهيد حسن البنا وسيد قطب، ولا يجوز أن نأخذ واحداً حُسِب على الإخوان، ثم انحرف عن الطريق.
هذا الاشرف خونيص هذا كان يتحدث باسلوب رائع جدا ويظهر ولائة وحبة لرسول الله يارسول الله انا احبك انا اؤمن بمبادئك والله على ما اقول شهيد على ما في قلبي يشهد الله على مافي قلبي وليس فقط خصم هو الذ الخصام اذا تولى سعى في الارض ليفسد فيها هذا كان في زمن رسول الله (ص) لنا ان نقول ان صحابيا ما انسان عايش الرسول كان وليس لنا ان نعمم دائرة الخيانة
- الفكر والسياسة أو الدين والسياسة جدل يحمل إشكالية متفاقمة.. هل من تنوير في هذا الشأن؟
الجعفري: جدلية العلاقة بين الفكر وبين السياسة بشقها التطبيقي سلوك وعمل، وبشقها التنظيري فالفكر يغذي السياسة، ويتغذى بالسياسة.. التجربة السياسية تصنع فكراً، والفكر يصنع سياسة، ولا نستطيع أن نفصل بين رجل الفكر وبين رجل السياسة.
لا أتصور سياسياً ليس له رصيد من الفكر، قد أعذر من يتمتع بمستوى فكري عال ٍ،ويتجنب السياسة، وإن كنت لا أؤيد ذلك، لكن أستطيع أن أتصوره.. لا يمكن أن أتصور إنساناً يريد أن يعمل بالسياسة، ويرعى شعبه، ويدير دولة ومؤسسات بطريقة غير دكتاتورية وغير استبداية وليس له رصيد من الفكر..
خير من ينظـّر هو من يطبّق، وخير من يطبّق من له قدرة تنظيرية؛ إذن جدلية العلاقة بين التطبيق والتنظير قائمة فالتنظير يمنح الإنسان الذي يتولى قيادة التجربة قدرة وخيارات متعددة في التطبيق، والتطبيق تمنحه قدرة على التفكير، ويمنحه قدرة على استنباط وانتزاع أفكار ومفاهيم جديدة، وأروع مثال لهذه الحالة هو الإمام علي (عليه السلام): (قال العقل عقلان عقل الطبع وعقل التجربة)، أو في قول آخر له: (التجربة عقل ثان ٍ)
إذن التجربة ليست فقط في مجال التطبيق إنما في مجال استنباط الأفكار.. نحن لا نفصل في الإسلام بين رجل النظرية وبين رجل التطبيق..
حاولت المنظومة الماركسية من خلال هيجل ولينين وستالين رجال التطبيق هم حاولوا بالقوة يطبقون على الاسلام ان كان محمد (ص) رجل النظرية وكان الامام علي علية السلام رجل التطبيق هذه خرافة ماهو تعريف السنة قول المعصوم او فعلة او تقريرة القول قولة وفكر وفعلة فعل وتقريرة مضاف الى فعل الاخرين اذا لايوجد عندنا رجل النظرية ورجل التطبيق ({لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب : 21]
لقد كان لكن كان في الماضي المستمر الى الان والى المستقبل
لا يوجد عندنا رجل نظرية، ورجل تطبيق أو بالعكس.. إننا نحاول أن نحشّد للعملية السياسية شخصيات لها قدرة ولو بالحد المطلوب من الفكر كما أننا نقرأ الخطاب ونقرأ الفكر ومن له حظ من التطبيق نأنس به، ويكون فكراً عملياً لا خيالاً كجمهورية أفلاطون..
تجربتنا في العراق كشفت النقاب عن ذلك، وولدت فكراً جديداً ومميزاً، في الوقت الذي سقطت الدكتاتورية انتاب العملية لبس من الخارج، ووجود الأجنبي على الأرض هو من استحقاقات النظام السابق، وفصائل القوى السياسية العراقية وجدت نفسها أمام تنظيرات وتطبيقات بعد أن سقطت الدكتاتورية، كيف تسقط الاحتلال، وتنهي وجوده، وهذا قد يكون غير متوافر من الناحية التنظيرية في الأكاديميات، لكننا حين نؤرّخ، فقد أصبح الأمران واقعاً، وهذا جاء من فكر وُلِد من رحم التجربة، وإذا جاءت التجربة بجديد سنكون على موعد مع فكر جديد.
- للسيد الجعفري نظرة خاصة للآخر، وهذه النظرة ليست بمعزل عن التوجه العقائدي والخزين الفكري للرسالة لماذا تقابل هذه النظرة باستقبال متعدد الوجوه؟
الجعفري: الآخر بالنسبة لي جزء من حياتي، وأعتقد أنه إذا انعدم الآخر من حياتي انعدمت قدرتي على الإبداع وانتهى التجلـّي الإنساني في شخصيتي.. مالم يتواجد الآخر لا أستطيع أن أعبّر عن فهمي وعن إنسانيتي..
إنسانيتي تكمن في الدعوة إلى الآخر.. الآخر موجود في الحياة يومياً، ويعيش معنا، والآخر الأقرب هو الزوجة، وحين تتفرع من العلاقة الزوجية (الأولاد) تتسع شيئاً فشيئاً، وتمتد إلى الآخر في الكيان الذي تنتمي إليه في المجتمعية التي تنتمي إليها إلى أن يصل إلى الحد الآخر في السياسة والفكر.
أنا لست مسؤولاً عن صناعة الآخر، لكني مسؤول عن صناعة النظرية التي تجعلني أتعامل مع الآخر، ويجب أن نتعامل معه..
كيف نتعامل مع الآخر (المذهبي، القومي، الديني، القبلي)؟
أستطيع أن أقسّم المساحة بيني وبين الآخر على جزءين (المتفـَق والمختلـَف) أنا لا أدعو كما أسمع في بعض الأحيان كبار المفكرين المعاصرين إلى تصفير المشاكل إنما أعتقد أن عالم تصفير المشاكل عالم خيالي، أنا أدعو إلى عالم تحريك المتفـَق وتجميد المختلـَف، فمثلاً لو أثيرت خمس نقاط بيني وبين الآخر، وقد نتفق على ثلاث، ونختلف على مشكلتين علينا أن نجمّد الاثنتين من مركّب الخمسة، ونحرّك الثلاث؛ فنبدأ، ونتعرف بعضنا إلى البعض الآخر من خلال عناصر الاتفاق، ونتحرك على مساحة الاتفاق، بعد ذلك نأتي إلى مساحة الاختلاف من موقع الصدقية، وتجسيد المتفق قبل أن نبدأ في المختلف عليه.
أنا أؤمن بهذه النظرية، وأطبّقها حين أتعامل مع الآخرين.
لا أستحي من أن أقول بصراحة: إني أختلف مع الجهة الفلانية أو مع الشخصية الفلانية أو مع دولة الفلانية، لكن في الوقت نفسه عندي وعي الاختلاف، ووعي الاتفاق، وعندي إرادة إثبات الهوية في مقابل من يريد أن يلغي هويتي، وعندي إرادة التحرك عليه بنقطة مشتركة بيني وبينه، وتجسيد المتفق بإرادة مشتركة بيني وبينه من دون أن أتنازل أو يتنازل، ثم بعد ذلك نذهب إلى أكثر من ذلك.
أعتقد أن الآخر موجود في داخل كل واحد منا، وإذا كان الآخر في الماضي وأصبح واقعاً اليوم والآن وغداً..
- هل يرى السيد الجعفري أن هنالك ضرورة لمراجعة الذات للتجديد والتغيير والتعامل المشترك بين الأطراف المتعددة الاتجاهات؟
الجعفري: بكل تأكيد لا يوجد أحلى من المراجعة، ولا يوجد أشجع من الإنسان الذي يراجع نفسه ليرى أخطاءه، ويثبت بكل شجاعة.. نحتاج إلى الشجاعة حين نصارح الآخرين بما عليهم من أخطاء، لكن من يتمتع بقدرة الاعتراف بأخطاء نفسه فهو الأشجع..
ليس مطلوباً من الإنسان أن لا يخطئ إنما أن لا يكذب، فحين يخطئ يقول أخطأتُ؛ إذن نحتاج إلى مراجعة، وليس بالضرورة أن تجلى الحقائق إنما كثير من الأمور تتجلى في مرحلة لاحقة من العمر؛ لذا لا ينبغي أن نغلق العقل أمام التفكير، وأن نغلق الإرادة.. جاء على لسان رسول الله (ص): (حاسبوا أنفسكم قبل أن تـُحاسَبوا)، (واليوم عمل ولا حساب وغداً حساب ولا عمل)، فالمحاسبة قانون إسلامي يتفرع منه ارتباط الإنسان بقلبة بالله (تبارك وتعالى) والله يعرفه، ويعرف خائنة الأعين، وما تخفي الصدور؛ لذا نحن نحتاج إلى أن نراجع، وليكن الأمر كله مراجعة؛ لئلا يكون تراجعاً.. العيب هو التراجع أما المراجعة فهي قوة.
- ما حجم الحدود التي تجاوزها البعض في مشكلة صناعة شراكة وطنية في الوقت الحالي؟
الجعفري: بتصوّري يتفاوتون والقوى السياسية تتفاوت وسبقت القوى السياسية ثقافة سياسية توجد ثقافة اساسا مبنية على تحقيق التعارف والمشاركة الاسلاميون معنيون في تجسيد هذا الخلق القرآني والخلق النبوي {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ} [الحجرات : 13] يفرع المنظر الاسلامي يفرع التعارف يفرع التعايش والمشاركة على هذه الاية القرانية الكريمة الاختلاف انا غير مسؤول عنه لماذا فينا عرب واكراد وتركمان الله تبارك وتعالى خلقنا لكن عندما خلقنا اقوام اراد هذا الخلق يتقوم ويتجلى ويزهوا بالتعارف لتعافوا وليس لتتحاربوا للتعرف المنظر الاسلامي ليس في ازمة نظرية لكننا في ازمة تطبيق ناتي من هذا التنظير نخاطب الاسلاميين جميعا عراقيين وغير عراقيين من مختلف القوميات ومختلف الاتجاهات انهم لاينبغي ان يقعوا في حضيض النعرات لمجرد الخلافات في وجهات النضر هذا حرام هذا الاسلام صريح تبقى التجربة العراقية اعتقد بعض الاسلامين اجادوا فن التعامل مع الاخرين الحركات الاسلامية العراقية عموما قتلت وذبحت على يد هويات سياسية معينة وفكر سياسي مخرب يعني يكفي ماحصل في 31/3 /1980 قرار لم يشهد لة العالم مثيل في اكبر الانظمة واخطر الانظمة وحشية حكم على كل من ينتمي الى حزب الدعوة الاسلامية ومن يؤمن بافكارها ويسعى لتطبيق اهدافة ولمن يتعاطف معة وباثر رجعي لم نعثر على صورة اكثر وحشية بالتقنين كهذا القانون وحصد تحت هذا الاسم كم هائل من الدعاة المتعاطفين مع الدعوة ومستوى قمم من المفكرين والعلماء كان على رئسهم السيد الشهيد الصدر قدس الله نفسة مع ذلك الدعوة عندما انتقلت الى مرحلة الحكم لم تتعامل بهذا الاسلوب القمعي مع هولاء وليس سرا على احد الحكومة صدام حسين عندما سلطة هذا الحكم الجائر تكلم باسم حزب البعث وكان كل شي باسم حزب البعث رجل الحزب وهو رجل البعث ورجل الدولة ورجل كل شي مع ذلك جلس معهم ونسوا هذه الخلفيات او تناسوها كان معنا في مجلس الحكم كانوا معنا في الحكومة المؤقتة كانوا معنا في الحكومة الانتقالية والان معنا في الحكومة الانتقالية ويتسنمون مواقع مما لهم سابقة ارتباط بحزب البعث لم نتعامل بالمثل ولم نتحدث بهذه الثقافة انا اعتقد من الاسلاميين من شكل نموذج رائعا وناجحا اهل لانة يحتذا بة قد يكون البعض يتزن من الاخر ولايفكر بعقل الدولة يفكر بعقل الاقصاء يفكر بعقل الاحتكار هذا انا اعتقد لايستطيع ان يواكب مسيرة العملية السياسية يراد لها ان تكون تتسع لكل العراق نحن لانستطيع ان نختزل الكيانات الاخرى في داخلنا في داخل كياناتنا لكننا نستطيع ان نوسع من ارادتنا ونوسع من فكرنا ومن خطابنا ومن ممارساتنا وحتى من كياناتنا لنستوعب الاخر هذا نستطيع لة لايستطيع الاخر مهما بلغ ان يختزل العراق بكل انواعة بكل القوى السياسية وبكل انواعها لايستطيع ان يختزلها بذاته.
- هل يعتقد السيد الجعفري المفكر والقائد بضرورة اندماج بعض الكتل والمسمّيات المنضوية تحت قائمة التحالف الوطني؟
الجعفري: إن لم يكن اندماجاً فعلى الأقل يكون تحالفاً كما هو الآن، وربما يرقى إلى مستوى الاتحاد أو إلى مستوى الوحدة، أو تحوّل من هويتين أو ثلاث إلى هوية واحدة، قد تكون الأجواء والمناخات غير مناسبة، وهذا لا أتمناه للتحالف فقط إنما أتمناه لكل التحالفات.
أتمنى لكل التحالفات أن تصل إلى مستوى تتقارب أكثر فأكثر، وتتحول إلى اتحاد، ثم تتحول إلى وحدة، لكن يهمنا أن تجمعنا الأهداف والمنطلقات والمشتركات الإنسانية، وإن تعددت أسماؤنا.
- هل يمكن إطلاع الرأي العام على سر الخلاف القائم مع القائمة العراقية.. لماذا وصلت الأمور إلى ما وصلت إليه الآن؟
الجعفري: إذا أمعنا النظر فلا نجد أن القضية كانت نتيجة خلفيات فكرية مختلفة، النقاش أصبح في قضايا تنفيذية تفصيلية، وفي تصوري كلها خاضعة للحوار خصوصاً أننا الآن في قطار واحد وهو قطار الحكومة.
العراقية متواجدة في الحكومة إلى جانب (الكردستاني والتحالف الوطني)..
إذا حدثت مشكلة يجب على السياسيين أن يتمتعوا بالرشد السياسي، ويحافظوا على الجانب الإيجابي من العملية، ويعملوا من أجل إنجاز المتبقي، وحل المشكلة، لا يصح أن يكون الحل بتطبيقات هزيلة ونقاط مبعثرة وفاقدة للارتكاز.
عند هذه الأحوال يجب أن يتوافر المنظـّر الحريص الذي لا ينصاع، ولا يستجيب إلى ضغط الظرف.. المشاكل الموجودة ليست عصية على الحل بشرط أن يتمتع الإخوة الذين هم معقد الآمال بقدرة على التنظير، وقدرة على التجسيد والمصداقية.
- كيف ينظر السيد الجعفري إلى بعض الحركات الإقليمية الراغبة والساعية للتدخل في الشأن العراقي بدوافع طائفية؟
الجعفري: أنا ضدها تماماً سواء كانت لدواع ٍطائفية، أو قومية، أو طائفية، أو فكرية..
أعتقد أن الشأن العراقي من اختصاص العراقيين كما إن لكل دولة من دول المنطقة شأنها.. أنا لا أفكر متى تنصفنا هذه الدولة وتلك، إنما أفكر متى يرقى الوطني العراقي إلى مستوى الوطنية العراقية، ولا يتسكع على أبواب هذه الدول.
نحن نرحب بإبرام علاقات الصداقة والمصالح المشتركة، والاستفادة من تجاربها أما أن يستفرغوا الإرادة الوطنية، وتتحول العلاقة بين أي مسؤول مع أي دولة من علاقة مودّة وتبادل مصالح إلى علاقة ارتهان فأنا أرفضها بضرس قاطع، واتهم من يعمد إلى ذلك بالخيانة.
- الوضع السياسي متشنج جداً.. هل من نموذج يرشدنا إلى بر الأمان، ويبعدنا عن شر التناحر والانقسام؟
الجعفري: مراعاة المصالح الوطنية، وجعلها في المقدمة على المصالح الأخرى، ويجب أن يتقدم الهم الوطني على الهموم الأخرى (الكيانية، والقوائم، والأشخاص، وما شاكل ذلك..).
يجب أن ندافع عن السيادة العراقية خصوصاً بعد أن انتهت مرحلة وجود القوات الأجنبية، وندافع عن وحدة العراق، وندافع عن المشاركة، وندافع عن التجربة الديمقراطية، وندافع عن تداول السلطة السلمي، والابتعاد عن الدكتاتورية، ومكافحة الفساد، واستثمار الثروة، وتحويلها من ثروة حكومة إلى ثروة شعب ودولة، ويجب أن تتحول إلى كل أبناء شعبنا.
يجب أن نتقدم بمبادرات لكل الأمور، وسنجد أن من نختلف معهم نحن بأمسّ الحاجة إليهم.
- بين العراق والكويت ملفات عالقة.. كيف يمكن حلها، وكيف يرى الدكتور الجعفري قضية بناء ميناء مبارك؟
الجعفري: أعتقد أن الكويت أكثر دول المنطقة استفادت من التغيير الذي حصل في العراق؛ لأنها من أكثر الدول التي عانت من نير نظام صدام الذي غزاها، واعتدى على أموالها وأعراضها، وسلب سيادتها، وانتهك حرمتها فهم كسبوا ليس بمعنى أخذوا ثروة عراقية إنما أمّنوا على بلدهم وشعبهم وسيادتهم، ودفعوا غائلة الانتهاك التي كان صدام قد عرّضهم لها.
في الوقت نفسه عانى الشعب العراقي من صدام قبل أن تعاني الكويت، فصدام احتل العراق قبل أن يحتل الكويت؛ محنة الكويت أن صدام غزاهم سبعة أشهر، وأذاقهم الأمرّين، وهم يقدّرون محنة الشعب العراقي الذي جثم صدام على صدره قرابة الخمس والثلاثين سنة منذ عام 1968.
الملفات العالقة بين البلدين تـُحَل من خلال الحوارات، والاستفادة من تجارب العالم وقوانينهم المتحدة.. أوجّه رسالة إلى الكويتيين: حين دخل صدام إلى الكويت لم يكن يقف على قاعدة جماهيرية وهو من موقع الخروج عن القاعدة والنشوز دخل الكويت، فما كان واقفاً على قاعدة جماهيرية.
القاعدة الجماهيرية تتأتى من خلال ثقافة.. حين غزا هتلر دول العالم بث ثقافة الاحتلال، ثم نشأ جيل في ألمانيا يعتقد بأن بلجيكا وبولندا له وأن ألمانيا سيدة الشعوب، فواصل الاحتلالات والشعب الألماني يمده بالتضحيات.. لم يكن الشعب العراقي يعتقد بما يقوله صدام؛ فما تحوّلت عملية غزو الكويت إلى ثقافة، والشعب العراقي يحب الشعب الكويتي وحين دخل صدام الكويت دخلها من موقع التمرّد على الإرادة العراقية الشعبية، وانتهاك الإرادة الكويتية.
هذا الرصيد يجب أن تضعه الحكومة الكويتية نـُصب أعينها، وأن تحافظ عليه، وتخاطب الشعب العراقي بلغة الحب والدعم والحرص؛ حتى تبقى هذه القاعدة الاستراتيجية العريضة رصيداً؛ لأن الشعب العراقي في كل فصائله لا يقول بما قاله صدام.
يجب أن تتحول هذه الثقافة إلى ثقافة تحابب بين الشعبين، فكل علاقة بين دولتين تقوم على أساس الثقافة المشتركة بين الشعبين، ثم تأخذ منحى استراتيجياً، وتلك كانت سياستي منذ سقوط النظام المقبور، وقد أقمتُ علاقة مع تركيا والكويت وإيران، وأتطلع إلى بقية الدول بأن تقوم على أساس استراتيجية التقارب بين الشعوب فالحكومات لها دورات، وترحل، أما العلاقات فتقوم على قاعدة استراتيجية شعبية تبقى إلى الأبد.
- ما الرسالة التي توجّهها إلى السياسي والمواطن العراقي خصوصاً أنك صاحب الخطاب القريب إلى القلب؟
الجعفري: أنا أخاطب أبناء الشعب العراقي بصورة عامة بأن يضعوا العراق نصب أعينهم، وأن يفوا للعراق بالأمانة التاريخية التي تدوّرت عبر التاريخ حين ورثنا من العراق ومن أجدادنا وآبائنا، ونحن نتحابب على الرغم من الحكومات التي فتكت بالشعب العراقي، وحطمت، ودمرت، وعلى الرغم من ماكنة الموت التي كانت تسحق من حلبجة والأنفال إلى الانتفاضة الشعبانية إلى انتفاضة الأنبار والشهيد محمد مظلوم إلى القتل والشهداء في كل البيوت.
يجب أن تزول ثقافة الطائفية والعنصرية والقومية، ونبحث عن الكفوء، عن القوي، عن الأمين، عن الذي يسدي خدمة؛ سنجد رحم العراق معطاءً، والكفاءات موزّعة في كل المدن.. لا ينبغي أن نحكم على الشيعة من خلال ناظم كزار، ولا نحكم على السنة من خلال صدام، ولا نحكم على الكرد من خلال بعض الجحوش الذين خانوا الكرد.
نحن نعتقد أن العراق متعدد المواهب، ويجب أن نعمل على تكريس كل الطاقات لبناء العراق والحفاظ على سيادته، وأن تسود هذه ثقافة الوطنية، وحين نواجه مواسم انتخابية لا نكتفي بأن نتعامل مع هذه القائمة أو تلك إنما يجب أن نجعل الصوت الوطني والرمز الوطني هو المتقدم.
التعليقات (0)