قناة البغدادية: هل اهتزّت عرى الدولة في العراق؟
لقاء قناة البغدادية مع الدكتور إبراهيم الجعفري رئيس التحالف الوطني العراقي
بتاريخ 9/1/2012 برنامج (ما بعد الجلاء)
- هل تعتقد أن الأزمات الحالية التي تحيط بالبلد هي أزمات طبيعية أم هي أزمات متوقـَّعة نتيجة الجلاء والانسحاب الأميركي، وهل تشعرون فعلاً بأن هناك فراغاً أمنياً وسياسياً خلـّفه الانسحاب الأميركي؟
الجعفري: لا أعتقد أن هناك أزمات إنما هناك مشاكل، لم ترقَ بعدُ إلى مستوى الأزمة.. أعني أنها قابلة للحال، هذا أولاً، وثانياً: يعتمد الأمر على كيفية تعامل الأطراف السياسية المشاركة في الحكومة، وينبغي أن لا ننتظر انسحاباً بدون فعل وردود فعل، ولا ينبغي أن نتصور عدم وجود قوى تريد بالعراق شراً؛ لذا على القوى السياسية العراقية أن ترتقي بكل رموزها وفي ساحات تواجدها حكومياً وبرلمانياً إلى مستوى صناعة القرار، نعم.. هذه فرصة طيبة جداً لأن نستثمر الجلاء في تحقيق نصر وطني كبير. العراق استطاع أن يحقق في أقلّ من عقد من الزمن ما لم تحققه اليابان لحد الآن، ولا ألمانيا، ولا كوريا فهذه الدول حتى الآن تنوء تحت وطأة الاحتلال والقواعد العسكرية منذ الحرب العالمية الثانية عام 1945 وإلى الآن. يبقى أن نسأل: كيف سنتعامل، وكيف سنبدأ صفحة جديدة نلتقي فيها مع طموحات شعبنا (الخدمات، والمصالحة الوطنية، وملء الفراغات الموجودة، ومحاربة الفساد، وتوظيف الطاقات الاقتصادية لخدمة البلد)؟ هذا هو المأمول؛ لذا أنا أتصور أن الفرصة ستكون مؤاتية مع هذا العيد الوطني الرائع (انسحاب القوات الأميركية).
- لكن يبدو أن لدينا وجهات نظر تختلف عن تصوراتك، فهم يقولون (أزمة)، وأنت تقول (مشكلة). القائمة العراقية منسحبة من البرلمان ومن الحكومة، وهناك قضية قضائية معطـّلة، وهناك موازنة مالية معطـّلة في البرلمان العراقي، وهناك انشقاقات حتى داخل الكيان الواحد ألا يرتقي كل هذا إلى مستوى الأزمة؟
الجعفري: لا يوجد هناك حدّ جغرافي بين المشكلة وبين الأزمة بشكل عام، إلا أن المشكلة إذا كانت مركبة بدرجة عصيّة على الحل، وتسبّبت بتعطيل جهاز الدولة.. البرلمان يعاني من غياب الإخوة في العراقية - وهذا شيء يؤسف له وأنا أقضي وقتاً ليس بالقصير من أجل إرجاعهم- لكنه ماض ٍفي عمله، وهو الآن يصوّت على مشاريع القوانين، والحكومة كذلك. يؤسفني أن يتغيب بعض إخواننا وزملائنا من العراقية عن الحكومة غير أن الحكومة مستمرة في جلساتها؛ إذن نحن أمام مشكلة.يعز علينا أن نفارق حجماً من البرلمان بحجم العراقية، وحجماً من الوزراء بحجم وزرائهم؛ لذلك هي مشكلة، وتتطلب حلاً.كبرى دول العالم تعاني من مشاكل، ولو جئنا إلى مكوّنات تلك المشكلة، سنجد أن لها علاقة بالقضاء، و لا تخلو دولة من الملفات القضائية ففي أميركا الحزب الجمهوري ضيّع ريتشارد نكسن في الدورة الثانية إثر فضيحة (ووتركيت)، والحزب الديمقراطي أراد أن يقضي على (بل كلنتون) في دورته الثانية بسبب (مونيكا لونسكي) وفي الأمس القريب حكم (جاك شيراك) سنتين، وكان هذا الرجل السكرتير الشخصي (لجارلس ديكول) صاحب فرنسا الرابعة أو الخامسة؛ إذن وجود مشاكل في أي بلد لا ينبغي أن يتسبّب باهتزاز عُرى الدولة دستورياً، ولا برلمانياً، ولا حكومياً.
- هل اهتزّت عرى الدولة في العراق؟
الجعفري: أعتقد أن الدولة مازالت قائمة، وجميع القوى تتكاتف من أجل التغلـّب على هذه المشكلة، ولا ينبغي أن ننتظر عراقاً بلا مشاكل، كما لا يوجد أي بلد في العالم بلا مشاكل. لا نستطيع أن نلغي المشاكل من حياتنا، لكن يجب أن نضع معادل الحل.. في تصوّري: أن مشروع الحل الذي يحول دون أن تعبر المشكلة إلى أزمة هو أن نكثف جهودنا جميعاً.
- أنت تفضّل دائماً الحل الدبلوماسي، لكن المشكلة مستحكمة.. لماذا المشكلة تكون بين العراقية وبين دولة القانون، كانت هناك مشكلة بين العراقية ودولة القانون حول تشكيل الحكومة، ومشكلة في اتفاقية أربيل، والآن المشكلة في القضاء بين العراقية ودولة القانون بقضية الهاشمي.. لماذا الطرفان في مشكلة دائماً؟
الجعفري: لنرجع قليلاً إلى الوراء.. منذ مرحلة السقوط وإلى الآن تطفو بين فترة وأخرى مشاكل على السطح أحياناً تنتظم على شكل قائمة وقائمة، وأحياناً في داخل القائمة بين كتلة وكتلة، وأحياناً بين حزب وحزب، وأحياناً في داخل الحزب الواحد، تتمظهر على شكل انشقاقات. المشاكل في العمل السياسي وفي بداية التجربة متوقـَّعة، وهذه ليس بدعاً من القول، وما أظن أنها ستغيب، وربما نعالجها، ونقلص حجمها، لكن ستبقى.. ولنأخذ الوجه الإيجابي للأمور.. كثير من القضايا تكاثفت جهود العراقية والتحالف، وكذا التحالف الكردستاني، واستطاعوا أن يصمّموا مواقف رائعة. فمن أين جاء هذا الدستور، وكيف تشكلت حكومة المشاركة الوطنية؟ كلها تمت بتواجد الجميع، وتوافقهم، والأمر نفسه في التصويت على أكثر القوانين حسّاسية، نعم.. الآن طرأ في الطريق مشكلة معينة، ويجب أن نحلها. أنا حتى هذا اليوم في تواصل مع بعض إخواننا وأخواتنا لتذليل هذه العقبة، وتجاوزها، لكن لا ينبغي أن ننظر إليها بعين اليائس.
- قلتَ: إن أي مشاكل سياسية تنعكس على واقع الناس، كل بلد فيه مشاكل لكن ليست بمستوى المشاكل في العراق.. حيث المشكلة السياسية تنتج سيارة مفخخة، وعبوة ناسفة، وقتيل، ومخطوف، إرهاب.. هذه المشاكل لا ينبغي أن تدوم وقد مضى من عمر التجربة تسع سنوات؟
الجعفري: لماذا ننظر إلى المشكلة بمكبّرة؟ أنا لا أقلص من حجمها، ولا أستهين بها.. إنما يجب أن نعي الأبعاد الحقيقية للمشكلة وإلى جانبها توجد آفاق رحبة للعمل وظواهر صحية كثيرة جداً. بماذا يذكرك حادث الإرهاب على ساحة الناصرية حيث شاب برتبة ملازم أول قدّم روحه ضحية لدفع غائلة التفجير الإرهابي.. من أي مذهب كان، ومن أي طائفة، ومن أي مدينة؟ سني وشيعي استشهدا في منطقة الناصرية، فذكراني بحادث جسر الأئمة، وما حصل مع عثمان العبيدي. ألا يعني هذا أن المشكلة الطائفية لم تتحوّل عند البعض إلى ثقافة مجتمعية، ويوجد بعض الشخصيات والرموز كذلك؛ إذن لايزال المجتمع العراقي بحالة صحية.
- لماذا لا ترتقي الطبقة السياسية كلها إلى هذا المستوى من التضحيات؟
الجعفري: يوجد بعض الأشخاص - للأسف الشديد - ما وصلوا إلى هذا المستوى، لكن يوجد من يضحون من أجل العملية السياسية، وسحقوا على المواقع، وقضوا وقتهم في البحث عن الحلول.. لا ينبغي أن نضخـّم المشاكل، ونضلـّل، ونعتـّم صورة الحل.. ولا نعطي وعوداً موهومة، ونفرش الطريق بالزهور.. يجب أن يكون لدينا وعي للمخاطر، ويجب أن تكون لدينا إرادة الحل، وحل يقوم على الأرض. العراق الآن يتصدر تجارب المنطقة؛ لأنه يقدّم نموذجاً سياسياً، فلا يوجد فيه تأبيد للحاكم، ولا توريث لأبنائه.. في البرلمان العراقي توجد جميع شرائح المجتمع، وهناك ما بين 2003 حتى اليوم تعاقبت سلسلة حكومات، وتناقلت السلطة بطريقة سلمية. التجربة العراقية الجديدة اليوم تقدّم نموذج التعبير عن الرأي من دون ابتزاز أو قمع. ما كانت هذه الحرية موجودة قبل 2003، ولا توجد في بعض الدول العربية حتى الآن.
- هل لديكم الحلول أم مازلتم تبحثون عن الحل لطبيعة المشاكل، أو ما أسميه أنا أزمة؟
الجعفري: كل حل يعتمد على التنظير، وأهم من التنظير إرادة الحل.. أنا لست مع تفريخ المبادرات؛ لأنها في بعض الأحيان تعطي ردوداً معاكسة. أملنا بجميع إخواننا من كل القوى السياسية أن تتضافر جهودهم من أجل الخروج بنتيجة.. هذا هو الذي أراهن عليه.
- لديكم الآن مؤتمر للحوار الوطني أو مؤتمر للقوى الوطنية، ما الشيء الذي يحمله فأنتم جلستم في مؤتمرات سابقة، وخرجتم بمقررات، ولكنها لم تـُفعَّل.. ما الجديد الذي سيأتي به هذا المؤتمر؟
الجعفري: قسم منها تفعّلت، وقسم منها تلكأت، وقضينا وقتاً على الجزء المتبقي، ويجب أن نتعاون مع إخواننا وزملائنا كافة لتفعيل الجزء المتبقي؛ حتى نصل إلى ضفة الحل.
- الجزء المتبقي هو الذي يمثل عُقدة المشكلة؟
الجعفري: ما من عُقدة إلا وفيها أكثر من حل بشرط أن لا يركب الإنسان من العُقـَد المتعددة البسيطة عُقدة مركبة؛ فتكون عصيّة على الحل.. توجد الآن عُقدة في القضاء تـُثار على القضاء، وأخرى تـُثار في مجلس الوزراء، وتوجد عُقدة تـُثار حول الحضور في البرلمان، وتوجد عُقدة طفت على السطح الإعلامي.. إذا انجمعت ستتحوّل العُقدة إلى مركبة. كيف يكون الحل؟ نترك القضاء للقضاء، والقوى السياسية الوطنية العراقية على محك الاختبار، ويجب أن لا تدسّ أنفها في القضاء.. أما قضية نائب رئيس الوزراء فتـُحَل بطريقة حكومية إذ يوجد نظام، وكذا الوزراء عليهم أن يحضروا، والقائمة العراقية في البرلمان يجب أن نبذل جهوداً صادقة من أجل إحضارهم والاستفادة من حضورهم وكلهم زملاؤنا وإخواننا.
- توصيفك جميل.. لماذا لدى السياسي القدرة على جعل العقدة مركبة، ولا يجعل من الحل حاضراً؟
الجعفري: لا تنظر إلى المشكلة إنما انظر إلى من يتصدّى للحلّ، إذا لم قوياً ستكبر عليه المشكلة البسيطة.. رحم الله المتنبي عندما قال:
على قدر أهل العزم تأتي العزائم
وتأتي على قدر الكرام المكارم
وتعظم في عين الصغير صغارها
وتصغر في عين العظيم العظائم
لا تنظر إلى حجم المشكلة.. انظر إلى حجم من يحملها كم هو.
- إنت جداً دبلوماسي.
الجعفري: الدبلوماسية ليست عيباً، الله (سبحانه وتعالى) بتعبير مجازي دبلوماسي يقول: ((اذهبا إلى فرعون وقولا له قولاً ليّناً لعله يتذكر أو يخشى)) فرعون الذي يدّعي الربوبية مقابل الله (تبارك وتعالى).. رسول الله (ص) كان دبلوماسياً، ليس في الدبلوماسية شيء، بشرط أن لا تكون بطريقة ميكافلي، أنا دبلوماسي إلى مخ العظم لكن بالطريقة الإنسانية الصادقة.
- سأعيد عليك السؤال بطريقة أخرى: لا يوجد حل ليس لأن السياسي لا يملك إرادة الحل إنما لأن السياسي مرتبط بأجندة أخرى.. فتعقيد المشكلة فن؟
الجعفري: إذا صِرنا أمام سياسي مرتبط بإرادة أجنبية فنحن نناقش إرادة في الظل.. أنا أفترض أن السياسي الذي أمامي يخالفني، وهو حاضر العقل والإرادة، فأحاوره، لكني غير مستعد لأن أناقش سياسياً بالظل؛ لأني لا أعرف من هو. ماذا تعني الوطنية؟ الوطنية تعني أن تعمل لخدمة وطنك، وإذا اختلفنا فكلانا يحدونا الأمل في خدمة الوطن، أما أن - لا سمح الله - يسمح لنفسه بأن يكون واجهة لإرادة أجنبية دولية ً كانت أو إقليمية فالحديث يختلف؛ لأننا سنخرج من الحيّز الوطني، وندخل في دهاليز التدخل الأجنبي. أنا أفترض أن القوى الوطنية لديها إرادة واجتهادات في الرأي، فهي تناقش، وتتقدم هنا، وتتأخر هناك، ومادامت القضية قضية وطنية والمصالح الوطنية لها سياقاتها، لنجلس سوية، ونتحاور.. فقد مررنا سابقاً بمثل هذه المشاكل سواء في المعارضة أو الحكم، ولم تكن مستحيلة الحل.
- قضية الهاشمي.. فتح هذا الملف صحوة أم كبوة، وهل للتوقيتات أثر في هذه القضية؟
الجعفري: إذا ناقشناه كملف قضائي، فهو بطبيعته مستقل، ومتروك للقضاء من ألفه إلى يائه.. هجائية الطريق تبدأ من مرحلة التحقيق وتسلم المعلومات إلى سياقاته ووصوله إلى الحكم إلى الانتهاء بالحكم.. ولا ينبغي أن يتدخل فيه أحد. أنا أنعى على كل سياسي يتورط، ويقول: هذا أريده، وهذا لا أريده.. اتركوا القضاء للقضاء..
- كيف تعلـّق على موقف حكومة إقليم كردستان في التعامل مع هذه القضية؟
الجعفري: وجّهت كلمة من إحدى شاشات التلفزيون (الحرة عراق)، حين سألني مقدم البرنامج عن رأيي إذا امتنعت حكومة كردستان عن تحويل قضية الدكتور طارق الهاشمي إلى بغداد.. وجّهت نصيحة مزدوجة إلى حكومة كردستان بأن تتصرف ضمن القانون والدستور.. تهمني سمعة حكومة إقليم كردستان، وتوثيق الصلة بين الحكومة الاتحادية وبين الحكومة المحلية هذه النصيحة الأولى، ونصيحتي للدكتور طارق أن يأتي إلى بغداد، وإذا كان يعتقد ببراءته فسأكون أنا من يدافع عنه، ولست وحدي إنما أنا وزملائي.
- ألا تعتقد أن شخصاً مثل نائب رئيس الجمهورية وأحد رموز الدولة والسياسة العراقية وحامي الدستور تـُقدَّم له نصائح بأن يحضر إلى القضاء فيما كان المفروض أن يبادر بنفسه، للتعبير عن احترام القضاء، ويقدم للناس صورة عن أنه لا يخالف القضاء.. ألا تعتقد أن السياسي في هذا الوقت سيكون قاسياً أمام الشعب؟
الجعفري: لا.. في تصوري هذا ديدن تلتقي عليه الديانات والأنظمة الاجتماعية جميعاً بأن القضاء حين يستدعي أحداً لا يملك إلا أن يستجيب، نعم.. دافع عن نفسك - الأصل في المواطن البراءة - المتهم بريء حتى تثبت إدانته، محكمة ماليزيا برّأت أنور إبراهيم، الذي اعتـُقِل بتهمة ما، ثم اليوم يبدو أنها حكمت لصالحه..
- في ظل هذه السجالات وهذا الخضم من المشاكل، وأنتم تفتشون عن الحل أو لديكم حلول.. هل تسيرون عكس التيار أم مع التيار.. هل أنتم متواجدون في القارب العراقي؟
الجعفري: إذا كنت تقصد تيار الصواب، فلا يشرفنا أن نمشي عكس التيار، وإذا كان تيار تحديات وتضحية، فأروع ما في السبّاح أن يسبح ضد التيار. توجد تحديات، ونحن نمشي ضدها لصالح شعبنا من وحي مبادئنا. ما حصل في مسرح الناصرية نزهان صالح الجبوري إلى جانبه علي سبع الاثنان ضحّيا، وهما يعلمان بوجود متفجّر يوشك أن يحصل فينقض عليه، ويعانقه، ويتفجر معه.. ماذا يريد أن يقدّم السياسي العراقي مقابل مواطن يقدّم بهذه الدرجة.. نزهان يذكرنا بعثمان العبيدي الذي قدّم حياته لإنقاذ 6 إلى 7 من الضحايا الشيعة.. سبحان الله ما أشبه الليلة بالبارحة.. تلك كانت مشاعر كاظمية، وهذه مشاعر حسينية؛ إذن القضية قضية إنسانية، وعلى السياسي أن يستفيد من هذه التجارب، ويقف إلى جانب شعبه، ويتجاوز هذه العُقـَد. مكسبنا الحقيقي أن تتجسد كل القوى السياسية في البرلمان والحكومة من خلال ربط الجسور، وفتح صفحات إيجابية من التنافس، وينبري السياسيون لتحقيق إنجازات. الإعلام - للأسف- لايزال ليس في صالحنا، وأرجو أن لا يخضع هذا المقطع لمقص الرقيب في البغدادية.
- لم نقطع يوماً.. هذا جزء من الأمانة.
الجعفري: هذا لا يعني أن لا أوصل رسالة إلى البغدادية بأنه يحدث بعض الأحيان تكثيف على الجوانب السلبية أكثر من اللازم، وإظهار العراق كأنه كتلة من المشاكل، لا بصيص أمل فيه. أعتقد أن هناك مَظلمة في العمل السياسي، والإعلام يساهم فيها من حيث يقصد أو لا يقصد.. لماذا لا يتحدث أحد عن الصفحات المُشرقة؟ لماذا لا تبرز الجوانب الإيجابية للتجربة السياسية العراقية؟ منذ عام 2003 وحتى الآن لدينا تداول سلطة بشكل سلمي بدءاً من حكومة مجلس الحكم إلى المؤقتة إلى الانتقالية إلى الحكومة الوطنية بدورتيها. لماذا تطلب جامعة الدول العربية بالإجماع مجيء قوات أجنبية وفرض (النوفلازون) الحظر الجوي، ويُعاب على العراق وجود القوات الأجنبية التي لم يطلبها، ولم يكن راغباً في مجيئها.. لماذا الكيل بمكيالين؟ أوجّه رسالة من منبركم (منبر البغدادية): يجب أن يكون التعاطي بشكل متكافئ بين التجربة وما تفرز من إيجابيات، وبين التجربة وما فيها من تحديات، وبين التجربة وما فيها من أخطاء.
- أنا أستمع إليك بشغف، وأحترم هذا الرأي، لكن حواري سيادة النائب حول طبيعة المشكلة خصوصاً أنك تولي الحل أهمية كبرى؟
الجعفري: ومازلت أواصل جهدي.
- ما كنا نذكره من مساوئ موجودة في المشهد السياسي، هل هذا يستفز المسؤول أم يعبّر عن عدم احترام للمسؤول.. ألا يجب أن يحفز المسؤول على التعامل مع المشكلة وحلها؟
الجعفري: أنا أراقب الإعلام، وأخاطب الذين يتخبئون خلف العدسات، فهؤلاء جزء من مشروع سياسي مُدوَّل، ويريدون أن يستفرغوا بعض الأحقاد ذات الطابع الطائفي، ذات الطابع الاستعماري.. لا أرى هناك عدالة إنما هناك حرب صور وليتها صور مستوحاة من الواقع إنما صور مزيّفة. يجب على الإعلامي أن يصنع سياسياً بمقدمات صحيحة؛ لذا لا أتقبل للسياسي أن يكون بمعزل عن الإعلام، لكن يجب أن يتمتع السياسي ببصيرة نافذة، ويعرف من أي إعلامي يأخذ. الإعلامي هو الذي يوصل السياسي إلى بيوت الناس؛ لأنه لا يستطيع أن يدخل بيوت الناس جميعها، ويستطيع أن يوصل المواطن إلى السياسي، والسياسي لا يستطيع أن يتشرف باستقبال كل المواطنين، ويستطيع الإعلامي أن ينقل معاناة المواطنين، وهذا شرف، وتكامل بين السياسي والإعلام.
- بهذا الخطاب تضعون أمامنا حواجز بأن لا نتحدث عن مشاكل الناس أمامكم؛ حتى لا تتهمونا بنقل الصور السوداوية فقط، وقد لا نتحاور معكم في المرة المقبلة بهذا الموضوع. - أنت رجل متسامح، وتعمل من أجل الصالح العام، ونحن نلتقي بهذه الصفة.
الجعفري: توجد مسيرة جماهيرية والشعب العراقي يقطع أشواطاً، ويحقق إنجازات ضخمة، فليُرِني الإعلام، وليتكلم بصوت المظلومية.. أنا سعيد لأن الإعلام يساعدني في تشخيص مشاكل البلد، ويقدم لي حلولاً؛ ليساهم في حل المشكلة. ملاحظتي على الإعلام أنه مصاب بحمى النقد لا وعي النقد.. يريد أن ينقد فقط، وهذا تطرّف، أما إذا كان يريد أن يوصل مشكلة مواطن فأنا أتشرّف.
- قضية الشراكة التي كنت تتحدث عنها ألا تعتقد أن مفهوم الشراكة ليس قراراً فوقياً بقدر ما هو ثقافة، يجب أن تترسخ، وهل إلغاء الشريك ثقافة غائبة فعلاً أم إن هناك من يغيّب هذه الثقافة.
الجعفري: هي عملية صعود من القاعدة الجماهيرية.. انظر إلى المعادل ستجد قضية عصية لا تـُحَل إلا إذا عاد الإخوة في القائمة العراقية إلى البرلمان.. بعض وسائل الإعلام تحاول أن تستغلها؛ هنا جاء (نزهان مع علي سبع) ليستشهدا كلاهما في مواكب حسينية (سني وشيعي) وفي أرض الناصرية.. انظر إلى روعة هذا المعادل، وهذه ليست حالة مفردة أو قضية جزئية إنما في صُلب المواطن.
- هذه الحالة تكررت كثيراً.
الجعفري: أحسنت.. إذن يجب أن نفتح بصيرتنا على هكذا شعب.. شعب المعلمين أعطاك صعقة.. هذه الأمور يُفترَض أن تحدث عند كل سياسي متصدٍ، وأن يتعلم من نزهان ومن علي سبع.
- في عام 2004 في الانتخابات كانوا يرفعون الجثث، والمواطن يذهب، وينتخب، وأنتج حكومة.
الجعفري: وعام 2005، وكانت ثقافة (الفرهود) التي أشاعها النظام الصدّامي البائد، وفي الحكومة الانتقالية صارت ثقافة التبرّع حيث الناس يقفون طوابير ليتبرعوا، ويعطوا الأموال، وجمعوا 20 مليون دولار، ووزعوا على كل شهيد حصة 20 ألف دولار، والعائلة التي فيها 3 شهداء أخذت 60 ألف دولار، وفي إعصار كاترينيا في أميركا في زمن الرئيس السابق الجمهوري بوش نادوا بشعار (أخرج مسدسك.. اضرب، واقتل لأن الناس انهالت على المحلات تسرق بعد الإعصار).
- الذي يستشهد من هذا الشعب تعطيه الدولة أربعة ملايين دينار.. أليس هذا انتهاكاً لآدمية الإنسان؟
الجعفري: حياة الشهيد لا يعادلها شيء، (الجود بالنفس أقصى غاية الجود)، ولا يمكن أن يعوّضها شيء.. التضحية بالحياة لا حدود لها، فلا حدود لمجازاتها هذا من حيث المبدأ، ويجب أن يُنظـَر إليه بعين التكريم والتقدير والوفاء كنموذج، والأمة التي تفي لشهدائها أمة محترمة. أعتقد أن هذا يجب أن يكون ضمن سياقات، ولطالما طالبتُ بأن يكون قانون إعالة ذوي الشهداء متكافئاً، وكنت أطالب بأن تكون حصة من النفط، كما يجب أن نجعل مؤسساتنا أعرافاً اجتماعية بأن يكون الجميع عائلة واحدة، ومن يستشهد له أحد يحظى بالرعاية والاهتمام والتقدير والمساعدة، ونوصل ذويه إلى مستوى الكفاف.
- يقول البعض: إن الانسحاب الأميركي في ظل هذه الظروف ترك حلفاء المنطقة أو مصادر الطاقة قلقاً.. أنت كسياسي كيف تقرأ الموضوع؟
الجعفري: أعتقد أن الانسحاب رصيد قوة، أما أن تكون هناك دوائر تخطط في الخفاء، فتنتهز هذه الفرصة؛ لتوصل رسالة فهذا ليس من فعل الانسحاب إنما من فعل دوائر معينة. ماذا يعني الانسحاب؟ يعني تجسيد سيادة الدولة؛ لأن القوات الأجنبية حين تكون في أي دولة تكون هناك علامتان سلبيتان، الأولى: أن الوضع الأمني لهذا متصدّع، والثانية: عجز الأجهزة الأمنية فلو كان فيها اكتفاء أمني ما احتاجت لتواجد قوات أجنبية.. ماذا يعني الانسحاب؟ يعني أن الوضع الأمني أفضل، ويعني وجود قدرة ذاتية لدى القوات المسلحة، ورسالة إلى من كان يتخذ من وجود القوات الأجنبية مبرّراً، ويعتبر المليشيات المعادل للقوات الأجنبية وحمل السلاح.. لقد انتفى مبرّر المليشيات، وهذا مكسب، وانتفى مبرّر بعض الدول التي تتدخل في الشأن الداخلي بحجة وجود قوات أجنبية.. الانسحاب سينزع فتيل المخاوف والهواجس لدى الوضع الإقليمي. الانسحاب عيد وطني، علينا أن نقيم الاحتفالات، ونتبادل التهاني. وهل تعتبر مقاومة تفجير ملايين المُشاة الذاهبين إلى الإمام الحسين ليحيوا الشعائر!؟
لقراءة النص الكامل للقاء ولمشاهدة اللقاء بالفيديو ، انقر على الرابط التالي:
http://www.al-jaffaary.net/index.php?aa=news&id22=922
التعليقات (0)