لمـاذا "تسقط بــــس"؟
مصعب المشرّف
14 يناير 2019م
"تسقط بـس" الهتاف الأشهر الذي بصمت به ثورة ديسمبر نفسها على صفحات تاريخ حقبة دولة الإنقاذ ؛ تداول الناس في شتى بقاع السودان والعالمين العربي والأفريقي معناه ومغزاه بعد أن بهرهم جرسه الموسيقي وحـسّـه الشبابي الحماسي ... ونغمات الثقة والإصرار التي يقتحم بها هذا الشباب الثائر الآذان حيـّة أو من خلال شاشات الفضائيات والشبكة العنكبوتية.
"تسقط بس" باللهجة السودانية الدارجة هو تلخيص مرادف لعتاب ولوم لعبارة "إنت تسكت بـس... ولا كلمة ... إنت عندك كمان وش تتكلم بيهو؟" .....
وهي عبارة يسمعها الإنسان السوداني منذ نعومة أظفاره . يستخدمها الآباء والأمهات خاصة والأجاويد عامة.
"إنت تسكت بـس" .. هو الرد اللفظي والنهي الحاسم في مواجهة أخطاء وتجاوزات وتصرفات سلبية زادت عن الحـد مخجلة ، قام بها شخص مـّا تجاه الغير دون مسوغات ومبررات أو وجه حق.
من هذا المعنى المشار إليه أعلاه إبتدع العقل السوداني الباطن شعار "تسقط بـس" الثوري السياسي.
"تسقط بـس" من جهة أخرى أراها المرادف اللغوي الأمثل لعبارة Game Overالإنجليزية اليانكية ؛ التي إستخدمها الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش الإبن مخاطبا صدام حسين قبيل شن الهجوم الأمريكي العسكري الحاسم على نظامه في العراق .. ولاتبدو لي الترجمة العربية الحرفية العربية لهذه العبارة بجملة "انتهت اللعبة" موفقة عند مقارنتها بعبارة "تسقط بــس" السودانية.
"تسقط بــس" لم تأتي على لسان الشباب الثائر من فراغ أو خبط عشــواء كما قد يظن البعض .... بل هي حصيلة إخلاف نظام حزب المؤتمر الوطني الحاكم لوعوده الكثيرة التي ظل يخدر بها الشعب طوال ثلاثة عقود من الزمان ....
"تسقط بــس" هي بمثابة قطع الطريق وإغلاق الباب ... وصم الآذان الآن عن أي محاولات من جانب نظام حزب المؤتمر الوطني يختلق فيها المعاذير ، ويطلب منحه المزيد من الفرص والوقت على وعد منه بأنه سـيحقق كــذا ... وســيحــســن كـــذا .... وسيـفعــل كذا ... وسيصلـح كــذا في آخر يناير القادم ...وخلال أبريل القادم .... ومنتصف أكتوبر القادم ... وانتخابات 2020م القادمة .... وهكذا دواليك .... بمثل مواعيد عرقوب التي قال فيها شاعر يصف مواعيد حبيبته:-
كَانَتْ مَوَاعِيدُ عُرْقُوبٍ لَهَا مَثَلاً ... وَمَا مَوَاعِيدُهَا إِلاَّ الْأَبَاطِيلُ
وقال آخـر :
وَعَدْت وَكاَنَ الخُلْفُ مِنْك سَجِيَّةً ... مَوَاعِيدَ عُرْقُوبٍ أخَاهُ بِيَتْربِ
حـــرف "الســيــن" الذي أصبح ملازما لكل الكلام الصادر من قادة الحزب الحاكم في الخرطوم والولايات وحتى المعتمديات واللجان الشعبية فقد بريقه وتم إستهلاكه .... فلم يعد أمام الشباب من سبيل للصبر على مواعيد عرقوبية جديدة سوى الهتاف "تسقط بس".
والذي لا يلتفت إليه قادة المؤتمر الوطني اليوم أنهم باتوا يناقضون أنفسهم بأنفسهم في كل كبيرة وصغيرة .... ذلك أنه وفي الوقت الذي كان يسعى فيه المجلس الوطني إلى تعديل الدستور ومنح الرئيس البشير حق الترشح لفترة رئاسية أخرى ثم والترشح للرئاسة مدى الحياة ... فإنهم في ذات السياق نسمعهم اليوم يحاولون سحب أقدام الشعب بالزعم أن إنتخابات 2020 ستأتي بمرشح آخـر ... ثم يأتي ثالوث منهم فينبري يتساءل في خبث عن من هو البديل لعمر البشير؟
والملاحظ أن قيادات المرتمر الوطني تظن نفسها قادرة دائما على الإمساك بالعصا من المنتصف .. فنراها تحرض إعلامها على تأويل شعار "تسقط بــس" وكأنـه موجه للرئيس عمر البشير وحده دون غيره ... ولكن الواقع أن الشعب يدرك ويعني ما يقول . وأن المراد هو سقوط نظام حاكم بأكمله على عروشه وإستبداله بنظام سياسي جديد ؛ بدأت ملامحه تتضح وتتسع فرص المشاركة فيه أكثر وأكثر بعد نجاح مسيرات يوم 13 يناير 2019م ... وحيث يرفض الشارع اليوم الإجتثاث والعــزل السياسي والمحاصصات .... بل حتى الإسلاميين لوحظ أن بعضهم قد شارك في مسيرات هذا اليوم الفصل الذي أعلنت فيه هذه الثورة إنفتاحها على كافة أهل السودان للعمل يداً بيد وفق دستور جديد ومفاهيم جديدة تختلف عن تلك التي جاءت بحكومات ما بعد ثورة 21 أكتوبر المجيدة وإنتفاضة أبريل 1985م ...... تختلف من حهة المحصلة .. ولكنها تتفق من جهة منح الفرص لكافة أبناء البلاد للعمل سويا من أجل إعادة بناء السودان.
التعليقات (0)