مواضيع اليوم

لـمـاذا التباكي على الجنوبي؟

مصعب المشرّف

2011-05-01 07:21:31

0

أدبيات الإنفصال ... أوراق مبعثرة
حلقة (22)
لماذا التباكي على الجنوبي؟

لا يزال البعض يتعامل مع المواطنة السودانية بعد إنفصال الجنوب ؛ وكأنّ هذه المواطنة صينية مفروك على القارعة في سوق المقاشيش ، يعـزم عليها صاحبها الرائح والغادي بكل الكرم والأريحية العربية الأصيلة .....
للأسف هناك بعض البشر من لا يزال يتمسك بتلابيب الجنوبي ويقبل ساقيه وحتى "نعلاته" رغم أن هذا الجنوبي قد إختار الإنفصال وقال له بملء فيه وبنسبة 99% باي باي ...
ربما كان أمثال هؤلاء المرضى أحرار في تصرفاتهم وأوهامهم الشخصية ... ولكن من جهة أخرى فلا أحد يستطيع تبرير أو إبتلاع تصرفهم المشابه هذا حين بتعلق الأمر بواقع شعب ومستقبل وأمن وطن بأكمله ؛ وهو يراهم لا يزالون ينتحبون ويذرفون الدمع السخين على فراق الجنوبي ؛ كأنهم رضعـوا معه في ثدي واحد ولعبوا معه في زقاق واحد ، وناموا معه على سرير واحد ، وتغطوا معه تحت لحاف واحد ، وحاربوا معه في شيكان وكرري تحت شعار وراية جهاد وطني واحد.
بعض البلهاء من الشماليين حـزّ في نفسهم القرار الشجاع الذي فصل بموجبه ثلاثة جنوبيين من عضوية المجلس الوطني (البرلمان) .. وجاء في معرض إحتجاج هؤلاء البلهاء أن هؤلاء الجنوبيون الثلاثة الذين هم أعضاء سابقين في حزب المؤتمر الوطني قد ترشحوا وفازوا في دوائر شمالية .... وأنهم لا يزالون شماليين على ضوء عدم وجود قانون وتشريع يحدد ماهية الجنوبي.
فليكن ... ولكن هل يعني فوز جنوبي (قبل الإنفصال) في دائرة شمالية رشحه فيها حزب المؤتمر الوطني الحاكم وبزخم وتمويل ودعم منه تحقيقا لأهداف مرحلية تكتيكية بحتة .. هل يعني أن يمنحه ذلك الحق في تغيير جلده والتحول بقدرة قادر من جنوبي إلى شمالي؟
الإجابة بالطبع لا ... وتعريف الجنوبي لا يحتاج إلى دستور أو قانون . فهو كل من ينتمي إلى أرض وقبائل جنوب السودان التي نعرفها ويعرفها أهلها كما يعرفون أبناءهم أو أشد ، خاصة وأن القبلية في دولة السودان الجنوبي هي عصب الحياة الإجتماعية والسياسية والفكرية وكل ما يخطر أو لا يخطر على البال .

والجنوبي بعد إختياره الإنفصال قد سقطت مواطنته ضمنيا وتلقائيا . وتحول بشكل آلي إلى أجنبي بكل ما تعني هذه الكلمة من معنى . وعاد كالماء لا لون له ولا طعم ولا رائحة في مدارج هذه المواطنة السودانية .. ولم يعد يشفع له للإقامة في الشمال سوى أدبه الجـم وإحترامه العميق لنفسه ولقيم ومثل وعادات وتقاليد وعقيدة الشمال ، ووفق الشروط واللوائح والقوانين التي تنظم دخول وإقامة وعمل الشخص الأجنبي في البلاد ... وليس من المعقول ولا الحكمة أن ننتظر حتى يوليو القادم لتقرير ما إذا كان مواطنا من عدمه . فالتمسك السمج والعض بالنواجذ على المتشابه وترك المحكم إنما هو في الواقع درجة عليا من درجات سلم النفاق الممقوت.
غريب أن يتساءل البعض الآن عن من هو الجنوبي وكيفية تعريفه؟ .... أليس ذلك بلاهة ونزق ، ونفاق فكري وتفسخ إجتماعي وعهرسياسي في آن واحد؟
بعد كل هذه السنوات من الحروب والتمرد والدمار والتدمير المتعمد والقتل والقتل المضاد والمذابح ، والكره والحفد الأعمى والفرز والعنصرية ؛ يأتي شمالي يتساءل عن ماهية الجنوبي ؟ ... أين ولد وعاش ومن أين أتى هذا السوداني المتسائل بالله عليكم؟ .. هل ولد وقضى ثلثي عمره في كوكب المريخ ؛ أم كان يعيش تحت الردم مع قوم ياجوج وماجوج؟
ألا يعرف هذا الشمالي من هو الجنوبي ؟ .... الجنوبي الذي هو في حقيقة الأمر نسيج وحده داخل مساحة وطن الأمس المليون ميل مربع . والذي هو وحده دون غيره الذي يمكنك فرزه وتعريفه وتحديده بالعين المجردة ولو من على بعد 1650 متر وسط الزحام؟
وعلى ذات السياق ؛ ولكن على وقع نحيب بصوت وإيقاع آخر ؛ هناك وسط الحركيين الشماليين من يخاف يوم الحساب عقب الزلزال القادم الذي يتوقعونه بخروج الحركة الشعبية رسميا وفق القانون والدستور من شمال السودان وأعني به يوليو الأغـر (هذا الشهر الذي نراه بعيدا ويراه البعض قريبا) وما يصاحب ذلك من زوال للملاءة والغطاء وتمزق الرحم الجنوبي الذي كان يغذيهم بحبله السري ويقيهم حر السموم والمطاردة الأمنية (المشروعة) في بوادي الشمال ، بوصفهم كانوا ولا يزالون وسيظلون إلى يوم الدين طابورا خامس للحركة الشعبية الحاكمة في جوبا ؛ سواء على عهد نظام الإنقاذ الحالي أو أي نظام سياسي يأتي بعده لاحقا.... فالعداء الجنوبي يظل إستراتيجيا في مواجهة الشمال.

إن على كل واهم لا يزال يتمسك بالقديم الواهي وقناعات اللاممكن واللامستطاع أن يدرك تماما أن مسألة مواطنة الجنوبي لم تعد على طاولة البحث والنقاش والمساومة . وأن الجنوبيين الذين لا يزالون في الشمال قد تحولوا بعد إختيارهم الإنفصال إلى محض أجانب ، تجمعهم رخص الإقامة المؤقتة ويفرقهم ختم الخروج بلا عودة ، عقب أقل شوشرة تصدر عنهم زرافات ووحدانا.
وعليه فإن على من تبقى من فلول وكسور الحركيين الشماليين . سواء الطافين منهم اليوم أوالغاطس الآن تحت الماء ... عليهم أن يدركوا أنه لم يعد بإستطاعتهم الإستمرار في العيش تحت جلباب الجنوبي ... وأن عليهم إحتمال مغبة ما فعلوا من إختيارهم البليد لخندق غريب الوجه واليد واللسان ؛ لا يمت إليهم بصلة سواء من قريب أو من بعيد. .. بل وهاهي فلول الجنوبيين تندثر وتغيب وتتساقط واحدة تلو الأخرى لتخلي الساحة الوطنية لأهلها من ابناء الشمال.

 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

LOADING...

المزيد من الفيديوهات