أضفى " أندريس بيرينغ بيرفيك" مزيدا من الحساسية و الإثارة على النقاش المتعلق بالإرهاب، عندما قتل بطريقته الخاصة حوالي تسعين شخصا في معسكر لشباب حزب العمال في جمعة الموت في جزيرة " أوتويا" بالنرويج، بالإضافة إلى تفجير قنبلة في منطقة الهيئات الحكومية بالعاصمة أوسلو أودت بحياة سبعة أفراد.
الإرهابي النرويجي قال بعد قيامه بالمجزرة معلقا على سلوكه: " إنه وحشي، لكنه ضروري." و مثل هذا الكلام يؤكد أن خطورة الإرهاب لا تتمثل في الأشخاص المنفذين فحسب، بل في القناعات التي تدفعهم إلى قتل الناس بهذه الطريقة. فالغريزة الإنسانية تجعل " فيربيك " نفسه يقر بوحشية ما فعل، لكن معتقداته و أفكاره تجد تبريرا ما لهذا الفعل. و هذا يعني أن الإيمان الشديد بالإيديولوجيا التي ينظر من خلالها إلى الوقائع و يحللها يمنحه شعورا بالرضا، ويجعله يعتقد أنه لا يستحق العقاب على أفعاله لأنه يخدم أهدافا سامية في نظره. هذه الأهداف التي يعمل من أجلها "بيرفيك" تتجلى في دق ناقوس الخطر من التعددية الثقافية التي تعرفها أوربا عموما والنرويج على الخصوص. و قد كان هذا الشاب الثلاثيني معروفا لدى الأوساط المختصة بمعاداته للمهاجرين، و المسلمين منهم بالتحديد. لذلك فإن استهدافه لمناضلين من حزب العمال الحاكم هو شكل من أشكال الإنتقام من هذا الحزب الذي يدافع عن الهجرة و يحمي المهاجرين. حيث أصبحت النرويج في السنوات الأخيرة مثالا رائعا للتعايش و التعددية، و بفضل سياسات الدولة تزايدت أعداد المسلمين هناك بشكل كبير، حيث أصبحوا يتجاوزون نصف مليون نسمة. و هذا ما شأنه أن يقلق " بيرفيك" و معه التيار الراديكالي المتطرف الذي يتنامى بدوره في مختلف الدول الأوربية.
عملية النرويج أثبتت أن الإرهاب لا دين و لا وطن له، و أن العالم مطالب بمحاربة هذا الخطر الذي يهدد الإنسانية في كل مكان. و خلال السنوات الأخيرة كان المسلمون دائما طرفا في العمليات الإرهابية التي عرفتها مجموعة من مناطق العالم. و في كل مرة كانت الدماء تسيل بدون وجه حق. و في كل مرة أيضا كانت بوادر و أسباب التباعد و الكراهية و التعصب تزداد و تتكاثر. و مع تعدد العمليات أصبح الإرهاب عنوانا لازما للمسلمين. لذلك تنامت في البلدان الغربية موجات لإحياء النازية و الولاء للهوية الضيقة على حساب الروح الإنسانية المشتركة. و في أغلب الدول الأوربية كما في الولايات المتحدة الأمريكية أيضا ظهرت قوى سياسية جديدة متطرفة تدعو إلى إعادة النظر في قوانين الهجرة. بل إن بعض الأحزاب السياسية التي تنتمي إلى اليمين المتطرف عرفت إقبالا واسعا خلال السنوات الأخيرة كما هو الشأن في فرنسا و هولندا و النمسا و غيرها. و هكذا طفت إلى السطح كثير من الممارسات و السلوكات العنصرية التي مازالت تتخذ طابعا فرديا منعزلا، لكنها تهدد بما هو أسوأ في المستقبل مع انتشار ثقافة التعصب و الخوف من الآخر.
نحن إذن أمام معادلة صعبة تتعلق ب" الأنا" و " الغير". و بغض النظر عن طبيعة الأفعال و ردود الأفعال التي تنتجها ثقافة الإرهاب، فإن المؤكد هو أن التعصب شر يهدد التعدد الطبيعي للثقافات الإنسانية. و مادام كل طرف يتقوقع في انغلاقه الهوياتي، و يعتبر نفسه على حق، بينما الآخرين مخطئين، فإن آفاق مستقبل آمن و سلمي مازالت غير واضحة تماما. لذلك لابد من محاربة هذه الأنانية التي تلغي كل أشكال التعاطف و التعالق بين الهموم الإنسانية المشتركة. علينا جميعا ( كل الناس في كل مكان) أن نقبل الغير لغة و فكرا و رأيا، وقبل هذا وذاك أن نقبله كموجود، و أن ننظر إليه كأنا آخر مختلف في انتمائه و تفكيره، لكنه يشبهنا في عواطفه و إنسانيته. محمد مغوتي.25/07/2011.
التعليقات (0)