مواضيع اليوم

لعبة تعقب التمويل بين أميركا والقاعدة

ممدوح الشيخ

2009-11-11 15:30:34

0


الميزانية السنوية للقاعدة قبل 11 سبتمبر 30 مليون دولار
لعبة تعقب التمويل بين أميركا والقاعدة

منفذو 11 سبتمبر أعادوا فائض ميزانية الهجمات للقاعدة قبل أيام من الهجمات

بقلم/ ممدوح الشيخ

منذ أحداث 11 سبتمبر أولت أميركا أهمية كبيرة لتمويل التنظيمات الإرهابية كجزء من استراتيجية مكافحة "الإرهاب" حيث من الضروري القضاء على التمويل أو الحد منه. لكن التغيير الذي أدخلته "القاعدة" على نهجها بإدارة الصراع لا مركزيًّا بالاعتماد على جماعات وخلايا محلية فرض تحديات جديدة على هذه الجهود. وبسبب الأهمية الكبيرة لهذه الجهود أصدر معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى دراسة تناولت القضية، وقد ركزت على حاجة الجماعات الإرهابية للتمويل، والتغيير الذي طرأ على تمويلها والجهود الأميركية لمكافحة هذا التمويل. الدراسة حملت عنوان: "تعقب النقود.. إيجاد وتعقب وتجميد أموال الإرهابيين" وأعدها ماثيو ليفيت مدير برنامج شتاين لمكافحة الإرهاب والاستخبارات بالمعهد ومايكل جوكبسون الأستاذ المشارك بالبرنامج ذاته.
أشارت الدراسة، بداية، لأهمية التمويل لهذه الجماعات، فرغم أن القيام بعمل إرهابي فردي أمر غير مكلف نسبيا فإن إقامة بنية تحتية لممارسة الأنشطة الإرهابية أمر مكلف. فالشبكات الإرهابية تحتاج المال للتدريب والتسليح والإنفاق على عملياتها، كما تحتاج المال للتجنيد ورشوة المسئولين الفاسدين. فمثلا، بلغت الميزانية السنوية للقاعدة، قبل 11 سبتمبر 2001، حوالي 30 مليون دولار طبقًا للجنة الحادي عشر من سبتمبر. بل إن أحد فرع التنظيم بالعراق بلغت نفقاته في أربعة شهور من عام 2007 حوالي 175 ألف دولار، ذهب نصفها لشراء أسلحة.
وأولت القاعدة أهمية كبيرة للقضايا المرتبطة بالتمويل حتى قبل 11 سبتمبر فكان لديها لجنة مالية كان يرأسها الشيخ مصطفى أبو اليزيد الذي عرف بحرصه الشديد على أموال القاعدة، حتى إنه اعترض على تمويل رحلة عنصر بالتنظيم من أفغانستان لدولة أخرى للحصول على فيزا لأميركا ضمن التحضير لأحداث 11 سبتمبر ما دفع بن لادن لتجاوز أبي اليزيد واعتماد المبلغ. ويحدث هذا أيضا على المستوى العملياتي، فطبقًا للجنة 11 من سبتمبر، فإن المنفذين أعادوا الأموال التي لم يستخدموها ثانية إلى التنظيم قبل أيام من الهجمات.
ولم يقتصر الحرص على الأموال على تنظيم القاعدة الأم بل انتقل لفروعه المختلفة، فقد وضع فرعه بالعراق ضوابط إدارية للتأكد من أن أموال التنظيم تنفق بعناية وفي المكان المناسب. وكان على منفذي العمليات تقديم استمارات موقعة بتلقي الأموال وتشرح كيف أنفقوها.
تغير في طبيعة التمويل
نتيجة الضغوط التي تعرضت لها الجماعات الإرهابية بعد 11 سبتمبر عملت على تغيير طريق جمع الأموال ونقلها. وتشير الدراسة إلى أنه فهم التغيرات التي طرأت على تمويل الجماعات الإرهابية خلال السبع سنوات الماضية، يتطلب ابتداء فهم طبيعة التطور الذي لحق بالتهديدات التي تمثلها الجماعات الإرهابية ذاتها. فالتهديدات عبر القومية التي تواجه العالم اليوم تختلف كثيرًا عن ما قبل 11 سبتمبر. فقد كانت القاعدة التهديد الرئيس لأميركا، وكانت منظمة هيراركية مركزية، توجه العمليات الإرهابية حول العالم من قاعدتها بأفغانستان. أما الآن فإن التهديد مختلف وربما أكثر تعقيدًا وهو تهديد آخذ في النمو. فالتنظيم الأم استعاد توازنه رغم الضربات التي تلقاها بين 2004 و2007، وما زال يمثل تهديدًا كبيرًا وهناك أسباب عديدة تفسر ذلك، يلخصها دونالد كير نائب مدير الاستخبارات القومية، بالقول: "إن القاعدة استعادت أو أعادت توليد عناصر أساسية من قدراتها، وضمنها قيادتها العليا، ومنفذي عملياتها، والملاذ الآمن في منطقة القبائل الباكستانية لتدريب ونشر العمليات في الغرب". بل إن التنظيم مد سطوته عبر شراكات مع منظمات أخرى في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
وإلى جانب القاعدة هناك جماعات إرهابية محلية ترتبط بصورة غير مباشرة مع القاعدة، وطبقًا للمركز القومي لمكافحة الإرهاب فإن حوالي 300 جماعة إرهابية نفذت هجمات عام 2006 غالبيتها سنية. وطبقًا لوزارة الخارجية تحول التهديد الإرهابي لنوع من التمرد العالمي. كما أشارت بعض الكتابات لوجود نحو 40 منظمة نشأت وأعلنت ولاءها للقاعدة بين يناير 2005 وأبريل 2007. وتقع هذا الجماعات في: سوريا والعراق ولبنان وأفغانستان واليمن وعبر أوروبا وفي أماكن أخرى.
وترجع الدراسة التحول في التهديد الإرهابي إلى الجهود الأميركية والدولية بعد 11 سبتمبر. فتزايد الضغط الدولي أجبر القاعدة على تغيير نهجها العملياتي حيث اقتنعت القاعدة أنها ستكون أكثر فاعلية إذا بدأت في الاعتماد على الجماعات المحلية وبالتالي أصبحت أقل مركزية. واقترن تطور التهديد الإرهابي، بتطور وسائل جمع وحفظ وتحريك الأموال بشكل أعاق جهود الحكومة الأميركية لإيقاف تقدمها. وهناك عدة تطورات شهدها تمويل الجماعات الإرهابية، يتمثل أهمها في العولمة والتغير التكنولوجي التي كان لها تأثير كبير على التمويل الإرهابي. فبسبب العولمة تزايد حجم الأموال المتدفقة عالميا بصورة دراماتيكية. ففي عام 2000 كانت تحويلات العاملين حوالي 113 مليار، وبحلول عام 2006، تضاعف الرقم إلى نحو 225 مليار دولار. ونتيجة للتحول الكبير في استخدام التكنولوجيا في التجارة الدولية حدثت تحولات في طريقة نقل الأموال، كاستخدام تكنولوجيا إم – بايمنت حيث تستخدم الهواتف الجوالة لنقل الأموال إلكترونيًّا، علاوة على زيادة أهمية نقل وتخزين الأموال عبر كيانات إلكترونية. وفي الدول التي لا يوجد فيها قطاع مالي صارم، كدول أفريقية كثيرة يصبح استخدام الهواتف الجوالة أكثر جاذبية لنقل الأموال.
وبصورة عامة كان للإنترنت تأثير كبير على التمويل الإرهابي، حيث وفر وسائل رخيصة وسريعة وذات كفاءة وأكثر أمانًا، وهو ما أوضحه تقرير رسمي أميركية عام 2006 أشار إلى أن "الجماعات الإرهابية من جميع الأنواع ستعتمد على الإنترنت بصورة متزايدة للحصول على الدعم المالي واللوجستي". وأشار أيضًا إلى أن التكنولوجيا والعولمة مكنتا الجماعات الصغيرة، ليس فقط من الاتصال ببعضها بل من توفير الموارد اللازمة للهجمات دون الحاجة لتكوين منظمة إرهابية.
كما كان التحول الأبرز في التمويل الإرهابي مرتبطًا بالتغير الواسع في طبيعة التهديد الإرهابي ذاته، فقد كانت القاعدة تعمل من قاعدتها بأفغانستان. وحتى بعد هجمات سبتمبر استمرت القاعدة في تمويل عملياتها بنفسها، مثل تخصيصها لمبلغ 20 ألف دولار لتفجيرات بالي بإندونيسيا. أما الآن فلا تمول القاعدة عملياتها بهذا الشكل فالخلايا الإرهابية الناشئة تمول نفسها عبر النشاط الإجرامي أو تبرعات الأفراد. وتفجيرات لندن أوضح مثال على ذلك إذ أكدت التحقيقات أن العملية التي بلغت تكلفتها حوالي 8 آلاف يورو تم تمويلها ذاتيًّا دون مصادر تمويل خارجية.
وكشفت الدراسة وجود ارتباط بين الإرهاب والمخدرات وطبقًا لمعلومات الجهات العاملة بمكافحة المخدرات فإن حوالي 19 من أصل 43 منظمة إرهابية مرتبطة بتجارة المخدرات العالمية، وما يزيد على 60% من التنظيمات الإرهابية مرتبطة بتجارة الأفيون. وتُشير تقديرات الأمم المتحدة إلى أن تجارة المخدرات الدولية تولد نحو 322 مليار دولار، ما يجعلها أكثر نشاطٍ غير شرعي مربح في العالم. ولتوضيح الربح المحتمل من المخدرات فإن المنطقة الحدودية بين: الأرجنتين والبرازيل وباراجواي، تجني أرباحًا منها تبلغ مليونًا من مبيعات 40 أو 50 كجم من المخدرات، وهي كمية يمكن نقلها في حقيبة سفر صغيرة.
وطبقًا لهذه المصادر أصبحت المنظمات الإرهابية الأجنبية أكثر انخراطًا في تجارة المخدرات. وبالتالي ظهرت المنظمات "الهجين" التي تجمع بين المخدرات الإرهابية وهي تقسم وقتها بين المجالين.
دوافع المكافحة
وعموما هناك عديد من الدوافع تبرر مكافحة تمويل الجماعات، فالقضاء على وسائل هذه الخلايا لجني ونقل الأموال، أو على الأقل الحد منها، يقلل بشكل كبير قدراتها على شن الهجمات الإرهابية. بالإضافة إلى ذلك فإن إجبار هذه الخلايا على هجر القنوات الشرعية لنقل الأموال، واللجوء للقنوات غير الشرعية من شأنه أن يحدث تأثيرًا تراكميًّا، يتمثل في جعل عملية نقل الأموال أكثر بطئًا، وبالتالي يصبح من الصعب الاعتماد عليها.
لكن مما يجب أخذه في الاعتبار أن مكافحة تمويل "التهديدات عبر القومية" لا يعني القضاء على هذه التهديدات بل لا يهدف لتحقيق ذلك. وبالتالي ينبغي أن تكون جهود مكافحة تمويل الإرهاب جزءا من إستراتيجية أوسع. وتتمثل فوائد مكافحة تمويل الجماعات الإرهابية في: عامل الردع فمكافحة تمويل الجماعات الإرهابية يدفع الجهات المانحة الرئيسة التي تمولهم وغالبًا ما تكون منخرطة بشدة في النشاط المالي والتجاري في جميع أنحاء العالم، إلى التفكير مليًّا قبل تعريض ثرواتها الشخصية وسمعتها للخطر. وخلافًا للمعلومات المستمدة من الجواسيس البشرية أو اعتراض الأقمار الصناعية، والتي تحتاج لفحص لتحديد مدى صحتها، فإن المعلومات الخاصة بمكافحة تمويل الإرهاب يمكن التحقق منها، فانتقال الأموال أمر واقع، ونقل الأموال يترك أثرًا ماليًّا يمكن تتبعه، كما أن ربط الأشخاص بحسابات ومصارف محددة يعتبر أداة وقائية فعالة، كما أنه يقود السلطات للربط بين التنظيمات الإرهابية والخلايا الفردية.
وطبقًا للجماعات الإرهابية ذاتها، فإنه رغم أن تتبع أنشطتها المالية لن يوقف كل نشاطاتها، فإنه يعطل ويدمر بعض هذه الأنشطة. وعلى الأقل فإن تعقب معاملات "الإرهابيين" المالية سيجعل من الصعب عليهم القيام بعمليات كالسفر وشراء المواد وإعالة عائلاتهم والتجنيد. وبالتالي فإن منع وصول الإرهابيين بسهولة للأدوات المالية يجبرهم على استخدام وسائل أخرى للتمويل أكثر تكلفة وأقل كفاءة. وإجبار الإرهابيين على البحث عن بدائل لمعاملاتهم وسيلة فعالة للمكافحة، فإبقاء الممولين في موقف الدفاع يضعهم تحت ضغط ويردع المانحين ويحد من تدفق الأموال.
جهود مكافحة تمويل الإرهاب
ولم تكن مكافحة تمويل الجماعات الإرهابية يحظى بأولوية كبيرة لدى الحكومة الأميركية والمجتمع الدولي قبل 11 سبتمبر، ولم يكن لدى الاستخبارات الأميركية معلومات عن الوضع المالي للقاعدة، كما كان هناك قليل من الموارد المخصصة لجمع المعلومات عن هذا الأمر. ورغم أن مكتب التحقيقات الفيدرالية جمع عددًا لا بأس به من المعلومات عن الممولين المحتملين للجماعات الإرهابية، فإن هذه التحقيقات كانت أولية، كما أنها أسفرت عن بعض الملاحقات القضائية.
وتضرب الدراسة مثالاً على ذلك بمؤسسة "الأرض المقدسة" التي تعمل في ولاية تكساس، والتي اتهمت بعد ذلك بروابطها مع حماس. فقد بدأ المكتب التحقيق في الأمر في بداية التسعينيات، وبحلول سبتمبر 2001 كان قد تمكن من جمع كثيرٍ من المعلومات عنها. لكنه لم يتخذ أي إجراء تجاهها، إلا بعد وقوع الهجمات عندما صنفتها وزارة الخزانة كـ "كيان إرهابي" ولوحقت قضائيا.
وقد كانت أميركا مترددة في استخدام كافة الأدوات التي بحوزتها لمكافحة التمويل الإرهابي، وأحد أهم هذه الأدوات ما يسمى بـ "بند الدعم المادي" في "قانون مكافحة الإرهاب وتنفيذ عقوبة الإعدام"، ويعتبر تقديم الدعم للإرهابيين جريمة جنائية. علاوة أن وزارة الخزانة، المعنية بتحديد وتجميد أصول "الإرهابيين"، لم تكن تلعب دورًا فاعلاً، وذلك بسبب عدم قدرتها على الحصول على المعلومات الاستخباراتية، وأيضًا عدم اهتمام قياداتها.
ورغم هذه السلبيات في جهود مكافحة تمويل الجماعات الإرهابية، فإن الدراسة تشير إلى حدوث بعض الطفرات في هذه الجهود، وبخاصة بعد تفجيرات السفارتين الأمريكيتين في كينيا وتنزانيا عام 1998، حيث صدر قرار مجلس الأمن رقم 1267 يعتبر القاعدة وطالبان منظمتين إرهابيتين. وطالب القرار الدول الأعضاء بتجميد أصول وتقييد سفر أشخاص وكيانات محددة مرتبطة بالقاعدة أو طالبان. ورغم هذا الاهتمام فإن الجهود أصابها بعض الفتور قبل أحداث 11 سبتمبر، حيث وصفت ذلك لجنة 11 من سبتمبر بالقول: "إن التدفق المالي للقاعدة قبيل 11 سبتمبر كان يمضي بثبات وأمان". وأدت الأحداث 11 لتغير دراماتيكي في بيئة مكافحة الإرهاب، وكانت الاستجابة الأميركية على عدة جبهات وكان أهمها تجميد وزارة الخزانة أصول شبكات تمويل ودعم بلغت بنهاية 2007 حوالي 460 شبكة. بل بدأت في تفعيل بند "الدعم المادي" الذي سبقت الإشارة إليه لمقاضاة الكيانات والأفراد لجمعها تمويلاً للمنظمات الإرهابية.
وطرأت تغيرات على جهود مكافحة الإرهاب تمثل أهمها في التغيرات القانونية والهيكلية التي أدخلتها الحكومة الأميركية على منظومة مكافحة تمويل الإرهاب فاستغلت الوزارات والمؤسسات الأمريكية السلطات الممنوحة لها وزادت قدرة وزارة الخزانة على استهداف القاعدة والمنتمين إليها بسبب الأمر التنفيذي رقم 13224 الذي أصدره الرئيس الأميركي في 23 سبتمبر 2001، ويسمح للحكومة الأمريكية بوضع قوائم سوداء وتجميد أصول هؤلاء المرتبطين بالمنظمات الإرهابية الدولية. كما استفادت وزارة العدل من العمل ببند الدعم المادي لاستهداف الإرهابيين المشتبه بهم، وبخاصة مع التغير الملحوظ الذي أدخل على بند الدعم المادي بجعل تلقي تدريب عسكري من منظمة إرهابية محددة جريمة. حيث كان حضور تدريبات في أحد معسكرات القاعدة، في السابق، لا يعتبر فعلاً غير قانوني. كما ساعد قانون "باتريوت" الحكومة الأميركية على مقاضاة هؤلاء المشتبهين بدعم الإرهابيين ماليًّا.
واتخذت أميركا خطوات لتحسين قدراتها على مراقبة الصادرات وهو عنصر هام لمكافحة تمويل النشاط الإرهابي وأسلحة الدمار الشامل. ففي عام 2007 استحدثت وزارة العدل منصب "منسق التحكم في الصادرات القومية" بهدف الكشف عن صادرات السلاح والتكنولوجيا الحساسة غير الشرعية. كما أدخلت تغييرات هيكلية وتنظيمية لتحسين القدرات على مكافحة الإرهاب فأنشأ مكتب التحقيقات الفيدرالية قسمًا خاصًّا بهذه العمليات تحت اسم "قسم عمليات تمويل الإرهاب". وأنشأت وزارة العدل ضمن قسمها لمكافحة الإرهاب قسمًا خاصًّا بقضايا تمويل الإرهاب. وبدأت وزارة الخزانة – وكانت فقدت كثيرًا من صلاحياتها مع إنشاء وزارة الأمن القومي – تستعيد جزءًا كبيرًا من دورها في مكافحة تمويل الإرهاب. فقد أنشأت "مكتب الإرهاب والاستخبارات المالية"، وهو ما ساعد على التغلب على عقبتين كانتا تعترضان الوزارة قبل ذلك وهما عجزها عن النفاذ إلى المعلومات الاستخباراتية، وقلة اهتمام صانعي القرار على المستوى القيادي.
دور جديد لوزارة المالية
وقد بدأت وزارة الخزانة تلعب دورا مركزيا في قضايا الأمن القومي، ليس فقط في محاربة تمويل الإرهاب ولكن أيضًا في مواجهة الدول المارقة كإيران وكوريا الشمالية. ومع الدور المتزايد لوزارة الخزانة، تمكنت أميركا من استغلال كونها المركز المالي الرئيس في العالم لتدعيم أنشطة مكافحة تمويل الإرهاب، حيث إن خسارة امتياز الدخول إلى السوق الأميركية مقابل الاحتفاظ بروابط مالية مع الإرهابيين يعتبر تهديدًا يقام له وزن من قبل معظم البنوك. ومن ثم أصبحت البنوك من شتى أنحاء العالم تراعي القوائم التي تصدرها وزارة الخزانة ليس فقط فيما يتعلق بالإرهاب ولكن أيضًا تجارة المخدرات وغيرها من القضايا.
ولم تكن أميركا الوحيدة في هذا الاتجاه، ففي عام 2007 كشفت الحكومة البريطانية عن استراتيجية لمكافحة تمويل الإرهاب وغسيل الأموال، تحت عنوان "التهديد المالي للجريمة والإرهاب"، ثم تزايدت مسئوليات وزارات مالية أخرى على مستوى العالم فيما يتعلق بقضايا الأمن القومي. فوزراء مجموعة العشرين ومحافظو البنوك المركزية وضعوا خططهم المصممة لمنع وصول الإرهابيين أو استخدامهم للأنظمة المالية وإيقاف إساءة استخدام شبكات المعلومات البنكية.
توصيات
وتقدم الدراسة توصيات أبرزها تفسير طبيعة تهديد تمويل الجماعات الإرهابية، فقد كان هناك فهم غير مدركٍ بدرجة كافية لخطورة هذا التمويل وبخاصة في بلدان الشرق الأوسط وأمريكا اللاتينية. ومن ثم فإن تقوية نظم فعالة لمكافحة تمويل الجماعات الإرهابية يتطلب فهمًا لكيفية جمع هذه الجماعات الأموال وحفظها وتحريكها. وفي هذا الإطار ينبغي وضع تقييمات منتظمة وشاملة تركز تحديدًا على تمويل الإرهاب، وتقاسم المهمة مع البلدان الرئيسة التي تعتبر مساعدتها رئيسة في الجهد العالمي لمكافحة تمويل الإرهاب.
ويؤكد التقرير أهمية وضع مكافحة تمويل الإرهاب على قمة الأولويات فهناك شك كبير لدى الجمهور العادي وحتى بعض حلفاء أميركا حول تأثير هذه الجهود وبالتالي على أميركا الاستمرار في شرح أهميتها، والتأكد من أنها عنصرًا هامًّا في استراتيجية الدول. ويجب تطوير نظم صارمة تتضمن سلطات تجميد الأصول المالية وتتبع الأموال، كما عليها أن توضح لحلفائها مدى فائدة مكافحة تمويل الإرهاب بالنسبة لهم. ومن المهم مراقبة مدى نجاح هذه الدول في تجريم تمويل الإرهاب ومقاضاة مموليه ومراقبة نشاطات الجمعيات الخيرية ومنظمات المجتمع المدني.
وعلى أميركا أن تتبع اقترابات مختلفة في إطار هذه الاستراتيجية، فهناك دول ترغب في تحسين نظم مكافحة تمويل الإرهاب لديها، لكنها تفتقر للقدرات التقنية والمالية وأخرى لا ترغب في ذلك. وبالتالي على أميركا تقديم المساعدة والدعم اللازمين للفئة الأولى والضغط بشدة على الفئة الثانية لتحسين قدرتها، حتى لو بالتشهير بها.
ويشدد التقرير على أهمية التعاون الدولي، فهناك حدود لما يمكن أن تفعله أميركا بمفردها وعليها تعزيز التعاون الدولي عبر الأمم المتحدة، وأيضا عبر الاستمرار في استخدام المنتديات متعددة الأطراف لدفع أجندة مكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب، مثل مجموعة إيجمونت، ومجموعة العمل المعنية بالإجراءات المالية، ومجموعة ولفسبيرج (مجموعة مكونة من 11 بنك عالمي). على بالتوازي إنشاء كيانات إقليمية كمجموعة العمل المعنية بالإجراءات المالية، وبإمكانها أن تستغل كونها عضوًا في بمجموعة العمل المعنية بالإجراءات المالية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا للضغط على الدول الأعضاء لاتخاذ الخطوات اللازمة لإنشاء أنظمة لمكافحة تمويل الإرهاب وغسيل الأموال.
وعلى أميركا تفسير أسباب الإجراءات التي تتخذها في هذا الإطار كتحديد جمعيات معينة كممول للإرهاب وتأكيدها أنها لا تستهدف الكيانات الإسلامية بسبب روابطها الدينية، أو مجموعات الشرق الأوسط بسبب انتماءاتها العرقية. وعليها أيضا التعامل بحرص مع المساعدات الإنسانية التي تقدم في العالم الإسلامي، فعندما تتخذ إجراءً ضد جمعية خيرية متهمة بتمويل الإرهاب عليها في الوقت نفسه توفير بعض المساعدات الشرعية للجمعيات الخيرية الأخرى العاملة في الإطار ذاته.

 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !