لعبة العملة والمشتري الحقيقي للذهب
مصعب المشرّف
14 سيتمبر 2020
كشفت وزيرة المالية المكلفة مؤخراً أن هناك من يشتري الذهب بأعلى من أسعاره في البورصة.
والواقع الذي قد لا تدركه وزيرة المالية المكلفة هو أن الأموال التي يتم شراء هذا الذهب بها بأعلى من سعر البورصة والأسعار العالمية إنما مصدرها من الخارج. وبعضها يأتي عملة سودانية مزيفة أغلبها من مصر.
مدينة "أربيل" عاصمة كردستان العراق هي أهم مصادر تمويل هذه المشتريات من الذهب السوداني بإمتياز إلى جانب دبي.
وقد لايهمنا معرفة ما هي المحطة التالية للذهب السوداني بعد أربيل. وسواء أكانت طهران عبر كردستان فارس أو أنقرة عبر كردستان تركيا ... وربما دمشق عبر كردستان سوريا.
المسألة أبسط مما قد يظنه البعض. فالتجار المحليين السودانيين ليسوا سوى صبية معلمين كبار . فهم لايمتلكون عملات صعبة بأرقام تشجعهم على المخاطرة بها والتداول بها . ورشّها كالماء في سلعة الذهب بهذه الأريحية والشجاعة الأسدية.
وربما كان رجال الأعمال في دبي وأربيل أفضل حالاً بكثير من المصريين وبقية "جيران الهنا" .. فهم على أي حال يرسلون أو يضعون في حسابات "صبيانهم" السودانية الأموال بالدولار والدرهم واليورو .... ولكن الكارثة التي يتسبب بها جيران الهنا أنهم يطبعون عملات سودانية مزيفة من فئة الخمسين وغيرها. ويتم إدخالها إلى البلاد عبر المعابر البرية ومسالك التهريب المتعددة ليشتروا بها الذهب السوداني .. وكل هذا يتم عبر عملاء من أولئك العملاء الذين فضحهم مدير المخابرات المصري بقوله أن لديه عميل في كل 100 متر من الأراضي السودانية.
ضبط العملة السودانية المزورة الواردة من مصر إلى داخل البلاد ليس حديث خرافة أو تجنِّي كما قد بظن البعض من الطيبين. ولكن لا ؛ فقد جاء ذلك موثقاً على لسان صابط شرطة مسئول بعد القبض على بعض المهربين السودانيين وتوثيق إعترافاتهم.
كذلك جاء ذلك على لسان رئيس حزب المؤتمر الشعبي علي الحاج . والذي كشف أيضاً أن المصريين يشترون الذهب السوداني بهذه العملة المزورة . وأن هذا التزوير للعملة السودانية في مصر ممارسة ممتدة منذ سنوات . وأنها كانت مسكوتاً عليها.
أهكذا وإلى هذا الحد بلغ الإستخفاف المصري بالعقلية السودانية ؟ ويستغل في ذلك عملاء سودانيين للنقل ومتواطئون في المنافذ ؛ لايدركون أنهم إنما يمارسون جريمة بطعم ووزن خيانة وطنية ؛ كان يفترض أن تعرضهم للإعدام شنقاً أو رمياً بالرصاص؟
كذلك ومن باب (وشهد شاهد من أهلها) . فقد جاء فيديو ، يتباهى فيه مواطن مصري بوجود مليارات من العملة السودانية داخل مخازن وجاهزة للتهريب .. جاء ذلك دليل ثالث موثق.
الشيء الذي يستدعي التساؤل هو لماذا تسكت السلطات السودانية عن مخاطبة السلطات المصرية رسمياً بهذا الشأن؟ ... وما الذي يمنعها ويسكتها؟ ... ولماذا لا يستخدم السودان حقه في الشكوى إلى الإتحاد الأفريقي والمنظمات الدولية للحد من مواصلة إرتكاب هذه الجريمة ؟ وهل يتوقف تعريف الإرهاب عند تفجير جماعة ملثمة قنبلة في الشارع العام وقتل سياح . ولا يمتد إلى تخريب إقتصاد دول جوار وسرقة ثرواتها بعملات مزورة عن عمد وسابق إصرار وترصد؟
وحبذا لو تم إيداع صور من هذه الشكاوى إلى مضابط الجامعة العربية التي على الرغم من خمالتها فلعلها تثير في البعض الخجل . وتدفع إلى السخرية والقرف من أخلاقيات وحضارة مُدّعاةْ وعروبة مزعومة . وكلمات وشعارات فقدت معناها من قبيل جارة وشقيقة وعلاقة أزلية وأواصر رحم ، ووحدة هدف ومصير ونضال مشترك ... إلخ. من هجائص.
والشيء الآخر وأكثر الذي يثير الشكوك في الأمر ويبقىسؤاليطرحنفسههو: كيفتعبُرهذهالعملةالمزورةبهذهالسهولةالىخزائنالبنوكالسودانية.وعبركاونتراتالايداعوماكيناتالعدوالفرزالالكترونيفي هذه البنوك والصرافات ؛ لولاانهناكتواطؤداخلالسوداننفسه؟..... وهليعقلانتبيعالصرافاتوتجارالسوقالاسودعملةالدولاردونانتلتفتالىفحصالعملةالسودانيةالتييستلموهامقابلالدولار؟....
كلاملا يدخل المخطبعاً . ولابدمنانتكثفوزارةالداخليةرقابتهاعلىالصرافاتوخزائنالبنوك.وتراقبكلمنتظهرعليهمظاهرالثراءالمفاجيءمنالعاملينوالموظفين. وحتماسيتماكتشافوتفكيكمفاصلهذهالمافياداخل السودان . واجهاضهذهالحربالإقليمية الإقتصادية . هذا بالطبع لوكانتهناكارادةوطنيةصادقة؛ وضميريقظوثقوىوايمان.
هناك لقطات من فيديوهات تصور بعض الجهلاء والفاقد التربوي المعقدين نفسياً . وهم ينثرون الأوراق المالية فوق رؤوس المطربات الشعبيات في الساحات وحفلات الطهور والأعراس والخمّارات البلدية . وهؤلاء من تصرفاتهم وأشكالهم وهبلهم وعبطهم ؛ لا يقنعونك بأنهم رجال أعمال أو حتى سماسرة عربات وأراضي وتجار مواشي ، بقدر ما أنهم يعملون في أنشطة جرائم التهريب بأنواعه.
ومن ثم نتوقع أن تبادر وزارة الداخلية وتتتبّع مسارات وتحركات هؤلاء أو يتم إعتقالهم تحفظيا والتحقيق معهم في مصادر أموالهم هذه، التي ينثرونها كقشور التسالي تحت أقدام القونات وضاربي الطبلة والدَرَبُكّة.
وحتى حين . فإن إدارة الإقتصاد السوداني يجب أن تتعدّل . ويتم تبسيطها بعيداً عن تلك النظريات التي يتم تلقينها في كل من كليتي الإقتصاد والتجارة.
الإقتصاد السوداني لا يحتمل هذه النظريات الأكاديمية المعقدة . ذلك أنه إقتصاد بسيط للغاية هـش متخلف في دولة متخلفة بل هي أكثر من متخلفة إذا وضعنا في الإعتبار أنها لا تزال دولة بلا هوية إلى يومنا هذا.
وسبب أننا دولة بلا هوية أننا لم نترك للمختصين في علم الإجتماع والفلسفة ، وغيره من العلوم الإنسانية الفرصة الكافية لتحديد ملامح هوية يتفق عليها معظمنا وتصبح إستراتيجية ؛ يتم الإستهداء بها في التعليم الدراسي والبحثي الأكاديمي وكليات الشرطة والحربية .
لقد كان بالإمكان الإستفادة من معهد بخت الرضا منذ تأسيسه وإلى يومنا هذا لو تركته السياسة في شأنه وليستفيد من تراكماته الطبقة المثقفة القيادية للبلاد جيلا بعد جيل . ولكن جاءت كارثة دولة الكيزان التي إمتدت ثلاثون عام فعاثت فيه تخريبا.
وقد كان من سلبيات أننا بلا هوية أننا تركنا البلاد نهباً للرؤى الشخصية والشللية في أيدي الساسة الحزبية والطائفية تارة . وفي أيدي العسكر تارة أخرى . ثم تطوّر الأمر فأصبح تحالف بين الأحزاب والعسكر ، والطائفية والعسكر .. وحين فشلت (بالطبع) كل هذه الصيغ . ها نحن نعود لذات الأسلوب ومنهج الإحتلال الإنجليزي الذي رسّخ حكمه للبلاد بالتحالف والتعاهد العسكري الأمني القضائي مع الإدارة الأهلية... وهذا ما ينبغي الوقوف في وجهه بكل صلابة الآن.
التعليقات (0)